الوكالة الذرية: لا تقدم في المباحثات النووية في طهران

المفتش الذي رفضت إيران دخوله خبير أميركي.. وصور أقمار صناعية تظهر انفجارات ضخمة ببارشين

مبعوث إيران إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية رضا نجفي يتحدث عبر الهاتف في مقر الوكالة بفيينا أمس (أ.ف.ب)
مبعوث إيران إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية رضا نجفي يتحدث عبر الهاتف في مقر الوكالة بفيينا أمس (أ.ف.ب)
TT

الوكالة الذرية: لا تقدم في المباحثات النووية في طهران

مبعوث إيران إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية رضا نجفي يتحدث عبر الهاتف في مقر الوكالة بفيينا أمس (أ.ف.ب)
مبعوث إيران إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية رضا نجفي يتحدث عبر الهاتف في مقر الوكالة بفيينا أمس (أ.ف.ب)

أعلنت وكالة الطاقة الذرية في فيينا أن مفتشيها الدوليين وإيران لم يتوصلوا لاتفاق حول سبل المضي قدما في التحقيق بشأن مشروعات الأسلحة النووية المحتملة. وجاء البيان بعد عودة مسؤولين بارزين من الوكالة من آخر جولة للمحادثات مع نظرائهم الإيرانيين في طهران، التي عُقدت بهدف تسليط الضوء على مشروعات البحث العلمي والتطوير المشتبه بها.
وقالت الوكالة التي تتخذ من فيينا مقرا لها إن «إيران لم تقترح أي إجراءات جديدة خلال الاجتماعات في طهران»، مضيفة أن المحادثات سوف تستمر، ولكن دون تحديد موعد لذلك.
وقال دبلوماسيون غربيون إن إيران تحتاج لتسريع التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إذا كانت ترغب في إبرام اتفاق قريبا مع القوى العالمية الـ6، يقضى برفع العقوبات الاقتصادية عن طهران مقابل وضع قيود صارمة على البرنامج النووي الإيراني.
وحددت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قائمة من 12 مسألة ترغب في مناقشتها، وتلقت معلومات من إيران بشأن بعض هذه المسائل.
ومع ذلك، تنكر إيران الاتهامات الغربية بأنها تسعى لتطوير قدرتها لإنتاج أسلحة نووية.. ولم تقترح إجراءات جديدة بشأن توضيح المسائل الباقية.
وتستمر محادثات منفصلة حول الاتفاق النووي مع إيران، يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلين، في فيينا، بين وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ونظيره الأميركي جون كيري، والمنسقة العليا للسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون. وكان وفد يقوده مساعد المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية تيرو فارجورنتا أجرى، الثلاثاء والأربعاء، مباحثات في طهران، لتوضيح آخر نقطتين في سلسلة من الأسئلة التي تطرحها الوكالة على إيران في إطار اتفاق الشفافية.
وأوضح السفير الإيراني لدى الوكالة الدولية رضا نجفي، وفق ما ورد على موقع التلفزيون الرسمي، أن «خلال هذين اليومين ناقشنا كل المسائل الثنائية، لا سيما طريقة تطبيق الإجراءات التي جرى اتخاذها ومستقبل المباحثات». وأضاف أن «تلك المفاوضات كانت بنّاءة في جوهرها، وكانت أيضا مباشرة».
غير أن الوكالة الدولية قالت في بيان إن تلك «الاجتماعات التقنية» لم تسمح بتسوية نقطتين عالقتين، وأكدت أن «الوكالة وإيران ستواصلان المناقشات حول تلك النقطتين».
وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تنتظر قبل 25 أغسطس (آب) توضيحات حول احتمال وجود بعد عسكري للبرنامج النووي الإيراني لا سيما حول إمكانية «اختبار نوع خاص من المواد الشديدة الانفجار على نطاق واسع».
وفي رسالة إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية نُشرت هذا الأسبوع على موقع الوكالة، أوضح نجفي أن إيران لم ترد في المهلة المحددة على تلك الأسئلة: «بسبب تعقيداتها ومعلومات ليس لها مصداقية وقلة الأدلة الدامغة المتوفرة لدى الوكالة». غير أن تلك الردود تُعد حاسمة من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي في نوفمبر (تشرين الثاني) مع الدول الكبرى في هذا الملف.
وبالموازاة مع مباحثاتها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تجري إيران مفاوضات مع مجموعة «5+1» (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين وألمانيا) من أجل إبرام اتفاق يضع حدا لأزمة ملفها النووي بحلول 24 نوفمبر.
وتؤكد إيران أن برنامجها مدني، وليس فيه أي بعد عسكري، لكن المجتمع الدولي يحاول التأكد من ذلك، منذ 12 سنة.
كذلك برر السفير الإيراني رفض تسليم تأشيرة دخول لأحد عناصر الوكالة من أجل القيام بزيارة تقنية إلى إيران في 31 أغسطس.
وقال إن «قانون الوكالة الدولية للطاقة الذرية ينص على أن إيران ليست مضطرة لمنح تأشيرة لأعضاء الوكالة. ورفضها منح رابع عضو في الوفد الذي ليس خبيرا التأشيرة حق سيادي لإيران». وتعرب إيران باستمرار عن قلقها من وجود عناصر من أجهزة الاستخبارات الغربية والإسرائيلية في الوكالة الدولية.
وأعربت الوكالة، مطلع سبتمبر (أيلول)، عن الأسف من ذلك الرفض، موضحة أنه «من المهم أن يتمكن أي عضو تعده الوكالة ذا خبرة أن يشارك في الأنشطة التقنية للوكالة في إيران».
لكن مصادر دبلوماسية في فيينا قالت إن مسؤول الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة الذي رفضت إيران دخوله أراضيها في الآونة الأخيرة ضمن فريق للتحقيق في أبحاثها النووية هو (على الأرجح) خبير أميركي في الأسلحة النووية.
وقالت الوكالة التي تتخذ من فيينا مقرا لها إن هذه هي المرة الثالثة التي ترفض فيها إيران منح عضو الفريق التأشيرة. وترفض الوكالة الكشف عن جنسية عضو الفريق أو خبرته.
لكن المصادر التي طلبت عدم الكشف عنها لحساسية الموضوع قالت، أمس، لـ«رويترز»، إنها تعتقد أن عضو الفريق النووي مواطن أميركي، وأنه خبير في الأسلحة الذرية. ورفضت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التعليق.
وجرت زيارة الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد حريق نشب، الأحد الماضي، في «ورشة إنتاج متفجرات» تابعة لوزارة الدفاع الإيرانية، شرق العاصمة، حيث كثير من المواقع العسكرية، وفق وسائل الإعلام المحلية.
ونفى مسؤول في الوزارة، أول من أمس، معلومات نشرتها وسائل الإعلام الأجنبية، تفيد بانفجار في قاعدة بارشين تشتبه الوكالة الدولية للطاقة الذرية في أنها احتضنت اختبارات قد تكون لها علاقة بالنووي.
لكن معهدا أمنيا أميركيا قال إنه رصد، عبر صور التقطت بالأقمار الصناعية، جزءا من مجمع عسكري إيراني ضخم وقع فيه انفجار أو حريق، مطلع الأسبوع.
ونقلت وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء، يوم الاثنين، عن هيئة التصنيع الدفاعي الإيرانية قولها إن عاملين اثنين قضيا في حريق بمصنع للمتفجرات، في منطقة تقع إلى الشرق من طهران.
وكان موقع «سهام نيوز» الإيراني المعارض قد وصف الحادث بأنه انفجار قوي وقع قرب مجمع بارشين العسكري الذي يبعد نحو 30 كيلومترا جنوب شرقي العاصمة. ولم ينسب الموقع معلوماته لأي مصدر، كما لا يمكن التحقق من المعلومات. وقال معهد العلوم والأمن الدولي (آي إس إي إس) الذي يتخذ من واشنطن مقرا له إنه حصل على صور التقطت بالأقمار الصناعية، بدا منها أن 6 مبانٍ في بارشين أصيبت بأضرار شديدة أو دُمّرت.
ومع ذلك لم تبين الصور التي اعتمد عليها المعهد إن كان بارشين حيث وقع الحادث هو نفسه موقع بارشين، الذي تعتقد الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة أنه من الممكن أن تكون إيران أجرت فيه تفجيرات قبل 10 سنوات يمكن أن تكون متصلة بتطوير قدرة عسكرية نووية.
وتريد الوكالة الدولية للطاقة الذرية زيارة بارشين، لكن إيران ترفض وتقول إن المجمع العسكري في بارشين منشأة عسكرية تقليدية، وإن برنامجها النووي سلمي. وتتهم إيران أعداءها بالسعي لتخريب برنامجها النووي.
وقال المعهد الأميركي إن تحليله للصور التي التُقطت في الـ7 والـ8 من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي يشير إلى انفجار وقع في جزء جنوبي من بارشين.
ولم تستبعد إسرائيل والولايات المتحدة القيام بعمل عسكري ضد إيران، إذا أخفقت الدبلوماسية في حل النزاع حول البرنامج النووي الإيراني، إذا لم تفلح الجهود التي تبذل لحل النزاع الدائر منذ 10 سنوات حول هذا البرنامج.



الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
TT

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

كان جوهري، قيادي «طالبان» السابق يرتدي نظارات شمسية ومعطفاً من الصوف الثقيل، كما لو أنه قد يترك المكان في أي لحظة. على طاولة مغطاة بالبلاستيك تفصل بيننا تحت ضوء الفلورسنت، كان هناك تل من اللحم والأرز الذي لم يُمس. كانت هذه هي المرة الأولى التي نلتقي فيها، تحديداً في شتاء عام 2022، وقد اختار للقاء مكاناً يقع في نُزل وسط شارع مزدحم.

كانت أصوات التجار وهدير حركة المرور تتسلل عبر نافذة مفتوحة فيما كنت أشرح له لماذا تعقبتُ أثره. منذ أكثر من عقد من الزمان، حاصر 150 مقاتلاً من «طالبان» قاعدة أميركية في سفوح جبال «هندوكوش»، وقُتل تسعة جنود وأُصيب أكثر من عشرين فيما باتت تُعرف بمعركة «ونت»، التي تعد واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية خلال الحرب بأكملها.

وايغال هي قرية كبيرة في عمق وادٍ باسمها لم تتمكن القوات الأمريكية من الوصول إليها مطلقاً خلال حملتها بنورستان (نيويورك تايمز)

هذا الرجل، الملا عثمان جوهري، كان قائد ذلك الهجوم، وهي معجزة أنه لا يزال على قيد الحياة. فخلال الحرب، كان القادة المتوسطون في «طالبان» يلقون حتفهم بانتظام. لكن ها هو حيٌّ يُرزَق. على مدار أكثر من عشرين عاماً، كانت الصحافة الأميركية تغطي نصف الحرب فقط. وأنا، بصفتي صحافياً سابقاً في أفغانستان ورئيس مكتب كابل، كنت جزءاً من ذلك أيضاً. كانت أجزاء كبيرة من البلاد محظورة، وكان تصوُّر «طالبان» غالباً ما يقتصر على دعاية الحركة، وكانت القصة الحقيقية غير معروفة. قرأتُ بصفتي صحافياً كل التقارير المتعلقة بمعركة «ونت»، وكل درس مستفاد. لكن الآن وقد انتهت المعارك، أصبحت أتساءل عما فاتنا. قد أتمكن من الحصول على بعض الرؤى حول كيفية انتهاء الحرب بشكل سيئ بالنسبة إلى الولايات المتحدة (وكذلك بالنسبة إلى كثير من الأفغان، لا سيما النساء).

أردت رؤية الحرب من الجانب الآخر لتقديم منظور قد لا يراه القارئ مطلقاً، ودروس مستفادة من الجماعة الوحيدة التي لم يُطلب منها ذلك، جماعة «طالبان». فبعد حرب فيتنام، التي تتشابه إلى حد كبير مع الحرب في أفغانستان لدرجة أنها أصبحت أشبه بالإكليشيه، مرّت عقود قبل أن تتعامل الولايات المتحدة مع عدوها السابق.

وبحلول ذلك الوقت، كان كثير من قادتها العسكريين قد ماتوا، وضاعت فصول من التاريخ ربما إلى الأبد، حسب المؤرخين.

الملا عثمان جوهري بمنزله في وايغال بولاية نورستان بأفغانستان (نيويورك تايمز)

قدمتُ هذا العرض للملا عثمان جوهري مرتين من قبل: الأولى كانت عبر حارسه الشخصي، الذي كان يرتدي زياً يشبه زي قوات العمليات الخاصة؛ والأخرى كانت عبر مساعده، الذي كان بمثابة قنبلة موقوتة في الانتظار، ولم يعد مطلوباً. أخيراً، جلستُ أمام الملا عثمان نفسه، وعندما انتهيت من حديثي، لم يقل شيئاً، ولم يحرّك حتى رأسه. نظرنا إلى الطعام الذي بدأ يبرد أمامنا حتى أشار إلى حارسه ليتهيأ، فقد كنا متجهين إلى موقع «ونت» بسفوح جبال «هندوكوش».

اليوم في «ونت»، ما زالت بقايا القاعدة الأميركية السابقة قائمة، مهدمة وممزقة كذكرى باهتة، أطرافها التي كانت قائمة في السابق ذابت في الأرض مثل لوحة لسلفادور دالي. أراني الملا عثمان خطوط إمداد «طالبان» ومواقع إطلاق النار، وأعاد تمثيل الحصار. لكن بينما كنا نتحدث على مدار الأيام التالية، ثم الأشهر والسنة التالية، أقنعني الملا عثمان بأن معركة «ونت» بدأت فعلاً قبل سنوات -لكنّ الأميركيين لم يكونوا يدركون ذلك. قال لنا إنه لكم يكن عضواً في «طالبان» عندما بدأت الحرب. وبعد انضمامه، أصبح موضع سخرية في قريته. كان السكان المحليون في الوادي يؤمنون بمستقبل وَعَدَتْهم به الولايات المتحدة. لكن بعد ذلك، بدأت الغارات الجوية الأميركية، التي استهدفت مسلحين مشتبه بهم، في قتل الأبرياء. هذه القصة مألوفة بشكل محبط، ولكن كان ما هو أغرب، فالأمريكيون قتلوا وجرحوا أولئك الذين دعموا وجودهم أكثر من غيرهم.

بدأت عمليات تجنيد «طالبان» في الازدياد، حسب الملا عثمان، مع تحول الأميركيين من حلفاء إلى أعداء.

يقول : «لم يكن هناك أي عنصر لـ(طالبان) هنا عندما بدأت الحرب»، عبارة قالها لي الملا عثمان جوهري في تلك الرحلة الأولى إلى قريته الأصلية في ويغال، التي تقع في عمق الوادي تحت الجبال الشاهقة المغطاة بالثلوج. «لكن بعد أن دخل الأميركيون وبنوا قواعدهم وقتلوا الأبرياء، نهض الناس وقرروا القتال».

دروس مستفادة

نورستان، منطقة جبلية في شمال أفغانستان، لم تكن تهدف مطلقاً لتكون نقطة محورية في الحرب على الإرهاب. لم تكن معقلاً طبيعياً لـ«القاعدة» أو «طالبان». في الواقع، خلال فترة حكمهم الأولى في التسعينات، كانت «طالبان» قد دخلت المنطقة بالكاد. ومع ذلك، اعتقد الأميركيون أنها طريق لتهريب الأسلحة والمقاتلين وملاذ آمن لتنظيم «القاعدة»، لذا بنوا قواعد وبدأوا في تنفيذ دوريات عدوانية في أماكن كانت معتادة على الاستقلال.

في رحلاتي عبر الوادي، قابلت حلفاء للولايات المتحدة تعرضوا للتشويه جراء الغارات الجوية، والذين فقدوا عائلاتهم أيضاً. هؤلاء الأشخاص كانوا بمثابة تذكير بقلة إدراك الولايات المتحدة للحرب التي كانت تخوضها. اتضح أن الأميركيين كانوا مخطئين بشأن كون نورستان معقلاً للإرهابيين. لكن قواعدهم أصبحت بمثابة مغناطيس يجذب المسلحين، مثل «حقل الأحلام» للمتمردين: الأميركيون بنوها، ثم جاءت «طالبان». وبحلول الوقت الذي قاد فيه الملا عثمان فريقه عبر الجبال لشن الهجوم على القاعدة الأميركية في «ونت»، كان الوادي قد تحوَّل ضد الأميركيين، وكانت النتيجة مأساوية.

*خدمة «نيويورك تايمز»