حواجز وحظر تجول في العراق.... «بأمر الشعب»

كتلة خرسانية وضعها المحتجون أول من أمس على طريق يؤدي إلى ميناء أم قصر كُتب عليها «مغلق بأمر الشعب» (أ.ف.ب)
كتلة خرسانية وضعها المحتجون أول من أمس على طريق يؤدي إلى ميناء أم قصر كُتب عليها «مغلق بأمر الشعب» (أ.ف.ب)
TT

حواجز وحظر تجول في العراق.... «بأمر الشعب»

كتلة خرسانية وضعها المحتجون أول من أمس على طريق يؤدي إلى ميناء أم قصر كُتب عليها «مغلق بأمر الشعب» (أ.ف.ب)
كتلة خرسانية وضعها المحتجون أول من أمس على طريق يؤدي إلى ميناء أم قصر كُتب عليها «مغلق بأمر الشعب» (أ.ف.ب)

في الأيام العادية، تنصب قوات الشرطة حواجز أمنية وتسهّل مرور المشاة. لكن اليوم، على الطريق المتاخمة لنهر دجلة في وسط بغداد، أقام المتظاهرون حاجزاً وكان ردهم على رجال الشرطة الذين يحاولون العبور: «لدينا أوامر، لا يمكنكم المرور».
وحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية فإنه قبل يوم، وعلى الطريق ذات الاتجاهين نفسها، قام عناصر الشرطة بإنزال كتل خرسانية لمنع المتظاهرين من الوصول إلى ساحة التحرير. لكن على حين غِرّة، وصلت مجموعة صغيرة من المتظاهرين على متن عجلة «توك توك» حمراء، وهي وسيلة نقل اكتسبت شهرة كبيرة خلال الاحتجاجات، وقاموا بمطاردة الشرطة. أوقف المتظاهرون عربة التوك توك أمام شاحنات الشرطة، وقطعوا عليها الطريق، وضغطوا على الضباط للعودة عن قرارهم ورفع الجدران. وبالفعل تراجع عناصر الشرطة، وتمكنوا من تغيير مسار الشاحنة الكبيرة، وتبعها التوك توك منتصراً.
بُعيد ذلك، علّق المتظاهرون لافتة صغيرة كُتب عليها «الطريق مفتوح بأمر الشعب».
وشهدت الاحتجاجات التي انطلقت في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أعمال عنف دامية، أسفرت عن مقتل 257 شخصاً على الأقل، حسب أرقام رسمية.
ويواصل العراقيون الاعتصامات والإضرابات في المدارس، وقطع الطرقات والجسور الرئيسية بالقرب من المباني الحكومية. واتفق الآلاف من طلاب الجامعات العراقية والمدارس الذين يرفضون العودة إلى الفصول حتى بدء إصلاحات شاملة، على شعار «ماكو وطن، ماكو دوام».
ومددت نقابة المعلمين إضرابها لمدة أسبوع على الرغم من تهديدات وزارة التربية والمسؤولين باتخاذ عقوبات قانونية تجاه المضربين. لكن الأساتذة قرروا السير على خطى طلابهم، الذين كانوا قبل فترة يصفونهم بـ«جيل البابجي»، وهي لعبة قتالية على الإنترنت، حجبتها السلطات بقرار برلماني لاعتبارها تشجع على العنف، في بلد مزقته 40 سنة من الحروب. وأُغلقت جميع مباني مجالس المحافظات في المدن الكبيرة مع إعلان بلافتات كبيرة «مغلقة بأمر الشعب».
وفي الديوانية (200 كلم) جنوب بغداد، أصبح مقر الحكومة المحلية مكباً للنفايات.
وأُغلق المبنى منذ اقتحامه من قبل المتظاهرين الشهر الماضي، ويقوم سكان وشاحنات قمامة يومياً برمي أكوام النفايات هناك. أما في مدينة الرميثة بمحافظة المثنى الجنوبية، المعروفة بتاريخها في مقاومة البريطانيين مطلع القرن الحالي، فاتخذ المتظاهرون قراراً جريئاً ضد الحكومة. ففي وسط المظاهرة، ألقى أحد الناشطين خطاباً أعلن فيه تصعيداً ضد السلطات قائلاً: «نعلن فرض حظر تجول على السياسيين وإغلاق مكاتبهم ويُكتب عليها مغلقة باسم الشعب». وكانت السلطات الأمنية العراقية قد فرضت حظراً للتجول في غالبية مناطق الجنوب، في محاولة لقمع الاحتجاجات، لكن السكان تجاهلوا القيود على نحو متزايد.
وفي بغداد أيضاً، أعلن الجيش فرض حظر ليلي للتجول. لكنّ ذلك لم يزد المحتجين إلا إصراراً، وزاد التجمهر في ساحة التحرير الرمزية، مركز الاحتجاجات في العاصمة.
ويقضي الآلاف الليل في الساحة، حيث نصبت الخيم، فيما يشغل آخرون مبنى من 18 طابقاً يُعرف بالمطعم التركي، ويسميه المتظاهرون «جبل الثورة» أو «جبل أحد» أو «الجنائن المعلقة». ومن أعلى قمة هذا المبنى، يراقب الشباب الحشود في ساحة التحرير وعلى طول جسر الجمهورية المؤدي إلى المنطقة الخضراء.
وأقامت شرطة مكافحة الشغب العديد من الحواجز على امتداد الجسر لمنع المتظاهرين من التقدم إلى المنطقة التي تضم المقرات الحكومية والسفارات الأجنبية. لكن ذلك ليس إلا فرصة للمتظاهرين في المبنى، للسخرية من قوات الأمن. فصباح كل يوم، ينادي المحتجون عبر مكبرات الصوت من أعلى المبنى على قوات الشرطة المجهزة بشكل كامل، بالقول: «صباح الخير إخواتنا بمكافحة الشغب جماعة الشيفت (الدوام) الصباحي»، قبل أن يضعوا لهم أغنية «حبيبي صباح الخير» للفنان ماجد المهندس. وفي أسفل المبنى نفسه، يوزع المتظاهرون بطاقات تعريفية مزورة، مكتوب في حقل الهوية «عراقي شريف»، في إشارة إلى أن حاملها متظاهر سلمي.
لكن خلف السخرية والنكات، اتخذت المظاهرات نبرة أكثر جدية في الأيام الأخيرة. فصارت المجموعات تعقد مناقشات حول السياسة والاقتصاد، وحتى لمناقشة الدستور مادة بمادة، ويريدون تشكيل «حكومة ساحة التحرير».
ينادي البعض بالعودة إلى نظام رئاسي، بينما يقول آخرون إن العراق يحتاج إلى «ديكتاتور». لكن الجميع متحد في إدانة النظام الحالي. ويقول أحد المتظاهرين، وهو يشير إلى المنطقة الخضراء، إن «الأشخاص الأكفاء، موجودون هنا في التحرير، وليس هناك».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم