اللجنة الدستورية تحقق «اختراقين» رغم «الخلافات وانعدام الثقة»

بيدرسن يعلن اتفاق الحكومة السورية والمعارضة على «مدونة سلوك» واللجنة المصغرة

المبعوث الأممي غير بيدرسن بين رئيسي وفدي المعارضة هادي البحرة (يمين) والحكومة أحمد الكزبري في جنيف (أ.ف.ب)
المبعوث الأممي غير بيدرسن بين رئيسي وفدي المعارضة هادي البحرة (يمين) والحكومة أحمد الكزبري في جنيف (أ.ف.ب)
TT

اللجنة الدستورية تحقق «اختراقين» رغم «الخلافات وانعدام الثقة»

المبعوث الأممي غير بيدرسن بين رئيسي وفدي المعارضة هادي البحرة (يمين) والحكومة أحمد الكزبري في جنيف (أ.ف.ب)
المبعوث الأممي غير بيدرسن بين رئيسي وفدي المعارضة هادي البحرة (يمين) والحكومة أحمد الكزبري في جنيف (أ.ف.ب)

حقق المبعوث الأممي غير بيدرسن في ختام الأسبوع الأول من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية «اختراقين»؛ تضمنا الاتفاق على وثيقة «مدونة السلوك» يلتزم بها المشاركون، وتشكيل اللجنة المصغرة لبحث الإصلاح الدستوري، وذلك رغم «الاختلافات العميقة وانعدام الثقة» في أول اجتماع من نوعه منذ 2011.
وكان لافتاً أن خطابات وفود الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني الـ150، لم تتضمن حديثاً مباشراً على الرئيس السوري بشار الأسد. إذ ركز «وفد الحكومة»، الذي طلب أن يسمى «وفداً مدعوماً من الحكومة»، على سيادة سوريا ودعم مؤسسات الدولة والجيش مع المطالبة برفع العقوبات الغربية، في حين أشار متحدثون من المعارضة إلى أهمية الإصلاح الدستوري والتغيير وبحث المبادئ الدستورية واللامركزية.
ووصل ممثلو الأطراف الثلاثة إلى جنيف بداية الأسبوع الماضي، حيث جرت لقاءات تمهيدية من الفريق الأممي مع رئيسي وفدي الحكومة أحمد الكزبري و«هيئة التفاوض» المعارضة هادي البحرة، قبل افتتاح الاجتماعات الأربعاء بجلسة علنية جلس بيدرسن خلالها بين الكزبري والبحرة في صورة رمزية، وصف فيها الاجتماعات بأنها «لحظة تاريخية». وتركزت الاجتماعات يومي الخميس والجمعة، على فتح المجال لـ150 مشاركاً بتقديم مداخلات رسمية والاتفاق على الوثيقة واللجنة.
وقال بيدرسن في باحة الأمم المتحدة مساء الجمعة في ختام الأسبوع الأول، إن المحادثات كانت «جيدة جداً. نعلم جميعاً أنه بعد 8 سنوات ونصف السنة من النزاع، هناك اختلافات عميقة، وكثير من الشكوك وانعدام الثقة». وأضاف: «لكن حقيقة أن 150 سورياً كانوا يجلسون معاً، يحترم بعضهم بعضاً ويتحدث بعضهم مع بعض ويتناقشون وفقاً لجدول الأعمال الذي اتفقنا عليه بشأن مستقبل سوريا، أعتقد أن ذلك كان مثيراً للإعجاب».

مدونة سلوك
وكان بيدرسن عمل جاهداً لإحداث اختراق أول، تمثل بالاتفاق على «مدونة السلوك» التي أقرت سياسياً ثم إجرائياً. وتضمنت خطوات محددة لعمل اللجنة. ونصت: «يلتزم أعضاء اللجنة الدستورية باتباع المعايير المرجعية والعناصر الأساسية للائحة الداخلية والعمل في إطار اللجنة، وتجاه كل المسائل المرتبطة بها، بروح التزام وحسن نية وبشكل تعاوني من أجل إنجاز عمل اللجنة الدستورية بقيادة وملكية سورية وبتيسير من الأمم المتحدة».
وتضمنت الوثيقة، التي تسلمت «الشرق الأوسط» نسخة منها، التزام المشاركين بـ«التحاور باحترام متبادل، وفي مناخ هادئ مناسب لمناقشات بناءة وإبداء الاحترام واللباقة إزاء الأعضاء والامتناع عن الخطاب التحريضي أو الهجوم الشخصي»، إضافة إلى «احترام هيبة ووقار اللجنة، والامتناع عن أي عمل قد يضر بالأعضاء الآخرين، أو أي تصرف غير أخلاقي أو إخلال بالآداب العامة».
وفرضت على المشاركين «الامتناع عن توزيع أي وثائق أو منشورات في غرفة الاجتماعات كأوراق رسمية والامتناع عن أي فعل يمكن عدّه استفزازياً والكلام فقط عندما يتم منح الكلمة من قبل رئيس الجلسة وتوجيه الكلام إليه أو إلى اللجنة، وعدم مقاطعة أي عضو أثناء حديثه واحترام سرية مداولات اجتماعات اللجنة والامتناع عن استخدام الحسابات الشخصية على وسائط التواصل الاجتماعي، وسيلة للتواصل مع اللجنة».
كما تضمنت المدونة مهمات رئيسي الوفدين؛ بينها «رئاسة اجتماعات اللجنة بشكل مشترك مع التناوب على الإدارة الفعلية للجلسات يومياً والحرص على تعزيز المساواة في الحقوق والمشاركة الفعالة بين النساء والرجال وتعليق الاجتماعات في حالة الإخلال بنظام الجلسة، وفي حالة استمرار الإخلال ترفع الجلسة إلى يوم العمل».

اللجنة المصغرة
تمثل الاختراق الثاني بتشكيل «اللجنة المصغرة» التي تضم 45 عضواً من أصل الـ150، بحيث يكون هدفها اعتباراً من الاثنين المقبل البدء في مناقشة الدستور. وتضمنت اللجنة المصغرة 15 من كل وفد. وشملت قائمة الحكومة: أحمد عرنوس، وأحمد كزبري، وأشواق عباس، وأمجد عيسى، وأمل يازجي، وجمال قادري، وجميلة الشربحي، ودارين سليمان، ورياض طاوز، وعبد الله السيد، ومحمد أكرم العجلان، ومحمد العكام، ومحمد عصام هزيمه، ونزار السكيف، وهيثم الطاس (وهم قانونيون، ودبلوماسيون، ونواب، ونقابيون، ورجال دين). وشملت قائمة المعارضة 15 شخصاً بينهم: هادي، والبحرة، وأحمد، والعسراوي، وبسمة قضماني، وصفوان عكاش، وجمال سليمان. وكان بين الأسماء في قائمة المجتمع المدني: صباح الحلاق، وعزيز حلاج، ومازن غريبة، وميس الكريدي.
وبموجب وثيقة «القواعد الإجرائية» التي تم التوصل إليها بين الحكومة و«الهيئة» المعارضة برعاية الأمم المتحدة، ستقوم اللجنة المصغرة بإعداد وصياغة المقترحات وتقوم الهيئة الموسعة بإقرارها، «لكن يمكن عقد الهيئة الموسعة بشكل دوري أو موازٍ في الوقت الذي تواصل فيه الهيئة المصغرة أعمالها، وذلك لمناقشة وإقرار المقترحات».
ولم تحدد الأمم المتحدة إطاراً زمنياً لإنجاز عمل اللجنة. وسيحكم عمل اللجنة «التوافق» بغية تحقيق الاتفاق العام لأعضائها، الأمر الذي سيمكّن مخرجاتها من التمتع بأوسع قبول ممكن من الشعب. وستمارس اللجنة عملها وتعتمد قراراتها بالتوافق كلما أمكن، وإلا فالتصويت بـ75 في المائة. وكي لا يحصل أي لغط جرى تأكيد أن «تكون نسبة الـ75 في المائة نسبة ثابتة».
وتأمل الأمم المتحدة والقوى الدولية أن يمهّد عمل اللجنة المكلفة إجراء مراجعة للدستور، الطريق أمام تسوية أوسع للنزاع، رغم اعترافهم بأن المهمة صعبة. وبحسب «قواعد العمل»، يعود للجنة أن «تراجع دستور 2012 وأن تقوم بتعديل الدستور الحالي أو صياغة دستور جديد»، على أن يتم بموجب الدستور الجديد الذي يقرّه الشعب عبر استفتاء، إجراء انتخابات جديدة بإشراف الأمم المتحدة.
وكان رئيس النظام السوري بشار الأسد قال للتلفزيون الرسمي الخميس، إن الانتخابات «ستكون بشكل كامل من الألف إلى الياء تحت إشراف الدولة السورية». وأضاف أن الحكومة «ليست جزءاً» من مفاوضات جنيف الجارية، وأن وفد دمشق «يمثل وجهة نظر الحكومة».
وانبثقت فكرة تشكيل اللجنة عن مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي بداية العام الماضي، في إطار محادثات آستانة التي ترعاها مع إيران الداعمة بدورها لدمشق وتركيا الداعمة للمعارضة. وأكد الأسد أن «كل ما يحصل هو جزء من سوتشي»، عادّاً أن «جنيف غير موجودة».

تلاسن
ولم يخلُ اجتماع اللجنة الموسعة من تشنجات وتلاسن بين وفدي الحكومة والمعارضة جراء تباين وجهات النظر وتبادل الاتهامات، لكنهم تمكنوا من إنجاز الاختراقين السابقين. وقال الكزبري إن «الأجواء بشكل عام كانت جيدة». وآمل أن «يكون عقد الاجتماعات في دمشق»، موضحاً أن «كل من يقترب بآرائه من الفريق الوطني، سنفتح له ذراعنا، لكن البعيد عن أي من ثوابتنا الوطنية، فبالتأكيد لن نلتقي معه في أي مكان».
من جهته، شدد البحرة على أن «إجراءات بناء الثقة مهمة وأساسية للدفع بالعملية السياسية والدستورية قدماً»، معدداً من أبرزها: «وقف نار دائم وشامل في سوريا، وإطلاق سراح المعتقلين ومعرفة مصير المغيبين».
ووزع معظم ممثلي المعارضة والمجتمع المدني خطاباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، فيما اكتفى وفد الحكومة بتقديم بيانات مقتضبة بثت في «وكالة الأنباء السورية الرسمية» (سانا). وبحسب مشاركين في الاجتماعات، فإن خطابات ممثلي الحكومة تركزت على نقاط محددة، بينها: التأكيد أن الوفد ليس حكومياً، بل هو «مدعوم من الحكومة»، ما يعني أن نتائج العمل ليست ملزمة، والتأكيد على دعم الجيش العربي السوري ودوره في محاربة الإرهاب، والتمسك بمؤسسات الدولة، ووحدة سوريا وسيادتها، والدعوة لإدانة العدوان التركي، ودستور عام 2012 ممتاز وبالإمكان مناقشة تطويره. ولاحظ مشاركون عدم الإشارة المباشرة مطلقاً إلى الرئيس الأسد.
في المقابل، قدم ممثلو «هيئة التفاوض» خطابات تضمنت عناصر، بينها: الإصلاح الدستوري بوابة للإصلاح العام، ووحدة سوريا وسيادتها، والحفاظ على مؤسسات الدولة مع إصلاحها، وتوفير البيئة المحايدة، واقتراح اللامركزية، والاعتراف بمكونات الشعب السوري، واستقلال القضاء، وحيادية الجيش والأمن. كما ألقى ممثلو «الجيش الحر» في الشمال والجنوب وفصائل إسلامية أول من أمس خطابات، تضمنت الالتزام بالقرارات الشرعية الدولية والقرار 2254، ورفض الإرهاب والعلاقة مع التنظيمات الإرهابية، ثم حمل السلاح دفاعاً عن الذات والناس.



مصر تؤكد أهمية حشد الدعم الإقليمي والدولي لخطة إعمار غزة

منظر عام لمخيم للنازحين الفلسطينيين في مدرسة تحولت إلى مأوى بحي الرمال بمدينة غزة (أ.ف.ب)
منظر عام لمخيم للنازحين الفلسطينيين في مدرسة تحولت إلى مأوى بحي الرمال بمدينة غزة (أ.ف.ب)
TT

مصر تؤكد أهمية حشد الدعم الإقليمي والدولي لخطة إعمار غزة

منظر عام لمخيم للنازحين الفلسطينيين في مدرسة تحولت إلى مأوى بحي الرمال بمدينة غزة (أ.ف.ب)
منظر عام لمخيم للنازحين الفلسطينيين في مدرسة تحولت إلى مأوى بحي الرمال بمدينة غزة (أ.ف.ب)

أكدت مصر أهمية «حشد الدعم الإقليمي والدولي لضمان التنفيذ الفعال لخطة التعافي المبكر والإعمار في قطاع غزة»، وأشار وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، إلى ضرورة «تثبيت اتفاق إنهاء الحرب بالقطاع».

وناقش عبد العاطي، في عدة اتصالات ولقاءات مع مسؤولين دوليين، بينهم نائب الرئيس الفلسطيني، حسين الشيخ، «ترتيبات بلاده لعقد المؤتمر الدولي للتعافي المبكر وإعادة إعمار وتنمية قطاع غزة»، إلى جانب «المشاورات الجارية بشأن قرار مجلس الأمن الخاص بالترتيبات الأمنية في قطاع غزة».

وبحث وزير الخارجية المصري، في اتصال هاتفي مع نائب الرئيس الفلسطيني، السبت، «المشاورات الجارية حول مشروع قرار مجلس الأمن والترتيبات الأمنية»، وحسب إفادة لـ«الخارجية المصرية»، أكد الجانبان «أهمية ضمان أن يسهم القرار في تثبيت إنهاء الحرب، وتهيئة الظروف لتحقيق سلام عادل وشامل يلبي تطلعات الشعب الفلسطيني، وحقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة».

الأمر نفسه ناقشه وزير الخارجية المصري مع وزير العدل والشرطة السويسري، بيت يانس، في محادثات مشتركة بالقاهرة، وأشار إلى «جهود بلاده لتثبيت اتفاق شرم الشيخ للسلام، والتنفيذ الكامل لبنود الاتفاق بما يضمن وقف إطلاق النار بشكل دائم وتخفيف المعاناة الإنسانية عن سكان القطاع».

ووقّع قادة الولايات المتحدة ومصر وتركيا وقطر في مدينة شرم الشيخ المصرية، الشهر الماضي، وثيقة اتفاق إنهاء الحرب في غزة الذي دعا إليه الرئيس الأميركي دونالد ترمب لوقف إطلاق النار وتبادل الرهائن والمعتقلين بين إسرائيل وحركة «حماس»، وذلك في القمة التي استضافتها مصر بحضور 31 من قادة وممثلي دول ومنظمات دولية.

محادثات وزير الخارجية المصري ووزير العدل والشرطة السويسري بالقاهرة (الخارجية المصرية)

كما ناقش عبد العاطي ونائب الرئيس الفلسطيني، «التحضيرات الجارية لعقد المؤتمر الدولي للتعافي المبكر وإعادة إعمار غزة»، وأكد «أهمية الدعم الإقليمي والدولي لضمان التنفيذ الفعال لخطة التعافي المبكر والإعمار»، حسب بيان «الخارجية المصرية».

والشهر الماضي، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن «بلاده سوف تستضيف في نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، مؤتمراً دولياً لإعادة إعمار قطاع غزة».

وتعمل القاهرة على تثبيت وقف إطلاق النار، والانتقال للمرحلة الثانية من خطة الرئيس ترمب، مع تهيئة المناخ لبدء خطة الإعمار في قطاع غزة، وفق تقدير أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الدكتور طارق فهمي، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «مصر تراهن على حشد حضور دولي وإقليمي وجهات ومنظمات مانحة لمؤتمر إعادة الإعمار، لضمان الخروج بنتائج إيجابية في هذا المسار».

ويرى فهمي أن «مصر تريد توفير مصادر للتمويل في مؤتمر إعادة الإعمار»، موضحاً أن «القاهرة تتمهل في تحديد موعد المؤتمر، لحين ضمان أكبر قدر من المشاركة الدولية ومن الجهات المانحة»، إلى جانب «تهيئة المناخ لبدء خطة الإعمار، من خلال تنفيذ المراحل التالية لخطة وقف إطلاق النار وانسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية المحتلة بالقطاع».

فلسطينيون يستعيدون جثة من تحت أنقاض منزل دمر في غارة إسرائيلية ليلية على مدينة غزة (أ.ف.ب)

وكان الرئيس الأميركي طرح خطة سلام، من 20 بنداً، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لإنهاء الحرب في قطاع غزة، وتهيئة المناخ لإعادة إعمار القطاع.

وباعتقاد رئيس «الهيئة الدولية لدعم الشعب الفلسطيني»، صلاح عبد العاطي، أن «الاتصالات المصرية تستهدف مواجهة العراقيل الإسرائيلية لتعطيل تنفيذ خطة ترمب في غزة»، وأشار إلى «الجهود العربية التي تستهدف انسحاب إسرائيل من المناطق التي تحتلها في القطاع، بما يعزز من فرص الاستجابة الإنسانية للفلسطينيين».

ووفق تقدير عبد العاطي، فإن عملية إعمار غزة «تحتاج إلى نحو 70 مليار دولار»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هذا يحتاج إلى جهود من منظمات دولية وإقليمية، إلى جانب الشراكة العربية والدولية لتوفير التمويل الكافي خلال مؤتمر إعادة الإعمار بالتنسيق مع الأمم المتحدة»، موضحاً أن «القاهرة تعوّل على تنسيق عربي وإقليمي ودولي لدفع مسارات التسوية الشاملة في قطاع غزة».

ويرى فهمي أن «القاهرة تعوّل على مجموعة من التحركات، من بينها قرار مجلس الأمن الدولي، وبدء تمكين لجنة الإسناد الدولية لإدارة قطاع غزة، والتنسيق العربي، من أجل بدء عملية إعادة الإعمار»، وقال إنه يجب أن تكون «عملية نزع سلاح حركة (حماس)، مقابل بدء مشروع الإعمار، وانسحاب إسرائيل من المناطق التي تحتلها».


«قوة استقرار غزة»... هل تقود المشاورات الأممية لانفراجة؟

فلسطينيون وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

«قوة استقرار غزة»... هل تقود المشاورات الأممية لانفراجة؟

فلسطينيون وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

متغير جديد تشهده المشاورات في مجلس الأمن، بشأن نشر «قوة استقرار في قطاع غزة»، تضمن تأييداً عربياً - إسلامياً لمشروع قرار أميركي، غداة طرح موسكو مشروعاً مماثلاً، وسط مخاوف من انهيار تلك الخطوة بـ«فيتو» من موسكو أو بكين.

ذلك التأييد الذي تلاه محادثات مصرية مع فلسطين وباكستان والولايات المتحدة بشأن مشروع القرار المنتظر أن يصوت عليه، الاثنين، يعتقد خبراء في حديث لـ«الشرق الأوسط» أنه سيبقى عالقاً بين انفراجة محتملة جراء التوافق العربي الإسلامي مع طرح واشنطن واحتمال استقطاب تأييد من روسيا، وانهيار محتمل بسبب رفض موسكو أي نفوذ لواشنطن ورغبة منها في استخدم الورقة كمساومة مستقبلية في ملف الأزمة الروسية - الأوكرانية.

وتشمل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، والتي لم تبدأ بعد، إنشاء قوة أمنية دولية في غزة، ونزع سلاح «حماس»، وانسحاباً إضافياً للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة، وتسمية إدارة للقطاع.

وقال مصدر مطلع لـ«الشرق الأوسط» إن «المجموعة العربية - الإسلامية مالت لدعم مشروع القرار الأميركي باعتبار واشنطن القادرة على تنفيذ قرارها على الأرض والضغط على إسرائيل لتنفيذه»، مرجحاً أن «هناك رغبة أميركية متمسكة بالدفع بقوات على الأرض قريباً حتى لو دفعت بقوات متعددة الجنسيات حال استخدمت موسكو الفيتو».

وبحث وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في اتصالات هاتفية، السبت، مشروع القرار بشأن «قوة استقرار غزة»، مع نظيره الباكستاني، إسحاق دار، ونائب الرئيس الفلسطيني، حسين الشيخ، وفق بيانين لـ«الخارجية المصرية».

وأعربت الولايات المتحدة، والسعودية، وقطر، ومصر، والإمارات، وإندونيسيا، وباكستان، والأردن، وتركيا في بيان مشترك، الجمعة، عن «دعمها المشترك» لمشروع القرار الأميركي الذي يعطي تفويضاً لتشكيل قوة استقرار دولية، من بين أمور أخرى، مبدية أملها في اعتماده «سريعاً».

هذا الحراك يأتي قبل تصويت مجلس الأمن الدولي، الاثنين، على مشروع القرار الذي طرح لمناقشات قبل نحو أسبوع، وفق ما أفادت مصادر دبلوماسية، الجمعة، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

طفلة فلسطينية تسير وسط الركام شمال مدينة غزة (أ.ف.ب)

ويُخول القرار الدول الأعضاء، بحسب المصدر ذاته، تشكيل «قوة استقرار دولية مؤقتة» تعمل مع إسرائيل، ومصر، والشرطة الفلسطينية المُدربة حديثاً للمساعدة في تأمين المناطق الحدودية، ونزع السلاح من قطاع غزة، وعلى عكس المسودات السابقة، يُشير هذا القرار إلى إمكان قيام دولة فلسطينية مستقبلية.

ويشير رئيس «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، وزير الخارجية الأسبق، السفير محمد العرابي، إلى أن «مشروع القرار يواجه صعوبات، وأتمنى ألا يكرس في تقسيم القطاع»، لافتاً إلى أن المشروع الأميركي عقب تعديلات عليه تضمنت المضي في مسار سياسي لقيام الدولة الفلسطينية شجع الدول العربية على التوافق حوله.

ويرى المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أن موقف المجموعة العربية - الإسلامية الداعم لمشروع القرار الأميركي رغم وجود مشروع روسي ينبئ عن احتمال حدوث تفاهمات وتعديلات كان من بينها الإشارة لمحادثات مستقبلية بشأن الدولة الفلسطينية، معتبراً هذه الخطوة تحمل انفراجة حذرة، خاصة أن الفيتو الروسي لا يزال محتملاً بالمواجهة.

ويتحدى هذا المشروع الأميركي، آخر روسياً منافساً وزع، الخميس، على أعضاء مجلس الأمن، لا ينص على إنشاء مجلس سلام، أو الانتشار الفوري لقوة دولية في غزة، وفقاً للنص الذي اطلعت عليه «وكالة الصحافة الفرنسية»، الجمعة. ورحب المشروع الروسي «بالمبادرة التي أدت إلى وقف إطلاق النار».

ويدعو مشروع القرار الروسي الأمين العام للأمم المتحدة إلى «تحديد خيارات لتنفيذ بنود» خطة السلام، وتقديم تقرير على الفور يتناول أيضاً إمكانات نشر قوة استقرار دولية في غزة.

فلسطينيون يحملون جثثاً انتشلوها من بين أنقاض منزل دمر في غارة إسرائيلية بمدينة غزة (أ.ف.ب)

وكتب السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة، مايك والتز، في صحيفة «واشنطن بوست» أن «أي رفض لدعم هذا القرار هو تصويت لاستمرار حكم (حماس)، أو للعودة إلى الحرب مع إسرائيل، ما يحكم على المنطقة وشعبها البقاء في نزاع دائم». وأضاف: «أي انحراف عن هذا المسار، سواء كان من جانب أولئك الذين يرغبون في ممارسة ألعاب سياسية، أو إعادة إحياء الماضي، سيأتي بتكلفة بشرية حقيقية».

وقد لا تأتي العراقيل من «فيتو» روسي فحسب، فوفقاً لما أوردته صحيفة «يديعوت أحرونوت»، الجمعة، فإن أبرز البنود التي تثير مخاوف إسرائيل في المسودة الجديدة تتمحور حول تضمين تمهيد لمسار يقود إلى «تقرير المصير الفلسطيني»، والدور الموسع للأمم المتحدة في الإشراف على توزيع المساعدات، وتوسيع صلاحيات «هيئة الحكم الانتقالية» المزمع تشكيلها لإدارة القطاع.

ويحتاج القرار في مجلس الأمن إلى 9 أصوات مؤيدة على الأقل، وعدم استخدام روسيا أو الصين أو الولايات المتحدة أو بريطانيا أو فرنسا حقّ النقض (الفيتو) ليتسنى اعتماده.

ويرى العرابي أن المشروع الروسي الأكثر ملائمة للتطلعات الفلسطينية لكنه في النهاية لا يستطيع فرض شيء على إسرائيل في التنفيذ، متوقعاً أنه رغم الرغبة في صدور تفويض أممي قد تستخدم روسيا الفيتو، وتمتنع الصين عن التصويت في إطار المناكفات الدولية مع واشنطن، وأن تتجه أميركا لنشر قوات متعددة الجنسيات، وهذا يتماشى مع رغبة إسرائيل التي لا تقبل بتنفيذ قرارات أممية.

ويتوقع الرقب أنه حال أصرت موسكو على الفيتو لمنع أي نفوذ أميركي بالمنطقة أو استخدام المشروع كورقة مساومة مستقبلية في أزمة أوكرانيا، وواشنطن، ستذهب فوراً لإنشاء قوات متعددة الجنسيات دون شرعية من مجلس الأمن.


الانتخابات النيابية أمام تسوية بترحيلها لشهرين.. والاغتراب يقترع من لبنان

البرلمان اللبناني في إحدى جلساته (إعلام مجلس النواب)
البرلمان اللبناني في إحدى جلساته (إعلام مجلس النواب)
TT

الانتخابات النيابية أمام تسوية بترحيلها لشهرين.. والاغتراب يقترع من لبنان

البرلمان اللبناني في إحدى جلساته (إعلام مجلس النواب)
البرلمان اللبناني في إحدى جلساته (إعلام مجلس النواب)

إصرار رئيس الجمهورية اللبناني جوزيف عون، كما رئيسي المجلس النيابي نبيه بري، والحكومة نواف سلام، على إجراء الانتخابات النيابية في موعدها في ربيع 2026، لا يعني بالضرورة أن الطريق سالكة سياسياً أمام إنجازها بلا أي تأخير في ظل تصاعد وتيرة «الكباش السياسي» بين بري وخصومه الذين يأخذون عليه رفضه إدراج اقتراح القانون الذي تقدّموا به على جدول أعمال الجلسة التشريعية، ويقضي بشطب المادتين 112 و122 من قانون الانتخاب بما يسمح للمنتشرين اللبنانيين في الاغتراب بالاقتراع من مقر إقامتهم لـ128 نائباً.

الرئيس جوزيف عون يتوسط رئيسَي الحكومة نواف سلام والبرلمان نبيه بري (أرشيفية - الرئاسة اللبنانية)

فقد أحال برّي اقتراحهم إلى اللجنة النيابية الفرعية المكلفة بدراسة الاقتراحات الخاصة بقوانين الانتخاب، وهذا ما سينسحب، كما يقول مصدر نيابي بارز، على مشروع القانون الذي أعدته الحكومة، في هذا الخصوص، فور إحالته إلى رئاسة المجلس.

وتوقع المصدر النيابي أن تصل اقتراحات القوانين المتعلقة بالتعديلات المقترحة على قانون الانتخاب إلى أكثر من 14 اقتراحاً، إضافةً إلى اقتراح مشروع القانون الذي أعدته الحكومة ولم ترفعه حتى الساعة إلى رئاسة المجلس ريثما تكتمل توقيعات الوزراء المعنيين عليه. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن البرلمان يقف حالياً أمام زحمة اقتراحات قوانين. وكشف عن أن كتلة «التنمية والتحرير» برئاسة بري تقدّمت بأكثر من اقتراح قانون، أبرزها الذي تقدم به المعاون السياسي لرئيس البرلمان النائب علي حسن خليل.

ولفت إلى أن اقتراحه فاجأ النواب، ويقضي بخفض سن الاقتراع إلى 18 سنة واعتماد المحافظة دائرة انتخابية، وصوتين تفضيليين بدلاً من واحد. وقال إنه يدعو لتقسيم الدوائر إلى 9 أسوةً بعدد المحافظات، لتصحيح الخلل الناجم عن تقسيمها إلى 15 دائرة تفتقر لتحقيق التوازن في توزيع أصوات الناخبين.

وأكد المصدر أن السجال بدأ يشتد مع اقتراب انتهاء المهلة التي حددها، في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، وزير الداخلية والبلديات العميد أحمد الحجار، والخارجية والمغتربين يوسف رجي، للمنتشرين اللبنانيين في الاغتراب لتسجيل أسمائهم والاقتراع من مقر إقامتهم لـ128 نائباً، خصوصاً أن نسبة التسجيل ما زالت متدنية قياساً إلى حجم التسجيل في الانتخابات الأخيرة، ويكمن السبب في الغموض الذي يكتنف القانون الذي ستُجرى على أساسه الانتخابات وسبّب إرباكاً حول الآلية التي ستُعتمد لاقتراعهم.

وقال المصدر إنه لا مجال أمام تمديد المهلة، مما دفع بالوزير رجي، في الجلسة الأخيرة للحكومة، إلى المطالبة بتمديدها حتى 31 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وقوبل بمعارضة من وزراء «الثنائي الشيعي»؛ أي «حزب الله» وحركة «أمل» التي يرأسها برِّي بذريعة أن تمديدها بحاجة إلى تعديل القانون، ولن يتم بقرار صادر عن مجلس الوزراء، وإلا سيلقى الطعن أمام المجلس الدستوري.

لبنانية ترفع إصبعها بعد اقتراعها بالانتخابات المحلية في بيروت 2025 (إ.ب.أ)

ورأى المصدر أن تبادل الحملات بلغ ذروته في غياب المحاولات للتوفيق بين الكتل النيابية حول التعديلات المقترحة على قانون الانتخاب لتسهيل إنجاز الاستحقاق النيابي في موعده، بدلاً من تأجيل إتمامه لشهرين، فيما التمديد للبرلمان يلقى معارضة من المجتمع الدولي، ولا يحظى بغطاء سياسي من عون كونه يشكل أول محطة لإعادة تكوين السلطة من وجهة نظر أصدقاء لبنان لإحداث تغيير في ميزان القوى يأخذ بالتحولات التي حصلت في الإقليم، وتبدُّل ميزان القوى في الداخل لمصلحة الفريق المناوئ لمحور الممانعة بعد أن أقحم «حزب الله» بإسناده لغزة، لبنان، في مواجهة غير محسوبة مع إسرائيل.

وأكد أن «الثنائي الشيعي» يخوض معركته النيابية على أساس «قاتل أو مقتول» بالمفهوم السياسي للكلمة، في ظل الاستعصاء الذي يمنع حتى الساعة التوصل إلى تسوية تضع حداً للرهان على التمديد للبرلمان.

ولفت إلى أن «الثنائي» يراهن على انقضاء المهل بما يسمح بإعادة الاعتبار لقانون الانتخاب النافذ حالياً، كما يطالب به بري برفضه إحالة اقتراح القانون الذي تقدمت به الأكثرية النيابية إلى الهيئة العامة. والموقف نفسه ينسحب على مشروع القانون الذي أعدته الحكومة. لكن القانون النافذ، حسب المصدر النيابي، بحاجة إلى تعديل، في ضوء امتناع الحكومة عن إصدار المراسيم التطبيقية لتنفيذ بعض بنوده التي ما زالت عالقة، ورميها كرة النار في حضن البرلمان، وبذلك تكون أعفت نفسها من الضغوط التي تطالبها بالتدخل لإخراج القانون من التجاذبات التي تحاصره، وبالتالي لن تُعقد جلسة تشريعية لإقرار التعديلات المطلوبة ما لم يتم الاتفاق عليها مسبقاً لقطع الطريق على خصوم «الثنائي» من الإفادة من انعقادها لإعادة طرح اقتراحهم الخاص بالتعديلات الذي سيلقى تأييداً من الأكثرية النيابية، مما يشكل إحراجاً له.

ويبقى السؤال: هل القانون النافذ بعد تعديله كأمر واقع، هو الحل لإنقاذ الاستحقاق النيابي وإخراجه من التأزم، أم أن الأبواب أمام التوافق ما زالت مقفلة بما يسمح لتأجيل إنجازه أو التمديد للبرلمان بأن يتقدم على ما عداه، مما يضع لبنان أمام مساءلة دولية، ويشكل انتكاسة للعهد مع اقتراب إتمام عون عامه الأول في الرئاسة؟ رغم أن المصدر النيابي بدأ يلمس اهتمام بعض السفراء المعتمدين لدى لبنان ومعظم الموفدين إلى بيروت، وأنهم بدأوا يركّزون على تطبيق حصرية السلاح بيد الدولة كأولوية، ونادراً ما يتحدثون عن ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها باعتبار أنه لا مفر من إتمامها.

في هذا السياق، أكد المصدر أن التسوية في حال جرى التوافق عليها لإنجاز الاستحقاق النيابي، تقضي بتعديل القانون الناجز بتعليق العمل بالبطاقة الممغنطة، وبصرف النظر عن تخصيص 6 مقاعد نيابية لتمثيل المنتشرين، على أن يمارسوا حقهم في الاقتراع بالمجيء إلى لبنان في ظل الحديث عن ترحيل إتمامه لشهرين مع حلول فصل الصيف، لما لحضورهم من دور في تحريك العجلة الاقتصادية بتنشيط السياحة الصيفية. وكشف عن أن تأجيل الانتخابات لشهرين قد يكون المَخرج، لعله يتزامن مع تحقيق خطوات ملموسة لتطبيق حصرية السلاح، وإلا فإن «الكباش السياسي» سيتصاعد فيما «الثنائي الشيعي» يتمسك بموقفه ولن يبدّله.

وعليه فإن التسوية تبقى معلّقة على التوافق بين الأضداد، وإلا فإن لبنان سيتعرض لضغوط دولية هو في غنى عنها، فيما يصر الرئيس عون ومعه الحكومة على حشر الجميع لعلهم يتوصلون إلى قناعة بأن التسوية وحدها هي الحل لإنجاز الاستحقاق النيابي.