بينما كان مقاتلو «داعش» يتقدمون يوم الثلاثاء، باتجاه بلدة كوباني السورية الواقعة على الحدود التركية، أصبحت خطة الرئيس باراك أوباما لمحاربة التنظيم المسلح التي تهدف إلى عدم الانجرار بشكل أعمق في الحرب الأهلية السورية تواجه ضغوطا شديدة.
وبينما كانت القوات التركية تراقب القتال الدائر في كوباني من خلال سياج من الأسلاك الممتدة، قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إن المدينة كانت على وشك السقوط، كما حذر المقاتلون الأكراد من حمامات دم وشيكة حال عدم دعمهم، وهي المخاوف ذاتها التي تتقاسمها الولايات المتحدة الأميركية.
ولكن إردوغان أعلن أن تركيا لن تشارك بشكل أكثر عمقا في الصراع الدائر ضد «داعش» ما لم توافق الولايات المتحدة على توفير المزيد من الدعم للمتمردين الذين يحاولون إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، مما زاد من حدة التوترات مع أوباما، الذي كان يود أن تتخذ تركيا إجراءات أكثر قوة ضد «داعش» وعدم الخلط بين ذلك والقتال ضد الأسد.
كما عارض إردوغان أيضا المناشدات لإرسال قواته إلى الحدود في ظل غياب منطقة حظر طيران لدرء خطر القوات الجوية السورية.
وشعرت إدارة أوباما بخيبة الأمل حيال ما عدته رفضا تركيا للقيام بالمزيد من العمليات العسكرية. فقد أشار المسؤولون - على سبيل المثال - إلى أن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة تمكن بنحو فعال - في ظل عمليات القتال والغارات الجوية المتعاقبة - من فرض منطقة حظر طيران فوق شمال سوريا، وبالتالي فإن طلب إردوغان بمنطقة حظر طيران ليس سوى طلب أجوف لا معنى له.
ومن جهته، قال مسؤول كبير بالإدارة الأميركية: «هناك قلق متزايد إزاء التلكؤ التركي في التحرك لمنع وقوع مذبحة على مسافة أقل من ميل من حدودها». فبعد كل الشجب والإدانة ضد الكارثة الإنسانية التي تشهدها سوريا، إنهم يبتكرون أسبابا تبرر عدم تحركهم لتجنب وقوع كارثة أخرى.
وفي سياق متصل، قال المسؤول الذي اشترط عدم الكشف عن هويته تجنبا للانتقاد العلني لأحد حلفاء الناتو: «هذه ليست هي الطريقة التي تتصرف بها دولة في الناتو عندما تكون أبواب الجحيم على مرمى حجر من حدودهم».
وبدوره، أجرى وزير الخارجية الأميركي جون كيري مكالمات هاتفية كثيرة على مدار الـ27 ساعة الماضية مع رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو وكذلك مع نظيره التركي ميفلوت تشافوشو، في محاولة لحل أزمة الحدود، طبقا لما ذكره مسؤولون أميركيون. فيما يرى الرئيس أوباما أن الخلاف مع تركيا من شأنه أن يهدد جهوده لتشكيل تحالف يضم الدول المسلمة السنية لمحاربة «داعش». وفي حين أن تركيا لا تعد الدولة الوحيدة التي قد تجعل هدف الإطاحة بالأسد يتقدم على دحر المتطرفين لدى «داعش»، شدد البيت الأبيض على أن التهديد الملح يأتي من جانب المتشددين.
ولكن إذا ظلت تركيا رافضة للتفاهم، من الممكن أن يتعرض هذا التحالف إلى المزيد من الصدع. إنها ليست فقط حليفا بالناتو، ولكنها تعد أيضا الطريق الرئيسي للمقاتلين للأجانب الذين يسعون للانخراط في صفوف «داعش».
وفي نهاية المطاف، قال مسؤولون أميركيون إنه لا يمكن أن تتقهقر «داعش» دون وجود قوات برية تستمد من صفوف المعارضة السورية. ولكن يرى مسؤولون أنه حتى يتم تدريب تلك القوات وتجهيزها للقتال، وهو ما سوف يستغرق بعض الوقت، يمكن لتركيا أن تلعب دورا حيويا.
ومن جانبه قال مسؤول بارز من مقاتلي قوات البيشمركة والجيش العراقي، مشترطا عدم الكشف عن هويته بسبب إدلائه بمسائل داخلية: «كنا نعتقد أنه سوف يكون من الأسهل حماية المراكز السكنية ودعم الهجمات البرية في العراق، حيث يوجد لدينا شركاء»، وأضاف: «من الواضح أن الوضع في سوريا سوف يستغرق المزيد من الوقت لإيجاد نمط الشركاء ممن نستطيع التنسيق معهم للقتال على الأرض».
وفي سياق متصل، لفت المسؤول إلى أنه لهذه الأسباب، كانت - وما زالت - الاستراتيجية العسكرية في سوريا تركز على «عدم توفير ملاذ آمن لـ(داعش)، وإضعاف البنية التحتية الحيوية - مثل نظم القيادة والسيطرة ومطافي النفط المتنقلة - التي يستخدمونها لدعم عملياتهم في العراق».
فيما أوضح جوش آرنست، المتحدث باسم الرئيس أوباما، في حديثه مع الصحافيين على متن طائرة «إير فورس وان»، أنه كان واثقا أن الجنرال المتقاعد جون آلن، الذي عينه الرئيس مؤخرا مبعوثا خاصا إلى سوريا، سيكون قادرا على حل بعض القضايا اللوجيستية المتعلقة بمشاركة الجيش التركي في التحالف، ولكنه أقر أن رأي تركيا المخالف بالحاجة إلى الإطاحة بالأسد كان أمرا مرجحا.
وبينما مضت الخطة الدبلوماسية في طريقها، حرصت الولايات المتحدة على التأكيد على مساندتها للأكراد المحاصرين في كوباني.
وأفاد المقاتلون الأكراد في كوباني بنفاد ما لديهم من ذخيرة وأنهم لا يمكنهم تحقيق النصر دون تزويدهم بالمزيد من القوات والأسلحة من تركيا، وأجمع على ذلك بعض المحللين المستقلين وبعض الشخصيات من ذوي النفوذ في الكونغرس الذين سخروا من الغارات الجوية التي جرى شنها في كوباني وعدوها قليلة جدا ومتأخرة للغاية.
وفي هذا الصدد، قال النائب الجمهوري الأميركي إد رويس عن ولاية كاليفورنيا، والذي يترأس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، في بيان له: «كان هذا موقفا آخر ملائما؛ حيث كان مقاتلو (داعش) وأسلحتهم الثقيلة مرئيين بشكل واضح لتوجيه ضربات جوية أميركية ضدهم»، ومضيفا: «وبدلا من اتخاذ إجراء حاسم، قوبل تقدم (داعش) بحفنة قليلة من الغارات الجوية. قد تكون تلك الجهود المكثفة صباح الثلاثاء قد جاءت بعد فوات الأوان».
كما ناشد ستيفان دي ميستورا، مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، العالم بشكل شديد وغير معتاد لاتخاذ «إجراءات ملموسة» للحيلولة دون وقوع كوباني في قبضة «داعش»، قائلا: «سوف يندم العالم أجمع بشدة حال تمكن (داعش) من السيطرة على مدينة دافعت عن نفسها بشجاعة ولكنها لن تتمكن، قريبا، من الاستمرار في ذلك. علينا أن نتحرك الآن».
اندلعت أعمال القتال على طول التلال المنحدرة من منطقة كوباني الكردية، بينما لا يزال يحاول العراق المجاور جاهدا تحويل عمليات القصف الجوى ضد «داعش» إلى المزيد من القوات على الأرض. وزاد الأمر من تفتيت سوريا، من خلال عزل المناطق الكردية الواقعة في الشمال الشرقي. وأصبح الأكراد يشعرون بالعزلة، رغم أنهم من بين الأقلية المستضعفة التي عدّ أوباما حمايتها واحدة من الأولويات - فهم أقلية معتدلة سياسيا، ويقاتل السيدات إلى جانبهم ووفروا الملاذ للسورين النازحين داخليا من مختلف الانتماءات العرقية.
ومن جانبه، قال الكردي السوري محمود نابو (35 عاما): «يمكنني الآن مشاهدة القصف الجوي وهو يقترب من المناطق المجاورة لي»، مشيرا إلى الجانب الغربي من المدينة التي فر إليها يوم الاثنين عندما دعا المقاتلين الأكراد المدنيين إلى إخلاء منازلهم، مضيفا: «كنا نعتقد أنه سينتهي الأمر بعد شن الغارة الجوية الأولى ضد (داعش)، ولكن الآن أصبح القصف الجوي أقرب وأكثر تواترا».
ويقول محللون إن أكراد كوباني محتجزون كرهائن، بينما يسعى إردوغان إلى انتزاع تنازلات ليس فقط من واشنطن ولكن أيضا من قادة الأكراد (خصومه المحليين منذ وقت طويل).
ومن جهته، نوه سونر كاجابتاي، المحلل بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، إلى أن الهدف يكمن في إضعاف حزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا خلال محادثات سلام مع الحكومة التركية.
تريد تركيا أيضا أن يندد المقاتلون الأكراد بالأسد وأن ينضموا علانية إلى الثوار السوريين الذين يحاربونه. ولكن المقاتلين والقادة السياسيين المحليين قبلوا بالسيطرة على المناطق الكردية عندما انسحبت قوات الأسد في بداية الحرب السورية، وركزّوا على الحكم الذاتي وحماية أراضيهم بصورة أكبر من محاربة القوات الحكومية. وفي بعض المناطق، حاربوا إلى جانب القوات الحكومية. تركت الأزمة كوباني معزولة. وأصبح بعض اللاجئين حرفيا مضغوطين حتى السياج الحدودي، غير راغبين في العبور لأنهم لا يستطيعون حمل الحيوانات التي يربونها، وأحيانا ما تمنعهم السلطات التركية التي تمنع أيضا الأكراد السوريين والأتراك من العبور إلى سوريا لمحاربة تنظيم «داعش».
وعلى مسافة قصيرة من الحدود القريبة من كوباني، صرح كردي سوري هارب يدعى عمر علوش، أن جنديا تركيا كان يشاهد ما يحدث عندما خاطب مقاتل تابع لـ«داعش» الأكراد السوريين عبر السياج الحدودي قائلا إنه مرحب بعودتهم طالما التزموا بتطبيق التنظيم المتطرف للشريعة.
وقال علوش، وهو عضو في أحد الأحزاب السياسية الكردية في كوباني، عبر الهاتف: «لن نثق مطلقا في هؤلاء الأشخاص».
ولكن شاهدا آخر يدعى أفني ألتنداج وهو كردي من مدينة سروج قال إن «داعش» أقوى من بضع غارات جوية.
وأشار إلى الرجال الذين يشاهدون دخاناً متصاعداً فوق كوباني، وكانوا يهتفون باسم وحدات الحماية الشعبية الكردية التي تحارب تنظيم «داعش» في شوارع البلدة.
وقال: «كانت لديهم توقعات كبيرة بشأن الغارات الجوية ضد (داعش)، ولكنهم جميعا محبطون».
ويلقي التينداج باللوم على تركيا قائلا: «إنهم لا يريدون مساعدة من يصفونه بعدوهم. لذلك من مصلحة تركيا أن تسقط كوباني في يد داعش».
* خدمة نيويورك تايمز