فتح الخط السياسي بين الحريري وباسيل رافقه فتح للطرقات

تريث رئيس الجمهورية في الدعوة إلى الاستشارات يثير اعتراضات

TT

فتح الخط السياسي بين الحريري وباسيل رافقه فتح للطرقات

شكّل اللقاء بين رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري ورئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل أول خطوة على طريق فتح قنوات التواصل، بعد انقضاء أسبوعين على استقالة الحكومة، تخللهما تبادل الحملات السياسية والإعلامية، بالواسطة حيناً وأحياناً مباشرة، ويُفترض أن يستمر التواصل بينهما، وسط تكتّم شديد على الأجواء التي سادت اللقاء الأول الذي أدى إلى إنهاء القطيعة وذوبان الجليد.
وتلازم فتح خط الاتصال السياسي المباشر بين الحريري وباسيل مع فتح خط أمني قضى بمبادرة وحدات من الجيش اللبناني إلى فتح الطرقات لإعادة التواصل بين المناطق اللبنانية، بعد انقطاع بدأ مع انطلاقة الانتفاضة الشعبية في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية وحزبية أن «حزب الله» كان وراء تحضير الأجواء للقاء الحريري - باسيل، من خلال تواصله المباشر مع رئيس الجمهورية ميشال عون، مما أتاح أمام المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم الدخول على خط الاتصالات التي تُوّجت بجمعهما في «بيت الوسط».
ولفتت المصادر إلى أن لقاء الحريري - باسيل استهل بمقاربة الوضع السياسي من جوانبه الأمنية والاقتصادية والمالية كافة، وقالت إن مقاربتهما تمحورت حول مراجعة المرحلة السياسية التي سبقت استقالة الحريري، وما تخلّلها من خلافات كانت وراء التأخر في توفير الحلول، ولو على دفعات، للأزمة الاقتصادية، رغم أن البلد بدأ يقترب من الانهيار.
وأكدت المصادر نفسها أن مقاربتهما للوضع السياسي شملت أيضاً استقراء آفاق المرحلة المقبلة، خصوصاً أن البلد يدخل الآن في مرحلة سياسية غير تلك التي كانت سائدة قبل انطلاق «الحراك الشعبي»، وهذا يتطلب التعاطي بجدية مع المطالب التي طرحها، وبالتالي الالتفات إلى البحث عن حلول سياسية، وليس أمنية.
وعدت أن لقاء الحريري - باسيل ما هو إلا بداية للحوار لتحديد طبيعة المرحلة السياسية الراهنة، والتحديات التي ستواجهها الحكومة الجديدة، من دون دخولهما في الصيغ الوزارية المطروحة، أو في الأسماء التي يراد توزيرها، باستثناء تفضيل الحريري المجيء بحكومة تكنوقراط، شرط ألا تكون فضفاضة، وهذا ما يدفع باتجاه محاكاة الحراك الشعبي الذي يصر على هذا النوع من الحكومات.
وعزت المصادر السبب إلى أن الحريري ليس في وارد تقديم نفسه على أنه سيكلف بتشكيل الحكومة العتيدة، وقالت إنه من السابق لأوانه حرق المراحل، واستباق الاستشارات النيابية المُلزمة التي سيتولاها رئيس الجمهورية لتسمية الرئيس المكلف بتأليف هذه الحكومة.
ورجّحت أن يكون الحريري قد طرح على باسيل مجموعة من الأسئلة، طَلَبَ التريُّث في الإجابة عنها إلى حين العودة إلى رئيس الجمهورية للوقوف على رأيه حيالها، وقالت إن هذه الأسئلة، وأولها تشكيل حكومة تكنوقراط، لا تتصل بتكليفه بتشكيلها، لأن الخيار قد يقع على غيره، لكنه في مطلق الأحوال ليس في وارد الخضوع إلى الابتزاز أو التهويل أو استجداء هذا أو ذاك للعودة إلى رئاسة الحكومة.
وبكلام آخر، فإن الحريري الذي ينتظر ما ستؤول إليه الاستشارات النيابية لن يقبل بأن يستنسخ التركيبة الوزارية للحكومة المستقيلة في حكومة جديدة، مع تبدُّل أسماء الوزراء من دون أي تبدُّل في الأداء السياسي، خصوصاً أن البلد يمر في مرحلة شديدة الخطورة، تتطلب الإسراع في حل الأزمة الاقتصادية والمالية، اليوم قبل الغد، لأن هدر الوقت، وإضاعة الفرص، لم يعد مقبولاً على الإطلاق.
وفي هذا السياق، تساءلت المصادر الوزارية والنيابية عن الأسباب الكامنة وراء تأخّر رئيس الجمهورية في تحديد مواعيد لإجراء الاستشارات النيابية المُلزمة، وقالت إن ربط التكليف بالتأليف إذا طال أمده سيؤدي إلى مزيد من التأزّم السياسي، ويمكن أن ينذر بإقحام البلد في أزمة دستورية.
وتؤكد هذه المصادر أن رئيس الجمهورية ينتظر ما ستؤول إليه إعادة فتح خطوط التواصل السياسي، ليقرر في ضوء نتائج المشاورات الجارية متى يدعو لهذه الاستشارات، إلا أن تريُّث رئيس الجمهورية في هذا الخصوص، وإن كان الدستور لا يُلزمه بمهلة محددة لتوجيه الدعوات للبدء في الاستشارات المُلزمة، فإنه سيفتح الباب أمام ردود فعل معترضة على تريُّثه، وتحديداً من قبل الذين يحرصون على احترام صلاحيات رئاسة الحكومة، على قاعدة أنه من غير الجائز الإبقاء على مركز الرئاسة الثالثة شاغراً، وهذا ما يتعارض مع الأعراف المعمول بها حيال استقالة الحكومة.
وبكلام آخر، فإن مجرد ربط التكليف بالتأليف يعني حتماً إعطاء الأولوية لتشكيل الحكومة، وهذا ما يتعارض مع الدستور، وإن كانت هناك ضرورة للمشاورات، شرط أن لا يصار - كما تقول هذه المصادر - إلى التمديد للشغور في الرئاسة الثالثة.
كما أن هناك ضرورة لإحداث صدمة سياسية تتجاوز - بحسب المصادر نفسها - العودة إلى تكريس نظام المحاصصة، بذريعة أن هناك ضرورة لتشكيل حكومة وحدة وطنية، سرعان ما تتحول - كما حصل في الحكومة المستقيلة أو في الحكومات السابقة - إلى مجموعة من الحكومات محكومة بجزر سياسية تعيق إنتاجيتها.
لذلك، فإن الحريري، وإن كان قد التقى باسيل في أول خطوة على طريق الحوار، فهو ليس في وارد الانجرار إلى ثنائيات مع هذا الفريق أو ذاك، وإنما مع توسيع المشاورات مع حلفائه، بدءاً برئيس المجلس النيابي نبيه بري، مروراً برئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، وانتهاءً برئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع.
ويبقى السؤال: هل يبدّل «التقدّمي» موقفه لجهة تحفظه على المشاركة في الحكومة الجديدة مع دعمه للحريري، وكذلك الحال بالنسبة لحزب «القوات» الذي ليس في وارد المشاركة في حكومة تكنوسياسية، ويصر على تشكيل حكومة من ذوي الاختصاص ببيان وزاري، ببند وحيد يتعلق بالسعي إلى حل الأزمة المالية - الاقتصادية، وأنه ليس في وارد البحث استيلاد حكومة ما هي إلا نسخة طبق الأصل عن المستقيلة؟
لذلك، ترى المصادر أن الكرة الآن في مرمى رئيس الجمهورية، والقرار بيده، وهو لا يحتمل التأجيل.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.