شهدت العاصمة السعودية أمس التوقيع على «اتفاق الرياض» بين الحكومة اليمنية الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز. وجرى توقيع الاتفاق بحضور الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، وعدد من المسؤولين اليمنيين والعرب. ووقّع الاتفاق من الجانب الحكومي نائب رئيس الوزراء سالم الخنبشي، ومن جانب المجلس الانتقالي الدكتور ناصر الخبجي.
ورأى الأمير محمد بن سلمان أن الاتفاق يمثل فاتحة خير لمرحلة جديدة من استقرار اليمن والبناء والتنمية، مشدداً على وقوف المملكة إلى جانب اليمن كما كانت على الدوام. وأوضح الأمير محمد بن سلمان عقب مراسم التوقيع، أن الاتفاق سيفتح الباب أمام تفاهمات أوسع بين المكونات اليمنية للوصول إلى حل سياسي ينهي الأزمة اليمنية ويحصن اليمن ممن لا يريد الخير له. وقال: «تؤكد المملكة على أن هذه النوايا الصادقة والحكمة اليمانية التي تتجسد في اتفاق الرياض وإعلاء مصلحة الشعب اليمني فوق كل اعتبار وفوق كل مطمع لمطامع الأطراف التي تسعى لنشر الطائفية والفوضى وعدم الاستقرار في اليمن ستحقق تطلعات الشعب اليمني وسيفتح هذا الاتفاق المجال أمام تفاهمات أوسع بين المكونات اليمنية والوصول إلى حل سياسي ينهي هذه الأزمة اليمنية ويحصن اليمن ويحميه ممن لا يريد الخير لليمن ولسائر شعوب أمتنا العربية».
ورحب ولي العهد في مستهل حديثه بالحضور قائلاً: «يسعدنا أن نرحب بكم في بلدكم الثاني المملكة العربية السعودية في هذا اليوم البهيج وكل يوم يجتمع فيه اليمنيون هو يوم فرح للسعودية، التي كانت منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز، وستظل دوماً مع اليمنيين، حريصة على استقرار اليمن، وساعية لازدهاره، وواثقة بأن حكمة أبناء شعبه تسمو فوق كل التحديات». وتابع: «إن موقف المملكة تجاه اليمن من المواقف الأصيلة كأصالة شعبه العزيز الذي تربطنا به أواصر الدين والقربى والعروبة والجوار، واستمراراً لتلك المواقف الراسخة فقد صدرت توجيهات خادم الحرمين الشريفين للمسؤولين في السعودية لبذل كل الجهود من أجل رأب الصدع بين الأشقاء في اليمن، ونود أن نشيد باستجابة الرئيس عبد ربه منصور هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي لدعوة المملكة للحوار فيها وما تم التوصل إليه بفضل الله من اتفاق في الرياض الذي نسأل الله أن يجعله كفاتحة خير لمرحلة جديدة من استقرار اليمن والبناء والتنمية فيه، وستكون المملكة معكم فيه كما كانت دوماً».
كما قدم الأمير محمد بن سلمان الشكر للشيخ محمد بن زايد آل نهيان على ما قدمته دولة الإمارات من تضحيات جليلة في ساحة الشرف «مع جنودنا البواسل وزملائهم من بقية دول التحالف». وأضاف: «لقد كان شغلنا الشاغل منذ أن بدأت الأزمة اليمنية هو نصرة الشعب اليمني الشقيق استجابة لطلب الرئيس الشرعي وانطلاقا من مبدأ الدفاع عن النفس ولوقف التدخلات الخارجية التي تسعى لفرض واقع جديد بقوة السلاح والانقلاب على الشرعية ومؤسساتها وتهديد أمن جيرانها وأمن المنطقة والممرات المائية الحيوية للعالم كله».
وقال ولي العهد السعودي: «لقد تمكنا ولله الحمد من تحقيق الكثير لليمن وأمن المنطقة وقدمنا الدعم والمساعدة للشعب اليمني بما يليق بما يجمعنا به من إخاء ومحبة وسنواصل السعي لتحقيق تطلعات الشعب اليمني في استعادة دولته والوصول إلى حل سياسي وفق المرجعيات الثلاث وتفويت الفرصة على كل من يريد الشر لليمن الشقيق والعزيز».
من جهة أخرى، أكد الأمير خالد بن سلمان بن عبد العزيز، نائب وزير الدفاع السعودي، أن اتفاق الرياض أتى لتتويج الجهود السعودية بقيادة الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد السعودي، لتحقيق الأمن والاستقرار وصناعة السلام والتنمية في اليمن. وثمن الأمير خالد بن سلمان، التجاوب المثمر من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، ووفد الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، الذين وضعوا مصلحة الشعب اليمني فوق كل اعتبار، والدور الإيجابي للأشقاء في الإمارات للتوصل إلى اتفاق الرياض. وأضاف: «نسأل الله أن يكون هذا الاتفاق منطلقاً لفتح صفحة جديدة يسودها الحوار الصادق بين جميع أبناء اليمن للتوصل إلى حل سياسي ينهي الأزمة اليمنية».
ووقع الاتفاق، من الجانب الحكومي نائب رئيس الوزراء سالم الخنبشي، ومن جانب المجلس الانتقالي الدكتور ناصر الخبجي.
من جانبه، قال الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي، إن سياسة بلاده هي «تغليب الحوار والدفع بالحلول السياسية، ومن هنا جاء اتفاق الرياض، ليفتح صفحة جديدة في تاريخ اليمن الشقيق، لينعم بالأمن والاستقرار والنماء والإعمار». وأكد الأمير فيصل بن فرحان، أن رعاية المملكة لاتفاق الرياض «تفرضها العلاقات التاريخية، والحرص على بلدٍ جار وشقيق. وأمن واستقرار المنطقة أولوية يدركها المجتمع الدولي، ونعمل على تحقيقها، بمشاركة الأشقاء والأصدقاء، ومن هذا المنطلق كنا إلى جانب اليمن، ولا زلنا، وسنظل».
من جهة أخرى، أوضح الوزير عادل الجبير وزير الدولة للشؤون الخارجية، السعودي، أن اتفاق الرياض هو «رسالة للعالم بأن الحل السياسي ممكن بين الأطراف اليمنية»، وأن المملكة من موقعها الإقليمي والدولي «تصنع سلاماً واستقراراً في اليمن، من أجل مستقبل أفضل لأبنائه... فجر جديد سيشرق في اليمن، وسنبقى مع هذا البلد العزيز كما كنا دوماً».
- حكومة يمنية جديدة خلال شهر
في غضون ذلك، أكد الخنبشي أن الحكومة اليمنية ستعود إلى العاصمة المؤقتة عدن خلال أسبوع من تاريخ توقيع اتفاق الرياض، على أن يتم تشكيل حكومة جديدة خلال 30 يوماً تؤدي اليمين الدستورية أمام الرئيس هادي في عدن. وأوضح الخنبشي عقب توقيع الاتفاق، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن التوقيع على اتفاق الرياض «كان محصلة نهائية لحوار هادف ومعمق ومثمر بين الطرفين، برعاية وإشراف مباشر من السعودية». وتابع: «نعتبر هذا اليوم يوم عرس لكل الشعب اليمني بحيث نستطيع بعد التوقيع الاتجاه للتنفيذ الخلاق لبنود الاتفاق والأمل معقود بأن نتجاوز كل سلبيات الماضي ونتجه نحو المستقبل وإعادة البناء وتطبيع الحياة السياسية في بلادنا وتضميد الجراح وجبر الخواطر ونتجه نحو التنمية الاقتصادية الشاملة، كما أن هذا الاتفاق يعكس توحيد الصف الجنوبي وكل قواه السياسية مع القوى الحية في مختلف محافظات الجمهورية لمواجهة العدو المشترك؛ الانقلابيين الحوثيين». ولفت نائب رئيس الوزراء إلى أن من ملامح الفرح والسرور كان حضور الشيخ محمد بن زايد وعقده لقاء ثلاثياً مع الرئيس هادي والأمير محمد بن سلمان، وأضاف: «نشكر القيادة السعودية ممثلة في خادم الحرمين الشريفين وولي عهده، وشكر خاص للأمير خالد بن سلمان الذي كان معنا لحظة بلحظة ولسفير السعودية لدى اليمن محمد آل جابر، ونشكر قيادتنا السياسية؛ الرئيس هادي الذي كان شجاعاً في اتخاذ قرار التوقيع على هذا الاتفاق رغم ما حدث في عدن وغيرها من المحافظات».
وأكدت الحكومة اليمنية أهمية الكلمة التي ألقاها ولي العهد السعودي، أثناء حضوره مراسم التوقيع، إذ أكدت كلمة ولي العهد السعودي توحيد صفوف اليمنيين لإرساء الأمن والاستقرار في اليمن ودعم الشعب اليمني، وكذلك التأكيد على دعمها الدائم لليمن والشعب اليمني، وأن المملكة ستواصل السعي لتحقيق تطلعات الشعب اليمني والوصول إلى حل سياسي. وبينت الحكومة اليمنية أن اتفاق الرياض يسهم في نقل جميع أعمال الحكومة إلى العاصمة المؤقتة عدن وطي صفحة الخلافات، وبدء صفحات جديدة من التآزر بين اليمنيين ومواجهة العدو الأكبر للبلاد من الميلشيات الحوثية ذراع إيران في اليمن.
وقال راجح بادي المتحدث باسم الحكومة اليمني لـ«الشرق الأوسط» أمس عقب توقيع الاتفاق: «هي لحظة تاريخية، بتوقيع هذا الاتفاق، وهي خطوة مهمة جدا في توحيد صفوف الشعب اليمني وتوحد الجهود فيما يخدم البلاد والشعب اليمني». وأضاف بادي: «لا شك بأن الجميع تابع الكلمة التاريخية لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، التي ركزت بوضوح على توحيد جهود اليمنيين، وعلى استمرار وقوف الأشقاء في المملكة العربية السعودية إلى جوار اليمن عبر تاريخ العلاقات العريقة بين البلدين». وأردف هادي ولي العهد السعودي كلمته بالتأكيد على أن «المملكة ستواصل السعي لتحقيق تطلعات الشعب اليمني والوصول إلى حل سياسي». وأشار متحدث الحكومة اليمنية إلى أن الاتفاق يمثل خريطة طريق لتوحيد صفوف وجهود اليمنيين، ولإحلال الاستقرار في العاصمة المؤقتة عدن، عاصمة لكل اليمنيين، ونقل جميع مؤسسات الدولة للعمل في عدن، «ونحن نتفاءل ونأمل بأن يتكاتف الجميع للعمل بهذا الاتفاق وطي صفحة الخلافات، وفتح صفحات جديدة عنوانها التآلف والتعايش والتآزر لمواجهة الخطر الأكبر لليمن، المتمثل في الميليشيات الحوثية ذراع طهران في اليمن».
- «الانتقالي» يتحدث عن مرحلة انتقالية لإرساء الأمن
من جانبه، شدد نزار هيثم المتحدث الرسمي للمجلس الانتقالي الجنوبي على أهمية اتفاق الرياض، ونتائجه على أرض الواقع والتي من شأنها مواجهة الأطماع الإيرانية في اليمن من خلال أذرعتها الإرهابية في اليمن وفي مقدمتها الميليشيات الحوثية. وبين هيثم أن المجلس الانتقالي استجاب منذ البدء للمبادرة الكريمة من قبل المملكة العربية السعودية في هذه الخطوة التي تهدف إلى بث الاستقرار في اليمن. وقال هيثم لـ«الشرق الأوسط» من عدن عقب التوقيع النهائي بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي: «يجدر بنا الإشارة هنا إلى الجهود الكبيرة التي قادتها السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ونائب وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان، حتى انتهينا إلى هذا الاتفاق المهم». وأكد هيثم أن مثل هذا الاتفاق يسهم بلا شك في تأسيس «مرحلة جديدة لإرساء الأمن والاستقرار في البلاد ودعم الشعب اليمني بالتعاون والشراكة مع التحالف العربي بقيادة السعودية، بصورة تهدف في نهايتها إلى بناء المؤسسات بجميع أنواعها في اليمن، بالإضافة إلى استدامة الأمن والاستقرار في البلاد».