المياه على كوكب الأرض قد تكون أقدم من الشمس

اكتشافات تسهل البحث عن حياة أخرى في الكون

المياه على كوكب الأرض قد تكون أقدم من الشمس
TT

المياه على كوكب الأرض قد تكون أقدم من الشمس

المياه على كوكب الأرض قد تكون أقدم من الشمس

عندما تأخذ رشفة من زجاجة المياه الخاصة بك، ربما تبتلع للتو جزئيات أقدم من الشمس ذاتها. وهذا الاكتشاف الجديد من شأنه أن يجعلك تفكر مرتين في عجائب الوجود المائي، كما أنه يعزز بالفعل من آمالنا في إيجاد حياة في كواكب أخرى.
في مرحلة ما، تمكنت منظومتنا الشمسية من الوصول إلى المياه - وهو الجزيء الذي أصبح في يوم من الأيام عنصرا أساسيا للحياة على الأرض. ولكن، كيف جاءت المياه إلى كوكبنا؟ يبدو هذا السؤال بسيطا، ولكن العلماء في حيرة حتى الآن.
يكمن اللغز الأكبر في توقيت وصول المياه إلى الأرض: هل جاءت من سحابة الغبار الفضائي ذاتها التي تكونت منها الشمس أيضا، أم أنها تشكلت في وقت لاحق بفضل التفاعلات الكيميائية التي حدثت بعد تكوين الشمس؟
ووفقا لدراسة نُشرت يوم الخميس في دورية العلوم (Science)، فإن ما يعادل 30 – 50 في المائة من المياه الموجودة على كوكبنا أقدم بالفعل من تكوين الشمس.
وحدد الباحثون ذلك باستخدام نموذج محاكاة تتبع الديوتيريوم - الشكل المعدل من الهيدروجين الذي يشكل ما نسميه «الماء الثقيل».
وبناء على نسبة الديوتيريوم (الديوتيريوم أحد النظائر الثلاثة الطبيعية للهيدروجين، وتحتوي نواة ذرته على بروتون واحد ونيوترون واحد، وتسمى هذه الذرة بالهيدروجين الثقيل) إلى الهيدروجين الموجود في الماء على كوكب الأرض، يمكن أن يخمن العلماء العمليات الكيميائية التي تكونت المياه بموجبها.

* نظرية جديدة
* أوضحت إلسيدور كليفز، صاحبة هذه النظرية والمرشحة لنيل درجة الدكتوراه من جامعة ميشيغان، أنه عندما تشكلت الشمس، أخذت معظم كتلة السحابة الفضائية الباردة التي تكونت منها، ولكن ما تبقى كوّن ما يسمى بالقرص الكوكبي الأولي (protoplanetary disk) - وستتكون معظم الكواكب بالطريقة نفسها. بالتأكيد، كانت هناك مياه في جميع الأنحاء عندما تكونت الشمس - ولكن حتى الآن، كان الباحثون يعتقدون أنه ربما أدت ولادة الشمس إلى انهيار موجوداته، مما أجبر القرص الكوكبي على بدء إنتاج المياه في المنظومة الشمسية الجديدة بدءا من الصفر.
وقالت كليفز: «تكمن المسألة فيما إذا كانت هذه العملية العنيفة الحارة لتشكيل النجم أطلقت المواد الكيميائية وحطمت جزئيات الماء الثقيل الذي تكون قبل الغاز الشمسي»، وأضافت: «ولكن، إذا كان الأمر كذلك، فهذا يعني أن الماء تكون داخل هذا القرص الكوكبي».
ووفقا لنموذج المحاكاة الذي وضعته كليفز وزملاؤها، فإن المجموعة الشمسية احتفظت، في الواقع، بالماء الذي تكون لديها قبل تكون الشمس.
وفي هذا السياق، ذكرت كليفز: «المهم هنا هو أننا قمنا بمحاكاة تكون الماء الثقيل كما حدث في القرص، وكان كميته تكاد لا تذكر». بعبارة أخرى، إننا ببساطة لدينا المزيد من الماء الثقيل مقارنة بالكمية التي يمكن أن تنبعث من مصادر تكونت بعد الشمس.
بالتأكيد، إنه اكتشاف يثير الدهشة، ولكن كليفز تعتقد وفريق العمل التابع لها أن هذا الاكتشاف ربما يحتاج إلى بعض التطبيقات الشاملة. وفي هذا الصدد، قالت: «يعد الأمر تخمينيا، ولكن إذا كان تشكيل الشمس نموذجيا - ولم يكن لدينا سبب يدعو للاعتقاد بعدم وجوده – من ثم، فإن حقيقة أن هذا الماء نجا عند تشكيل النجم يعني أنه يمكن أن ينجو في كل مكان».
إذا كان من الممكن أن يوجد الماء في أي قرص كوكبي، فهذا يعني أنه يكون متاحا بوصفه حجر الزاوية عندما تولد كواكب صغيرة - وهذا يعني أننا يمكن أن نأمل إيجاد كواكب أخرى لديها الجزيء نفسه الذي جعل الحياة ممكنة على الأرض.
ومن جهته، قال رالف بودريتز، أستاذ الفضاء بجامعة ماكماستر، الذي لم يشارك في هذه الدراسة: «يعد الأمر مختلفا للغاية عن نموذج المحاكاة، حيث يجري محو كل شيء أثناء تكون النجم، وتبدأ من القرص الكوكبي»، موضحا أن هذه الدراسة تعد بمثابة خطوة «إلزامية» و«ثابتة» للقضاء على الشك حول أصل نشأة المياه في نظامنا الشمسي.
ويعد اكتشاف أصل نشأة المياه أمرا ضروريا لفهم أصل الحياة - وإذا كان هذا البحث الجديد صحيحا، فهذا يعني أن هدية المياه التي وهبتنا الحياة إياها ربما تكون شيئا عاديا لا يثير الدهشة. ووفقا لما ذكره بودريتز: «لو كان معظم المياه تجمع قبل ولادة الشمس هناك.. فهذا ينطوي على قدر أكبر من الشمولية».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»



«إعادة التحريج»... عوائد إيجابية للمجتمعات الأفريقية

دراسة تؤكد زيادة النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار بأفريقيا (رويترز)
دراسة تؤكد زيادة النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار بأفريقيا (رويترز)
TT

«إعادة التحريج»... عوائد إيجابية للمجتمعات الأفريقية

دراسة تؤكد زيادة النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار بأفريقيا (رويترز)
دراسة تؤكد زيادة النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار بأفريقيا (رويترز)

شهدت السنوات الأخيرة تصاعداً ملحوظاً في الاهتمام بمبادرات «إعادة التحريج» بصفتها استراتيجية فعّالة لمواجهة آثار تغيّر المناخ وتحسين سبل معيشة السكان المحليين.

«إعادة التحريج»

تعني «إعادة التحريج»، وفق الأمم المتحدة، استعادة الأراضي التي كانت مغطاة بالغابات من خلال زراعة أشجار جديدة لتعويض الغطاء الحرجي المفقود، بخلاف التشجير الذي يركّز على زراعة أشجار في مناطق لم تكن غابات أصلاً.

وتهدف هذه العملية إلى معالجة تحديات بيئية كبيرة، مثل: التغير المناخي وتآكل التربة، كما تعزّز التنوع البيولوجي، فضلاً عن فوائدها البيئية، مثل تحسين جودة الهواء. وتُسهم «إعادة التحريج» في خلق فرص عمل وتحسين الأمن الغذائي.

ومن أبرز هذه المبادرات «تحدي بون» (Bonn Challenge)، الذي أُطلق عام 2011 بوصفه حملة عالمية، تهدف إلى إعادة تأهيل 350 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة والغابات بحلول عام 2030.

وتشمل هذه المبادرة أساليب متعددة؛ مثل: الزراعة المكثفة لتكوين غابات جديدة لأغراض بيئية أو إنتاجية، والزراعة المختلطة التي تدمج الأشجار مع المحاصيل، أو تربية الحيوانات لزيادة الإنتاجية، بالإضافة إلى التجدد الطبيعي حيث تترك الطبيعة لاستعادة الغابات ذاتياً دون تدخل بشري.

وفي دراسة أُجريت من قِبل فريق بحث دولي من الدنمارك وكندا والولايات المتحدة، تم تحليل تأثير «إعادة التحريج» في تحسين مستويات المعيشة لدى 18 دولة أفريقية، ونُشرت النتائج في عدد 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، من دورية «Communications Earth & Environment».

واعتمدت الدراسة على بيانات أكثر من 200 ألف أسرة بين عامي 2000 و2015. واستخدم الباحثون أساليب إحصائية دقيقة لتحديد العلاقة الإيجابية بين إعادة التحريج وتحسّن مستويات المعيشة.

واستندوا إلى مؤشرات متنوعة لقياس الفقر تشمل التعليم والصحة ومستويات المعيشة؛ حيث أظهرت النتائج أن زراعة الأشجار أسهمت بشكل مباشر في تحسين الدخل وتوفير فرص عمل، بالإضافة إلى آثار اقتصادية غير مباشرة. كما أظهرت أن مناطق زراعة الأشجار كان لها تأثير أكبر من مناطق استعادة الغابات الطبيعية في تخفيف حدة الفقر.

يقول الباحث الرئيس للدراسة في قسم علوم الأرض وإدارة الموارد الطبيعية بجامعة كوبنهاغن، الدكتور باوي دن برابر، إن الدراسة تطرح ثلاث آليات رئيسة قد تُسهم في تقليص الفقر، نتيجة لتوسع مزارع الأشجار أو استعادة الغابات.

وأضاف، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن الآليات تتمثّل في توفير الدخل من خلال بيع منتجات الغابات، مثل: المطاط أو زيت النخيل، ما يسمح للأسرة بزيادة مواردها المادية. كما أن زراعة الأشجار قد تؤدي إلى خلق فرص عمل للسكان المحليين، في حين يمكن أن تُسهم مناطق التجديد البيئي في تحسين الظروف البيئية، ما يفيد الأسر المحلية من خلال النباتات والحيوانات التي يمكن بيعها وتوفير دخل إضافي للسكان.

ووفقاً لنتائج الدراسة، هناك مؤشرات من بعض البلدان؛ مثل: أوغندا، وبنين، أظهرت زيادة في النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار مقارنة بتلك التي لا تحتوي عليها.

تأثيرات الاستدامة

كما أشارت الدراسة إلى أن برامج التشجير في أفريقيا التي تهدف إلى استعادة أكثر من 120 مليون هكتار من الأراضي عبر مبادرات، مثل: «السور الأخضر العظيم»، و«الأجندة الأفريقية لاستعادة النظم البيئية»، تمثّل جهداً كبيراً لمكافحة الفقر وتدهور البيئة.

وتُسهم نتائج الدراسة، وفق برابر، في النقاش المستمر حول استدامة تأثيرات زراعة الأشجار في التنوع البيولوجي والمجتمعات المحلية، من خلال تسليط الضوء على الفوائد المحتملة لهذه المبادرات عندما يتمّ تنفيذها بشكل مدروس ومتوازن. كما أظهرت أن مبادرات زراعة الأشجار، مثل «تحدي بون»، يمكن أن تؤدي إلى نتائج إيجابية للمجتمعات المحلية، سواء من حيث تحسين مستوى المعيشة أو تعزيز التنوع البيولوجي.

وتوصي الدراسة بأهمية مشاركة المجتمعات المحلية في هذه المبادرات بصفتها شرطاً أساسياً لضمان استدامتها ونجاحها، فالتفاعل المباشر للمجتمعات مع المشروعات البيئية يزيد من تقبلها وفاعليتها، مما يعزّز فرص نجاحها على المدى الطويل.