الأرجنتيني رافايل غروسي.. الأولوية لبرنامج إيران

«مخضرم الدبلوماسية النووية» يخلف أمانو على رأس الوكالة الذرية

الأرجنتيني رافايل غروسي.. الأولوية لبرنامج إيران
TT

الأرجنتيني رافايل غروسي.. الأولوية لبرنامج إيران

الأرجنتيني رافايل غروسي.. الأولوية لبرنامج إيران

غداة اختياره من مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية مديراً عاماً جديداً، تسارعت التساؤلات عن توجهات الدبلوماسي الأرجنتيني رافايل ماريانو غروسي (58 سنة)، الذي يحظى بدعم كبير من الولايات المتحدة، حيال الأزمة المتعلقة بالأزمة النووية المتفاقمة مع إيران. وكان غروسي، الذي يوصف بأنه «مخضرم الدبلوماسية النووية»، قد حصل على تزكية العدد الكامل لمجلس حكام الوكالة المؤلف من 35 عضواً خلال هذا الأسبوع في العاصمة النمساوية فيينا، حيث مقر الوكالة. إلا أنه فاز في الجولة الثالثة من الانتخابات ضمن سباق تنافسي غير عادي بـ24 صوتاً مقابل 10 أصوات ضد كورنيل فيروتا، الروماني الذي يتولى منصب المدير العام بالنيابة منذ وفاة المدير العام السابق الياباني يوكيا أمانو في يوليو (تموز) الماضي. وللعلم، فإن غروسي لن يباشر عمله إلا بعد مصادقة المؤتمر العام للوكالة المؤلف من 171 عضواً على تعيينه، في جلسة استثنائية ستنعقد في 2 ديسمبر (كانون الأول) المقبل.

كشف دبلوماسيون أن واشنطن قادت حملة من خلف الأضواء لاختيار الدبلوماسي الأرجنتيني رافايل غروسي مديراً عاماً الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي يتوقع أن يبدأ مهمته لمدة 4 سنوات في 3 ديسمبر (كانون الأول). وخلافاً للمعتاد، لم تكن دول الاتحاد الأوروبي موحّدة هذه المرة وراء مرشح أوروبي واحد لهذا المنصب.
كان غروسي قد عمل في منصب كبير الموظفين إبان عهد أمانو بين عامي 2010 و2013. ومنذ ذلك الحين عمل سفيراً للأرجنتين لدى الوكالة التي تعمل مع دولها الأعضاء وشركائها لتعزيز التكنولوجيات النووية الآمنة والسليمة والسلمية ومنع انتشار الأسلحة النووية. كذلك أمضى غروسي سنوات عدة مسؤولاً كبيراً في منظمة حظر الأسلحة الكيماوية. وقاد أخيراً مراجعة دولية لمعاهدة حظر الانتشار التي تهدف إلى وضع حد لانتشار الأسلحة النووية. وهو سيترأس مؤتمر مراجعة معاهدة حظر الانتشار النووي المقرر عقده في نيويورك خلال العام المقبل، علماً أنه ينعقد مرة واحدة كل 5 سنوات.

نبذة شخصية
ولد رافايل غروسي في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس عام 1961. وتخرّج عام 1983 في الجامعة البابوية الكاثوليكية في العاصمة بشهادة بكالوريوس في العلوم السياسية. ثم التحق عام 1985 بالسلك الدبلوماسي الأرجنتيني. وبعد ذلك حصل عام 1997 من جامعة جنيف بدرجة ماجستير، ثم درجة دكتوراه في العلاقات الدولية والتاريخ والسياسة الدولية.

صاحب خبرة واسعة
بدأ المدير العام الجديد تجربته في المجال النووي من خلال التعاون بين وزارة الخارجية وشركة «اينفاب» الأرجنتينية. وتولى رئاسة مجموعة الأمم المتحدة للخبراء الحكوميين المعنية بالسجل الدولي للأسلحة بين عامي 1997 و2000. ثم صار لاحقاً مستشاراً للأمين العام المساعد للأمم المتحدة في مجال نزع الأسلحة. وتولى بين عامي 2002 و2007 منصب كبير الموظفين لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية.
أثناء عمل غروسي مع الأمم المتحدة زار المنشآت النووية لكوريا الشمالية، وشارك في اجتماعات عدة عقدت مع ممثلي السلطات الإيرانية سعياً للتوصل إلى اتفاق لتجميد البرنامج النووي لدى طهران. وأيضاً خلال عمله في وزارة الخارجية الأرجنتينية، تولى منصب المدير العام للتنسيق السياسي، ثم عمل سفيراً لدى بلجيكا، وممثلاً لبلاده لدى مكتب الأمم المتحدة في جنيف.
وبين عامي 2010 و2013 شغل منصب نائب المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية. وعينته الرئيسة الأرجنتينية كريستينا فرنانديز دي كيرشنر (نائبة الرئيس حالياً) سفيراً لدى النمسا ومنظمات دولية مقرها في فيينا، على أن يكون سفيراً أيضاً في كل من سلوفاكيا وسلوفينيا.

مواقفه إزاء إيران
يميل غروسي، الذي وضع منصب المدير العام في الوكالة نصب عينيه منذ مدة طويلة، وفكر في الترشح لخوض الانتخابات ضد يوكيا أمانو، إلى تبني مواقف أكثر تشدداً إزاء إيران، خصوصاً، بعدما اعتمدت سلوكاً يمثل مشكلة متزايدة بالنسبة إلى الوكالة المكلفة بالإشراف على النشاطات النووية في كل أنحاء العالم. ومعلومٌ أنه في سياق التصعيد مع الولايات المتحدة، وعدت إيران باتخاذ تدابير جديدة في أوائل نوفمبر (تشرين الثاني) الراهن للابتعاد عما حددته «خطة العمل المشتركة الشاملة» - أي الاتفاق النووي الذي وقعته عام 2015 مع ما كان يسمى «مجموعة الخمس زائد 1» التي تضم الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن: الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين، بالإضافة إلى ألمانيا، وكانت «الخطة» قد وضعت قيوداً صارمة... ولكن مؤقتة على البرنامج النووي الإيراني. ويخشى الدبلوماسيون الغربيون أن تكون هذه الانتهاكات الإيرانية الأكثر أهمية حتى الآن. وعندما يتسلم مهماته في ديسمبر (كانون الأول) المقبل، سيشرف غروسي على تحقيقات تجريها الوكالة الدولية للطاقة الذرية في ادعاءات عن أن إيران احتفظت بمواد مشعة في موقع سرّي بضاحية توركوز آباد في طهران، علماً أن الأخيرة تصرّ على أن نشاطها النووي كان دائماً لأغراض مدنية.

أمانو: منتقدون ومدافعون
من ناحية ثانية، يعتقد منتقدو الوكالة، التي تعد المركز العالمي للتعاون في التطبيقات والطاقة والعلوم والتكنولوجيا النووية، أن فريق أمانو لم يكن حازماً بما فيه الكفاية لجهة التحقيق في الجهود النووية الإيرانية. ولقد أوضحوا في أكثر من مناسبة أنهم يريدون لخبراء الوكالة أن يتفقّدوا المواقع المشتبه فيها، وإجراء مقابلات مع الأشخاص الذين ترد أسماؤهم في بعض الوثائق لمعرفة ما إذا كانوا ما زالوا يشاركون في أعمال غير مشروعة مرتبطة بصنع أسلحة نووية أم لا.
أما المدافعون عن الوكالة فيجادلون بأنها تابعت الادعاءات في شأن موقع «توركوز آباد» المشتبه فيه، مشيرين إلى أن كورنيل فيروتا (المدير العام بالوكالة) طالب طهران علناً في سبتمبر (أيلول) الماضي بالتوقف عن عرقلة تحقيقات الوكالة في النشاطات المشتبه فيها هناك. ويؤكد مسؤولو الوكالة أنهم زاروا المنشآت الإيرانية غير النووية، بما فيها الجامعات، حيث يمكن إجراء البحوث المتعلقة بالأسلحة. في مطلق الأحوال، لا يتوقع الدبلوماسيون حدوث تحوّلات كبرى خلال تولي غروسي في شأن القضايا الأكثر أهمية للوكالة، مثل مراقبة تطبيق «خطة العمل المشتركة الشاملة» مع إيران أو السعي إلى عودة مفتشي الوكالة إلى كوريا الشمالية، التي كانت قد طردت المفتشين عام 2009. ولقد وصف تغيير القيادة بأنه «فرصة لإعادة التقويم»، في تلميح إلى أنه يخطط لإصلاح معتدل بدلاً من الإصلاح الجذري. وفيما يتعلق بعمليات التحقيق من النشاطات النووية الإيرانية، قال غروسي إنه «يعتزم الالتزام بالتفويض الذي منحته الدول الأعضاء في الوكالة بالترابط الوثيق مع الأطراف المعنية»، مضيفاً أن «المسألة ترتدي أهمية كبرى للجميع». أيضاً، أبلغ الدبلوماسي الأرجنتيني صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية أنه «على استعداد لمتابعة ما هو مقبول، لكن المتابعة ليست برنامجي». وأردف: «نحن بحاجة إلى التكيف. نحن بحاجة إلى أن نتطوّر».
غروسي ينبّه إلى محاذير الإفراط في ربط الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالاتفاق النووي الإيراني، الذي يواجه «متاعب شديدة» منذ أعلنت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب عام 2018 انسحاب الولايات المتحدة منه، سعياً إلى استبدال صفقة أوسع وأكثر تشدداً به، تركز أيضاً على برنامج إيران للصواريخ الباليستية وعلى سلوكها الإقليمي. غير أنه في المقابل، يؤكد في الوقت ذاته أن «على الوكالة ألا تكون جزءاً من النقاش السياسي»، مستخلصاً أنه «من الخطأ تعريف الوكالة بخطة العمل المشتركة الشاملة أو بأي اتفاق سياسي آخر». وتابع: «علينا أن نكون حازمين ونزيهين في آن معاً»، في مراقبة نشاطات إيران.

ضغوط كثيرة
غروسي بذلك يعكس ما فعله في خطاباته خلال الجولات الأخيرة من التصويت؛ إذ تلافى الإشارة بالاسم إلى إيران، لكنه شدد على ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية في شأن التحقق من أن الدول تستخدم التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية فقط، متعهداً مواصلة هذا الدور بطريقة حازمة وعادلة.
ورداً على سؤال عن تأثير المدير العام، لفت إلى أنه «يحدّد الأولويات، ويرأس المفتشين» في الوكالة التي لديها وجهان: أحدهما تشجيعي يتعلق بوضع معايير السلامة والتعاون التقني، والآخر رقابي، فالوكالة تفتش. وأشار إلى الحالات الخاصة، مسمياً إيران وكوريا الشمالية وسوريا، حيث يحدد المدير العام طبيعة عمليات التفتيش والتقارير التي تليها. واعترف بأن «هذه مسؤولية كبيرة»، مذكّراً بـ«الضغوط الكبيرة» التي يمارسها الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن، علماً أن لكل منهم مصلحة مختلفة عن مصالح الآخرين. وشرح أنه «في حالة إيران، على سبيل المثال، تريد مجموعة من الدول في المجلس معايير حازمة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية بينما لا تريد المجموعة الأخرى أي مبالغة من الوكالة». ولاحظ أن «هناك مبادرات جارية للبحث عن الاستقرار، إما من خلال هذا الاتفاق النووي أو عبر تعديله».
أما في ملف كوريا الشمالية، فهناك «حالة مختلفة لأن هناك بالفعل انتشاراً» للأسلحة النووية لدى هذه الدولة، بحسب غروسي، الذي أكد أن الوكالة تعتمد «فقط على معلومات الاستخبارات والأقمار الاصطناعية». ثم قال: «يجب أن تظل الوكالة في حالة تأهب، لأنه إذا جرى التوصل إلى اتفاق سياسي على التفتيش، يجب أن يكون هناك مفتشون في بيونغ يانغ في غضون 10 ساعات».


مقالات ذات صلة

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

حصاد الأسبوع شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت

فاضل النشمي (بغداد)
حصاد الأسبوع ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة

راغدة بهنام ( برلين)
حصاد الأسبوع شيل

ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

مع أن «الحزب الديمقراطي الحر»، الذي يعرف في ألمانيا بـ«الحزب الليبرالي»، حزب صغير نسبياً، مقارنةً بالقطبين الكبيرين «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (المحافظ)

«الشرق الأوسط» (برلين)
حصاد الأسبوع لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ

رائد جبر (موسكو)
حصاد الأسبوع يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

حياة مغلفة بـ«هم الاستقلال»، سواءً عن المستعمر القديم في السنوات الأولى، أو تشكيل «الدولة المستقلة» طوال فترتَي الشباب والشيخوخة، لم تثنِ عبد الرحمن محمد عبد

محمد الريس (القاهرة)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».