«إنه يحتاج إلى (تويتر)، كما نحتاج نحن إلى الطعام»، هكذا وصفت مستشارة البيت الأبيض كيليان كونوي علاقة الرئيس دونالد ترمب بـ«تويتر» في إحدى المقابلات. وعكست بذلك العلاقة غير المسبوقة وغير التقليدية لمن يوصف بـ«أقوى رئيس في العالم» بإحدى أهم منصات التواصل الاجتماعي في عصرنا الحديث. فقد استخدمها أداة انتخابية فعالة في عام 2016 قبل الوصول إلى البيت الأبيض، ثم حوّلها أداة سياسية منذ تسلمه منصبه لمهاجمة خصومه، والتباهي بإنجازاته، وأخيراً الدفاع عن نفسه وتطمين قاعدة أنصاره.
بعض من تغريدات ترمب
ورصدت صحيفة «نيويورك تايمز» وتيرة «تغريد» الرئيس ترمب منذ تسلمه الرئاسة، في تقرير نشرته على موقعها أمس، وحلّل أكثر من 11 ألف تغريدة نشرها على مدى 33 شهراً. وقالت الصحيفة إنه استخدم «تويتر» 1159 مرة للمطالبة باعتماد سياساته المتعلقة بالهجرة والجدار مع المكسيك، و521 مرة للدفع باتجاه اعتماد سياسة الرسوم في إطار الحرب التجارية مع الصين وغيرها. كما لجأ ترمب إلى «تويتر»، بدل البيت الأبيض، لإعلان استقالة أو إقالة نحو 24 مسؤولاً في إدارته.
وجاء في تحليل الصحيفة لتغريدات الرئيس، أن أكثر من نصف إجمالي التغريدات (أي نحو 5889 منشوراً)، كرّسها ترمب لمهاجمة خصومه ومنافسيه وتحقيقات تستهدفه، بما يشمل «تحقيق مولر» في اتهامات التواطؤ المزعومة مع روسيا، وإجراءات العزل التي يقودها ديمقراطيو مجلس النواب حالياً، ومدناً كاملة حُكّامها ديمقراطيون، والاحتياطي الفيدرالي، ورياضيين انتقدوه. في المقابل، خصص ترمب ألفي تغريدة لمدح نفسه.
وارتفع استخدام الرئيس الأميركي لـ«تويتر» بشكل كبير منذ انتهاء التحقيق في «الصلات الروسية» الذي برّأ ترمب من التواطؤ مع الحكومة الروسية، لكنّه لم يُصدر حكماً فيما إذا عرقل الرئيس العدالة، وانطلاق إجراءات التحقيق التي قد تُفضي إلى إدانته في مجلس النواب. و«غرّد» ترمب 500 مرة في أول أسبوعين من أكتوبر (تشرين الأول)، ما ضاعف معدل استخدامه لمنصة التواصل الاجتماعي 3 مرات.
ويثق الرئيس الأميركي في إتقانه فن استخدام «تويتر» لحشد دعم أنصاره، ودفع أولوياته، ومهاجمة خصومه. وأكّد ترمب ذلك الأسبوع الماضي عند إعلانه في مؤتمر صحافي مقتل زعيم «داعش»، الإرهابي أبو بكر البغدادي. وقال ترمب أمام عدد من وسائل الإعلام وملايين المتابعين عبر العالم: «إنهم (داعش) يستخدمون الإنترنت أفضل من الجميع تقريباً»، وتابع: «باستثناء دونالد ترمب».
وفي وقت مبكر من رئاسته، بحث كبار المساعدين في البيت الأبيض مطالبة «تويتر» بفرض تأخير لمدة 15 دقيقة على تغريدات ترمب، قبل أن يتراجعوا عن ذلك. ووجدت الصحيفة عبر تحليلها سيل التغريدات الرئاسية أن فترة الرئيس المفضلة لاستخدام «تويتر» هي بين السادسة والعاشرة صباحاً، أي قبل توجّهه إلى المكتب البيضاوي واجتماعه مع مساعديه.
كما كشف تقرير «نيويورك تايمز» أن الرئيس لا يحب نشر تغريدات عندما لا يكون وحيداً، والسبب هو أنه لا يحب ارتداء نظارات القراءة التي يحتاجها لاستخدام هاتفه «آيفون». واعتاد ترمب إملاء تغريداته على مساعده ومسؤول وسائل التواصل الاجتماعي في البيت الأبيض، دان سكافينو، الذي يقوم بمراجعتها مع الرئيس قبل نشرها. ويطبع سكافينو أحياناً التغريدات بخط كبير حتى يقرأها الرئيس ويوافق عليها قبل النشر. وذكرت الصحيفة أن هذه المهمة حوّلت سكافينو من مسؤول عادي في البيت الأبيض إلى شخصية ذات نفوذ، إذ أصبح المساعدون والمشرعون الجمهوريون يتوجّهون إليه باقتراحات لتغريدات رئاسية.
ولا تقتصر طباعة التغريدات بالخط الكبير على منشورات الرئيس، بل إن مساعديه اعتادوا على طباعة تغريدات مؤيدة لخطاباته وتقديمها له. وفي إحدى المرات، أرسل البيت الأبيض كلمة شكر إلى تومي لاهرن وهي معلّقة على شبكة «فوكس نيوز»، وقّعها الرئيس ترمب على ورقة جمع فيها مساعدوه سلسلة تغريدات مؤيدة له. ونشرت لاهرن على حسابها الخاص صورة لكلمة الرئيس، وشكرته بدورها.
ويأتي ارتفاع وتيرة التغريدات الرئاسية بينما بدأ العدّ التنازلي لانتخابات الرئاسة الأميركية في عام 2020. وفي حين يعول ترمب على قاعدة أنصاره القوية لانتزاع ولاية ثانية، اختار الديمقراطيون المجازفة بسلك طريق إطلاق إجراءات عزل الرئيس التي أصبحت تطغى على النقاشات في انتخاباتهم التمهيدية. وحتى الآن، لم يظهر مرشح ديمقراطي واضح للاقتراع من أصل عدد قياسي من الطامحين للرئاسة.
وقال ترمب الجمعة، بينما كان محاطاً بعدد من مؤيديه: «لم نكن يوماً نتمتع بهذا القدر من الدعم الذي نلقاه حالياً»، مستبعداً بذلك الفكرة التي تفيد بأن إجراءات عزله قد تحرمه من ولاية رئاسية ثانية. بل إنه رأى أن هذه الإجراءات يمكن أن تثير حماس أنصاره الذين يشكلون «أغلبية غاضبة» متفقة على إدانة ما تعدّه «حملة شعواء» ضده. وفي لهجة تكشف أن الحملة ستكون قاسية، هاجم الرئيس بعنف «الديمقراطيين الذين لا يفعلون شيئاً»، كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية.
ومن التأمين الصحي إلى حيازة الأسلحة والهجرة، يحاول كثير من المرشحين الديمقراطيين دفع حزبهم إلى الانعطاف يساراً. لكن رغم جهودهم، انتقلت القضايا السياسية العامة إلى المرتبة الثانية بحكم الأمر الواقع.
وشهدت عضوة مجلس الشيوخ إليزابيث وارن، التي تعد من المرشحين الأوفر حظاً للفوز بترشيح حزبها الديمقراطي للانتخابات الرئاسية، مشروعها للتأمين الصحي العام خلال الأسبوع الحالي يغرق تحت زخم أول تصويت في الكونغرس في إطار إجراءات الاتهام.
وكانت زعيمة الديمقراطيين نانسي بيلوسي تقاوم لفترة طويلة طلبات فتح تحقيق حول ترمب في مجلس النواب الذي يهيمن عليه حزبها، خوفاً من أن تواجه المعارضة تبعات إجراءات تسبب انقساماً ولا تلقى شعبية. وبالفعل، كشفت استطلاعات للرأي أن 49 في المائة من الأميركيين يؤيدون إجراءات العزل، و47 في المائة يعارضونها، في نسب تعكس تماماً ميولهم الحزبية.
وما يجعل الخطوة تنطوي على مخاطر أكبر، هو أن مجلس الشيوخ، حيث يشكل الجمهوريون أغلبية، سيبرئ الرئيس ترمب على الأرجح. ويخشى الديمقراطيون أن يواجهوا صدمة تبرئته قبل الانتخابات.
واقتنعت بيلوسي بهذه الخطوة في 24 سبتمبر (أيلول) بعد الكشف عن محادثة هاتفية طلب ترمب خلالها من رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي التحقيق بشأن نائب الرئيس السابق الديمقراطي جو بايدن وابنه. وكان بايدن المرشح الأوفر حظاً للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية، لكن الجدل حول هذه القضية وتعاملات ابنه هانتر المشبوهة في أوكرانيا أثّر على صورته، وأدى إلى تراجع الفارق بينه وبين المرشحين الآخرين، خصوصاً لمصلحة إليزابيث وارن. ويأتي بعد ذلك السيناتور الديمقراطي بيرني ساندرز، ثم رئيس البلدية المعتدل بيت بوتدجيدج النجم الصاعد للديمقراطيين.
وللمرة الأولى، وضع استطلاع للرأي بايدن في المرتبة الرابعة بين المرشحين المفضلين للناخبين الديمقراطيين في أيوا، أول ولاية ستصوت في الانتخابات التمهيدية بعد الشاب بيت بوتدجيدج الذي لم يكن معروفاً قبل عام واحد فقط.
الأمر الغامض الثاني الذي يؤثر على الحملة هو البرنامج الزمني لإجراءات العزل. فمن غير المعروف كم سيستغرق هذا التحقيق ولا متى سيؤثر على الحملة، بينما تبدأ عمليات التصويت الأولى في الانتخابات التمهيدية للديمقراطيين مطلع فبراير (شباط). أما ترمب، فسيحاول تكرار استراتيجيته الرابحة في 2016، أي الاعتماد على قاعدته في بعض الولايات الأساسية التي تسمح له بالحصول على أغلبية من كبار الناخبين، والفوز في الاقتراع غير المباشر حتى إذا هزم في مجموع الأصوات.