أميرة محمد علي... أول ألمانية من أصول عربية مسلمة ترأس برلمانيي حزب رئيسي

شابة ملتزمة دخلت «الحلبة» قبل سنوات قليلة

أميرة محمد علي... أول ألمانية من أصول عربية مسلمة ترأس برلمانيي حزب رئيسي
TT

أميرة محمد علي... أول ألمانية من أصول عربية مسلمة ترأس برلمانيي حزب رئيسي

أميرة محمد علي... أول ألمانية من أصول عربية مسلمة ترأس برلمانيي حزب رئيسي

«مرحباً، أنا أميرة محمد علي...».
كان على رئيسة كتلة حزب «دي لينكا» اليساري أن تعرّف نفسها بهذه الطريقة أمام الصحافيين فور انتخابها لترأس كتلة حزبها النيابية. ذلك أنها تعد من النواب غير المعروفين كثيراً، ولا يزيد عدد متابعيها على «تويتر» على الألفين. ثم إنه لم يمضِ أصلاً على وجودها في البوندستاغ (مجلس النواب الألماني) أكثر من سنتين، فهي انتخبت لعضوية البرلمان الفيدرالي عام 2017. وها هي بعد سنتين فقط غدت رئيسة لكتلة هذا الحزب اليساري المعارض.
رغم هذه الخلفية نجحت أميرة، تلك السياسية الشابة البالغة من العمر 39 سنة، بالفوز بثقة حزبها وصارت أول سيدة مسلمة ترأس كتلة نيابية في ألمانيا، وإن بالشراكة مع السياسي المخضرم ديتمار بارش البالغ من العمر 61 سنة. وتخلف أميرة، في منصبها القيادي الجديد، زعيمة الكتلة السابقة سارة فاغنكنيشت، ذات «الكاريزما» الكبيرة والشعبية الواسعة، التي قررت الانسحاب «لأسباب صحية»، كما قالت.
ومع أن حزب اليسار هو ثاني أصغر كتلة نيابية في البوندستاغ، بعدد نواب يبلغ 69 نائباً، فإنه من الأحزاب المعارضة المهمة. فهو إلى جانب حزب «الخضر» (67 نائبا) والحزب الديمقراطي الحر (80) يشكلون كتلة معارضة في مقابل كتلة حزب «البديل لألمانيا» (91 نائبا)، اليميني المتطرف الذي بات أكبر كتلة برلمانية معارضة.
لا تبدو أميرة محمد علي، من حيث الشكل، متحدرة من أصول عربية، فعيناها زرقاوان وبشرتها بيضاء. لكنها ابنة لأب مصري من مدينة بورسعيد، وأم ألمانية من مدينة هامبورغ. وهي مسلمة مع أنه قيل عنها في الماضي إن ديانتها مهمة لها رغم أنها لا ترتاد المساجد.
في الواقع، لم تدخل أميرة محمد علي عالم السياسة إلا خلال السنوات القليلة الماضية، وتحديداً عام 2015. عندما انضمت لحزب «دي لينكا» في مدينة ألدنبرغ بولاية ساكسونيا السفلى (شمال ألمانيا) التي انتقلت إليها من هامبورغ قبل 10 سنوات. ثم إنها طوال حياتها المهنية كانت تعمل محامية لشركة سيارات، بعدما درست الحقوق في جامعتي هامبورغ وهايدلبرغ. وانتقلت من هناك إلى ألدنبرغ حيث وجدت فرصة للتدرب.
في ألدنبرغ التقت أميرة محمد علي في هذه المدينة بزوجها الذي كان ناشطاً سياسيا، ومعه بدأت اهتماماتها السياسية تزيد رغم أنها كانت تطمح لأن تصبح قاضية في يوم ما. وحتى عندما دخلت السياسة، ووصلت إلى البوندستاغ عام 2017. كانت اهتماماتها تتركز على البحث في حماية المستهلك والحيوان، وكانت المتحدثة باسم كتلتها في هذا المجال.

مبتدئة تخلف نجمة
المسيرة القصيرة تلك مع حزب «دي لينكا»، واهتمامات أميرة البعيدة عن السياسة، واسمها غير المعروف خاصة مقارنة بسلفها سارة فاغنكنيشت، جعلت منها خياراً مثيراً للتساؤلات. وقد كتبت صحيفة «فرانكفورتر ألغمانيه تسايتونغ» عنها: «النجمة (أي فاغنكنيشت) خلفتها مبتدئة غير معروفة». وأضافت أن وصول محمد علي لترؤس الكتلة البرلمانية للحزب اليساري هي «الذروة في مسيرة سياسية خاطفة».
واعتبرت الصحيفة بأن نجاح هذه المرأة يعود «بشكل أقل للكاريزما التي تتمتع بها، وبدرجة أكبر لعلاقات القوة التي تربط بين أعضاء هذه الكتلة المنقسمة على بعضها». ووصفت الصحيفة أميرة محمد علي بأنها تنتمي للجناح اليساري في الحزب، وأن مؤيدي الزعيمة السابقة فاغنكنيشت كانوا يفضلونها على منافستها التي خسرت السباق كارن لاي «لأن الأخيرة تتمتع بعلاقة قوية مع زعيمة الحزب كاتيا كيبنغ». وأضافت بأن ديتمار بارتشن، الرئيس المشترك للكتلة، لم يشأ العمل مع كارن لاي لأسباب شخصية، فأقنع أميرة محمد علي بالترشح وهو ما قبلت به. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه تشوب حزب «دي لينكا» خلافات عميقة في السنوات الماضية، بين الجناحين المتطرف الذي تمثله زعيمة الكتلة السابقة، وبين الجناح الوسطي.
من جهة ثانية، ثانية، كتبت صحيفة «سودويتشه تسايتونغ» أن فوز أميرة محمد علي على كارن لاي - التي تتمتع نسبياً بخبرة طويلة – «تسبب بالإزعاج لدى البعض»، مضيفة أن فوزها قد يكون فاجأها هي نفسها. وأضافت «بالطبع أميرة محمد علي تعرف بأنها وصلت إلى القمة ليس بسبب تاريخها بشكل أساسي، بل بسبب الصراع الداخلي في كتلة اليسار». وأشارت الصحيفة إلى أنه «حتى الآن كانت اهتمامات أميرة محمد علي تتركز على حماية المستهلك والحيوان». ولكن الصحيفة أشارت إلى أن الزعيمة الجديدة نأت بنفسها عن الخلافات الداخلية التي قسمت الحزب في السنوات الأخيرة. وكتبت «بالحكم من ظهورها الأول، حيث بدت مسترخية وواثقة، فإن أي شخص يقول إنها ستكون دمية للزعيم المشترك بارتش، قد يكون مخطئا».

أول مسلمة ترأس حزباً
مهما كانت الأسباب التي أدت إلى انتخابها، فإن أميرة محمد علي باتت أول مسلمة ترأس كتلة نيابية في البرلمان الألماني الفيدرالي، وهو ما يحمل أهمية كبيرة في برلمان كتلة اليمين المتطرف هي أكبر كتلة معارضة والكثير من أعضائه يُتهمون بأنهم يحملون أفكارا نازية.
ثم إن وصولها لهذا المنصب، وإن على رأس كتلة يسارية متطرفة، يشير إلى تغيّرات بدأت تشهدها السياسية الألمانية في الآونة الأخيرة. فرغم ارتفاع أعداد الألمان من أصول مهاجرة، فإن تمثيلهم في الأحزاب السياسية، خاصة الوسطية، ما زال ضعيفاً.
وحسب مكتب الإحصاء الاتحادي، فإن ربع سكان ألمانيا اليوم باتوا من أصول مهاجرة، وقد وصلت أعداد هذا العام إلى مستوى قياسي إذ بلغ عددهم ما يقارب الـ21 مليون نسمة، أي ما يعادل 26 في المائة تقريباً من نسبة السكان الإجمالية.
غوكاي أكبولوت، زميلة أميرة في كتلة «دي لينكا» البرلمانية، وهي أيضا مسلمة لأبوين تركيين، قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن كون أميرة سيدة مسلمة «يحمل قيمة رمزية». وأردفت «في النهاية مسؤوليتنا السياسية أن نملأ أدوار الريادة بطريقة تعكس مجتمعنا. وتمثيل الناخبين بمختلف دياناتهم أمر مهم، لأن مجتمعنا المتعدد يظهر في خيارات الناخبين، وما حصل خطوة مهمة جداً».
من جهة أخرى، يرى مصطفى عمار، عضو مجلس الأمناء في حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي (يمين الوسط) الحاكم، الذي يطمح لدخول البوندستاغ بعد الترشح للانتخابات النيابية العام المقبل، أن «هناك تغيرات على الساحة السياسية الألمانية. ومع تصاعد اليمين المتطرف باتت هناك حاجة وضرورة لوجود وجوه جديدة، ليس فقط من الألمان الأصليين، ولكن أيضا من أصول مهاجرة». وأشار عمار إلى انتخاب مدينة هانوفر (بشمال ألمانيا) لأول عمدة مسلم هو بيليت أوناي، من أصول تركية وينتمي لحزب «الخضر». وللعلم، مع أن المهاجرين من أصول تركية ممثلون في حزب «الخضر» بشكل أساسي، ودخلوا البرلمان إلا أن أولئك من أصول عربية قلائل. وفي حال فاز عمار بمقعد نيابي، فسيكون أول ألماني من أصول عربية ووصل البلاد لاجئاً، يدخل البوندستاغ.

بين الديانة واليسار
في الحقيقة، لم تلعب ديانة أميرة محمد علي دوراً يُذكر في اختيارها زعيمة جديدة للكتلة، بحسب ما أكد زملاؤها لـ«الشرق الأوسط». وقالت أكبولوت إن كون أميرة مسلمة أمر «جيد، ولكن الأهم بالنسبة إلينا ككتلة نيابية، هو أن تمثل (أميرة) عمل المجموعة بشكل جيد وتدافع عن مبادئنا اليسارية التي تقودنا». ورأت أكبولوت أن الكتلة اليسارية «بحاجة إلى رئاسة قوية، خاصة، أن المجتمع يجنح نحو اليمين»، مضيفة أن «ثنائية أميرة محمد علي التي كانت حتى الآن عضواً في البرلمان غير معروف، وديتمار بارتش النائب المخضرم، تتمتع باحتمالات نجاح كبيرة وهذا ما نحتاجه الآن».
وأكدت ذلك أيضاً النائب إيلا يلبكه، إذ قالت إن الكتلة انتخبت أميرة محمد علي «لأسباب داخلية»، وإن مسيرتها لم تكن لها علاقة بديانتها. وتابعت بأن محمد علي كما هو واضح «أنها لا تتمتع بخبرة سالفتها سارة فاغنكنيشت ولكن لا أحد يولد لهذا المنصب، وستكبر فيه».

عائلة واهتمامات سياسية
ولكن أن تكون خبرة أميرة محمد علي محدودة في السياسة، فهذا لا يعني أن اهتمامها به جاء متأخرا. فهي ولدت في كنف عائلة سياسية بامتياز، ووالدها كان ينتمي منذ صغرها للحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) المشارك في الحكومة الائتلافية اليوم.
ولكن لم تكن عائلة أميرة غنية، وهو ما أجبرها على العمل من سن صغيرة. وهي تقول إنها حصلت على وظيفتها الأولى وهي لا تزال في سن الـ16 من العمر عندما كانت طالبة في المدرسة لأن «ذلك كان ضروريا لأسباب مادية». وتوضح أنها عملت كبائعة ونادلة في مهرجانات شعبية.
تصف أميرة محمد علي نفسها بأنها «معادية للرأسمالية» وترى بأن هناك حاجة «للمزيد من التوجيه نحو الاهتمامات المشتركة». وتذكر على صفحتها الرسمية أن اهتمامها الأساسي في السياسة يتعلق «بكرامة الإنسان»، التي هي مرتبطة بالنسبة إليها بشكل مباشر «بدولة رفاهية أو خدماتية قوية، مكان عمل جيد وآمن للعمال، تعليم كامل ومجاني للجميع وموقف واضح من العنصرية». وتضيف أن حقوق الحيوانات والمستهلك أساسية بالنسبة إليها كذلك.
وعن السياسة الخارجية تقول إنها تؤمن بمبدأ «سياسة خارجية مسالمة بشكل مستمر»، وهو ما يفسر تصويتها في البرلمان رفضا لتمديد مهمة القوات الألمانية المشاركة في لبنان وكوسوفو ضمن قوات «اليونيفيل» الأممية، أخيراً. أيضاً صوّتت ضد تمديد مهمة القوات الألمانية المشاركة في العمليات ضد «داعش»… مع أن القوات الألمانية لا تلعب أي دور قتالي في أي من الدول المنتشرة بها لأسباب تتعلق بتاريخ ألمانيا، ومعظم مساهماتها هي تدريبية أو حفظ سلام أو تأمين معدات وتنفيذ طلعات جوية.
واللافت هنا، أن حزب «دي لينكا» اليساري المتطرف يلتقي مع حزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف في التصويت على رفض أي دور خارجي للجيش الألماني... حتى وإن ضمن عمليات حفظ سلام.

محاربة العنصرية
تعتبر أميرة محمد علي أن واحدة من أهم مهامها في البرلمان محاربة العنصرية، خاصة تلك الآتية من نواب في حزب «البديل لألمانيا». وبعد انتخابها رئيسة الكتلة النيابية، شاركت على صفحتها على «تويتر» رابطاً لمقال من موقع مجلة «دير شبيغل» حول عزل شتيفان براندنر، النائب «البديل لألمانيا» من رئاسة اللجنة القانونية في البرلمان، وهي المرة الأولى التي يحصل فيها ذلك. وكتبت فوق رابط المقال تقول «أنا فخورة أننا صوّتنا لصالح عزل براندنر من رئاسة لجنة الشؤون القانونية. هذا القرار الصحيح وإن جاء متأخراً! لا مكان للعنصرية واليمين المتطرف!». وكان براندنر أثار جدلاً كبيراً بعدما شارك تعليقا على «تويتر» يهزأ من «السياسيين الذين يستلقون أمام دور عبادة اليهود» بعد الاعتداء على الكنيس في مدينة هاله، في إشارة إلى السياسيين المتضامنين مع اليهود بعد الاعتداء.
وفي الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني)، في ذكرى ضحايا جماعة إرهابية يمينية متطرفة، عندما نفذت عمليات قتل بين العامين 2000 و2006 استهدفت أشخاصا من أصول مهاجرة، كتبت أميرة على «تويتر»: «ثماني سنوات مرت على القبض على أعضاء (الجماعة اليمينية المتطرفة). اعتداء هاله ومقتل لوبكه يظهران كم هو خطير اليمين المتطرف. والأهم كم هم أساسي أن ندافع عن أنفسنا منه». ولوبكه هو سياسي ديمقراطي مسيحي من ولاية هيسه قتل برصاصة في رأسه في حديقة منزله، على يد يميني متطرف، بسبب تعاطفه مع اللاجئين. وقد تسبب مقتله بصدمة في ألمانيا وجرى على إثر الجريمة اتخاذ إجراءات لتشديد العقوبات ضد من يروج لأفكار اليمين المتطرف ومراقبة المتطرفين.
أخيراً، الشعار الذي ترفعه أميرة محمد علي على صفحتها على «فيسبوك» هو «صخب في الغابة» وهو اسم أشهر مباراة ملاكمة في التاريخ حصلت بين البطلين محمد علي كلاي وجورج فورمان، فاز فيها محمد علي بالضربة القاضية. فهل تكون تلك إشارة إلى أسلوب محمد علي في رئاسة كتلتها؟



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».