معرض عن الأحذية شعاره {قل لي ماذا تنتعل أقل لك من أنت}

الجو مطير في الخارج والوحل يتسلل إلى الأرصفة. لكنك ليس من المطلوب أن تخلع نعليك لكي تدخل إلى هذا المعرض الفريد من نوعه في متحف فنون التزيين والديكور في باريس. إنه معرض تاريخي عن ألبسة الأقدام. وهو يبدأ منذ أن خطر ببال الإنسان القديم أن يغلف رجليه بأوراق الشجر وينتهي بأحدث التصاميم التي ترفع المرأة عن الأرض شبراً وتجعلك تنظر إلى حذائها قبل عينيها.
عنوان المعرض «سير ومسيرة». وهو يشتمل على أكثر من 500 حذاء من كل الأنواع والأغراض والعصور: قباقيب من خشب وجزمات عسكرية وأحذية رياضية وأخفاف مطرزة ومداسات من أيام الأجداد. ليس هذا فحسب ما يراه الزائر معروضاً في خزانات زجاجية بل تتوزع على جدران القاعات لوحات وتصاوير وأفلام تدور كلها حول موضوع الحذاء وتطوراته عبر الزمن ووفق اتجاهات الموضة. لماذا يقام المعرض في معرض الفنون التزيينية؟ هل الحذاء زينة أم حاجة؟
بدأ اهتمام مسؤولي المتحف بهذه القطعة من الإكسسوار بعد تأملهم حذاء ارتدته الملكة ماري أنطوانيت ويعود لعام 1792. وكانت له مقاييس محددة: الطول 21 سنتيمتراً والعرض 5 سنتيمترات. وتساءل المسؤولون: «كيف تمكنت ملكة في السابعة والثلاثين من العمر أن تحشر قدميها فيه؟». وهو السؤال الذي قاد إلى فكرة البحث عن أصل ظهور أغطية الأقدام والسبب الذي جعل النساء، بالذات، يتحملن حبس أقدامهن في تلك القوالب. وبعد البحث في الدراسات والكتب القديمة والروايات والمخطوطات وجدوا أن سيدات الطبقة الأرستقراطية في القرن الثامن عشر، ثم نساء الطبقة البرجوازية العليا في التاسع عشر، كن قليلات المشي، وهناك رقابة مفروضة على تحركاتهن، وبالتالي لم يكن متاحاً لهن السير الطويل في الطرقات المفتوحة. من تلك الفكرة بدأ تجميع مفردات هذا المعرض الذي يستمر حتى 23 من فبراير (شباط) من العام المقبل. إنه لا يقدم مجرد فرجة ممتعة، بل يعرض تاريخاً لصناعة يدوية تتطلب الكثير من المهارة والابتكار، حتى بعد انتقالها إلى المكننة. كما يتابع الموضة في تغيراتها الاجتماعية والاقتصادية وما طرأ على عادات البشر في المشي أو الجري أو التنزه أو تسلق الجبال أو خوض غمار الحروب. هناك الأحذية البسيطة التي ارتدتها شعوب العالم وهناك إلى جنبها أحذية تثير الدهشة بفخامتها وجلودها وطرازاتها وتطريزاتها والمجوهرات التي ترصعها. إن بعضها يرفع القدمين على منصة تزيد من طول قامة مرتديها أو مرتديتها. ومنها ذلك النموذج النسائي الفريد ذو الكعب بالغ الارتفاع والذي يحمل اسم «الباليرينا القصوى». إنه يحمل توقيع المصمم الفرنسي كريستيان لوبوتان. حذاء أسود من الجلد اللامع مع أرضية حمراء يجبر من ترتديه على الوقوف بقدمين عموديتين. والسؤال هو: كيف يمكن لصاحبته السير به؟ والجواب: هذه قطعة فنية للعرض وليست للاستعمال. وفي المعرض، أيضاً، «حذاء سندريلا» من تصميم شواروفسكي والمرصع بأحجار الألماس. وكذلك أحذية من الهند والسند والتبت وبلاد فارس واليابان والصين، حين كانت التقاليد تقضي بوضع أقدام البنات في قوالب خشبية كي لا تنمو. فالجمال، في عرفهم، يكمن في القدم الصغيرة.
من الماضي يقفز بنا المعرض إلى الزمن الحاضر. ونرى أحذية صغيرة من القماش أو الصوف أو الجلد الناعم مخصصة لتكون أول ما يرتديه المواليد عندما يبدأون في الحبو وتعلم المشي. وهناك الأحذية الرياضية بالغة الحداثة التي يناسب كل منها رياضة بعينها. ومنها ما يسمح للقدم بالتنفس من خلال منافذ للتهوية، أو ما هو مبطن بحشوات من الإسفنج المريح لامتصاص ثقل الجسم. أما جزمات العسكر فلها خزاناتها الخاصة، وبعضها ما زال يحمل آثار الدماء وغبار المعارك.
لكن القطعة التي يتوقف عندها الزوار طويلاً ويلتقطون معها الصور وكأنهم مع نجم من النجوم، فهي نسخة طبق الأصل من حذاء الفضاء الذي ارتداه الرائد الأميركي نيل أرمسترونغ حين نزل من مركبته وسار على القمر وكان أول كائن بشري من الأرض يخطو على الكوكب الفضي.