القصير تشهد عودة خجولة للنازحين السوريين تحت رقابة «حزب الله»

تستطلع أوضاع المدينة قرب حدود لبنان

نازحون عائدون إلى القصير في ريف حمص قرب حدود لبنان (الشرق الأوسط)
نازحون عائدون إلى القصير في ريف حمص قرب حدود لبنان (الشرق الأوسط)
TT

القصير تشهد عودة خجولة للنازحين السوريين تحت رقابة «حزب الله»

نازحون عائدون إلى القصير في ريف حمص قرب حدود لبنان (الشرق الأوسط)
نازحون عائدون إلى القصير في ريف حمص قرب حدود لبنان (الشرق الأوسط)

«أريد أن أدفن في القصير، مسقط رأسي»، يقول معلم المدرسة المتقاعد الذي بدا أكبر من عمره بعشرين عاماً، فقد أهلكت جسده الكآبة وأمراض الشيخوخة التي أدركته سريعاً بعد تشرده وعائلته عام 2012 ونزوحه عن بلدته إلى القلمون بريف دمشق.
انضم مع زوجته وواحد من أبنائه إلى قائمة العائدين إلى مدينة القصير - حمص الشهر الماضي، لافتاً إلى أنه وجد غرفة واحدة من بيته لا تزال قائمة. وفور وصولهم إليها نظفوها وأعادوا تأهيلها بما تيسر لهم من شوادر وسواتر بلاستيكية، ومخلفات الدمار من حجارة وبلوك مكسر. وعندما سئل المعلم المتقاعد الذي تجاوز سن الخامسة والستين عن سبب عودته رغم علمه المسبق بأن بيته مدمر، قال: «العيش في خيمة فوق ركام بيت ملك أسهل ألف مرة من النزوح ودفع إيجار السكن. أمضيت سنوات النزوح وأنا أدعو الله ألا أموت خارج القصير».

- الأهمية الاستراتيجية
شهدت مدينة القصير 35 كلم غرب حمص، على بعد 15 كلم من الحدود مع لبنان، أول وأكبر عملية تهجير خلال الحرب في سوريا، إذ لم يتبقَّ عام 2013 سوى عشرات من سكانها المقدر عددهم بنحو 65 ألف نسمة، غالبيتهم العظمى من المسلمين السنة، مع أقليات مسيحية وعلوية وشيعية، لدى دخول المدينة من قبل قوات النظام و«حزب الله» اللبناني، اللذين ما زالا يتقاسمان السيطرة على مدينة القصير وريفها.
وتكتسب منطقة القصير التي يمر فيها نهر العاصي قادماً من الهرمل اللبنانية أهمية استراتيجية لدى «حزب الله»، لوقوعها على طريق حمص - بعلبك الدولية، وربطها منطقة البقاع اللبناني بمحافظة حمص وسط سوريا عبر معبر جوسية، الذي أنشئ عام 1919. كما تعدّ أحد مراكز التبادل التجاري بين محافظة حمص وشمال لبنان، يعزز ذلك قربها من القلمون بريف دمشق، وترتبط بوادي ربيعة الذي يبدأ في جبال القلمون لينتهي عند نهر العاصي.
وفور سيطرته على المنطقة مع قوات النظام، أقام «حزب الله» مراكز كبيرة له على مواقع مهمة على مفاصل الطرق الواصلة بين محافظة حمص ولبنان، إضافة إلى مقرات في الريف الغربي، في حين تنتشر مقرات ومفارز الأجهزة الأمنية التابعة للنظام في مدينة القصير وشرقها. وفي السنة الأخيرة، تراجع عدد المفارز والحواجز على طريق القصير - شنشار التي تصب في الطريق الدولية دمشق - حمص، لتبقى 3 حواجز؛ الأول عند مفرق شنشار وهو الأكبر، والثاني عند قرية الدمينة الشرقية، والثالث على مدخل القصير على طريق الهرمل.
ولم يكن يسمح بدخول المنطقة إلا لسكانها المقيمين، فيها، لكن بعد فتح معبر جوسية بنهاية عام 2017 سمح للمسافرين إلى لبنان بعبور القصير، بعد التحقق من وجهة سفرهم، بحسب قول مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط». وأشارت إلى «إغلاق كل مداخل مدينة القصير ما عدا المدخل الشرقي، باتجاه طريق حمص، وذلك بعد السيطرة الكاملة على منطقة القصير عام 2013، والسماح بعودة الموالين للنظام - معظمهم من الأقليات؛ العلويين والشيعة والمسيحيين». وقالت المصادر إن «هناك 8 آلاف شخص عادوا تدريجياً بين عامي 2013 و2017. في حين منعت عودة المهجرين السنة لغاية يوليو (تموز) الماضي، إذ سمح لهم بعودة مشروطة بموافقة أمنية تعطى بعد التحقق من عدم الاشتباه بنشاط معارض للنظام، وتم ذلك بمبادرة روسية تعهدت بإعادة اللاجئين السوريين». وأضافت المصادر أن «الذين منحوا موافقة أمنية من النازحين إلى مدينة حمص وبلدات حسياء وشنشار وجندر والقلمون بريف دمشق، معظمهم من الموظفين الحكوميين أو من العائلات التي يخدم أحد أبنائها في صفوف قوات النظام».

- دمار وإمكانات
في يوليو الماضي، وصلت إلى قرى الريف الغربي حيث يسيطر «حزب الله» الدفعة الأولى وشملت نحو ألف شخص، يرفعون رايات الحزب بكثافة أخفت الأعلام الرسمية السورية وصور الرئيس بشار الأسد، في مشهد أظهر المسيطر الفعلي على المنطقة، تبعت تلك الدفعة 3 دفعات بداية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، شملت نحو 5 آلاف عائد إلى مدينة القصير، لكن هذه المرة طغت أعلام النظام وصور الرئيس بشار الأسد، ليبلغ عدد العائدين إلى القصير وريفها منذ عام 2013، ولغاية العام الحالي 14 ألف شخص.
وفور عودة الأهالي إلى القصير المدمرة الشهر الماضي، بدأوا إعادة تأهيل بيوتهم بما تيسر لهم من إمكانات شحيحة جداً، بانتظار مساعدات من جهات خيرية وأهلية وحكومية، إذ إن أوضاعهم المادية لا تسمح بإعادة إعمار بيوتهم. كما بدا مجلس المدينة عاجزاً عن القيام بمهماته مقارنة بحجم الدمار الذي حلّ بها، حيث تقدر نسبة الأضرار في البنى التحتية بـ50 في المائة، في حين تصل نسبة الدمار في المنازل ببعض الأحياء إلى 80 في المائة؛ مثل الحيين الشمالي والغربي، حيث كانت تتمركز المعارضة. وتنخفض نسبة الضرر إلى أقل من 5 في المائة في الحي الشرقي الذي لم يخرج عن سيطرة النظام خلال المواجهات مع الفصائل المعارضة. وتتمركز في هذا الحي المقرات الأمنية، ومقرات لـ«حزب الله»، والموالون للنظام من المدنيين، الذين سمح بعودتهم فور سيطرة النظام بشكل كامل على المنطقة عام 2013. ومع عودتهم اقتصرت الحياة في المدينة على هذا الحي، فيما بقيت الأحياء الأخرى مدمرة وميتة تماماً إلى يوليو الماضي، ليبدأ النشاط بعودة تدريجية بطيئة، مع افتتاح العائدين دكاكين تجارية صغيرة تناثرت وسط الدمار، لبيع الخضار والفواكه واللوازم الضرورية وخدمات الهواتف الخلوية.
وصرح رئيس مجلس مدينة القصير الشهر الماضي، بأن المدينة تحتاج إلى كثير من الخدمات الأساسية وأن الـ5 آلاف نازح الذين عادوا إلى المدينة لم «تُغِثهم منظمة الهلال الأحمر السوري بقنينة ماء، حيث نام بعض منهم في منازلهم المهدمة أو في العراء».
مجلس مدينة القصير ومنذ استعادة النظام سيطرته الكاملة على المنطقة أهّل أجزاء من البنية التحتية المتضررة، وعمل على تأمين الخدمات الأساسية بالحد الأدنى لعدم توفر الاعتمادات المالية اللازمة، وقلة المهنيين العاملين في الإعمار والصيانة والطوارئ، لكن شبكة الصرف الصحي التي يجري إعادة تأهيلها بمساعدة من الأمم المتحدة لا تلبي احتياجات العائدين مؤخراً، كما أن الكهرباء لا تزال شحيحة، والإنارة العامة تقتصر على بضعة شوارع رئيسية في مدخل المدينة، إضافة إلى مشكلة المياه التي يصعب تأمينها لكل العائلات العائدة، ناهيك بعجز المخبز الآلي الوحيد عن تغطية احتياجات مدينة القصير وريفها بعد عودة النازحين.
لاجئ من القصير مقيم في لبنان نقل عن شقيقته وعائلتها التي عادت إلى ريف القصير يوليو الماضي: «هناك شكوى من عدم وجود أطباء اختصاصيين في المركز الطبي الوحيد، فعندما تعرضت في يوم عطلة لنزف شديد، كان المركز الصحي مغلقاً، ولم تكن هناك سيارات نقل عام، وكادت تفقد حياتها ريثما تم تأمين سيارة خاصة لنقلها إلى مشفى في مدينة حمص».
يتابع: «قبل الحرب كانت القصير تاريخياً عاصمة الريف الغربي لحمص، يقصدها أهالي القرى المجاورة، بما فيها القرى اللبنانية الحدودية لقضاء حاجاتهم من التسوق إلى العلاج والتعليم، حتى الخبز كانت مدينة القصير تنتج ما يكفي لكل القرى، كانت هناك عدة مشافٍ ومراكز طبية، وعشرات العيادات التخصصية. وكان أهالي القرى اللبنانية على الحدود يأتون إلى القصير للعلاج والتسوق وشراء الخبز والخضار واللحوم وكل ما يحتاجونه، مستفيدين من فرق السعر». كما كان ينشط على جانبي الحدود المهربون ويجلبون من لبنان مختلف أنواع البضائع الأجنبية غير المتوفرة في سوريا كالدخان والأدوات الكهربائية والمنزلية، إلى أسواق القصير لتذهب إلى حمص ومنها إلى مناطق أخرى، ويهربون إلى الهرمل الخبز والخضار والفواكه السورية. وضمن هذه الأجواء نشأت علاقات اجتماعية مصلحية أقوى من أي انتماء سياسي أو وطني. ويشير قاسم (اسم مستعار) إلى أن «حزب الله» لم يكن له حضور يذكر في المنطقة حتى في القرى المجاورة. ويتابع: «لكن مع بداية الألفية الثانية، دخلت مادة المازوت إلى قائمة المواد المهربة من سوريا إلى لبنان عبر القصير، فتحولت المنطقة إلى خزان بشري لقوة شرسة خارجة عن القانون، تتحكم بها سلطة الفاسدين في الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، وازدادت تلك القوة شراسة مع تنامي تهريب المخدرات من لبنان إلى سوريا بعد عام 2005. الأمر الذي فتك بالمجتمع، لا سيما الشباب الطامح إلى الربح السريع، ومع ازدياد التسرب من المدارس وارتفاع نسبة البطالة في ظل تردي الوضع الاقتصادي، ازدهر التهريب في القصير، الذي أدى إلى تفكك الصيغ الاجتماعية والاقتصادية التقليدية، مع تراجع الزراعة التي كانت عصب النشاط الاقتصادي في القصير».

- سيطرة حزب الله
بعد تهجير سكان المنطقة عام 2013، استولى «حزب الله» على منطقة غرب العاصي، وكان قد نجح في تجنيد سكان تلك المناطق ليقاتلوا في صفوفه ضد شركائهم التقليديين من أهالي المنطقة، وذلك في الوقت الذي وضع فيه «حزب الله» يده على كل الطرق الشرعية وغير الشرعية الواصلة بين منطقة القصير والمناطق اللبنانية، لتصبح أحد أهم نوافذ تهريب المخدرات والحشيش من لبنان إلى سوريا ومنها إلى البحر عبر ميناء اللاذقية.
كما استولى الحزب على كثير من المواقع والعقارات داخل المدينة وحولها إلى مقرات لعناصره، وما زال يمنع أهلها من الحصول عليها أو دفع بدل إيجار لأصحابها، كما استفاد «حزب الله» من الأراضي الزراعية غرب العاصي التي تم تهجير أهلها، إذ سمح لسكان القرى باستغلال بعضها في زارعة الحشيش. ليتحول التهريب من أعمال ارتزاق فردية غير شرعية إلى عمل عصابات منظم مرتبط بشبكات إقليمية. وأفرز هذا التغير ظهور أمراء حرب في القصير على مستوى المنطقة، شكلوا طبقة صغيرة من الأثرياء الجدد بالمعايير الريفية، تتزعم طبقة واسعة من الفقراء المعدمين، المتحدرين من الطبقة الوسطى التي أفقرتها الحرب.
وأشارت مصادر إلى «أن القصير قبل الحرب لم يكن فيها فرز طبقي واضح كغالبية المناطق السورية الزراعية، إذ إن الغالبية من طبقة ميسورة متعلمة، وقلة من الأغنياء، وقلة نادرة من الفقراء المعدمين، فالغالبية العظمى كانوا من ملاك الأراضي الزراعية التي يعتمدون عليها في عيشهم، إذ اشتهروا بزراعة محاصيل متنوعة؛ أهمها المشمش والتفاح والبطاطا والقمح والشعير، التي قضي عليها في غرب العاصي، وضعفت جداً في الأراضي البعلية شرق القصير، التي ما زال أهلها يستثمرون فيها». كل ذلك بالإضافة إلى عوامل أخرى. وقالت مصادر: «مدينة القصير بلدة صغيرة وعدد سكانها محدود ونشاط اقتصادي ضعيف، يعتمدون في قضاء احتياجاتهم اليومية على مدينة حمص والقرى المجاورة، كالدمينة الشرقية والحمراء وربله، والعقربية وغيرها».

- تجدد الأمل
ولفتت المصادر إلى أن «بدء عودة النازحين إلى القصير جدد الأمل في عودة الحياة إلى المدينة الميتة، إذ فتحت أحياء كانت مغلقة، كما استلزمت عودتهم إلى العمل ترحيل الأنقاض، وإعادة تأهيل وإعمار البنى التحتية المدمرة». واستدركت المصادر حديثها عن تجدد الأمل بالقول: «في البداية مع وصول الدفعة الأولى من العائدين إلى ريف القصير في يوليو، كان هناك رفض ضمني لدى الموالين للنظام، لا سيما الذين فقدوا أبناءهم في الحرب، إذ سيطر عليهم شعور بالخذلان، وجرت بعض المضايقات للعائدين إلى قرية البويضة، لكن مع بدء دورة جديدة للحياة تراجع الرفض المعلن، وبدا مقبولاً مع وصول الدفعات التالية إلى مدينة القصير الشهر الماضي، لا سيما أن غالبية العائدين موظفون حكوميون، ما يعني عودة مزيد من المؤسسات والدوائر الحكومية إلى القصير، حيث ستتم قريباً إعادة دائرتي المصالح العقارية والنفوس، التي سبق ونقلت مقراتها إلى مدينة حمص خلال الحرب».
كما ظهر احتياج ملح لتشغيل النقل العام على خط القصير - حمص، حيث جرى مؤخراً تشغيل 7 حافلات صغيرة وميكروباص واحد على هذا الخط لنقل الموظفين وطلاب جامعة البعث في مدينة حمص، لكن هذا العدد من الحافلات لم يحلّ أزمة النقل الناجمة عن عودة النازحين، كما أدت إعادة تشغيل مركز الانطلاق القديم وسط القصير إلى نشوء خلاف بين سكان الحي الشرقي الذي لم يتعرض للتدمير الذي سمح للموالين للنظام بالعودة إليه منذ عام 2013، وبين مجلس المدينة؛ إذ لم يستفِد سكان الحي الشرقي من عودة حافلات النقل العامة، لأنها راحت تنطلق من وسط المدينة، فتصل إلى الحي الشرقي ممتلئة، فيستفيد منها العائدون حديثاً، ما أثار حفيظة سكان الحي الشرقي الذين يعتبرون أن لهم الأولوية في الاستفادة من الخدمات العامة «لأنهم قاتلوا إلى جانب النظام»... قبل ان يتدخل الروس.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.