السودان يواجه تحديات أول موازنة للحكومة الانتقالية

تعتمد على الموارد الحقيقية وليس التوقعات

تواجه حكومة رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك الانتقالية تحديات كبرى خلال وضع موازنة العام الجديد (أ.ف.ب)
تواجه حكومة رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك الانتقالية تحديات كبرى خلال وضع موازنة العام الجديد (أ.ف.ب)
TT

السودان يواجه تحديات أول موازنة للحكومة الانتقالية

تواجه حكومة رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك الانتقالية تحديات كبرى خلال وضع موازنة العام الجديد (أ.ف.ب)
تواجه حكومة رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك الانتقالية تحديات كبرى خلال وضع موازنة العام الجديد (أ.ف.ب)

شرعت الحكومة السودانية في وضع الموازنة العامة للدولة لعام 2020، والمتوقع إجازتها من قِبل مجلسي السيادة والوزراء في شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل، كأول موازنة للسودان بعد سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير الذي أحكم قبضته على البلاد نحو ثلاثين عاماً عقب انتفاضة شعبية أطاحت بحكمه في أبريل (نيسان) من العام الحالي.
القطاعات المتخصصة بمجلس الوزراء، بدأت في وضع مؤشرات الموازنة العامة للدولة وسط تحديات تحيط بها، من واقع حالة التردي الاقتصادي الذي يشهده السودان الذي خلفه النظام السابق.
وأعلنت وزارة المالية، أن مشروع موازنة 2020، يعتمد على موارد حقيقية وليس توقعات، وأن أهم ملامح موجهات مشروع الموازنة، تعتمد على تقليل الإنفاق الحكومي وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وزيادة الصرف على التنمية والتعليم والصحة.
وقال وزير المالية السوداني إبراهيم البدوي، إن السودان يحتاج إلى نحو خمسة مليارات دولار دعماً للميزانية، لمواجهة التحديات الاقتصادية وتدشين مشروع الإصلاح الاقتصادي الذي تنفذه الحكومة الانتقالية في السودان، وأوضح أن البلاد تحتاج إلى تمويل تنموي بقيمة تصل إلى ملياري دولار من المأمول الحصول عليها من صناديق تنموية عربية.
وتمثل العقوبات الأميركية المفروضة على السودان، بوضعه ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب منذ عام 1993، عقبة كؤوداً أمام انطلاق السودان للاستفادة من الدعم والمنح الخارجية، خصوصاً من صندوق النقد والبنك الدوليين لدعم الموازنة.
وخلص اجتماع لمجموعة «أصدقاء السودان» عقد في واشنطن أكتوبر (تشرين الأول) في الماضي، إلى الاتفاق على مقترح لإنشاء صندوق لمساعدة برامج الإصلاحات الاقتصادية لمواجهة التعثر الاقتصادي، وعقد مؤتمر للمانحين مطلع عام 2020 لدعم الاقتصاد السوداني.
وأعلنت الحكومة الانتقالية، أن تقديرات دعم الموازنة العامة، تتراوح ما بين ثلاثة وأربعة مليارات دولار، وسبق أن أعلن رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، أن بلاده في حاجه إلى نحو ثمانية مليارات دولار لتنفيذ برنامج الإنعاش الاقتصادي والإصلاح بالبلاد.
وكانت إيرادات موازنة عام 2019 بلغت نحو 162.8 مليار جنيها، ما يعادل نحو 3.4 مليارات دولار، وبنسبة عجز قدرت بنحو بـ3.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وتعول الحكومة السودانية على دعم المانحين للموازنة الجديدة من خلال اجتماع «أصدقاء السودان» الجديد المقرر عقده بالخرطوم في ديسمبر المقبل.
وكان مؤتمر «أصدقاء السودان» الذي عقد بواشنطن على هامش اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين في أكتوبر، قد أقر بحسب وزير المالية السوداني تمويل 20 مشروعاً بالموازنة الجديدة ومساعدة السودان لتجاوز التحديات الاقتصادية الراهنة التي يواجهها. وقدمت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، دعماً بنحو ثلاثة مليارات دولار للسودان بعد الإطاحة بالبشير.
واستبعد، الخبير الاقتصادي الدكتور خالد التجاني النور، في تعليق لـ«الشرق الأوسط»، أن تلجأ الحكومة إلى الاعتماد على الدعم الخارجي في الموازنة الجديدة؛ لأنه غير مجدٍ لارتباطه بدرجة كبيرة على العلاقات مع الولايات المتحدة، وهي عقبة أمام تطبيع علاقات السودان مع الصناديق والبنوك الدولية بسبب إدراجه في قائمة الإرهاب الأميركية.
واستبعد النور كذلك أن تسهم المشروعات التي وعد المانحون بتمويلها عبر تضمينها في الموازنة الجديدة، لأنها تحتاج إلى وقت لدراستها. ودعا الحكومة إلى الاعتماد على الموارد المحلية، وفقاً لسياسات صحيحة وزيادة الضرائب وتوظيفها بصورة سليمة، وترتيب الأولويات في الموازنة، مشيراً إلى أن الاعتماد على قطاعي الزراعة والثروة الحيوانية، يمكن أن يغطي نسبة كبيرة من الموازنة، مشيراً إلى أن دعم الزراعة والثروة الحيوانية في الميزانيات السابقة لم يتعد نصفاً في المائة، رغم مساهمتها بنحو 60 في المائة من عائدات الصادرات.
وأشار النور إلى أن الحكومة تتبنى أطروحة صندوق النقد الدولي لمعالجة مشكلة الاقتصاد السوداني، وهذا لا يمكن أن يتم دون سند مالي دولي، وإلا سيؤدي إلى اختلالات اجتماعية كبيرة، مطالباً الحكومة بإعادة قراءتها للموقف من تمويل الموازنة والافتراضات التي بنيت عليها الخاصة المتعلقة بالدعم الخارجي.
وتخطط الحكومة السودانية من خلال الموازنة المقترحة في النصف الثاني من عام 2020 إلى إنشاء شبكة دعم اجتماعي تمهيداً لإلغاء الدعم الحكومي للسلع الأساسية. وقدرت إحصائيات حكومية سابقة قيمة دعم الحكومة للمحروقات بجميع مشتقاتها بنحو 2.25 مليار دولار سنوياً، في حين يصل الدعم للقمح إلى 365 مليون دولار سنوياً.
وتواجه الموازنة العامة للدولة المرتقبة تحديات ارتفاع معدلات التضخم الذي بلغ في شهر أكتوبر الماضي 57.70 في المائة، بحسب تقرير الجهاز المركزي للإحصاء. كما تواجه تحدي عدم استقرار سعر صرف الجنيه السوداني والذي يعاني من هبوط مستمر، حيث وصل سعر شراء الدولار لنحو 80 جنيهاً هذا الأسبوع، مقارنة بـ65 جنيهاً في المتوسط نهاية الشهر الماضي. وينتظر الموازنة تحدي ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، ووفقاً لوزارة المالية فإن معدلات البطالة بالبلاد تتراوح بين 45 و50 في المائة من السكان.
ومن أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد السوداني اختلال الميزان التجاري، حيث بلغت الصادرات في موازنة عام 2019 ثلاثة مليارات دولار، مقابل 7 مليارات دولار حجم الواردات.
بجانب عدم الاستفادة من القيمة المضافة للصادرات، خصوصاً قطاع الثروة الحيوانية الذي يساهم بنحو 13 في المائة من إجمالي الصادرات السودانية. وبحسب تقرير رسمي، فإنه حتى يونيو (حزيران) 2019 بلغ صادر الضأن نحو 2.2 مليون رأس، بمبلغ 230 مليون دولار، في حين بلغت صادرات الإبل 97 مليون دولار، وصادرات اللحوم الأخرى 27 مليون دولار.
وقال الأكاديمي المستشار الاقتصادي، الدكتور طه حسين، لـ«الشرق الأوسط»، إن الدولة يمكن أن تجني أكثر من مبلغ 4 إلى 6 مليارات دولار الذي حدده وزير المالية لإنعاش الاقتصاد، إذا اتخذت جملة من السياسات التشجيعية للصادرات ووضعت حوافز لمدخرات المغتربين. وقدر طه، الكتلة النقدية للمغتربين خارج الجهاز المصرفي بنحو 4 إلى 6 مليارات دولار، وأشار إلى أن الكتلة النقدية خارج الجهاز المصرفي بحسب تقرير لبنك السودان تقدر بنحو 354 مليار جنيه، وهذه تأثيرها كبير على الاقتصاد وتحتاج لمعالجة. وأوضح أن الصادر الممول من الجهاز المصرفي لا يتجاوز 7 في المائة، وباقي الصادر تمويل ذاتي.
وقال حسين، إن شركات إنتاج الذهب حال وفرت لها مطلوباتها يمكن أن تغطي حاجة البلاد من السلع الأساسية (وقود وقمح وأدوية) المقدرة بنحو ملياري دولار، بيد أنه في الوقت ذاته استبعد إمكانية القياس على مؤشرات موازنة 2019 لعدم وجود موازنة حقيقة، وهي كانت أقرب إلى «البرامج» وظلت حبيسة الأدراج ولم يكن فيها أي التزام حكومي بالموازنة، حيث كان هناك اقتصاد مدعوم بمبلغ إجمالي 3.5 مليار دولار، هي 3 مليارات من السعودية والإمارات، و200 مليون دولار من الصندوق الكويتي، و300 مليون دولار من صندوق النقد العربي.
واقترح حسين لتحسين الإيرادات مراجعة عقود المشاريع الاستثمارية الأجنبية بالبلاد لتحقيق أكبر فائدة منها للدولة، ووضع سياسات تشجيعية للصادر، وتوسيع المظلة الضريبية لتشمل قطاعات أخرى تحقق دخلاً عالياً، ورفع أجور العاملين بالدولة التي يبلغ حجمها 51 مليون جنيه، ما يعادل مليون دولار، لمقابلة ارتفاع التضخم وزيادة الأسعار.



وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 
TT

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

قبل أكثر من مائة عام، بدأت رحلة السعودية ذات المناخ الصحراوي والجاف مع تحلية المياه بآلة «الكنداسة» على شواطئ جدة (غرب المملكة)، قبل أن تصبح اليوم أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم، وحاصلة على 9 شهادات قياسية من «غينيس».

وسميت «الكنداسة» اشتقاقاً من اسمها اللاتيني (Condenser) والتي تعني المكثف، هذه الآلة كانت تعمل بالفحم الحجري لتكثيف وتقطير مياه البحر لتنتج المياه العذبة.

وفي عام 1926، وبسبب معاناة الحجاج والمعتمرين من قلة المياه العذبة عند وصولهم إلى جدة، إذ كانت بالكاد تكفي السكان، أمر الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود باستيراد آلتين كبيرتين لتقطير مياه البحر لتأمين احتياجهم من الماء.

أما نقطة التحول فكانت في 1974، العام الذي أنشئت فيه المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة في السعودية (الهيئة السعودية للمياه حالياً). وتدير حالياً 33 محطة تحلية، من بينها 8 محطات على ساحل الخليج العربي و25 محطة على ساحل البحر الأحمر.

وتنتج هذه المحطات 5.6 مليون متر مكعب من المياه العذبة يومياً، ما يعادل نحو 70 في المائة من إنتاج المياه المحلاة في المملكة، ما يجعلها أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم.

وقد سجّلت في فبراير (شباط) الماضي المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة تسعة أرقام قياسية سعودية جديدة في موسوعة «غينيس» العالمية، وذلك لإنتاجها ما يزيد على 11.5 مليون متر مكعب يومياً.

استثمارات ضخمة

أصبحت السعودية من كبرى الدول في العالم من حيث حجم الاستثمارات في تحلية المياه، إذ ضخت استثمارات كبيرة في بناء محطات التحلية، بحسب وكيل الرئيس للشراكات الاستراتيجية والمحتوى المحلي في الهيئة السعودية للمياه المهندس محمد آل الشيخ، خلال حديثه في مؤتمر الأطراف (كوب 16) المقام حالياً في الرياض.

وأوضح آل الشيخ أن العاصمة الرياض على سبيل المثال تحصل على المياه المحلاة من بحر الخليج العربي عبر خط أنابيب يمتد لمسافة 500 كيلومتر، وهو نظام نقل مياه متطور لنقل المياه المحلاة، مضيفاً أن هناك استثمارات في البنية التحتية قد تمت على مدار أكثر من أربعة عقود.

ووفقاً لآخر الأرقام المعلنة، فقد رصدت البلاد ميزانية تجاوزت 80 مليار دولار لتنفيذ مئات المشاريع المائية خلال السنوات المقبلة.

تعميم التجربة

ولم تدخر السعودية الخبرات التي جمعتها منذ أن تحولت تحلية المياه من «الكنداسة» إلى أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم.

فقد وقّعت في يوليو (تموز) 2024 اتفاقية مع البنك الدولي تهدف في أحد بنودها إلى تعميم تجربة المملكة الناجحة في قطاع المياه إلى الدول الأقل نمواً.

وتشمل أيضاً نقل المعرفة وتبادل الخبرات في إدارة الموارد المائية وتقليل التكاليف التشغيلية للمرافق.

وتسعى البلاد إلى مساعدة الدول الأخرى في تحسين كفاءة قطاع المياه وتطوير حلول مستدامة، ما يحقق الهدف السادس لهيئة الأمم المتحدة: «المياه النظيفة والنظافة الصحية»، وفق البيان.

تقنيات الطاقة

وفيما يخص التقنيات المتطورة في تحلية المياه، تحدث آل الشيخ عن التوجهات المستقبلية لتحسين تقنيات التحلية، إذ انتقلت المملكة من استخدام تقنيات التحلية الحرارية إلى تقنيات أكثر كفاءة وأقل استهلاكاً للطاقة بنسب تصل في توفير الطاقة لأكثر من 80 في المائة، وتهدف إلى أن تصبح 83 في المائة من مياه البحر المحلاة، وتعتمد على تقنية التناضح العكسي، وهو ما يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق الاستدامة.

وتُستخدم تقنية التناضح العكسي بشكل واسع في تحلية مياه البحر للحصول على مياه صالحة للشرب، وفي معالجة مياه الصرف الصحي، وكذلك في العديد من التطبيقات الصناعية التي تحتاج إلى مياه نقية وخالية من الشوائب.

آل الشيخ متحدثاً للحضور خلال إحدى الجلسات على هامش مؤتمر (كوب 16) بالرياض (الشرق الأوسط)

وأشار آل الشيخ إلى أن المملكة قامت بتنفيذ تجارب مبتكرة، مثل المشروع التجريبي في مدينة حقل (شمال غربي السعودية)، من خلال إنشاء محطة هجينة تعتمد على الطاقة الشمسية والرياح والطاقة التقليدية.

و«قد أثبت المشروع أن هذه التكنولوجيا يمكن أن تساهم في تقليل استهلاك الطاقة في تشغيل محطات التحلية، حيث يمكن للطاقة المتجددة أن تساهم في تشغيل المحطات بنسبة تصل إلى 60 في المائة في بعض الفصول».

انخفاض تكلفة الإنتاج

وفيما يتعلق بتكاليف الإنتاج، أكد آل الشيخ أن تكلفة تحلية المياه قد انخفضت بشكل ملحوظ، إذ كانت تكاليف إنتاج متر مكعب واحد من الماء تتجاوز 4 ريالات (1.06 دولار) في الماضي، بينما الآن لا تتجاوز التكلفة 2.5 ريال (نحو 0.67 دولار)، مع توقعات بتحقيق انخفاض أكبر في المستقبل.

وخلال الجلسة الحوارية على هامش «كوب 16»، قال المدير العالمي لقطاع الممارسات العالمية للمياه بمجموعة البنك الدولي ساروج كومار جاه إن الدول التي تعاني من ندرة المياه يجب أن تسعى إلى إعادة استخدام كل قطرة مياه في البلاد عدة مرات.

وأشار إلى أن سنغافورة تعد نموذجاً في هذا المجال، حيث تعيد استخدام كل قطرة مياه 2.7 مرة. وفيما يتعلق بالسعودية، ذكر أن المملكة تستخدم المياه مرتين تقريباً، مع إمكانية تحسين هذه النسبة بشكل أكبر في المستقبل.

المدير العالمي لقطاع الممارسات العالمية للمياه بمجموعة البنك الدولي ساروج كومار خلال الجلسة الحوارية (الشرق الأوسط)

وفيما يخص تكلفة تحلية المياه، قال إنها انخفضت بنسبة 80 في المائة تقريباً عالمياً، بفضل استخدام الطاقة الشمسية وتطور التقنيات المستخدمة في التحلية، مما يجعل هذه الطريقة أكثر جدوى في البلدان مثل السعودية التي تقل فيها معدلات هطول الأمطار.

ولفت كومار جاه إلى زيارته الأخيرة منطقة أنتوفاغاستا في تشيلي، وهي الأشد جفافاً في العالم، إذ لا تسقط فيها الأمطار على الإطلاق.

ورغم ذلك، تُعد هذه المنطقة من أكثر المناطق الاقتصادية ازدهاراً في العالم، بفضل تبني تقنيات تحلية المياه وإعادة استخدامها، مما يعكس إمكانية بناء المرونة المائية في المناطق الجافة مثل السعودية، بحسب كومار جاه.