وزير الشؤون الدينية والأوقاف السوداني: لا يوجد «دواعش» في السودان بل متطرفون

مفرح قال لـ «الشرق الأوسط» إنه وجه دعوات إلى اليهود السودانيين للعودة... وستعاد حقوق المسيحيين

نصر الدين مفرح
نصر الدين مفرح
TT

وزير الشؤون الدينية والأوقاف السوداني: لا يوجد «دواعش» في السودان بل متطرفون

نصر الدين مفرح
نصر الدين مفرح

نفى وزير الشؤون الدينية والأوقاف السوداني نصر الدين مفرح، وجود كيان لتنظيم «داعش» في السودان، لكنه أشار إلى وجود متطرفين كثر أفرخهم النظام السابق. وقال مفرح إن وزارته ستعمل على محاربة التطرف والغلو والأفكار التكفيرية، وتعمل على مكافحة الإرهاب والمساهمة في تجديد المناهج المدرسية لتخريج طلاب معرفيين يفيدون مجتمعهم. وقال إن من خطط وزارته العمل على نشر وبسط خطاب الاعتدال والوسطية وأدب الاختلاف والاعتراف بالتعدد الثقافي والديني والاجتماعي. كما تعمل على الاستفادة من طاقات الشباب، وتعزيز دور المرأة.
وقال مفرح في حوار مع «الشرق الأوسط»، أجري عبر البريد الإلكتروني، إنه وجه دعوات إلى اليهود السودانيين، الذين أجبروا على ترك بلادهم، للعودة إلى بلادهم، والمشاركة في إعمارها، كما أشار إلى أن الممتلكات التي سلبت من السودانيين المسيحيين، خلال النظام السابق، ستعاد إلى أهلها عبر بوابة القضاء، قبل أن يؤكد أن المنتسبين إلى جميع الأديان لهم كامل الحرية في ممارسة شعائرهم دون أي حجر.

«داعش» والسودان
قال مفرح «لا وجود لـ(داعش) في السودان بشكل مؤسسي، ولكن هناك متطرفون أفرخهم النظام السابق»، رغم تأكيده أن عدد السودانيين الذين التحقوا بالتنظيم الإرهابي لا يتجاوز 15 فرداً كانوا يدرسون في جامعة محددة في الخرطوم وخرجوا للالتحاق بالتنظيم وقاتلوا ضمن صفوفه. وأشار إلى أن «العالم كله يعرف أن (داعش)، تنظيم دولي، وهناك مجموعات منتشرة في عدد من الدول». «ولكن في السودان ليس لدينا تنظيم مؤسس لـ(داعش) ويمكن أن نقول يوجد أفراد، ليس لدي رقم محدد لهم». وأضاف أن «قلة منهم عادت إلى البلاد وآخرين لا نعرف وجهتهم أو مكانهم، وبعضهم قتل في معارك»، وصفها بـ«أن لا ناقة لهم فيها ولا جمل».
وأضاف مفرح: «لا نعلم بوجود (دواعش) في الوقت الراهن، ولكن هناك بعض الخطب الدينية التي بدأت يظهر فيها غلو وتطرف، بعضها يحمل خطاب التكفير، وتوزيع الاتهامات مثل الزندقة والتفسيق والتبديع». وقال: «هذه كلها خطب لا علاقة لها بالإسلام أو بروح الدعوة التي جاء بها نبي الإسلام الكريم، صلى الله عليه وسلم. ونحن سنواجه أي دعوات تمس حرية الآخرين بالتكفير واتهامات الزندقة، بالقانون، ومن تتم محاسبته فلن يكون له مجال بأن يصعد المنابر ليخطب في الناس مرة أخرى».
وشدد مفرح في حوار مع «الشرق الأوسط» على أن أي شخص تتم إدانته بالتعامل مع «داعش» أو يبشر بخطاب الإرهاب والتطرف والغلو وينشر خطاب الكراهية فسيتم التعامل معه وفق القانون. وأوضح أن الاستراتيجية التي تتبعها وزارته والحكومة الانتقالية هي محاصرة الغلو والتطرف والتشدد ومكافحة الإرهاب وخطاب الكراهية في المساجد والجامعات والمدارس والمنتديات الثقافية والسياسية وكل الأنشطة والخطب التكفيرية. وقال: «نحن نعمل على نشر وبسط خطاب الاعتدال والوسطية وأدب الاختلاف والاعتراف بالتعدد الثقافي والديني والاجتماعي».
وحول دور المناهج التي تدرس في السودان منذ نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، في تفريخ التطرف الديني وخطاب الكراهية، قال مفرح: «لا توجد مناهج مدرسية تفرخ إرهابيين أو تكفيريين أو متطرفين ولكن هذه المناهج سواء العلمية أو الدينية لا تخرج عن كونها تفرخ طالبا يحفظ المقرر ويفرغه في ورقة الامتحانات وينتهي دوره بذلك»، مؤكداً أن المناهج المدرسية الحالية لا تصنع إنسانا معرفيا متطورا لبناء المجتمع.

مشروع الحركة الإسلامية
يقول مفرح إن «مشروع الحركة الإسلامية السودانية، تمت هزيمته في الحياة السياسية والمجتمعية بفضل الثورة المجيدة»، مشيراً إلى أن عددا من كوادر الحركة الإسلامية، يحاولون الآن استغلال المساجد من أجل الترويج لأفكارهم. وقال: «هذه المساجد للعبادة ولدعوة الناس إلى القيم والأخلاق والعدل والمساواة والسلام والاعتصام والوحدة وليس للتفرقة أو الإساءة للآخرين المختلفين»، مؤكداً أن جزءا كبيرا من هذه المساجد خاصة في ولاية الخرطوم أصبحت موجهة ضد الثورة، والإساءة إلى الحكومة وبعبارات جارحة.
وقال: «سنحاصر هذه المساجد بخطاب جاد يدعو إلى الوسطية والاعتدال ومحاربة التطرف وإلى أدب الاختلاف وإدارة التنوع والسلام»، وأوضح أن وزارته ستقوم بتدريب كوادر دعوية شابة تصدح بالحق وتقف مع الثورة. وأضاف: «ليس لدينا خطبة مكتوبة نقدمها إلى خطباء المساجد ولا يوجد خطاب مؤدلج ولكن سنبصر الناس بأن الداعية يجب أن يتفاعل مع قضايا مجتمعه ومع شعار الثورة: حرية وسلام وعدالة».

إدارة التنوع وتعزيز دور المرأة
قال مفرح إنه يطلق على وزارته اسم «وزارة المجتمع» لأن السودان يحظى بتنوع كبير وعظيم.
وقال: «في السودان سحنات مختلفة، وتوجهات فكرية وثقافية متعددة، كما توجد لغات عديدة غير العربية يتحدث بها كثر إلى جانب التنوع الديني»، مشيراً إلى أن برنامج وزارته يقوم على كيفية استيعاب التنوع والتعدد الموجود في البلاد.
وقال: «نعمل في إطار المطلوبات العشرة التي وضعتها الحكومة الانتقالية... سنعمل على تحقيق السلام وتعزيز مفهومه في المجتمع وغرس المحبة والسلام والقيم الروحية في أوساطه لكي نستطيع إدارة التنوع ونؤسس لأدب الاختلاف وخلق التعايش السلمي الديني بين مختلف الأديان والمعتقدات ومكونات المجتمع السوداني».
وأكد الوزير أن من مهام وزارته والحكومة الانتقالية، القيام على تعزيز دور الشباب وتوظيف الروح الخلاقة فيهم، وتمكينها في الخدمة المدنية ومنظمات المجتمع المدني لبناء المشروع الوطني. وأضاف: «سنعزز دور المرأة في المجتمع وتعظيم حقوقها الدينية التي نصت عليها الأديان السماوية والمعتقدات المختلفة كما سنعمل على تعزيز دورها في بناء المجتمع والسلم الاجتماعي»، مبرزاً أن النظام السابق سادت فيه الرشا والفساد والاختلاس وأن وزارته في خطتها ستعمل على محاربة هذه التركة الثقيلة عبر المنتديات والأنشطة المختلفة لمحاصرة هذه الفساد وبالتنسيق مع وزارة العدل يتم تشريع قوانين من شأنها محاسبة كل المجرمين والفاسدين.
وكشف مفرح عن أن وزير التربية والتعليم العام محمد الأمين التوم يعمل في الوقت الراهن على ترتيب مؤتمر عام للتعليم، وقال: «نحن جزء من هذا المؤتمر الذي سيتم عقده في وقت قريب وسنشارك في صياغة المناهج لتصبح مواكبة للمجتمع ومتطورة»، وأضاف: «نسعى لتخريج طالب معرفي ينتهج الوسطية والاعتدال ولديه قيم وأخلاق وليعرف أنه ضمن دولة مدنية ديمقراطية متعددة تسع الجميع بمختلف أديانهم ومشاربهم الفكرية والمذهبية وتعدد ثقافاتهم وقبائلهم».

الفساد في إدارة الحج والأوقاف
أكد الوزير وجود فساد كبير جداً في إدارات مواسم الحج والعمرة، والأوقاف في النظام السابق، لكنه قال إن ديوان الزكاة لا يتبع وزارة الشؤون الدينية والأوقاف؛ لأن النظام السابق قام بتوزيع الديوان إلى وزارات لها علاقة بالشؤون الاجتماعية. وأوضح أنه بدأ في استعادة ديوان الزكاة لكي يتبع وزارته باعتبار أن الزكاة شأن ديني ومن أركان الإسلام؛ لذلك هي جزء من وزارة الشؤون الدينية والأوقاف. وقال: «سأعيد ديوان الزكاة إلى الوزارة وسنقوم بتوجيه مصارف الزكاة الثمانية المعروفة لكي تصل للمستحقين وإنهاء ما كان يحدث في النظام السابق الذي كان يستفيد محاسيبه من مال الزكاة لأنهم اتخذوها مغنما ومغرما بالنسبة لهم».
وقال مفرح إنه بدأ عملا إصلاحيا في إدارتي والأوقاف والحج والعمرة، وسيتم عقد مؤتمر خاص حول إدارة الحج في الفترة القليلة المقبلة بدعوة لفيف من رموز المجتمع والمنظمات مع الاستعانة بتجارب مختلفة من دول إسلامية في كيفية إدارة تفويج الحجيج ورعايتهم، مشيراً إلى أن التجربة الماليزية تعتبر نموذجاً جيداً يمكن الأخذ بها (حيث تتم الإجاءات بالكامل داخل البلاد)، وقال: «سأقوم بدعوة عدد من الذين أدوا شعيرة الحج من قبل لمعرفة الإيجابيات والسلبيات التي صاحبت تجربة إدارة الحج وكذلك الاستعانة بمن لديهم خبرة في سنوات سابقة بإدارة الحج، قبل وصول النظام السابق للسلطة، إلى جانب دعوة إدارة الطيران المدني والملاحة البحرية». وأضاف أن توصيات هذا المؤتمر سيتم الاسترشاد بها في حج العام المقبل.
وأوضح الوزير أنه بدأ عملية إصلاح في إدارة الأوقاف وأصدر قرارات لكل الولايات بأن تحصر وترسل قائمة بالأوقاف التي بطرفها، وأن هناك بعض الولايات أرسلت بالفعل قوائمها، مشيراً إلى أنه سيقوم بحوسبة لمعرفة الأراضي والعقارات والمباني والتي تم تأجيرها والعائد منها ومعرفة إن كانت واقعية أم غير ذلك.

يهود السودان
وحول دعوته إلى اليهود السودانيين بالعودة إلى السودان والتي أثارت جدلاً واسعاً داخل البلاد وخارجها، سرد وزير الشؤون الدينية والأوقاف خلفية صغيرة عن اليهود السودانيين، قبل الإجابة عن السؤال، قائلا: «في حقبة زمنية وتحديداً منذ عام 1880 وحتى عام 1969 كانت هناك كتلة اجتماعية - اقتصادية تمثل اليهود»، مشيراً إلى أن أولئك اليهود كانوا جزءاً من ملامح المجتمع وانصهروا فيه. وكانوا يعملون في التجارة والاقتصاد والخدمة المدنية ونالوا تعليماً عالياً.
وقال: «هذا المجتمع اليهودي أفراده أصبحوا سودانيين ونالوا الجنسية السودانية وتعايشوا في البلاد مثلهم مثل أي مجموعات دينية أخرى مثل الأقباط والمسيحيين والأقليات الأخرى مثل الأرمن والهنود والآخرين».
وأضاف: «هذه المجموعة من اليهود واجهت ضغوطاً كبيرة خاصة في عهد الرئيس الأسبق جعفر نميري 1969 – 1985، إلى جانب الكبت الذي مورس عليهم والتسلط آنذاك من الحكومات العسكرية... مورست ضدهم ضغوط اقتصاد، حيث إنهم كانوا يمارسون التجارة وإدارة الأعمال، إلى جانب ضغوط سياسية ومجتمعية وآحادية وثقافية». وتابع: «أدت هذه الضغوط الهائلة إلى هجرة اليهود من السودان... ونحن في إطار الدولة المدنية الجديدة ومع هذه الثورة المجيدة التي أكدت أن المواطنة هي أساس الحقوق والواجبات... قدمت الدعوة لكل السودانيين في الخارج بمن فيهم اليهود الذين يحملون جنسية هذه البلاد بأن يعودوا للعيش في السودان مثلهم مثل أي سوداني يحمل جنسية هذه الدولة»، مشدداً على أن دعوته جاءت في إطار التعايش السلمي والديني في بلاده، نافياً أن يكون قدم دعوة إلى الصهاينة الذين اغتصبوا الأراضي الفلسطينية وإنما الدعوة وجهت إلى يهود سودانيين كانوا يعيشون في السودان وكانوا جزءا من ملامح مجتمعه العريق والمتنوع.

المسيحيون السودانيون
اعتبر وزير الشؤون الدينية والأوقاف أن المسيحيين في السودان لا يمكن وصفهم بالأقلية وهم سودانيون وديانتهم سماوية لها قيمها وعقائدها، وقال إن المسيحيين واجهوا اضطهاداً وممارسات سيئة جداً في عهد النظام السابق وظلموا كثيراً وواجهوا عداء كبيراً، وأضاف: «النظام السابق اغتصب جزءا من الكنائس والمعابد وصادر ممتلكاتهم وأراضيهم وحولها إلى مغانم ومكاسب شخصية وتحويل جزء منها إلى استثمارات»، مشيراً إلى أنه عند لقائه قادة الكنائس أكد لهم أن يقدموا كل الوثائق التي بحوزتهم التي تثبت ممتلكات الكنيسة، التي تم اغتصابها لرفع دعاوى قضائية عبر وزارة العدل، مؤكداً أن للمسيحيين وكل أصحاب المعتقدات الأخرى والأديان كامل الحرية في ممارسة شعائرهم دون أي حجر.



عودة «آلاف السودانيين» تكبح جماح الإيجارات في أحياء مصرية

سودانيات يسرن بملابسهن المميزة في شارع فيصل بمحافظة الجيزة (الشرق الأوسط)
سودانيات يسرن بملابسهن المميزة في شارع فيصل بمحافظة الجيزة (الشرق الأوسط)
TT

عودة «آلاف السودانيين» تكبح جماح الإيجارات في أحياء مصرية

سودانيات يسرن بملابسهن المميزة في شارع فيصل بمحافظة الجيزة (الشرق الأوسط)
سودانيات يسرن بملابسهن المميزة في شارع فيصل بمحافظة الجيزة (الشرق الأوسط)

انتقل نافع عبد الحي، وهو سوداني مقيم في منطقة فيصل جنوب القاهرة، إلى شقة بنصف سعر إيجار أخرى سكن فيها هو وعائلته منذ 9 أشهر، مستفيداً من تراجع أسعار إيجارات الشقق في مصر بشكل ملحوظ مع عودة آلاف السودانيين إلى بلادهم.

يقول لـ«الشرق الأوسط» إنه يدفع الآن 4500 جنيه فقط في الشهر (الدولار 48.75 جنيه)، بدلاً من 9 آلاف جنيه في الشقة الأولى، وهما في نفس المستوى، ولا يبعدان عن بعضهما سوى 2 كيلومتر فقط.

وخلال الشهور الماضية، تَقَدَّمَ الجيش السوداني في أحياء سكنية ومناطق عدة بالعاصمة الخرطوم وضواحيها على حساب «قوات الدعم السريع»، كما سيطر على مداخل 3 جسور استراتيجية في العاصمة المثلثة، وهي «الفتيحاب» و«النيل الأبيض» و«الحلفايا»، والذين يربطون ولايات أم درمان والخرطوم والخرطوم بحري، ومهدت هذه الانتصارات لعودة آلاف السودانيين.

ووصف القنصل السوداني في أسوان السفير عبد القادر عبد الله لـ«الشرق الأوسط» أعداد العائدين من مصر إلى السودان بـ«الكبيرة»، مشيراً إلى أنهم لا يملكون إحصائية دقيقة، لكن «أستطيع أن أقول إنه منذ 3 شهور العائدون إلى السودان أضعاف القادمين من السودان إلى مصر»، على حد قوله.

محل بيع ملابس سودانية في منطقة المهندسين (الشرق الأوسط)

وتوقع الدبلوماسي السوداني أن تزداد الأعداد بشكل أكبر الفترة المقبلة، قائلاً: «كلما تقدم الجيش السوداني عاد المزيد من السودانيين»، خصوصاً «في بداية العام المقبل، بعد انتهاء امتحانات الشهادة السودانية والتي تبدأ في 28 ديسمبر (كانون الأول)، وتستمر أسبوعين»، موضحاً أن «كثيراً من الأُسر تنتظر إنهاء أبنائها للامتحانات للعودة إلى السودان».

وفسّر المستشار الإعلامي السابق للسفارة السودانية في القاهرة وأمين أمانة العلاقات الخارجية في جمعية الصداقة السودانية المصرية محمد جبارة لـ«الشرق الأوسط»، عدم وجود حصر دقيق بالأعداد إلى أن بعض العائدين دخلوا مصر في الأساس بطرق غير شرعية، وعودتهم تتم دون أوراق أيضاً، أما الآخرون ممن دخلوا بشكل رسمي، فوثقت الجمعية عودة 29 ألف منهم في الفترة منذ أغسطس (آب) وحتى أكتوبر (تشرين الأول) الماضيين.

وقدّرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أعداد السودانيين المسجلين لديها في مصر حتى 30 سبتمبر (أيلول) الماضي بـ503 آلاف و993 لاجئاً. ولا يعكس ذلك كل أعداد السودانيين الذين دخلوا مصر بعد الحرب، إذ ثمة آخرون غير مسجلين في المفوضية.

وتسبب توافد السودانيين إلى مصر وتمركزهم في مناطق محددة في رفع أسعار الإيجارات أضعافاً عدة. وتعد ضاحية فيصل، الحي الشعبي جنوب العاصمة، واحدة من نقاط تمركز الوافدين السودانيين، إذ بلغ متوسط الإيجار في المنطقة الشعبية 8 آلاف جنيه، بعدما كان 2000 جنيه قبل قدومهم، حسب السمسار أحمد عبد الرحيم.

مواطن سوداني يجلس على مقهى بفيصل تحت عبارة «تحيا مصر» (الشرق الأوسط)

تراجع متفاوت

والآن، يؤكد عبد الرحيم لـ«الشرق الأوسط»، تراجُع أسعار الشقق خصوصاً «المفروشة في الأبراج السكنية»، والتي كان يسكنها «السودانيون اللي معاهم فلوس»، مشيراً إلى أن كثيرين منهم عادوا إلى بلدهم.

يوضح السمسار: «كانوا يدفعون في الشهر 15 ألف جنيه في الشقة المفروشة، وبعد عودتهم لا تجد هذه الشقق من يسكنها بالأسعار نفسها، ما دفع أصحابها إلى تخفيض أسعارها إلى 12 و10 آلاف جنيه».

وأقرّ السمسار بأن هذه القيمة تظل مبالغاً فيها في منطقة شعبية مثل فيصل «لكن قد تنخفض أكثر مع قلة الطلب»، مُرجعاً بطء حركة تراجع الإيجارات إلى «جشع أصحاب الشقق ممن يأملون في أن يدفع المصري نفس ما كان يدفعه السوداني».

وقال السمسار السوداني حسن عبد الله، والذي يعمل على عرض الشقق على غروب بـ«فيسبوك» يضم آلاف السودانيين في مصر، لـ«الشرق الأوسط» إن الأسعار انخفضت إلى النصف تقريباً، فالشقة التي كان يعرضها بسعر 5 و4 آلاف جنيه، أصبحت معروضة بـ2000 و2500 و3000 جنيه «الشقق متوفرة مو زي قبل»، وذلك بعدما ترك الكثير من السودانيين الشقق وعادوا إلى السودان، على حد وصفه.

ومن فيصل إلى منطقتي الدقي والمهندسين الراقيتين بمحافظة الجيزة، انخفضت الأسعار كذلك بشكل ملحوظ. يقول أحمد الأسيوطي وهو حارس عقار وسمسار في الدقي لـ«الشرق الأوسط» إن إيجارات الشقق المفروشة في المنطقة تراجعت «بشكل كبير جداً»، مشيراً إلى أنها وصلت الفترة الماضية مع قدوم السودانيين، وتحديداً منذ منتصف العام الماضي إلى 70 ألف جنيه، لكنها بدأت تتراجع منذ 3 شهور إلى ما بين 40 و30 ألف جنيه، مع عودة بعض السودانيين.

أحمد الأسيوطي حارس عقار وسمسار في منطقة الدقي بالجيزة (الشرق الأوسط)

ويعود التفاوت الكبير في الأسعار بين فيصل والدقي إلى طبيعة المنطقتين من جهة، ومساحة ومستوى الشقة نفسها من جهة أخرى، إذ إن الشقق في المنطقة كبيرة في المساحة «4 غرف و3 حمامات ومستوى لوكس».

وتوقّع السمسار أن تتراجع إيجارات الشقق بشكل أكبر الفترة المقبلة، مستدلاً على ذلك أن «تحت يدي شققاً فاضية من أكثر من شهر، لا تجد من يسكنها، وكل فترة يخفض أصحابها السعر أكثر، للعثور على مستأجر».

الأمر نفسه أكده السمسار في منطقة المهندسين حمدي الصعيدي، واصفاً سوق الإيجارات حالياً بالـ«الهادئ»، في إشارة إلى كثرة المعروض مقابل المطلوب.

التأثير نفسه شهدته منطقة مدينة نصر شرق العاصمة، حيث تراجعت الإيجارات فيها إلى 20 و30 ألف جنيه، بعدما وصلت إلى 40 و50 ألف الفترة الماضية، حسب محمود محسن، وهو صاحب شقق يقوم بتأجيرها.

يقول محسن لـ«الشرق الأوسط» إن لديه شقة حالياً يعرضها بـ 22 ألف جنيه، كانت وصلت الفترة الماضية إلى ضعف هذا السعر مع كثرة الطلب على الإيجارات بقدوم السودانيين، مشيراً إلى أن مدينة نصر من مناطق جذب الوافدين من جنسيات مختلفة.

ورغم التراجع النسبي لأسعار الإيجارات في مناطق تمركز السودانيين، استبعد عضو شعبة الاستثمار العقاري في غرفة القاهرة التجارية أحمد عبد الله، أن تشهد السوق العقارية تراجعات تعود به إلى المستوى الذي كان عليه قبل قدومهم، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»، إنه لا يتوقع انخفاضاً في أسعار الإيجارات بوجه عام بفعل التضخم وعوامل أخرى، «ومع ذلك ففي بعض المناطق التي شهدت تراجعاً مؤثراً في أعداد الجالية السودانية، من المتوقع أن ينخفض الطلب».

وتابع: «في كل الأحوال، الأرجح هو ألا تنخفض أسعار الإيجارات إلا إذا حدث تراجع كبير في الطلب مقارنة بالمعروض، وهو ما يعني مغادرة عدد كبير من الإخوة السودانيين».

محل سوداني في حي فيصل ينوي مغادرة مصر قريباً (الشرق الأوسط)

وسبق أن علق رئيس الحكومة الدكتور مصطفى مدبولي، على أزمة الإيجارات قائلاً إن الأسعار ارتفعت، لكن الحكومة لا تستطيع التدخل في سوق العقارات الذي يحتكم لـ«العرض والطلب»، متوقعاً آنذاك أن تكون «أزمة الإيجارات في مصر مسألة مؤقتة».

وخلال 6 شهور على حد أقصى، سيعود الشاب السوداني نافع عبد الحي إلى السودان، بعد شفاء قدمه التي خضعت لعملية جراحية مؤخراً، مشيراً إلى أن والديه عادا بالفعل، وأن «كثيراً من الوافدين السودانيين في مصر عاد منهم على الأقل شخص، يطمئن على الأوضاع هناك، قبل أن تتبعه بقية الأسرة».

واتفق معه توكل أحمد، وهو سوداني جاء إلى مصر مع عائلته قبل نحو 9 شهور، ويستعد للمغادرة في غضون أيام، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن السودانيين يفضلون العودة بمجرد الاطمئنان على استتباب الأمن في مناطقهم بسبب ارتفاع تكلفة المعيشة في مصر، فضلاً عن عدم توافر وظائف وأعمال لهم، وهو ما أكده أيضاً أمين أمانة العلاقات الخارجية في جمعية الصداقة المصرية السودانية محمد جبارة.