تركيا... شخصنة السلطة ومنحنيات الانحراف نحو الحكم الاستبدادي

كتاب فرنسي عن تحول نظامها السياسي

مظاهرة ضد إردوغان (أ.ف.ب)
مظاهرة ضد إردوغان (أ.ف.ب)
TT

تركيا... شخصنة السلطة ومنحنيات الانحراف نحو الحكم الاستبدادي

مظاهرة ضد إردوغان (أ.ف.ب)
مظاهرة ضد إردوغان (أ.ف.ب)

دفعت وتيرة الاستبداد التركي المتصاعدة على النطاقين المحلي والإقليمي مجلة «ملتقيات متوسطية» الفرنسية الفصلية إلى أن تصدر مؤخراً كتاباً تحت إشرافها وإدارتها بعنوان «تركيا: عودة الاستبداد» عن دار النشر الفرنسية «هرماتون».
يقع الكتاب في مائتي صفحة من القطع المتوسط، ولا تنحصر أهميته فقط في كونه يصدر تحت رعاية واحدة من أهم المجلات الفرنسية الفصلية المتخصصة التي تهتم بالقضايا الثقافية والسياسية المتعلقة بمجتمعات منطقة البحر المتوسط، وإنما أيضاً لأنه نتاج فكري وتحليلي استراتيجي لمجموعة من أهم خبراء الملف التركي.
يرى معدّو هذا الكتاب أن تركيا تشهد منذ بداية عام 2010 سرعة ملحوظة في وتيرة ديناميكيات مركزية استبدادية للنظام السياسي الحاكم، إضافة إلى «شخصنة» متصاعدة للسلطة في شخص رجب طيب إردوغان. وقد شهد هذا النمط الاستبدادي صعوداً واضحاً، خصوصاً بعد محاولة «الانقلاب» التي استهدفت النظام في 15 من يوليو (تموز) 2016، وهو التاريخ الذي يؤرخ بداية فترة جديدة من الرئاسة الاستبدادية مع غياب الحياة الدستورية مصحوبة بانعدام تام للمعارضة.

شخصنة السلطة
يوضح الكتاب أن محاولة الانقلاب التي استهدفت النظام التركي في 15 من يوليو 2016 تمثل نقطة تحول جوهرية في تاريخ تركيا، حيث تشهد البلاد منذ ذلك الحين سلسلة من الأزمات السياسية والاقتصادية مع تزايد نفوذ وقدرة الحزب الحاكم ليس فقط على كبح جماح حشود المعارضة، لكن أيضاً على مجابهة أزمات مؤسسية خطيرة، حيث نجح الحزب في فرض نفسه باستغلال الأزمات التي تعاني منها البلاد، كما أن المجابهة بين الحزب الحاكم «العدالة والتنمية» وأنصار المعارض عبد الله غول تمثل أيضاً مرحلة جديدة في مركزية استبدادية للنظام السياسي الحاكم في تركيا. يؤكد ذلك التحول السياسي الخطير الذي تشهده البلاد الآن والمتمثل في التحول للنظام الرئاسي الذي جعل من إردوغان رئيساً بمقومات وصلاحيات نصف إله. ويشير الكتاب إلى أن إردوغان غذّى هذا التوجه ليحقق أهدافه بالانتقال إلى النظام الرئاسي بموجب استفتاء أبريل (نيسان) 2017 الذي أُجري في مناخ سياسي مشحون قوامه حالة الطوارئ التي أقرها إردوغان في البلاد على خلفية محاولة الانقلاب التي استهدفت نظامه في 2016. ولذلك؛ فقد أضحت البلاد منذ ذلك الحين رهينة لمركزية استبدادية واضحة ليس فقط على المستوى التنفيذي فحسب، لكن أيضاً على مستوى النظام الرئاسي وانعكس ذلك جلياً على أسلوب اتخاذ القرار، سواء على المستوى الداخلي أو الإقليمي أو الدولي.
ويوضح الكتاب، أنه ترتب على هذه السياسة تعميق وزيادة نفوذ العناصر قريبة الصلة ليس فقط من الحزب الحاكم، لكن أيضاً عودة وجوه قديمة وشبكات مصالح خاصة لصدارة المشهد كانت في منطقة المعارضة من قبل، كما أن شخصنة نظام الرئاسة أدى كذلك إلى عودة قوية لديناميكية المركزية الاستبدادية أكثر من أي وقت مضى معتمدة على تحالفات وشراكات هشة إلى حد كبير على المسارين المؤسسي والخاص، أي أننا أمام تحول النظام السياسي في تركيا إلى نظام سياسي مركزي استبدادي حول شخص واحد، وهو رجب طيب إردوغان الذي تُرسم من حوله جميع العلاقات المؤسسية والعسكرية والقضائية في البلاد؛ الأمر الذي دفع خبراء عدة في الشأن التركي إلى أن يؤكدوا على أن لعبة التحالفات في الانتخابات التشريعية الأخيرة 2018 شهدت ليس فقط انتصاراً لحزب الدولة «الحرية والعدالة»، لكن أيضاً مركزية التحالف مع ميليشيا حركة باريتس (MHP)الحزب القومي ذي التوجهات اليمينية المتطرفة الذي تتغذى وتتأسس توجهاته على عسكرة المجتمع وشخصنة السلطة. ونتيجة لهذه التحالفات الهشة أو المزورة، يشهد حزب إردوغان حالة من الضعف البالغ، وتتُرجم هذه التحولات السياسية التي يشهدها المجتمع التركي في جميع قطاعات المجتمع في تعيين أقارب من السلطة في قطاعات كثيرة متميزة بين قضاء وشرطة ووزراء وجامعات... إلخ.

فساد البلديات
ويشرح الكتاب أنه بعد تنظيم البلاد في شكل بلديات في سبعينات القرن الماضي واختصار طبيعة عمل هذه البلديات في تقديم الخدمات للمواطنين، إلا أن دورها قد شهد هو الآخر تحولاً ملحوظاً خلال الفترة الأخيرة على خلفية اهتمام العمد بالولاء للرئيس على حساب خدمات الموطنين تنفيذاً لسياسة إردوغان الرامية إلى شخصنة جميع السلطات في البلاد بين يديه؛ الأمر الذي انعكس سلباً على المواطن بشكل مباشر بسبب تغير طبيعة وأولويات اهتمام البلديات من خدمة المواطن لخدمة النظام في شخص الرئيس. إضافة إلى ذلك، فإن البلديات ذات الأغلبية الكردية كانت في صدارة البلديات التي عانت بشكل واضح وتضررت كثيراً، ولا سيما مع انطلاق الحرب السورية في 2011. ويلفت الكتاب إلى أعباء جديدة وقعت على هذه البلديات، فعلاوة على ما عانته من ويلات الصراعات المجاورة، وعمليات النزوح الكبيرة.

تحالفات هشة
ثم يتحدث الكتاب عن حالة الغباء السياسي التي يتسم بها رجب طيب إردوغان بسبب إصراره على تنفيذ أهدافه وبلوغ غاياته دون أدنى تفكير، مشيراً إلى أنه لجأ إلى تحالفات هشة وضعيفة للغاية ومحدودة الفاعلية والتأثير إلى حد كبير، وتجلى ذلك بوضوح في انتخابات 2014، حيث تحالف حزب اليمين المتطرف مع الحزب الكمالي، وهو ما يؤكد غياب اتساق هذا الحزب واستعداده لإبرام تحالفات مع قوى سياسية مختلفة ومتنوعة فيما بينها، أي أننا أمام نظام تحالفات سمح بعودة بعض وجوه ورموز اليمين المتطرف، وهو ما يؤكد حالة من عدم الاتساق أو التناغم في قلب البرلمان الحالي الذي يسمع هو الآخر أصواتاً لم يعتد على سماعها منذ أمد بعيد؛ الأمر الذي يكشف عن حالة من التراجع والانحدار الشديد في قلب الحياة السياسية، تنعكس بدورها سلباً وبشكل واضح في الخطاب السياسي، وكذلك على الصورة الذهنية لرئيس الدولة.
على ضوء ذلك، يرسم الكتاب خريطة تحليلية للمشهد التركي، توضح منحنيات الانحراف نحو الحكم الاستبدادي في خمس مراحل: الأولى من 2003 إلى 2007، ويشير الخبراء إلى أن هذه المرحلة، ومنذ وصول إردوغان لرئاسة الحكومة التركية في 2003، فقد شرع في تنفيذ إصلاحات اقتصادية كثيرة انعكست إيجاباً على تقدم البلاد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وقضائياً؛ الأمر الذي شجع أنقرة على المضي قدماً نحو تحقيق الحلم الكبير بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. لكن بداية عام 2007، بدأت تتلاشى الروح الحماسية للإصلاح الأمر الذي انعكس سلباً على ملف انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي. هذا بالإضافة إلى الملف الكردي الذي يطل برأسه من آن إلى آخر على النظام التركي، مع حالة من السخط داخل الجيش وصلت إلى التهديد بالانقلاب على إردوغان.
وتبدأ المرحلة الثانية مع بداية عام 2010 في التحول من الديمقراطية الإسلامية إلى الاستبداد، حيث بدأت تنهار صورة إردوغان كديمقراطي إسلامي على خلفية مراجعته للدستور والقوانين بهدف إحكام سيطرته على أجهزة الدولة الرئيسية، من قضاء وشرطة وجيش وجامعات مع سياسة ومع استفتاء 2010، بدأت السلطة لا تحتمل أي انتقاد والنيل من وسائل الإعلام؛ إذ وصل عدد الصحافيين المحبوسين عام 2012 فقط 76 صحافياً، وهو رقم قياسي إلى حد كبير.
وتكشف المرحلة الثالثة المعنونة بـ«أزمات الشرق الأوسط» عن الوجه الحقيقي لإردوغان. ويشير الكتاب إلى أنه مع تصاعد وتيرة أزمات الشرق الأوسط بدأ إردوغان في التراجع عن الانضمام للاتحاد الأوروبي لصعوبة تحقيق ذلك على أرض الواقع، ووجد ضالته في أزمات الشرق الأوسط للعب دور أوسع من خلالها يلبي طموحاته القديمة عن طريق مساندة ودعم جماعات التمرد والمعارضة بين ليبيا وسوريا واليمن والسودان.
وتركز المرحلة الرابعة على موجة الاعتراضات الشعبية في متنزه جيزي، ويذكر الكتاب أنه منذ يونيو (حزيران) 2013 بدأت تركيا تشهد موجة من الاعتراضات الشعبية تجاه إردوغان قادها في البداية أنصار البيئة على خلفية تدمير متنزه «جيزي» بميدان تقسيم بإسطنبول لصالح مشروع معماري كبير، وهي حركة اعتراض شعبية هزت صورة ومكانة إردوغان، ولا سيما فيما يتعلق بأسلوب تعامله معها.
ويخلص الكتاب إلى المرحلة الخامسة بعد محاولة «انقلاب 15 يوليو 2016»، مؤكداً أنه يمثل تأصيلاً للنظام الاستبدادي التركي، حيث استغل إردوغان ما حدث وألقى القبض على أكثر من 6 آلاف عسكري و104 من قيادات الجيش، وعزل 2745 قاضياً، إضافة إلى أساتذة الجامعات؛ الأمر الذي عزز من شأن قبضته الحديدية على البلاد، وبدأ في إحاطة نفسه بطبقة الموالين له وأصحاب المصالح.



«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»
TT

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»

عن دار «الكرمة» بالقاهرة، صدرت رواية «أبريل الساحر» للكاتبة البريطانية إليزابيث فون أرنيم، التي وُصفت من جانب كبريات الصحف العالمية بأنها «نص مخادع وذكي وكوميدي». ومنذ صدورها عام 1922 تحولت إلى أحد أكثر الكتب مبيعاً واقتُبست للمسرح والإذاعة والسينما مرات عديدة.

تتناول الرواية التي قامت بترجمتها إيناس التركي قصة 4 نساء بريطانيات مختلفات تماماً هربن من كآبة لندن بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى إلى قلعة إيطالية ساحرة في الريفيرا الإيطالية ليقضين إجازة الربيع. وبعد أن تهدهن روح البحر الأبيض المتوسط يتغيرن تدريجياً ويكتشفن الانسجام الذي تاقت إليه كل منهن، ولكن لم يعرفنه قط.

وتجيب الرواية بشكل مقنع عن السؤال الأبدي حول كيفية تحقيق السعادة في الحياة من خلال مفارقات الصداقة بين النساء والتمكين والحب المتجدد والعشق غير المتوقع. وصفتها صحيفة «الديلي تلغراف» بأنها «على مستوى ما، قد تُعد الرواية هروباً من الواقع، ولكن على مستوى آخر فهي مثال لتحرر الروح»، بينما رأت صحيفة «ميل أون صنداي» أنها تتضمن «وصفاً حسياً حالماً لأمجاد الربيع الإيطالي».

وتُعد إليزابيث فون أرنيم (1866-1941) إحدى أبرز الكاتبات الإنجليزيات واسمها الحقيقي ماري أنيت بوشامب، وهي ابنة عم الكاتبة كاثرين مانسيفيلد. ولدت في أستراليا لعائلة ثرية وتزوجت أرستقراطياً ألمانياً حفيداً للملك فريدرش فيلهلم الأول، ملك بروسيا، واستقرت مع زوجها في عزبة عائلته في بوميرانيا حيث ربيا 5 أطفال.

بعد وفاة زوجها كانت على علاقة عاطفية مع الكاتب المعروف هـ. ج. ويلز لمدة 3 سنوات، لكنها تزوجت بعدها فرانك راسل الأخ الأكبر للفيلسوف الحائز جائزة نوبل برتراند راسل لمدة 3 سنوات ثم انفصلا. وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية انتقلت للإقامة في الولايات المتحدة حتى توفيت. زواجها الأول جعل لقبها «الكونتيسة فون أرنيم شلاجنتين»، أما زواجها الثاني فجعل اسمها إليزابيث راسل.

نشرت روايتها الأولى باسم مستعار ولكن مع النجاح الكبير لكتبها استخدمت اسم «إليزابيث فون أرنيم». أصدرت أكثر من 20 كتاباً وتُعد روايتها «أبريل الساحر» التي نُشرت عام 1922 من أكثر الكتب مبيعاً في كل من إنجلترا والولايات المتحدة ومن أحب أعمالها إلى القراء وأكثرها شهرة.

ومن أجواء الرواية نقرأ:

«بدأ الأمر في نادٍ نسائي في لندن بعد ظهيرة أحد أيام فبراير، نادٍ غير مريح وبعد ظهيرة بائسة عندما أتت السيدة ويلكنز من هامبستيد للتسوق وتناولت الغداء في ناديها. التقطت صحيفة (التايمز) من على الطاولة في غرفة التدخين وجرت بعينيها الخاملتين أسفل عمود مشكلات القراء ورأت الآتي:

(إلى أولئك الذين يقدرون الشمس المشرقة، قلعة إيطالية صغيرة من العصور الوسطى على شواطئ البحر الأبيض المتوسط للإيجار، مفروشة لشهر أبريل (نيسان) سوف يبقى الخدم الضروريون).

كانت هذه بداية الفكرة، ومع ذلك كما هو الحال بالنسبة إلى عديد من الأشخاص الآخرين، لم تكن صاحبتها على دراية بذلك في تلك اللحظة.

لم تكن السيدة ويلكنز مدركة قط أن كيفية قضائها شهر أبريل في ذلك العام قد تقررت في التو والحال إلى درجة أنها أسقطت الصحيفة بحركة غلب عليها الانزعاج والاستسلام في الوقت نفسه، وتوجهت نحو النافذة وحدقت في كآبة الشارع الذي تقطر به الأمطار».