الأزمة الحكومية في لبنان تقترب من الحسم

تتأرجح بين الولادة الطبيعية والمواجهة... والتشكيل ينتظر قرار الحريري

TT

الأزمة الحكومية في لبنان تقترب من الحسم

مع دخول الأزمة الحكومية اللبنانية في مرحلة الحسم، بدءاً من اليوم، تترقّب الأوساط السياسية الموقف النهائي الذي سيتخذه رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري، وما إذا كان على استعداد للعودة على رأس الحكومة الجديدة في حال أبدت الأطراف المعنية بتشكيلها تفهمها للمواصفات والمعايير التي يطرحها، أم أنه سيُخلي الساحة لمرشح آخر، فيما يسعى «التيار الوطني الحر» وبعض حلفائه للبحث عن مرشح بديل من باب الاحتياط والتحسُّب، وإن كان هؤلاء يدركون أن مجرد اللجوء إلى مثل هذا الخيار يمكن أن يُقحم البلد في مواجهة.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر سياسية أن الحريري في اجتماعه، مساء أول من أمس، بالوزير علي حسن خليل، المعاون السياسي لرئيس البرلمان نبيه بري، وحسين خليل، المعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله، لم يتخذ قراره النهائي وترك الباب مفتوحاً للقيام بجولة من المشاورات مع حلفائه، رغم أن موفد «حزب الله» كان ينتظر منه أن يقول الكلمة الفصل في خصوص موقفه من المخارج المطروحة كأساس لتأليف الحكومة ليكون في وسع نصر الله أن يبني موقفه في ضوء قراره النهائي، وذلك في خطابه الذي سيلقيه بعد ظهر اليوم.
وأكدت المصادر السياسية أن الحريري وإن كان يفضّل العودة إلى «السراي الكبيرة» على رأس حكومة تكنوقراط تتشكل من اختصاصيين ويتمثل فيها «الحراك الشعبي» ويُفترض أن تُحدث «صدمة سياسية» تؤدي تدريجياً إلى خفض منسوب الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية، فإنه في المقابل ليس في وارد موافقته على تشكيل حكومة تكنو - سياسية كيف ما كان، وبالتالي لديه شروط ومواصفات تتجاوز توزير وجوه نافرة أو استفزازية إلى شكل الحكومة وتركيبتها.
وبكلام آخر رأت المصادر نفسها أن توزير الوجوه النافرة استبعد كلياً من الحكومة الجديدة بغية تبريد الأجواء من ناحية ومحاكاة «الحراك الشعبي» من ناحية ثانية، وتقول إن رئيس «التيار الوطني» الوزير جبران باسيل بات على علم باستبعاده، لكنه يحاول أن يقبض ثمن إخراجه بالحصول على حصة وازنة في الحكومة العتيدة.
وكشفت أن الحريري ليس في وارد القبول بتركيبة وزارية تجمع بين الاختصاصيين والتكنوقراط يشعر بأنه وحيد فيها في حال أصر رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع على قرارهما بعدم المشاركة، علما بأنه سيكون للأخير موقف نهائي بعد اجتماع «تكتل لبنان القوي» مساء اليوم، إضافة إلى أنه سيردّ على موقف نصر الله من الحكومة الجديدة.
وقالت المصادر السياسية إن الحريري قد لا يرأس حكومة مختلطة لا يشارك فيها «التقدمي» و«القوات» في مقابل وجود ممثلين عن «قوى 8 آذار» و«التيار الوطني» فيها، وإن كانت تراهن على الاتصالات التي تشمل جنبلاط بالدرجة الأولى ويشارك فيها بري في محاولة لإقناعه بأن يتمثل فيها، مع أن هناك من يستبعد عودته عن قراره.
ولم تؤكد المصادر نفسها ما إذا كانت الاتصالات، مباشرة أو غير مباشرة، ستشمل جعجع للغرض نفسه، وإن كانت تسأل عما إذا كان الحريري سيرأس حكومة من دون «القوات» في حال عدول جنبلاط عن عزوفه في المشاركة، وبالتالي الاستعاضة عن غياب «القوات» بتوزير وجوه تتقاطع مع «الحراك الشعبي».
ويبدو من السابق لأوانه استقراء المواقف النهائية قبل انطلاق مروحة الاتصالات وتحديداً مع «التقدمي» الذي يبدو حتى إشعار آخر أنه سائر على طريق «كسر الجرة» مع رئيس الجمهورية ميشال عون و«التيار الوطني» اللذين أحبطا - كما تقول المصادر السياسية - اندفاعة جنبلاط للحوار وإصراره على طي صفحة الخلاف الذي تسببت به الحرب الأهلية ومضيّهما في استهدافه.
كما أن «حزب الله» ومعه الرئيس بري وأيضاً الرئيس عون و«التيار الوطني» يصرون على تشكيل حكومة تكنو - سياسية باعتبار غياب الحزب عنها يعني من وجهة نظره أن هناك من يخطط لاستهدافه استجابة لموقف الولايات المتحدة الممعنة في فرض العقوبات عليه.
لذلك يأتي إصرار «حزب الله» على تكريس حضوره في الحكومة الجديدة انطلاقاً من أنه الأقوى على الساحة اللبنانية، وأن تغييبه يعني الإخلال بالتوازن الداخلي الذي يميل لمصلحته وإطاحة نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، إضافة إلى أن مجرد تغييبه يعني أن مثل هذه الخطوة هي من نتاج العقوبات الأميركية.
وعليه فإن الحريري الذي لم يحسم موقفه وإن كان يميل للمجيء بحكومة تكنوقراط، فإن أي قرار آخر يحتاج إلى توفير ضمانات داخلية وخارجية وإن كانت الأخيرة تبقى الأهم لطمأنته إلى عدم وجود نية لاستهداف لبنان ومحاصرته في حال توّجت المشاورات الجارية حالياً بإعطاء الأفضلية لتشكيل حكومة مختلطة سيتمثل فيها «حزب الله» بطريقة أو بأخرى.
إن هذه المشاورات يمكن أن تصطدم برد فعل أميركي يدعو للقلق من أن تبادر واشنطن إلى تطويره باتجاه عدم تمييزها بين موقفها من الحكومة والآخر من مشاركة «حزب الله» وإن كانت مصادر نيابية بارزة تعوّل على دخول دول أوروبية ومنها فرنسا على خط التواصل مع الإدارة الأميركية لإقناعها بإعطاء فرصة للبنان حتى لو شارك «حزب الله» في الحكومة العتيدة لمنع اقترابه من الانهيار الاقتصادي والمالي الذي سيؤدي حتماً إلى إغراقه في الفوضى والفلتان بكل أشكاله.
وفي معرض الحديث عن التأزّم الاقتصادي والمالي الذي يرزح تحت وطأته البلد، فإن الاجتماع المالي الذي رعاه الرئيس عون بعد ظهر أول من أمس، لم يحقق أي جديد ولم يبدّل من واقع الحال المأزوم والذي بات يُنذر بتداعيات ليس من السهل السيطرة عليها.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر وزارية ومصرفية أن طلب المجتمعين من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الاستمرار في اتخاذ التدابير اللازمة للمحافظة على سلامة النقد والاستقرار الاقتصادي وسلامة أوضاع النظام المصرفي «لم يأت مقروناً بخطوات عملية وملموسة، وجاءت نتائج الاجتماع على عكس ما كانت تتطلع إليه جمعية المصارف».
وأكدت المصادر نفسها أن الاجتماع انتهى كما بدأ ولم يحمل أي جديد وعزت السبب إلى تعذّر تعديل قانون النقد والتسليف بما يسمح بفرض قيود لفترة استثنائية على التحويلات المالية إلى الخارج، نظراً للظروف المالية التي يمر بها البلد.
وقالت إن القيود على هذه التحويلات تقوم بها المصارف بناء على تعليمات شفوية صادرة عن سلامة وباتت في حاجة إلى تقنينها من خلال تعديل قانون النقد والتسليف، وهذا ما لم يحصل. وكشفت أن وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية في الحكومة المستقيلة سليم جريصاتي أفتى لحاكم مصرف لبنان باتخاذ القرار في هذا الخصوص استناداً إلى المادة 70 في قانون النقد والتسليف من دون تعديله وبغطاء سياسي تؤمنه الدولة.
كما أن الاجتماع لم يأتِ على ذكر أي موقف من الأزمة الحكومية مع أن مشروع البيان الذي حمله معه رئيس جمعية المصارف سليم صفير إلى بعبدا كان يلحظ ضرورة الإسراع بتشكيل الحكومة لما لها من دور في أن يستعيد البلد ثقته التي لا تزال مفقودة. ولفت صفير، كما قالت المصادر، إلى أن النظام المصرفي وحده لا يستطيع أن يستعيد هذه الثقة في ظل ارتفاع منسوب القلق والخوف لدى اللبنانيين وهو في حاجة إلى الدور المرسوم للدولة في هذا المجال، خصوصا أن الجميع يترقّب من سيشكّل الحكومة ومن هم الوزراء.
لكن «المفاجأة» جاءت على لسان جريصاتي الذي خاطب الحضور بقوله، بحسب المصادر: «عليكم أن تقوموا بشغلكم ونحن من جانبنا نقوم بشغلنا». وعليه لم يكن من ضرورة لهذا الاجتماع لأن من حضره «خرج بانطباع يعكس مدى الارتباك السياسي، وإلا لم يكن جريصاتي مضطراً لمخاطبة المجتمعين بهذه اللهجة وكأن القطاع المصرفي ليس معنياً بتأليف الحكومة». ومع سقوط التسوية الرئاسية، يتأرجح لبنان بين مرحلة سياسية جديدة مؤشرها بداية ولادة الحكومة شبه الجامعة، وإقحام البلد في مواجهة من خلال تشكيل حكومة من لون واحد.



مصر وسلطنة عمان تبحثان سلامة الملاحة في البحر الأحمر

نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء بسلطنة عُمان يستقبل وزير الخارجية المصري (الخارجية المصرية)
نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء بسلطنة عُمان يستقبل وزير الخارجية المصري (الخارجية المصرية)
TT

مصر وسلطنة عمان تبحثان سلامة الملاحة في البحر الأحمر

نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء بسلطنة عُمان يستقبل وزير الخارجية المصري (الخارجية المصرية)
نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء بسلطنة عُمان يستقبل وزير الخارجية المصري (الخارجية المصرية)

بحث وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، في سلطنة عمان، الاثنين، ملفَ التوترات الأمنية في البحر الأحمر، مؤكداً أهمية سلامة الملاحة البحرية وحرية التجارة الدولية، وارتباط ذلك بشكل مباشر بأمن الدول المشاطئة للبحر الأحمر.

وحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية المصرية، أشار عبد العاطي إلى «تأثير تصاعد حدة التوترات في البحر الأحمر على مصر، بشكل خاص، في ضوء تراجع إيرادات قناة السويس».

وأدى تصعيد جماعة «الحوثيين» في اليمن لهجماتها على السفن المارة في مضيق باب المندب والبحر الأحمر، منذ نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، بداعي التضامن مع الفلسطينيين في غزة، إلى تغيير شركات الشحن العالمية الكبرى مسارها من البحر الأحمر، واضطرت إلى تحويل مسار السفن إلى طرق بديلة منها مجرى رأس الرجاء الصالح.

وتراجعت إيرادات قناة السويس من 9.4 مليار دولار (الدولار الأميركي يساوي 50.7 جنيه في البنوك المصرية) خلال العام المالي (2022 - 2023)، إلى 7.2 مليار دولار خلال العام المالي (2023 - 2024)، حسب ما أعلنته هيئة قناة السويس في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وخلال لقاء الوزير عبد العاطي مع فهد بن محمود آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء، أشار إلى تقدير مصر الكبير للقيادة الحكيمة للسلطان هيثم بن طارق، وللدور الإيجابي الذي تضطلع به سلطنة عمان على المستويين الإقليمي والدولي.

وأكد عبد العاطي أهمية التعاون المشترك لتعزيز الأمن العربي، وحرص مصر على التنسيق والتشاور مع السلطنة لتثبيت دعائم الأمن والاستقرار في المنطقة، لا سيما في ظل الاضطرابات غير المسبوقة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط على عدة جبهات.

وطبقاً للبيان، تناول اللقاء مناقشة عدد من القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، على رأسها القضية الفلسطينية واستمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والجهود المصرية لاحتواء التصعيد في المنطقة، والتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن، كما تم تبادل الرؤى حول الأوضاع في سوريا واليمن والسودان وليبيا.

وخلال لقائه مع بدر البوسعيدي، وزير خارجية سلطنة عُمان، في إطار زيارته الرسمية إلى مسقط، ناقش عبد العاطي مجمل العلاقات الثنائية والتنسيق المشترك حيال القضايا الإقليمية محل الاهتمام المشترك.

مباحثات سياسية بين وزير الخارجية المصري ونظيره العماني (الخارجية المصرية)

تناول الوزيران، حسب البيان المصري، أطر التعاون الثنائي القائمة، وسبل تعزيز مسار العلاقات بين مصر وسلطنة عُمان، والارتقاء بها إلى آفاق أوسع تنفيذاً لتوجيهات قيادتي البلدين.

وزار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مسقط، في يونيو (حزيران) 2022، بينما زار السلطان هيثم بن طارق القاهرة في مايو (أيار) 2023.

وأكد الوزيران على أهمية التحضير لعقد الدورة السادسة عشرة للجنة المشتركة بين البلدين خلال الربع الأول من عام 2025، لتعزيز التعاون الثنائي بين البلدين في مختلف المجالات.

وشدد عبد العاطي على الأهمية التي توليها مصر لتطوير وتعزيز علاقاتها مع سلطنة عُمان، مشيداً بالعلاقات الوطيدة والتاريخية التي تجمع بين البلدين. وأشار إلى الاهتمام الخاص الذي توليه مصر للتعاون مع أشقائها في الدول العربية في مجال جذب الاستثمارات والتعاون الاقتصادي والتبادل التجاري، مستعرضاً برنامج الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي الجاري تطبيقه في مصر، والخطوات التي تم اتخاذها لتهيئة المناخ الاستثماري وتوفير الحوافز لجذب الاستثمارات الأجنبية.

كما أشار إلى أهمية العمل على تعزيز التعاون بين المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وهيئة المنطقة الاقتصادية الخاصة بـالدقم، وكذلك الربط البحري بين ميناءي «الدقم» و«صلالة»، والموانئ المصرية مثل ميناء الإسكندرية وميناء العين السخنة وغيرهما، بما يعزز التبادل التجاري بين البلدين، ويساهم في تعميق التعاون بينهما في مجالات النقل الملاحي والتخزين اللوجستي، في ضوء ما تتمتع به مصر وعُمان من موقع جغرافي متميز يشرف على ممرات ملاحية ومضايق بحرية استراتيجية.

وفيما يتعلق بالأوضاع الإقليمية في ظل التحديات المتواترة التي تشهدها المنطقة، ناقش الوزيران، وفق البيان المصري، التطورات في سوريا، والحرب في غزة، وكذلك الأوضاع في ليبيا ولبنان، وتطورات الأزمة اليمنية وجهود التوصل لحل سياسي شامل، وحالة التوتر والتصعيد في البحر الأحمر التي تؤثر بشكل مباشر على أمن الدول المشاطئة له، كما تطرق النقاش إلى الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي والتطورات في السودان والصومال.

وأكد البيان أن اللقاء عكس رؤيةً مشتركةً بين الوزيرين للعديد من التحديات التي تواجه المنطقة، وكيفية مواجهتها، وأكدا على أهمية تعزيز التعاون بين البلدين والحرص على تكثيف التشاور والتنسيق بشأن مختلف القضايا، كما اتفق الوزيران على تبادل تأييد الترشيحات في المحافل الإقليمية والدولية.