مهرجان «أندلسيات أطلسية» بالصويرة... أكثر من لقاء فني عابر

الدورة الـ16 تتوّج فعالياتها بحفل يجمع ريموند البيضاوية وبنعمر الزياني

من فقرات افتتاح الدورة الـ16 من مهرجان «أندلسيات أطلسية» بالصويرة
من فقرات افتتاح الدورة الـ16 من مهرجان «أندلسيات أطلسية» بالصويرة
TT

مهرجان «أندلسيات أطلسية» بالصويرة... أكثر من لقاء فني عابر

من فقرات افتتاح الدورة الـ16 من مهرجان «أندلسيات أطلسية» بالصويرة
من فقرات افتتاح الدورة الـ16 من مهرجان «أندلسيات أطلسية» بالصويرة

بحفل افتتاح «يحمل أسمى المعاني ويعكس أنبل القيم»، بمشاركة جوق شاب يضم مغاربة، مسلمين ويهوداً، تغنوا بإرث الأجداد، ورددوا صنائع الآلة التي تختزل تراثاً فنياً إنسانياً هو عصارة عهد زاهر من الوجود العربي بالأندلس، انطلقت، مساء أول من أمس، بمدينة الصويرة المغربية، فعاليات مهرجان «الأندلسيات الأطلسية» في دورته الـ16، التي بقدر ما تطرح مقترحات جريئة مانحة الكلمة لأصوات شابة بحضور وازن للعنصر النسوي، تواصل رفع شعار الاحتفاء بمغرب العيش المشترك، مع الإصرار على مواصلة استحضار ماض مشرق من التعايش.
بالنسبة لعبد السلام الخلوفي، المدير الفني للتظاهرة، فـإن المهرجان هو أكثر من لقاء عابر، بل هو فرصة لعقد لقاءات استثنائية وغير مسبوقة، برسالة واضحة: «نغني للإنسانية»، لذلك «صدحت الموسيقى في الصويرة، بأعلى صوتها، مغنية لقيم الحب والجمال، دونما أدنى التفات، لا لعرق، ولا لجنس، ولا لديانة، هنا لا صوت يعلو على صوت التعايش وقبول الاختلاف».
من جهتها، قالت كوثر شكير بنعمارة الكاتبة العامة لـ«جمعية الصويرة موغادور»، التي لم تخف سعادتها بتفرد المهرجان، والمسار الذي قطعه، والتميز الذي صار له، ربطت، في كلمة الافتتاح، توهج التظاهرة بقيمة وإشعاع الصويرة، التي وصفتها بالمدينة المنذورة للبهجة والغبطة والفرح، التي تجني اليوم ثمار ما زرعته من وئام، مشيرة، في هذا الصدد، إلى اختيار منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو) لـ«مدينة الرياح»، ساعات قبل انطلاق دورة هذه السنة من «الأندلسيات»، ضمن شبكة تجمع «المدن المبدعة»، التي تتخذ من الإبداع أساساً لتطورها في مجالات الموسيقى والفنون والحرف الشعبية والتصميم والسينما والأدب والفنون الإعلامية وفن الطبخ.
واختار منظمو دورة هذه السنة من مهرجان الصويرة، برمجة 15 حفلاً موسيقياً «لإبراز نبل التراث الموسيقي اليهودي العربي»، تتميز باقتراح طبق فني متنوع وقوي المضمون، بشكل يلبي انتظارات جمهور هذه التظاهرة المتميزة والفريدة من نوعها عبر العالم.
وكتب أندري أزولاي، الرئيس المؤسس لـ«جمعية الصويرة موغادور» ومستشار العاهل المغربي الملك محمد السادس، في افتتاحية التظاهرة، التي انطلق تنظيمها في 2003 بمبادرة من «جمعية الصويرة موغادور»: «بالنسبة لمن ساورته الشكوك قبل أكثر من 15 سنة، حين ولد مهرجان (الأندلسيات الأطلسية)، فقط في المغرب، في المنطقة المغاربية، وفي أرض الإسلام، يضرب كل سنة آلاف المسلمين واليهود موعداً لعدة أيام للغناء والموسيقى بشكل جماعي، والاحتفال البهيج بتاريخهم المشترك، وذاكرتهم المختلطة وموروثهم الغني، كما كان الحال دوماً بمدينة الصويرة، باللغتين العربية والعبرية».
وتحدث أزولاي عن المشاعر التي ظلت تتركها فعاليات التظاهرة على مستوى «سعادة اللقاء والاستعادة والإنصات لموسيقى (المطروز)، التي يمتلك المغرب سرها وتألقها، لتجدرها في عمق وغنى تاريخ حافل». قبل أن يربط بين دورة السنة الماضية ودورة هذه السنة، بالحديث عن «أندلسيات صويرية»، باستعراض أسماء النساء اللواتي يتم الاحتفاء بتجربتهن في 2019: «ليس على سبيل الموضة، بل لأن للصويرة فكرة وجيهة حول كيف تكون مرآة وصدى لهؤلاء النسوة اللواتي يتزايد عددهن كل سنة لتمَلك ريبيرتوار غني للموسيقى الأندلسية، الشكوري والملحون اليهودي العربي».
ويتضمن برنامج التظاهرة، فقرات غنية بمشاركة الفنانة سميرة أحمد التي ستقترح رحلة موسيقية من تاريخ الأندلس، والفنانة أسماء الأزرق التي ستعيد على طريقتها أداء قصائد من «الملحون اليهودي العربي»، الذي يخترق الفضاءات والأجيال، بحيث «ستحدثنا عن أمس يساعدنا في كتابة مستقبل لهذا التاريخ المغربي الجميل، من خلال قصائد، بينها (أنا الكاوي) و(لالة غيثة مولاتي)».
أيضاً، تحضر الفنانة دليلة مسكوب، التي ستتحف الجمهور بأغاني لين مونتي وسليم الهلالي وسامي المغربي، علاوة على قصيدة في مدح الرسول محمد، انطلاقاً من نص للشاعر اليهودي عيوش بنمويال الصويري. فيما يتم تكريم عازفة البيانو غيثة العوفير التي توفيت قبل سنوات، والتي طبعت، انطلاقاً من الرباط، الساحة المغاربية على مستوى الموسيقى الأندلسية.
وخصصت الدورة مكاناً للشباب، مسلمين ويهوداً، بينهم إلياد ليفي وأنس بلهاشمي ويوحاي كوهين وصلاح الدين مصباح ويوحاي كوركوس وهشام دينار، باعتبارهم فنانين صاعدين يتملكهم إصرار على عدم نسيان ما خلفه الأسلاف.
كما جرت العادة في الدورات السابقة، يحضر الفلامينغو لتأثيث فعاليات دورة هذه السنة من المهرجان، الذي يمنح الصويرة نفحة فنية وجمالية، من خلال ليونور ريال في حفل يجمعها بأوركسترا «روافد»، إحدى أفضل مجموعات الموسيقى الأندلسية بقيادة عمر متيوي.
وتعود ريموند البيضاوية لإتحاف الجمهور في حفل آخر يجمعها بالفنان بنعمر الزياني. فيما تفتح الزاوية القادرية أبوابها في أمسية يتم خلالها الاحتفاء، بالعربية والعبرية، بأجمل القصائد التي طبعت موروث طرب الآلة بالمغرب.
ولأن مهرجان «الأندلسيات الأطلسية» هو، أيضاً، فضاء للنقاش والمعارض، كان الموعد، على هامش افتتاح التظاهرة، مع معرض للفنانة مليكة الدمناتي المنصوري، تتناول فيه موضوع «العيش المشترك»، الذي يعتبر روحاً ومحركاً لـ«مدينة الرياح».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».