بعدما فرضت نفسها قوة عسكرية رئيسية في الميدان، تكرس روسيا دورها اليوم كلاعب محوري يقود مساعي التوصل إلى تسوية سياسية من شأنها أن ترسم مستقبل سوريا ما بعد الحرب.
وافتتحت، الأربعاء، في مقر الأمم المتحدة في جنيف، أعمال اللجنة الدستورية السورية التي انبثقت فكرة تشكيلها عن مؤتمر استضافته روسيا، أبرز داعمي النظام السوري، مطلع عام 2018، في إطار محادثات آستانة التي رعتها موسكو مع إيران، حليفة النظام، وأنقرة، الداعمة للمعارضة إجمالاً.
واستبقت روسيا بدء اللجنة لعملها بإيفاد دبلوماسييها بالجملة إلى جنيف، حيث عقدوا لقاءات مكوكية مع وفدي الحكومة والمعارضة، ومع المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسن.
ويقول الباحث سامويل راماني لوكالة الصحافة الفرنسية: «توجه روسيا اليوم المسار الدستوري، كما قادت فكرة تشكيل» اللجنة الدستورية. ويضيف: «أي خرق قد تحققه بعد إخفاق جولات جنيف والتسويات السابقة من شأنه أن يعزز مكانتها إلى حد كبير».
وفشلت جولات تفاوض قادتها الأمم المتحدة خلال السنوات الماضية في إحراز تقدم على صعيد حل الأزمة السورية، جراء تباين وجهات النظر بين الطرفين، خصوصاً إزاء مصير الرئيس بشار الأسد.
وتمكنت موسكو منذ بدء تدخلها العسكري في سوريا، في نهاية سبتمبر (أيلول) 2015، من تغيير موازين القوى عسكرياً في الميدان لصالح دمشق. ولم تتردد منذ بدء النزاع في استخدام حق النقض (فيتو) في مجلس الأمن لتعطيل أي قرار يضر بدمشق أو يدينها.
وبعد أقل من عامين، أطلقت موسكو مسار محادثات آستانة الذي ما لبث أن طغى على مسار جنيف. واقترحت مطلع عام 2018، خلال مؤتمر جمع ممثلين عن النظام والمعارضة في سوتشي، تشكيل لجنة دستورية لصياغة «إصلاح» دستوري.
وتلقفت الأمم المتحدة الاقتراح، وأبدت استعدادها لقيادة جهود تشكيل اللجنة، لتعيد بذلك بوصلة المفاوضات مجدداً إلى جنيف.
وأقر الرئيس بشار الأسد، في مقابلة بثها التلفزيون الرسمي ليل الخميس، بأن «كل ما يحصل هو جزء من سوتشي... ومرجعيته هي سوتشي»، موضحاً أن تمثيل الأمم المتحدة «يعطيها بعداً أممياً، وهذا كان ضرورياً، ولكن هذا لا يعني أن تدخل جنيف على سوتشي. جنيف غير موجودة».
وتدرك المعارضة السورية التي تشتّت قوتها، وفقدت داعميها الدوليين، ويقتصر وجودها في الميدان على فصائل في إدلب (شمال غرب)، وأخرى موالية لأنقرة في المناطق الشمالية، أن روسيا وحدها تمسك «مفتاح الحل».
ويقول المعارض عضو اللجنة الدستورية يحيى العريضي: «بعدما أثبتت نفسها عسكرياً، ترغب روسيا اليوم بأن تنجز سياسياً، وتقدم وثيقة دستورية للعالم».
وبالنسبة إلى المعارضة، ينطوي تفرد موسكو تقريباً بالملف السوري على إيجابية تجلت عبر «دفعها النظام للانخراط في العملية السياسية، بعدما كان يرفض ذلك»، وفق العريضي.
وتبدو المعارضة، التي لطالما تمسكت بتنحي الأسد، مضطرة للتفاوض حول الدستور، كونه الخيار الوحيد المتاح حالياً بعد سنوات النزاع الدامية المدمرة التي أوقعت أكثر من 370 ألف قتيل، ولم تتمكن خلالها المعارضة من تحقيق أي إنجاز سياسي.
ويرى باحثون في مجيء وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى جنيف للقاء بيدرسن ونظيريه الإيراني والتركي «رسالة صريحة للغاية، مفادها أن عملية جنيف باتت مرادفة اليوم لروسيا». ويقول أحدهم: «باتت روسيا سيدة العملية السياسية، ولم يعد للغربيين أي رافعة على الأرض»، بينما تنسق روسيا مع تركيا «التي تمسك ببعض المفاتيح في سوريا».
وانطلاقاً من رغبة موسكو بأن تستعيد دمشق «شرعية دولية» تمهد لرفع العقوبات الغربية عنها، وتوفر الدعم لمرحلة ما بعد الحرب، فقد «تتوفر فرصة للحصول على تنازلات من النظام عبر روسيا»، بحسب باحثين.
وتأمل الأمم المتحدة في أن يفتح عمل اللجنة الدستورية الباب لتسوية سياسية أوسع للنزاع، رغم إقرارها بأن المهمة صعبة، ودونها عقبات كثيرة.
وحرص بيدرسن على أن يقتصر الحضور، خلال إطلاق عمل اللجنة الأربعاء، على أعضائها الـ150 فقط، بغياب أي تمثيل دولي، رغم إشادته مراراً بالإجماع الدولي غير المسبوق الذي تحظى مهمته به.
وتبذل موسكو قصارى جهدها، وفق محللين، لإنجاح مسار جنيف، لأن فشله يعني أنها بعدما أنقذت النظام عسكرياً لم تنجح في أن تنتزع اعترافاً أممياً به، وهو ما قد يشكل إحراجا ًلروسيا التي تريد أن تلعب لعبة الأمم المتحدة، وإن كان وفقاً لشروطها.
وسيشكل الفشل عبئاً كبيراً على الأمم المتحدة التي «ستجد في المثال السوري دليلاً على عدم فعاليتها»، وفق بالانش. وستفقد المعارضة السورية «خشبة الخلاص» الأخيرة لها.
ولضمان عدم حصول ذلك، يقول العريضي: «المهم حالياً أن تنسجم رغبة موسكو بالحل مع أفعالها، وعندها الجميع سيعترف بفضلها في إنجاز الحل السياسي» في سوريا.
روسيا «لا تتحمل فشل» مساعي تسوية النزاع السوري
روسيا «لا تتحمل فشل» مساعي تسوية النزاع السوري
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة