من أين ينبغي أن أبدأ؟

رواية أشعر تجاهها بالحسد

من أين ينبغي أن أبدأ؟
TT

من أين ينبغي أن أبدأ؟

من أين ينبغي أن أبدأ؟

يا إلهي! لا أصدق مدى روعة هذا الكتاب. أعلم جيداً أنه من المفترض أن يبدأ المرء عروض الكتب على نحو مختلف تماماً؛ على نحو أكثر هدوءاً، مع طرح لمحة عن تاريخ السرد والتقليد الأدبي الطويل الذي نجح الكتاب في دمج نفسه فيه؛ لكن «لا شيء لتراه هنا».
الرواية الثالثة لكيفين ويلسون تتحدى كل تقاليد المقدمة؛ لكونها رواية من نوع جديد تماماً. أيضاً، هي رواية تتميز بالمثالية. ويؤسفني أن أقول هذا: لقد تسببت متعة قراءة هذا الكتاب المثالي بينما كنت في خضم تأليف رواية جديدة، وموافقتي على كتابة عرض لها، في دفعي خطوات كثيرة إلى الخلف.
الآن: من أين ينبغي أن أبدأ؟ حسناً، هذه هي حبكة رواية «لا شيء لتراه هنا»: ليليان فتاة من الجنوب، تعيش برفقة والدتها (وهي تعشق المال وتمنحه أولوية عما عداه)، وتعمل ليليان على نحو مقطع، وتتنقل من عمل لآخر. عندما كانت ليليان صغيرة نجحت في تحدي حالة الجمود التي فرضها عليها فقرها، ونجحت في الالتحاق بمدرسة داخلية تحلم بها الفتيات الثريات. وهنا، شاركت غرفتها مع ماديسون المتألقة، وهي من نوعية الفتيات اللائي يجمعن بين الجمال والثراء، ومن أجلهن أنشئت مثل هذه المدرسة.
عن نفسها، تقول ليليان: «لم يكتب القدر لي حياة العظمة. أنا أعي ذلك. إلا أنني عرفت كيف السبيل لسرقتها من شخص أحمق، بما يكفي لترك راحة يده غير محكمة الإغلاق عليها».
كانت ليليان وماديسون مقربتين، وإن كان لدى ماديسون نوع من الأصدقاء لم يكن ليقبل قط بالخروج والتنزه مع شخص مثل ليليان. ذات ليلة، عثر مسؤولو المدرسة على مخدرات في غرفتهما. وعليه، دفع والد ماديسون لوالدة ليليان مبلغاً كبيراً من المال (لكنه في اعتقادي ليس بالغ الضخامة، وهنا تحديداً بيت القصيد)، كي تتحمل ليليان عبء هذا الجرم. وتوافق والدة ليليان، وبذلك تكتب سطور قدر ليليان، ما بين العمل في نوبات والإقامة بالمنزل.
ومع هذا، تظل ليليان وماديسون على اتصال عبر تبادل الخطابات، وعندما تبدأ الرواية تبعث ماديسون خطاباً إلى ليليان تطلب فيه منها القدوم إلى منزلها في تينيسي؛ حيث أصبحت الآن أُماً لطفل صغير وزوجة سيناتور مرشح لمنصب وزير الخارجية.
تطلب ماديسون من ليليان المجيء إليها، في وقت كانت جلسات الاستماع لتأكيد تعيين زوجها وزيراً للخارجية قد بدأت للتو. وكانت زوجة السيناتور السابقة قد توفيت، وطفلاهما على وشك دخول حضانتهما. أما المشكلة فتكمن في أن الطفلين - وهما توأم في العاشرة، يدعيان بيسي ورولاند - يعانيان مرضاً وراثياً يجعل النيران تضرم في الجسد تلقائياً إذا ما اعتملت بداخلهما مشاعر قوية. أما ليليان التي لا ترفض لماديسون طلباً، فقد وافقت على رعاية الطفلين في منزل خلفي داخل الضيعة خلال الصيف، أثناء انعقاد جلسات الاستماع للسيناتور، للتصديق على توليه المنصب الجديد، حتى يتسنى للزوجين التفكير فيما سيفعلانه مع الطفلين، وإن كان كل من الخيارات المطروحة يملأ ليليان بالهواجس والخوف من القادم. أما الثلث الأخير من الرواية فتتخذ فيه الأحداث مساراً يبدو حتمياً، ما يجعل حبكة الرواية ممتازة.
مرض النار كافٍ لإصابة الجلد بالتهابات، ومع أنه لا يقضي على حياة الطفلين، فإنه يدمر كل شيء قابل للاشتعال يلمسانه أثناء موجات انفعالهما. من جهتها، تعمل ليليان على جعل حياة الطفلين طبيعية - مثلاً، تنظم لهما زيارة إلى المكتبة، ويشاركان في عشاء عائلي في المنزل الرئيسي - ومع هذا، لا تبدو جهودها كافية قط لكي يعيشا حياة طبيعية بالفعل. بالتأكيد، من المفترض أن يتساءل القارئ حول دلالة مرض النار: هل هو شيء يجعل الأطفال غير مناسبين للحياة العامة؟ أم أنه ماضٍ مشين؟ لا أدري.
في الواقع، لا أهمية لهذا الأمر، فأحداث الرواية متماسكة، وتسير على نحو متناغم ورائع لدرجة أن هذا التساؤل لم يراودني إلا وأنا أكتب هذه المراجعة.
تعتبر ليليان نجمة الرواية بالتأكيد، وهي أكثر الرواة إثارة للاهتمام وسلباً للألباب عاينته في السنوات الأخيرة. إنها شخص فاشل بامتياز، شخص ليست أمامه أدنى إمكانية ليقترب يوماً من أن يصبح مثل ماديسون، وتبدو راضية بذلك. إنها فاترة دائماً، ويتملكها الضيق بسهولة، وتفتقر إلى الصبر، ولا تحمل مطلقاً أي بقايا من العزيمة والتفاؤل اللذين مكَّناها في البداية من الالتحاق بمدرسة صفوة داخلية.
بحلول الوقت الذي نلتقيها فيه، نجد أنها غير قادرة حتى على سرد قصة ماضيها باهتمام. واللافت أن الأشخاص الذين كان من المفترض أن يحبوها هم من دمروا لها حياتها.
من جانبي، لم أرَ في حياتي شخصية نسائية كهذه. لقد كانت تجربة مذهلة؛ القراءة عن هذه الشخصية. ومن النادر أن تجد راوي قصة مثل ليليان؛ لأنها من نمط الأشخاص الذين لن يقدموا على سرد كتاب في حياتهم. وبالتأكيد، ستجد مسألة سرد قصة حياتها أمراً أحمق.
والآن، سأسرد عليكم بعض عبارات الرواية التي أشعلت بداخلي نيران الغيرة الأدبية، وكادت تدفعني نحو الجنون:
بمجرد أن رأت ليليان أحد التوأم يستشيط غضباً: «(رولاند)، قلت بصوت خفيض للغاية، وهادئ للغاية، كما لو كنت أمارس القتل الرحيم ضد هر: (اذهب واحضر لي منشفة، اتفقنا؟)».
ماديسون تشرح أن جلسات الاستماع لتأكيد تعيين السيناتور ستبدأ مبكراً عن الموعد الذي توقعوه؛ لأن وزير الخارجية القديم مات في وقت مبكر عما اعتقدوا: «حسناً، كان يحتضر؛ لكنه كان رجلاً قوياً. كان سيموت لكن ببطء شديد. هذا أمر لم يكن متوقعاً».
داخل منزل طبيب عجوز متقاعد في تينيسي؛ حيث اصطحبت ماديسون التوأم لفحص خاص: «أنا أيضاً طبيب في الماورائيات، وهو علم قائم بذاته، أؤكد لك ذلك. وقد أجريت بعض الأبحاث حول الاحتراق البشري المفاجئ».
«(هل الأمر كذلك؟) قلت هذا وأنا أستعد للصراخ».
وفي وقت لاحق: «قال وهو يحول انتباهه: (الآن، يا أطفال، إذا ما تجاوزنا الطب ونظرنا إلى الماورائيات، ربما سننظر في فكرة النار، وكيف يجري احتواء النار داخل وعاء بشري)».
«(هاه؟) قال رولاند».
«حسنا، النار الوحيدة التي أعرفها داخل جسد بشري توجد في الروح القدس».
«تساءلت بيسي: (ماذا الآن؟)»
«وأنا قلت: (ماذا تقول؟)»
«مضى في قوله عابساً: (الروح القدس؟ التجسيد غير المرئي للإله؟) وبدا وكأنه في برنامج (هرم الـ10000 دولار) ولم يكن في إمكانه تصديق أن شريكه لم يخمن الإجابة بعد. (الثالوث المقدس؟)».
لقد قرأت هذا المشهد ثلاث مرات، ثم تركت الكتاب جانباً لمدة أسبوع.
يذكر أن ويلسون ألف أربعة كتب أخرى أنوي قراءتها بمجرد الانتهاء من روايتي؛ لأنني لست على ثقة بقدرتي على تحمل مزيد من هذا الإبداع الأدبي.
إن «لا شيء لتراه هنا» قنبلة أدبية في شكل رواية حول الصداقة الأنثوية. وهنا أشعر بغضب جديد؛ لأن رجلاً قدم لنا مثل هذا التصوير الدقيق الرائع للصداقة في عالم المرأة، والذي لم أقرأ مثله في السنوات الأخيرة سوى قليل للغاية. أيضاً، تدور الرواية حول مسؤولياتنا إزاء من نعتني بهم ونهتم لأمرهم.
ويكتب ويلسون بلمسة خفيفة للغاية، لدرجة أنه إلى حد ما من المستحيل أن يفجر الكتاب بداخلك بركاناً عاطفياً. لكن ههنا تكمن عبقرية الرواية: أنها تشتت انتباهك بهذه الشخصيات الغريبة، وتأسرك بعباراتها الطريفة، ثم تصفعك فجأة على نحو لم تكن تتوقعه مطلقاً. لقد أضحكتك الرواية بشدة؛ لدرجة أنك لم تشعر بالنيران تضرم في جسدك فجأة.
- خدمة {نيويورك تايمز}



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.