باريس تدعو لقيام «حكومة جامعة» توحي بالثقة

حذرت من مقاربة «صقور» واشنطن للأزمة اللبنانية

TT

باريس تدعو لقيام «حكومة جامعة» توحي بالثقة

ما زالت باريس مستمرة في اتصالاتها من أجل توفير «شبكة الأمان» للبنان في الأزمة غير المسبوقة التي يعيشها منذ 25 يوما. وكشفت أوساطها أن اتصالات تجرى مع العديد من الأطراف بما فيها طهران ودول خليجية وأن وزير الخارجية جان إيف لو دريان «يثيرها في مشاوراته» الهاتفية وفي زياراته ولقاءاته مع نظرائه ومنهم من حضروا إلى باريس للمشاركة في «منتدى السلام» الذي اختتم أعماله في العاصمة الفرنسية أول من أمس.
وكشفت المصادر الفرنسية، بخصوص الموقف الأميركي، أن ثمة جناحين يتعارضان داخل الإدارة الأميركية في النظر لتطورات الأحداث في لبنان: الأول، يتماهى مع المقاربة الفرنسية ويعتبر أن المطلوب من السلطات اللبنانية أن تتجاوب مع ما يريده الشارع وتوفير الظروف ليتمكن اللبنانيون من تشكيل حكومة قادرة على مواجهة الأوضاع الاستثنائية خصوصا الاقتصادية. وتعتبر باريس أن المرحلة التي يجتازها لبنان «خطيرة» وأن هذا القول هو نتيجة «قراءة واعية» لتحديات المرحلة الحالية وما قد يستتبعها سياسيا واقتصاديا وماليا. وبالمقابل، ترى باريس أن ثمة تيارا آخر في الإدارة الأميركية هو «تيار الصقور» الذي يرى في الحراك اللبناني «كما العراقي» فرصة لإضعاف «حزب الله» وعبره المواقع الإيرانية وذلك على خلفية النزاع الأميركي ــ الإيراني في المنطقة وسعي واشنطن لكسر شوكة إيران عبر سياسة «الضغوط القصوى» التي تمارسها واشنطن منذ أن أوقفت التزامها بالاتفاق النووي.
وأفادت المصادر الفرنسية أن باريس «نبهت» أن أمرا كهذا من شأنه أن يدفع «حزب الله» إلى رفض التنازل تحت ضغوط الشارع وبالتالي إطالة المأزق. وتحرص باريس على إيصال «رسالة» لـ«حزب الله» «تذكر» أنها على «تواصل معه» وأنه يشكل جزءا من النسيج السياسي والاجتماعي اللبناني. ومضمون الرسالة يركز على حثه على «الفصل» بين المسائل الداخلية اللبنانية وبين النزاعات الإقليمية وتجنب أن يتحول لبنان ساحة لـ«تصفية» مشاكل المنطقة أو لتمرير رسائل عبره. وقالت مصادر أخرى، إن باريس تريد «طمأنة» حزب الله إلى أن غرضها ليس عزله أو استهدافه أو إخراجه من المعادلة السياسية وفق ما يصدر عن بعض مسؤوليه، بل «فقط» حث اللبنانيين على الإسراع في الخروج من الأزمة الدستورية وخطوتها الأولى تشكيل حكومة لتلافي «الفراغ المؤسساتي». وتشدد باريس على أن الركون إلى حكومة تصريف الأعمال «ليس حلا» لأن أمرا كهذا سوف «يفاقم» الأزمة.
أما بالنسبة للملف الداخلي، فإن باريس تشدد عل أمرين: الأول، دعوة اللبنانيين إلى «تنحية صراعاتهم السياسية» الأمر الذي يبدو من باب التمني بالنظر إلى التناقضات العميقة في النظرة إلى الأزمة وإلى وسائل الخروج منها. أما الأمر الثاني فقوامه دعوة اللبنانيين إلى السير نحو «حكومة جامعة توحي بالثقة» وفق توصيف مصادرها بحيث يتوافر لها أوسع دعم سياسي سيكون ضروريا للمرحلة القادمة التي يفترض فيها بالحكومة العتيدة أن تعمد إلى إصلاحات أساسية تستجيب لمطالب الحراك من جهة وتوفر الضمانات المطلوبة للسير في تنفيذ تعهدات مؤتمر «سيدر» التي يعول عليها لبنان اقتصاديا وماليا.
وترى أوساط دبلوماسية في العاصمة الفرنسية أن ما تقوم به باريس «مهم» وربما استدعى جهودا دولية إضافية إذ أن الضغوط والوعود الفرنسية وحدها «لا تكفي» وتستطيع باريس جر الأوروبيين وراءها. لكن باريس تريد أن ترى اللبنانيين يرتقون لمستوى المسؤولية و«إلا كان الجميع خاسرين».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».