مادة مبتكرة تلتقط غاز ثاني أكسيد الكبريت من الهواء الملوث

استخدم فريق بحثي دولي، بنجاح، مواد الأطر المعدنية العضوية البلورية، في تشكيل مادة جديدة، يمكن استخدامها لفصل ثاني أكسيد الكبريت عن الغازات الأخرى، من أجل تحويله لمركبات مفيدة وتقليل النفايات.
ويرجع تاريخ تلك المواد لعام 1999. ويعد عمر ياغي، عالم الكيمياء الأميركي من أصل أردني، من أبرز العلماء الذين نشروا أبحاثاً حولها. وتعتمد تلك المواد على ربط اللبنات العضوية وغير العضوية لتشكيل بنى هيكلية مسامية كالشبكة، ويمكن للمسام في هذه الشباك أن تكون مستقرة بما يكفي لتخزين جزيئات مادة ما، ما يجعلها ذات تطبيقات عديدة، كتخزين الغازات أو استخلاص الملوثات، أو كمواد لتحفيز التفاعلات الكيميائية، أو إيصال الأدوية داخل الجسم.

غاز سام
وفي الدراسة المنشورة بدورية «Nature Materials» في 14 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي 2019، أثبت فريق بحثي من «جامعة مانشستر» البريطانية ومختبر «لورنس بيركلي» الوطني في كاليفورنيا بأميركا، أن المادة الجديدة المحضرة من مواد الأطر المعدنية العضوية البلورية، يمكن أن تساعد في الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكبريت (SO2) في البيئة عن طريق اصطياد جزيئاته بشكل انتقائي. ويمكن بعد ذلك إطلاق الغاز السام الذي تم التقاطه بأمان لتحويله إلى منتجات وعمليات صناعية مفيدة.
ويتسبب نشاط الإنسان في نحو 87 في المائة من انبعاثات ثاني أكسيد الكبريت، التي تنتجها عادة محطات توليد الطاقة والمرافق الصناعية الأخرى والقطارات والسفن والمعدات الثقيلة، ويمكن أن تكون ضارة بصحة الإنسان والبيئة؛ حيث يتسبب هذا المركب في تهييج أغشية العين والجهاز التنفسي، ويمكنه الذوبان في قطرات الماء، ليكوّن المطر الحمضي الذي يؤذي الحياة الفطرية، ويتسبب في تلف المباني.
وقام الباحثون بتعريض المادة التي تم تخليقها لغازات تحاكي العادم، ووجدوا أنها فصلت ثاني أكسيد الكبريت بكفاءة عن خليط الغاز في درجات حرارة مرتفعة، حتى في وجود الماء.
وأظهرت التجارب أن المادة الجديدة أفضل كثيراً في كفاءة الفصل، مقارنة بأنظمة احتجاز ثاني أكسيد الكبريت الحالية، التي يمكن أن تنتج الكثير من النفايات الصلبة والسائلة، وقد تؤدي فقط إلى إزالة ما يصل إلى 95 في المائة من المواد السامة.

مادة مبتكرة
تقول الدكتورة جيما سميث، المؤلفة الرئيسية للبحث، في تقرير نشره موقع «جامعة مانشستر»، إن المادة الجديدة تمكنت من امتصاص ثاني أكسيد الكبريت بمستوى أعلى من أي مادة مسامية معروفة حتى الآن.
وتضيف: «هذا العمل لم يسبق له مثيل، حيث إن المادة الجديدة مستقرة بشكل ملحوظ في التعرض لثاني أكسيد الكبريت، حتى في وجود الماء، كما أن الامتصاص يمكن عكسه تماماً في درجة حرارة الغرفة». وتشير سميث إلى ميزة أخرى للمادة، وهي «إمكانية فصل ثاني أكسيد الكبريت منها، وإعادة استخدامها مرة أخرى في العديد من دورات الفصل».
ويمكن إعادة استخدام ثاني أكسيد الكبريت المفصول في العديد من الصناعات، حيث تخلطه بعض المصانع مع الماء للحصول على حمض «الكبريتوز»، الذي يستخدم مادةً لتبييض الأقمشة، وحفظ الطعام، ويستخدم أيضاً لتحضير «الكبريتيتات» وحمض «الكبريتيك»، ويتحول الغاز إلى سائل تحت الضغط ودرجة حرارة «- 10°م»، وعندها يستخدم كسائل تبريد.
ويرى الدكتور محمد الكردي، المدير المشارك لمركز علوم المواد بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، أن هذا الإنجاز البحثي استفاد من خصائص المرونة التي تتيحها مواد الأطر المعدنية العضوية البلورية.
ويقول الكردي، الذي عمل على هذه المواد في أكثر من تطبيق، لـ«الشرق الأوسط»، عن مزايا هذه المواد أنه بالإمكان «تصميمها حسب الاستخدامات والتطبيقات المختلفة».
وحسب تصميم تلك المواد تختلف تطبيقاتها، فمثلاً يمكن للباحث أن يقرر تصميمها، بحيث تكون هناك فراغات أو فجوات منتظمة الشكل داخلها، لكي تمتص غازاً معيناً، مثل الذي تناولته الدراسة.
ولوجود صعوبة في استخدام هذه المواد بمفردها لصغر حجمها، لذا يجب تحميلها على «بوليمر»، وهو ما فعله هذا الفريق البحثي، كما يؤكد الكردي. وسبق أن قام الكردي وفريقه البحثي بتصميم مواد تم تحميلها على مادة «السيلكا»، واستخدمت في تنقية مياه الصرف الصناعي المحتوية على «أيون الكروم» السداسي حتى في المستويات الضعيفة جداً من المادة.