جدل في الجزائر بعد الإفراج عن 5 من «حاملي الراية الأمازيغية»

بعد يوم من إدانة 22 بالتهمة نفسها

جزائريون يحيطون بشاب نال حكماً بالبراءة من تهمة مرتبطة برفع الراية الأمازيغية أمام محكمة في العاصمة الجزائرية أمس (أ.ف.ب)
جزائريون يحيطون بشاب نال حكماً بالبراءة من تهمة مرتبطة برفع الراية الأمازيغية أمام محكمة في العاصمة الجزائرية أمس (أ.ف.ب)
TT

جدل في الجزائر بعد الإفراج عن 5 من «حاملي الراية الأمازيغية»

جزائريون يحيطون بشاب نال حكماً بالبراءة من تهمة مرتبطة برفع الراية الأمازيغية أمام محكمة في العاصمة الجزائرية أمس (أ.ف.ب)
جزائريون يحيطون بشاب نال حكماً بالبراءة من تهمة مرتبطة برفع الراية الأمازيغية أمام محكمة في العاصمة الجزائرية أمس (أ.ف.ب)

استعاد خمسة نشطاء بالحراك الشعبي في الجزائر، حرّيتهم مساء أمس على أثر صدور قرار بتبرئتهم من تهمة «المسّ بالوحدة الوطنية» من طرف محكمة بالعاصمة. وتعرف القضية بـ«مساجين الراية الأمازيغية». وكانت التهمة نفسها سبباً في إدانة 22 متظاهراً، أول من أمس، بحكم أصدرته محكمة أخرى في العاصمة، ما أثار استغراب محامين وحقوقيين استنكروا «أحكاماً قضائية بمقاييس مزدوجة».
وأشادت «اللجنة الوطنية للإفراج عن معتقلي الحراك»، في بيان أمس، بـ«شجاعة قضاة محكمة باب الوادي» التي تقع بالضاحية الغربية للعاصمة، على أساس أن تصرّفهم مع نشطاء الحراك المساجين، كان مغايراً مع تعامل زملاء لهم بمحكمة سيدي أمحمد بوسط العاصمة، الذين حكموا قبل 24 ساعة على 22 من «الحراك» بالسجن مع التنفيذ.
وعبّر عشرات الأشخاص، أغلبهم أقارب المفرج عنهم، كانوا موجودين بالمحكمة، عن فرحة كبيرة عندما نطق القاضي ببراءة كمال بلكحل وأكلي عقبي وعلي إيدار وحمزة قارون الذين اعتقلتهم الشرطة الصيف الماضي، خلال مظاهرات الجامعة، وذلك بسبب حمل الراية الأمازيغية التي لا يجرّم القانون صاحبها ولكنها محل سخط شديد من طرف قائد أركان الجيش الجنرال قايد صالح، الذي طالب باعتقال كل شخص يرفعها في المظاهرات التي تدخل غداً الأسبوع الـ33.
وذكر سعيد صالحي، نائب رئيس «الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان»، أن القضاء «أثبت تخبّطاً غير مسبوق في قضايا مساجين الرأي والمعتقلين السياسيين، وبخاصة مسألة معتقلي الراية الأمازيغية، وقد شكّلت محكمة سيدي أمحمد الاستثناء فيها. فهي الوحيدة التي أدانتهم بالسجن، بينما برأت محاكم بشرق البلاد وغربها، عدة متظاهرين، وحتى محكمة بالعاصمة أصدرت اليوم (أمس) حكماً ببراءتهم. ونفهم من هذا أن تفسير القوانين يختلف من قاض لآخر، وإلا ماذا يعني أن نفس التهم ونفس الوقائع تقود إلى السجن، وفي نفس الوقت لا تشكل قاعدة للاتهام؟!».
إلى ذلك، اعتقلت قوات الأمن بعنابة، كبرى مدن شرق البلاد، 20 ناشطاً بالحراك الجاري محلياً، عندما حاولوا منع مظاهرة نظّمها عمال مصنع الحديد والصلب المحلي، دعماً لمسعى الانتخابات الرئاسية المقررة في 12 من الشهر المقبل. وظل الناشطون بمركز الأمن إلى ساعة متأخرة، ولا يعرف إن كان أطلق سراحهم.
وكان قائد الجيش قد هدد، في خطاب منذ أسبوعين، باعتقال أي شخص يسعى ميدانياً للحؤول دون تنظيم الانتخابات التي تقسم الجزائريين بين مؤيد ورافض. وينقل التلفزيون الحكومي في نشراته يومياً مظاهرات في مناطق كثيرة مساندة لخطة السلطة بالخروج من الأزمة السياسية. وقد بدت ضعيفة عددياً قياساً إلى الآلاف الذين يشاركون في حراك الجمعة واحتجاجات طلاب الجامعات يوم الثلاثاء، وهم الذين يرفضون بشدّة الانتخابات. ولاحظ مراقبون أن متصدري المظاهرات المؤيدة للسلطات كانوا حتى وقت قريب قياديين في حملة الترويج لترشح الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة أسقطها الحراك ودفعه إلى الاستقالة مطلع أبريل (نيسان) الماضي.
وفي سياق ذي صلة، طالبت «المنظمة الوطنية للمجاهدين»، في رسالة إلى وزير العدل، بالإفراج عن رجل الثورة الثمانيني لخضر بورقعة، المسجون منذ يوليو (تموز) الماضي بتهمة «إضعاف معنويات الجيش». وجاء في الرسالة التي كشفت عنها «المنظمة»، المقربة من الحكومة: «كما تعلمون، استدعى تدهور الوضع الصحي للمجاهد، نقله من سجن الحراش إلى المستشفى الجامعي مصطفى باشا (العاصمة). وأمام هذا التطور المأسوي للقضية، وبصرف النظر عن المواقف الظرفية من الأحداث الجارية وتداعياتها، فإن ثقة منظمة المجاهدين كبيرة في أن تأخذوا بالحسبان الاعتبارات الإنسانية والصحية التي تخص هذا المجاهـد، بما يسمح بتمكينه من الوجود في أحضان أسرته، وتلقي الرعاية الكافية التي تقتضيها وضعيته». واعتقل بورقعة بسبب تصريحات حادة للإعلام ضد الجيش وقائده.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم