شاشة الناقد: Motherless Brooklyn

لقطة من «مذرلس بروكلن»
لقطة من «مذرلس بروكلن»
TT

شاشة الناقد: Motherless Brooklyn

لقطة من «مذرلس بروكلن»
لقطة من «مذرلس بروكلن»

Motherless Brooklyn
> إخراج: إدوارد نورتون
> الولايات المتحدة (2019)
> تقييم: (جيد)

«فيلم نوار» مع رسالة
لا أحد يفكر في الاختلاف عن السائد إلا من كانت لديه رسالة فنية أو إنسانية أو كلاهما معا. الممثل المتحول إلى الإخراج إدوارد نورتون هو من النوع الذي يجمع في فيلمه هذا الرسالتين. في جانب يريد العودة إلى نوع «الفيلم نوار» البوليسي الداكن الذي شهد رواجه في الأربعينات والخمسينات قبل أن تغرب شمسه بعد ذلك (للأسف). ومن جانب آخر يريد لهذه العودة أن تنضح بوجهة نظر إنسانية وسياسية. إلا تمر عابرة من دون أن تترك أثراً في بال المشاهد. للأسف (أيضاً) ينجز «مذرلس بروكلن» نصف نجاح في الحالتين وفوقهما فيلم يمتد لساعتين وربع الساعة.
إنها نيويورك الخمسينات. التحري الخاص بروكلين (إدوارد نورتون) يتمتع بما يلزم أصحاب المهنة في ذلك الحين: قضية تنتقل به من التحقيق في موضوع خاص إلى التصدي لموضوع أكبر وأشد فتكاً من مجرد جريمة قتل. فرانك (بروس ويليس) هو صاحب الوكالة التي يعمل بروكلين فيها. ذات يوم يذهب فرانك للقاء بعض أصحاب السوابق في زقاق ضيق لا يخرج منه. لقد تم قتله فيه. على بروكلين التحقيق في الأمر وكما في الأفلام البوليسية الداكنة (وفي روايات رايموند تشاندلر مبتدع شخصية التحري الخاص فيليب مارلو) تتدحرج الكرة من معضلة إلى أخرى ومع كل تدحرج تكبر الكرة فإذا بالموضوع في حصيلته أكبر مما بدا في مطلعه.
التحري الذي نتابع تحقيقاته مصاب بما يعرف بمرض «توريت»، وهي حالة عصبية ينتج عنها عدم قدرة المريض التحكم بما يقوله أو بحركاته أحياناً. هذا يضعه (كما نرى هنا) في حالات حرجة تمر بالفيلم كصوت نصل يستخدم فوق سيارة ليفقدها جمالها. ربما، والفيلم مقتبس عن رواية لم يسع هذا الناقد قراءتها بعد، هناك ضرورة لتحرٍ مصاب بهذا العضال في الرواية، لكن على الشريط الماثل لا يبدو أن الفيلم كان يحتاج لمثل هذه التفعيلة إلى حد انشغالنا والممثل بها. طبعاً تلعب دوراً في تمييز بطله (بعد أن شاهدنا واكين فينكس مصاب بمرض عصبي آخر في «جوكر») لكنها لا تؤدي إلى تكثيف شخصيته.
مع توالي الأحداث، يرتفع منسوب الرسالة التي يود الفيلم إيصالها للمشاهدين. رغبة المخرج هنا هي الحديث عن رجل الأعمال والعقارات (يقوم بدوره أليك بولدوين) الذي بنى ثروته على الإطاحة بكل من وقف في طريقه عندما قرر هدم البيوت والمباني في سبيل إنشاء المدينة الجديدة التي يحلم بها. دور بروكلين لم يعد الكشف عمن قتل رئيسه في المكتب بل الكشف عن حجم الفساد المستشري في الكيان الاقتصادي برمّته.
إيجابيات الفيلم في تمثيل نورتون كما في جلبه مجموعة مهمة من الممثلين الموهوبين للمشاركة. كذلك في ترميم أجوائه كفيلم بوليسي داكن. مع توليف أفضل كان يمكن للفيلم أن يكثف معطياته وينجز على الأغلب سرداً أعمق مما نراه.


مقالات ذات صلة

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.