الاقتصاد الياباني يصارع للإفلات من براثن الانكماش

آمال منعقدة على الأولمبياد والخدمات وسخاء الحكومة

رفعت الحكومة اليابانية ضريبة القيمة المضافة من 8 إلى 10% منذ أول أكتوبر الماضي (أ.ب)
رفعت الحكومة اليابانية ضريبة القيمة المضافة من 8 إلى 10% منذ أول أكتوبر الماضي (أ.ب)
TT
20

الاقتصاد الياباني يصارع للإفلات من براثن الانكماش

رفعت الحكومة اليابانية ضريبة القيمة المضافة من 8 إلى 10% منذ أول أكتوبر الماضي (أ.ب)
رفعت الحكومة اليابانية ضريبة القيمة المضافة من 8 إلى 10% منذ أول أكتوبر الماضي (أ.ب)

بعد نمو بنسبة 0.5 في المائة في الفصل الأول، و0.4 في المائة في الفصل الثاني من عام 2019، سجل الناتج الاقتصادي الياباني نمواً متواضعاً في الربع الثالث نسبته 0.2 في المائة، ويرجح ألا يسجل الربع الرابع من 2019 أداءً أفضل، بل تشير المعطيات الأولية إلى تراجع عن تلك النسبة.
أما الأسباب بنظر الاقتصاديين فهي كثيرة، وأبرزها يأتي من تداعيات الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وتراجع ثقة المستهلكين اليابانيين. ويبدو أن الحكومة المحافظة التي يرأسها شينزو آبي أمام تحدي إطلاق تنفيذ برنامج تحفيزي إضافي ضخم للحؤول دون وقوع اقتصاد البلاد مجدداً في براثن الانكماش.
ويخشى محللون مستقلون من توجه الاقتصاد الياباني بقوة نحو الانكماش وبأسرع مما توقعوا، وذلك رغم الانتعاشة الاستهلاكية النسبية التي سبقت تطبيق المعدل الجديد لضريبة القيمة المضافة.
وقبل أيام قليلة كان محللون «موثوقون» نشروا توقعات عن النمو في الربع الثالث بنسبة 0.8 في المائة على أساس سنوي، فإذا بالأرقام الرسمية التي أعلنت صباح الخميس الماضي تخيب الآمال وتسجل 0.2 في المائة فقط. وإثر ذلك الإعلان، اندلعت توقعات متشائمة للربع الرابع أثارت موجة من التساؤلات عن الأسباب والنتائج.
ولشرح هذا التراجع بعد فصول عدة أكثر حيوية، يركز المحللون على هبوط الصادرات التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد الياباني ونموه؛ إذ بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول) الماضيين تراجعت الصادرات بنسبة 0.7 في المائة، مقارنة بالفصل السابق للفترة المذكورة. فالمصانع اليابانية تعاني من الحرب التجارية الأميركية – الصينية؛ لأن المكونات الصناعية اليابانية عالية القيمة المضافة داخلة في المنتجات والسلع النهائية المتبادلة بين الطرفين، كما المتبادلة بين أوروبا والصين وأوروبا والولايات المتحدة. وبنتيجة تلك الحرب، خفض المصنّعون الصينيون طلب مكونات يابانية يستخدمونها في التجميع النهائي للسلع والتجهيزات، ولا سيما تلك الخاصة بالكهربائيات والإلكترونيات.
أما الطلب الداخلي، فلم يستطع تعويض ذلك النقص المؤثر في النشاط الصناعي العام. فصحيح أن نمو الاستهلاك المحلي سجل 0.4 في المائة في الفصل الثالث، لكن هذه النسبة أتت أقل بكثير مما توقعته الجهات المعنية في الحكومة، وذلك رغم ارتفاع مبيعات الكهربائيات والإلكترونيات المنزلية قبيل ارتفاع نسبة ضريبة القيمة المضافة عليها من 8 إلى 10 في المائة ابتداءً من أول أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن هذه الشهية الشرائية بقيت ضمن نطاق غير ناشط بما فيه الكفاية مقارنة بما كان متوقعاً، أو مقارنة بعام 2014 عندما سجلت المبيعات قفزات استثنائية قبيل زيادة نسبة ضريبة القيمة المضافة أيضاً. كما أن تلك الشهية لم تعوض نقص المبيعات الذي منيت به الأسواق خلال الصيف الماضي الذي تخلله مطر كثيف أثر سلباً في الحركة والمحال التجارية. ويقول محللون آخرون، إن رفع نسبة الضريبة من 8 إلى 10 في المائة ليس كبيراً جداً ليحفز على الشراء الواسع النطاق قبل التطبيق.
بعد كل ذلك، يؤكد المحللون أن الاقتصاد الياباني يقف اليوم في مرحلة أقل ما يقال عنها إنها صعبة؛ لأن لا شيء يوحي حتى الآن بأن الحرب التجارية الصينية ستهدأ وتعود المياه إلى مجاريها السابقة، وبالتالي فإن المصنّعين اليابانيين يعيشون هذا القلق. أما الطلب الداخلي فهو حالياً بوضع بارد نسبياً بعد تطبيق الضريبة الجديدة على المبيعات.
إلى ذلك، يضيف المحللون أن التدفق السياحي الأجنبي، ولا سيما إلى مدن مثل طوكيو وأوساكا وكيوتو، ليس على ما يرام بعدما هبط عدد القادمين من كوريا الجنوبية التي كانت دخلت في نزاع تجاري وسياسي أيضاً مع اليابان منذ ما قبل الصيف الماضي.
ويشير الإحصائيون المتخصصون في التوقعات الاقتصادية إلى أن الربع الأخير من 2019 سيشهد تراجعاً في نمو الناتج، ويسألون عن قدرة ثالث اقتصاد في العالم على تجاوز ذلك لإظهار انتعاشة ما في 2020. ويرجح هؤلاء أن تقدم الحكومة مرة أخرى على إطلاق برامج تحفيزية وتيسيرية مالية ونقدية إضافية، ضخمة ربما، لإخراج الاقتصاد من براثن الانكماش المؤلم.
ويذكر أن طوكيو تلجأ غالباً إلى برامج «سخية»، ولا سيما على صعيد الإنفاق العام، على الرغم من ضخامة الدين العام الذي وصلت نسبته إلى الناتج 250 في المائة (الأعلى في العالم)، وعلى الرغم من تسجيل عجوزات هائلة متكررة في الموازنة العامة. لكن الدين العام الياباني آمن بنظر الحكومة لأنه «ممسوك» من دائنين محليين يقبلون على شراء السندات الحكومية «بلا أي تردد ولا يرف لهم جفن» وفقاً لمحللين ماليين محليين ودوليين، علماً بأن عوائد تلك السندات وأوراق الدين الحكومية تقترب من الصفر.
على صعيد آخر، هناك رهان على انتعاش الاستهلاك والسياحة في سنة 2020 التي ستشهد تنظيم الألعاب الأولمبية الدولية في اليابان.
ويقول اقتصاديون حكوميون، إن اليابانيين يثقون بالسياسات التي يتبعها رئيس الحكومة شينزو آبي لأنها، وفي مدى السنوات الماضية، استطاعت انتشال البلاد من الانكماش الذي ساد خلال 15 سنة. وبفضل تلك السياسات تراجعت البطالة إلى 2.4 في المائة فقط، وارتفعت الأجور. وهناك أيضاً اتجاه لزيادة اعتماد الاقتصاد على الخدمات كي لا تبقى البلاد أسيرة الصناعة فقط، وبذلك تتراجع نسبة الصادرات إلى الناتج إلى 20 في المائة فقط، وهذه النسبة أقل من مثيلتها في ألمانيا وكوريا الجنوبية.
إلا أن نقطة الضعف التي تقلق الاقتصاديين والمصرفيين معاً هي إمعان البنك المركزي في سياسة الفائدة السلبية، والتي تسلبه هوامش مناورة كثيرة وتضع المصارف في أوضاع حرجة أحياناً.



البنك الدولي: أسعار السلع الأساسية تتجه لأدنى مستوياتها خلال عقد العشرينيات

البنك الدولي: أسعار السلع الأساسية تتجه لأدنى مستوياتها خلال عقد العشرينيات
TT
20

البنك الدولي: أسعار السلع الأساسية تتجه لأدنى مستوياتها خلال عقد العشرينيات

البنك الدولي: أسعار السلع الأساسية تتجه لأدنى مستوياتها خلال عقد العشرينيات

توقّع البنك الدولي، يوم الثلاثاء، أن يؤدي تباطؤ النمو العالمي - وهو ناجم جزئياً عن اضطرابات في التجارة - إلى انخفاض أسعار السلع الأساسية بنسبة 12 في المائة في عام 2025، وبنسبة إضافية قدرها 5 في المائة في عام 2026، لتسجّل أدنى مستوياتها بالقيمة الحقيقية خلال عقد العشرينيات.

وبحسب أحدث تقرير للبنك الدولي حول توقعات أسواق السلع الأساسية، فإن أسعار هذه السلع، بعد تعديلها حسب التضخم، ستتراجع إلى متوسط مستوياتها المسجّلة خلال الفترة 2015-2019 على مدار العامين المقبلين، مما يُشير إلى نهاية دورة الارتفاع السعري التي غذّاها التعافي من جائحة كوفيد-19 والحرب الروسية الأوكرانية في عام 2022، وفق «رويترز».

ورغم أن هذا التراجع قد يُخفف من الضغوط التضخمية على المدى القريب - خاصة في ظل الرسوم الجمركية الأميركية المرتفعة وتصاعد الحواجز التجارية - فإن أثره قد يكون سلبياً على الدول النامية المصدّرة للسلع الأساسية.

وقال إندرميت جيل، كبير الخبراء الاقتصاديين في البنك الدولي، في بيان: «لقد شكّل ارتفاع أسعار السلع الأساسية مكسباً لكثير من الاقتصادات النامية؛ إذ إن نحو ثلثي هذه الدول تعتمد على تصدير السلع. لكننا نشهد اليوم تقلبات سعرية غير مسبوقة منذ أكثر من 50 عاماً. هذا المزيج من تراجع الأسعار واشتداد التقلب يُنذر بمخاطر اقتصادية حقيقية».

وأضاف جيل أن على تلك الدول أن تسعى، حيثما أمكن، إلى تحرير التجارة، واستعادة الانضباط المالي، وتهيئة بيئة جاذبة لرأس المال الخاص.

وأشار التقرير إلى أن ارتفاع أسعار الطاقة ساهم في إضافة أكثر من نقطتين مئويتين إلى التضخم العالمي في عام 2022، لكن التراجع اللاحق في الأسعار خلال 2023 و2024 ساعد في احتواء التضخم.

وتوقع التقرير أن تنخفض أسعار الطاقة بنسبة 17 في المائة في عام 2025 لتصل إلى أدنى مستوياتها خلال خمس سنوات، على أن تُسجّل انخفاضاً إضافياً بنسبة 6 في المائة في عام 2026.

ومن المرتقب أن يبلغ متوسط سعر خام برنت نحو 64 دولاراً للبرميل في 2025 - بانخفاض قدره 17 دولاراً مقارنة بعام 2024 - ليتراجع إلى 60 دولاراً فقط في 2026، بفعل وفرة المعروض وتراجع الطلب، ويرجع ذلك جزئياً إلى التوسع السريع في استخدام السيارات الكهربائية في الصين، أكبر سوق للسيارات عالمياً. وقد تم تداول خام برنت عند 64.80 دولار للبرميل، صباح الثلاثاء.

أما أسعار الفحم، فمن المتوقع أن تتراجع بنسبة 27 في المائة في عام 2025 و5 في المائة أخرى في عام 2026، في ظل تباطؤ استهلاك الفحم لتوليد الكهرباء في الاقتصادات الناشئة.

وفيما يخص أسعار المواد الغذائية، أشار البنك إلى أنها ستنخفض بنسبة 7 في المائة في عام 2025، و1 في المائة إضافية في 2026. إلا أن هذا التراجع لن يكون كافياً للتخفيف من وطأة انعدام الأمن الغذائي في بعض الدول الهشّة، خصوصاً مع تقلص المساعدات الإنسانية وتصاعد النزاعات المسلحة التي تؤجج الجوع الحاد.

أما الذهب، فمن المتوقع أن يسجل مستوى قياسياً جديداً في عام 2025، مع توجّه المستثمرين إلى الأصول الآمنة وسط تصاعد حالة عدم اليقين، لكنه سيتراجع بعض الشيء في عام 2026 مع استقرار الأسواق.