مرة أخرى... هل الإبداع رجل أم امرأة؟

لوحة للفنانة السعودية صفية بن زقر
لوحة للفنانة السعودية صفية بن زقر
TT

مرة أخرى... هل الإبداع رجل أم امرأة؟

لوحة للفنانة السعودية صفية بن زقر
لوحة للفنانة السعودية صفية بن زقر

هل هناك فن نسائي وفن ذكوري، أم أن الإبداع واحد بغض النظر عن منتجه؟
إن اختلاف المُنتج للإبداع لا بد له أن يؤثر على نتيجة عمله وإبداعه، حيث يؤثر تكوينه الثقافي، وكذلك مرجعيته الدينية، واللغوية، على إنتاجه النهائي، ولا بد أن تظهر هذه السمات بشكل أو بآخر في عمله الإبداعي أو الفني، فالعمل يتكون نتيجة هذه الخبرات المتنوعة باختلافاتها، كما أن هناك تصنيفات للعمل الفني تحيله للمؤثرات عليه، سواء لغوية أو ثقافية، أو غيرها، كما في الفن الفرنسي، أو الأدب الروسي، والفن القبطي، والفن الإسلامي، وغيرها من تصنيفات طالت نوعاً ما جميع أشكال وأنواع الفنون، حيث تساعد هذه التصنيفات على فرز الفنون، ووضعها في قالب يساعد في تفكيكها وتحليلها ومعرفة التأثيرات عليها، وبالتالي فهمها.
فلِمَ الاعتراض على تصنيف الإبداع تبعاً لنوع مُنتجه؟ إبداع نسائي، أو إبداع فحسب؟
ولمَ كان الإبداع فحسب، يعود للرجل غالباً، فلا يحتاج إلى تعريف بأنه مُنتجه؟
إن الحياة التي تعيشها المرأة مختلفة تماماً وبشكل حتمي عن تلك التي يعيشها الرجل، في ذات المجتمع، حتى لو اشتركا في الدين واللغة والثقافة وغيرها من متغيرات. هذا الاختلاف في طبيعة الحياة والذي حتّمه الاختلاف الجنسي بينهما، لا بد أن يؤثر ويظهر في العمل الإبداعي الذي ينتجه كل منهما، فإبداع المرأة يختلف، ولا يعني الاختلاف هنا التفوق، إنما هو اختلاف وميزة يحتمها نوع الجنس، وطبيعة الحياة التي تحكمه.
فغالباً الإبداع النسوي يتناول تجربة المرأة المنتجة له، سواء التجربة المتفوقة أو الصعوبات التي تواجهها، أو طبيعة حياتها بشكل عام والمواضيع المتعلقة بها، ومن ضمنها هويتها كامرأة في مجتمعها، بما تحمله هذه الهوية من تعقيدات قد لا تواجه الرجل في ذات المجتمع. بينما الإبداع الذكوري لا نجد فيه هذا البحث عن الهوية أو محاولة تعريفها والتعبير عنها، فالهوية الذكورية مُعرَّفة، والمُعرَّف لا يحتاج إلى تعريف؟! إضافة إلى أن ما يعانيه الرجل في مجتمعه قد لا يتعلق بنوعه الجنسي، الذي يمنحه تفوقاً مقارنةً بالمرأة. لذا كثيراً ما ابتعد المبدع الرجل في مواضيعه عن هذه المحاولات التعريفية والباحثة عن معنى لهويته الجنسية كما في إبداع المرأة المنشغل بهويتها وذاتها، حيث انشغل الرجل بالمواضيع الأخرى المؤثرة عليه دينياً وثقافياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً وغيرها.
يتضح ذلك عند مقارنة سريعة وبسيطة لنماذج من الإنتاج الإبداعي للرجل والمرأة في ثقافة وتاريخ معين، كالفنانة التشكيلية فريدا كاهلو، وقرينها الفنان دييغو ريفييرا، نجد الاختلاف في المواضيع بينهما كمنتج ذكوري ونسائي، فلوحات فريدا كاهلو تناولت صورة المرأة، وصورتها الشخصية تحديداً في غالب لوحاتها، بما تعانيه من عذابات وقلق، بينما تناولت لوحات زوجها الفنان دييغو ريفييرا غالباً المواضيع الاجتماعية المعبرة عن نشاطه وتوجهه الشيوعي. إن الفرق بين الإنتاجين لهذين الزوجين ليس مجرد فرق طبيعي بين فنانين مختلفين، يعبر كل منهما عن فرديته الفنية، بل هو اختلاف يتضح من خلاله تأثير النوع والاختلاف الجنسي على التعبير الفني. لكن مثال فريدا كاهلو ودييغو ريفييرا ليس دليلاً، ولا تعميماً مطلقاً على الاختلاف بين طبيعة التعبير بين الرجل والمرأة، بقدر ما هو نموذج ومثال على هذا الاختلاف. قد نجده في كثير من الثقافات الأخرى، فمحلياً عند مقارنة الإنتاج التشكيلي بين المرأة والرجل، عند رواد الفن السعودي مثلاً، كتجربة الفنانة صفية بن زقر، وتجربة فنانين آخرين مثل محمد السليم وعبد الحليم رضوي، يرحمهما الله، وغيرهم من الرواد، نجد أن المواضيع التي عبّرت عنها الفنانة تناولت حياة المرأة السعودية في بيئتها الخاصة المنفصلة عن بيئة الرجل، كمجالس النساء وأعراسهن، وغيرها، بينما غالباً ما تناول الفنان السعودي الرجل مواضيع أكثر عمومية عن البيئة والتراث والمجتمع، فكانت صورة الرجل تحديداً غائبة في معظم أعماله، ولو ظهر فيها، فهو أقرب إلى توظيفه في تلك الموضوعات. أما صورة المرأة فهي حاضرة في أعمالها، كما لو كانت تقدم هويتها للعالم، وخارج أسوار المجتمع النسائي، حتى لو لم تكن صورة المرأة حاضرة بشكل مباشر في عملها الفني، نجد في المقابل أدواتها الخاصة التي تميزها كامرأة حاضرة في العمل الفني، كاستخدام النسيج والغزل والتطريز المرتبط دائماً بالمرأة في عديد من البيئات الثقافية.
وكذلك في الأدب، نجد مصطلح الأدب النسوي حاضراً، والذي يميز إنتاج المرأة الأدبي بما يحمله من سمات، وموضوعات ترتبط بقضايا وهموم المرأة، بينما لا نجد مصطلحاً مقابله يميز أدب الرجل ويعنى به!
فهل كان مُنتج المرأة الإبداعي المرتكز على هويتها كامرأة، هو ما أظهر تصنيف ومسمى «الإبداع النسائي»، ليجعله متميزاً ومنفصلاً عن الإبداع، وخارجاً عنه؟!
- طالبة دكتوراه سعودية في النقد الفني



«سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد

هدى حمد
هدى حمد
TT

«سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد

هدى حمد
هدى حمد

صدرت حديثاً عن «منشورات تكوين» في الكويت متوالية قصصية بعنوان «سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد. وتأتي هذه المتوالية بعد عدد من الروايات والمجموعات القصصية، منها: «نميمة مالحة» (قصص)، و«ليس بالضبط كما أريد» (قصص)، و«الأشياء ليست في أماكنها» (رواية)، و«الإشارة برتقاليّة الآن» (قصص)، «التي تعدّ السلالم» (رواية)، «سندريلات في مسقط» (رواية)، «أسامينا» (رواية)، و«لا يُذكَرون في مَجاز» (رواية).

في أجواء المجموعة نقرأ:

لم يكن ثمّة ما يُبهجُ قلبي أكثر من الذهاب إلى المصنع المهجور الذي يتوسطُ حلّتنا. هنالك حيث يمكن للخِرق البالية أن تكون حشوة للدُّمى، ولقطع القماش التي خلّفها الخياط «أريان» أن تكون فساتين، وللفتية المُتسخين بالطين أن يكونوا أمراء.

في المصنع المهجور، ينعدمُ إحساسنا بالزمن تماماً، نذوب، إلا أنّ وصول أسرابٍ من عصافير الدوري بشكلٍ متواترٍ لشجر الغاف المحيط بنا، كان علامة جديرة بالانتباه، إذ سرعان ما يعقبُ عودتها صوتُ جدي وهو يرفع آذان المغرب. تلك العصافير الضئيلة، التي يختلطُ لونها بين البني والأبيض والرمادي، تملأ السماء بشقشقاتها الجنائزية، فتعلنُ انتهاء اليوم من دون مفاوضة، أو مساومة، هكذا تتمكن تلك الأجنحة بالغة الرهافة من جلب الظُلمة البائسة دافعة الشمس إلى أفولٍ حزين.

في أيامٍ كثيرة لم أعد أحصيها، تحتدُّ أمّي ويعلو صوتها الغاضب عندما أتأخر: «الغروبُ علامة كافية للعودة إلى البيت»، فأحبسُ نشيجي تحت بطانيتي البنية وأفكر: «ينبغي قتل كلّ عصافير الدوري بدمٍ بارد».

وهدى حمد كاتبة وروائيّة عُمانيّة، وتعمل حالياً رئيسة تحرير مجلة «نزوى» الثقافية.