يحكي علي أنه شاهد بعينيه أكثر من 50 شخصاً يسقطون قتلى أمامه منذ بدأت الاحتجاجات المناهضة للحكومة في العراق الشهر الماضي.
وقال علي لوكالة «رويترز» وهو في أوائل العشرينات من العمر ومن حي مدينة الصدر، أحد الأحياء الفقيرة في بغداد «أول واحد كان صدمة إلي، الشاب كان معروفاً إلي وضربوه بصدره».
وأضاف «تعودنا على الموت بسرعة... أني شايف ناس، منهم أصدقائي، اختنقوا، غرقوا، أو انقسمت جماجمهم من قنابل الغاز أو الصوتية». وتابع «ما نقدر نبشي (نبكي) على لمّ أجسادهم».
ويقول شهود ومصادر طبية وأمنية، إن أكثر من 250 عراقياً سقطوا قتلى منذ بداية أكتوبر (تشرين الأول) في احتجاجات على الحكومة التي يعتبرونها حكومة فاسدة أسيرة المصالح الأجنبية.
ولم يرد تعليق على الفور من وزارة الداخلية التي تشرف على الكثير من وحدات القوى الأمنية، لكن تقريراً حكومياً قال إن ما يقرب من 150 شخصاً قُتلوا في الأسبوع الأول من الاضطرابات وكانت إصابات 70 في المائة منهم بالرصاص في الرأس والصدر.
اتكأ علي على كومة من البطانيات القذرة على ضفة نهر دجلة تحت جسر الجمهورية وراح يروي قصص زملائه القتلى.
وعلى مدى الأيام العشرة الماضية أقام مئات الشباب والصبية، بعضهم صغار في الثانية عشرة من العمر، خياماً على الجسر وتحته. وهم يسمون أنفسهم «الخط الأمامي للثورة» ويرتدون خوذات مما يرتديه عمال البناء ويضعون أقنعة واقية من الغاز على وجوههم ويرددون هتافات تطالب بإسقاط الحكومة.
وقد شهد الجسر المؤدي من الساحة إلى المنطقة الخضراء المحصنة في بغداد، حيث مباني الحكومة والسفارات الأجنبية، اشتباكات عنيفة بين المحتجين والقوات الأمنية.
وأقام المحتجون المسلحون بالمقاليع متاريس من الألواح الحديدية والكتل الخرسانية. واستخدمت القوى الأمنية الطلقات المطاطية والقنابل الصوتية والغاز المسيل للدموع وقتلت العشرات على جسري الجمهورية والسنك المتجاورين.
وتجمد الحال على هذا الوضع المتوتر بين الجانبين.
وقال علي، بينما كانت قوات الأمن تطلق عدداً من عبوات الغاز المسيل للدموع «نرميهم بالحجر وبيردوا بقتلنا».
* صبية تحت الجسر
أقامت مجموعة من العاملين في المجال الطبي المتطوعين مخيماً للمساعدة في علاج الجرحى. ويقول أفراد المجموعة، إن الغاز المستخدم الذي انتهت صلاحيته يسبب الاختناق للناس. وشاهدت «رويترز» عبوات مدوّن عليها انتهاء الصلاحية في 2014.
وأصيب شاب حافي القدمين يرتدي قميصاً قذراً بلا أكمام وسروالاً بالإغماء بعد اختناقه بالغاز. وشاهد مراسل لـ«رويترز» المسعفين وهم يحملونه هابطين من الجسر ويضعونه في عربة توك توك لنقله إلى مستشفى قريب.
وتحيط بعلي مجموعة مترابطة من عشرة أفراد يخيمون تحت الجسر منذ 24 أكتوبر.
وتتقد المجموعة حماساً بفعل ما أريق من دماء. كثيرون منهم خرجوا من أفقر أحياء بغداد، حيث يعملون سائقي توك توك أو عمالاً باليومية.
ورغم ثروة العراق النفطية يعيش عدد كبير من أفراد الشعب في فقر ولا تتوفر لهم المياه النقية والكهرباء والرعاية الصحية أو التعليم إلا بقدر محدود. ويقول المحتجون إن الفساد هو السبب.
وقال عراقي اسمه عباس امتنع عن ذكر اسم عائلته «16 سنة (وهم) يقولون إن حياتنا راح تتحسّن». وأضاف، أنه من مواليد عام 2000 «واشتغل من عمر 10 (سنوات) وما عندي أكثر من 5000 دينار بجيبي».
* ليالٍ محفوفة بالخطر
تم القبض على عباس في الموجة الأولى من الاحتجاجات مع علي وآخرين من أفراد المجموعة. وقالوا إنه تم فحص هواتفهم للتعرف على رفاقهم من المحتجين. وأفرجت السلطات عنهم بكفالة وقيل لهم إن عليهم تجنب المظاهرات.
وقال علي «عدت للمظاهرات... لازم نبقى هنا لتستمر الثورة».
كان كل من تحدثت إليهم «رويترز»: يضعون ضمادات إما على الذراع أو الجذع أو الساقين. وقالوا إن الكثير من الإصابات نتج من استخدام قوات الأمن لعبوات الغاز المسال والقنابل الصوتية والرصاص المطاطي.
وكان بعضها يطلق من زوارق في النهر. وقال علي إن الخطر يشتد كثيراً في الليل.
وتابع علي، إن قوات الأمن ألقت البنزين على المخيم قبل بضع ليالٍ في الثالثة صباحاً، ثم ألقت قطعاً من القماش المشتعل. وشاهدت «رويترز» مقطع فيديو تظهر فيه القطع المشتعلة التي سقطت قرب مجموعة من الصبية النائمين.
والآن يقف الصبية للحراسة في نوبات.
وأردف علي «الثواني وقت ما نترك هذا الجسر تنزل الحكومة على ساحة التحرير وتخلي المظاهرات». وأضاف: «حتى لو رموا أي شي علينا ما رايحين لأي مكان».