طرح حكومة التكنوقراط يصطدم بتحفّظ «حزب الله» والصلاحيات المحدودة

TT

طرح حكومة التكنوقراط يصطدم بتحفّظ «حزب الله» والصلاحيات المحدودة

تتصدر الدعوة لتشكيل حكومة تكنوقراط، أي حكومة من الاختصاصيين، الدعوات التي تطلق في الشارع اللبناني الذي يشهد انتفاضة شعبية منذ 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وتنطلق مجموعات المجتمع المدني والحراك الشعبي من شعار «كلن يعني كلن» للحث على تغييب ممثلي القوى السياسية عن السلطة التنفيذية في المرحلة المقبلة، تمهيداً لإجراء انتخابات نيابية مبكرة تعول على أن تكون نتائجها انعكاساً لغضب الشارع ونقمته على الفرقاء السياسيين التقليديين المتعارف على تسميتهم بـ«زعماء الطوائف».
وبمسعى لملاقاة الحراك الشعبي عند منتصف الطريق، سارعت بعض القوى السياسية إلى تبني طرح حكومة الاختصاصيين، وأبرزها حزب «القوات اللبنانية»، وحزب «الكتائب اللبنانية» والحزب «التقدمي الاشتراكي». وفي الوقت الذي يبقى فيه موقف رئيس الجمهورية و«التيار الوطني الحر» مبهما في هذا المجال وأقرب إلى عدم الحماسة لتشكيل حكومة تكنوقراط، يبدو «حزب الله» غير مرحب إطلاقاً بالموضوع، إذ كان أمينه العام حسن نصر الله قد اعتبر أن حكومة مماثلة لا تستطيع أن تصمد أسبوعين في مثل هذا الوضع الخطير.
وليست هواجس «حزب الله» وحدها التي تشكل عقبة أمام طرح حكومة التكنوقراط، إذ تنبه مصادر نيابية في «الوطني الحر» من أن يكون «مصير أي حكومة من هذا النوع الفشل نظرا لصلاحياتها المحدودة خاصة إذا لم تكن تتمتع بالغطاء السياسي، أضف إلى أنها قد تكون غير قادرة على التعامل مع أي مستجدات أمنية». وتضيف المصادر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «نحن في مرحلة لا يمكن أن نجازف فيها، خاصة أننا نقف على حافة الهاوية، والمطلوب حكومة قوية قادرة على الإنجاز سريعاً».
ولم يعرف لبنان ما قبل الحرب الأهلية وبعدها حكومة محض تكنوقراط، إذ كان يتم تشكيل حكومات مطعمة دائماً بسياسيين. ويؤكد خبراء أن لا شيء يمنع بالنظام اللبناني تشكيل حكومات من هذا النوع، رغم اعتبار البعض أن هذا النظام قائم على المحاصصة الطائفية والحزبية.
ويشير العضو السابق في المجلس الدستوري البروفسور أنطوان مسرة إلى أن حكومة من التكنوقراط تعيدنا إلى أصول النظام الدستوري اللبناني الذي تم تشويهه طوال الأعوام الماضية تحت ستار الوفاق الوطني، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه يرد في الدستور تسمية السلطة الإجرائية بإشارة إلى الحكومة، أي إن التعبير في هذا المجال أقوى من السلطة التنفيذية ويشير إلى أن مهمتها أن تجعل الأمور تجري. ويضيف مسرة: «لكن ومنذ احتلال النظام السوري للبنان شكّل مع أعوانه المحليين حكومات برلمانية مصغرة لجعل النظام اللبناني غير قابل للحكم إلا من خلال الباب العالي، خارقاً بذلك مبدأ فصل السلطات تحت ستار الميثاقية وضاربا بعرض الحائط أي وجود لمعارضة فاعلة».
ويعتبر مدير «معهد الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية» الدكتور سامي نادر أن حكومة من الاختصاصيين تعني أن يكون رئيسها أيضاً من خارج الاصطفافات السياسية، مشدداً على أنه «في حال كانت القوى الرئيسية تريد حقيقة إنقاذ الوضع وتلافي الانهيار، فسيكون عليها السير بطاقم جديد لفترة محددة، فيتم تشكيل حكومة بصلاحيات استثنائية قادرة على السير بالإصلاحات المطلوبة من دون أن تصطدم بمجلس النواب».
وأضاف في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «ربط مصير الإصلاحات بالبرلمان من شأنه أن يطيح بها، كما حصل مؤخراً بموضوع الكهرباء بحيث تضمنت ورقة الحريري الإصلاحية تلزيم المشروعات خلال الشهرين المقبلين وتشكيل هيئة ناظمة لكن ربط ذلك بقرار يصدر عن مجلس النواب عرقل العملية ككل».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.