رفع دمشق لأسعار المحروقات يهدد بأزمة اقتصادية ومعيشية على أبواب فصل الشتاء

عضو في الائتلاف السوري لـ «الشرق الأوسط»: النظام كان يعتمد على «داعش» لتلبية حاجته قبل ضربات التحالف

رفع دمشق لأسعار المحروقات يهدد بأزمة  اقتصادية ومعيشية على أبواب فصل الشتاء
TT

رفع دمشق لأسعار المحروقات يهدد بأزمة اقتصادية ومعيشية على أبواب فصل الشتاء

رفع دمشق لأسعار المحروقات يهدد بأزمة  اقتصادية ومعيشية على أبواب فصل الشتاء

تتصدر أزمة المحروقات في سوريا، وارتفاع أسعارها في هذا الوقت، المشهد المعيشي والاقتصادي في البلاد، بعد أن أصدرت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في الحكومة السورية قرارين؛ يقضي الأول برفع أسعار الليتر الواحد من مادة المازوت من 60 ليرة سورية إلى 80 ليرة، ويقضي الثاني برفع سعر ليتر البنزين من 120 ليرة إلى 140 ليرة؛ مما ينبئ بأزمة معيشية تطال السكان على أبواب فصل الشتاء.
وتضاعف قلق المواطنين، مع اندلاع أزمة كبيرة شهدتها محطات الوقود في معظم المدن السورية الواقعة تحت سلطة النظام؛ حيث قضى معظم سائقي سيارات النقل والأجرة وقتهم خلال أيام العيد، في تلك المحطات التي نفدت المادة منها، أملا منهم بالتزود ببعض من لترات الوقود اللازمة لاستمرار أعمالهم.
وتزامن ارتفاع أسعار المحروقات في البلاد، مع انخفاض أسعار النفط في السوق العالمية، وقال دكتور الاقتصاد وعضو الائتلاف السوري المعارض، رفعت عامر، لـ«الشرق الأوسط»، إن قرار رفع سعر المحروقات من قبل الحكومة السورية «غير مبرر، نظرا لتزامنه مع هبوط أسعار النفط العالمية إلى أدنى مستوياتها منذ يونيو (حزيران) 2012»، لافتا إلى أن القرار «جاء الآن نتيجة ضرب قوات التحالف لمقرات (داعش) ومحطات المعالجة البدائية وآبار النفط التي يسيطر عليها التنظيم؛ مما يؤكد أن النظام كان يعتمد في تلبية حاجته من النفط، في السوق المحلية على (داعش)؛ مما يعكس علاقة وطيدة على المستوى الاقتصادي بين النظام والتنظيم».
وظهرت الأزمة نفسها في المناطق التي يسيطر عليها «داعش» في شمال وشرق سوريا؛ حيث دمرت ضربات التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب في سوريا، عددا من مصافي النفط البدائية والصغيرة التي يستخدمها تنظيم «داعش» للتزود بالمحروقات؛ مما أدى إلى فقدنها من السوق وارتفاع أسعارها إلى حدود الـ100 في المائة.
وأشار عامر إلى أن قرار دمشق «يأتي أيضا من ضمن جملة الإجراءات التي تتخذها الحكومة السورية منذ 3 سنوات لتغطية العجز في الموازنة العامة للدولة؛ حيث واظبت تلك الحكومة منذ بداية عام 2011 على رفع الدعم عن المواد الأساسية، إضافة إلى فرض ضرائب جديدة، والتفنن في خلق وسائل مختلفة من الجباية»، مشددا على أن ذلك «يثبت أن النظام قد تخلى عن الدور الاقتصادي الذي يفترض أن يكون منوطا به بتوفير الحد الأدنى من مستويات المعيشة للفقراء الذين بلغت نسبتهم 80 في المائة من سكان سوريا للعام 2014، وباتوا يعيشون تحت خط الفقر حسب التقارير الدولية».
وكانت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسقة الإغاثة، فاليري أموس، قالت إن «11 مليون داخل سوريا بحاجة عاجلة للمساعدات». ر وتوقع عامر أن تتفاقم الأزمة الاقتصادية والسياسية والأمنية في سوريا أكثر في الأشهر القادمة مع اقتراب فصل الشتاء الذي تحتاج فيه الأسر السورية إلى مادة المازوت للتدفئة، مشيرا إلى أن «الشعب السوري سيعاني أكثر مما عاناه نتيجة التدهور المستمر لاقتصاد النظام وفقدانه لموارده الضرورية للسيطرة على البلاد، الأمر الذي سيقود إلى استمرار النظام وأعوانه في عمليات النهب والتشليح التي تمارس على الشعب السوري بطرق رسمية وغير رسمية، مباشرة وغير مباشرة، ذلك لتغطية حاجاته اللازمة لاستمرار الحملة العسكرية التي يقودها ضد شعبه، وبقائه حتى النفس الأخير، هو وعصابته، على سدة الحكم، أملا في تحولات دولية وإقليمية ومحلية قد تعيد السلطة المفقودة إليهم». ويتزامن قرار رفع أسعار المحروقات الصادر أخيرا مع اقتراب فصل الشتاء؛ حيث تعتمد الغالبية العظمى من سكان سوريا على مادة المازوت للتدفئة، كما ينعكس غلاء المحروقات زيادة على أسعار السلع الضرورية والخدمات التي زادت بنسبة 300 في المائة عما كانت عليه قبل 3 أعوام.
وهذه ليست المرة الأولى التي ترفع فيها الحكومة السورية أسعار المحروقات، فقد زاد سعر ليتر المازوت أكثر من 5 أضعاف عما كان عليه في بداية عام 2011 بينما زاد سعر لتر البنزين قرابة الـ3 أضعاف.
وأدت الأزمات المتعاقبة لفقدان الوقود في سوريا إلى خلق شريحة من التجار والسماسرة الموالين للنظام الذين يستفيدون من رفع الأسعار نظرا لما يحققه ذلك لهم من عوائد ماليه كبيرة، فقد بلغ سعر لتر المازوت في السوق السوداء 200 ليرة في جنوب سوريا، بينما وصل سعر تعبئة أسطوانة الغاز في دمشق إلى 2800 ليرة، وبلغت في المناطق المحاصرة إلى 11 ألف ليرة رغم أن سعرها الرسمي 1150 ليرة.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.