تحوّلات واحتجاجات على امتداد أميركا اللاتينية

المسؤولية تتقاسمها الأخطاء السياسية الاقتصادية... وسياسات صندوق النقد الدولي

تحوّلات واحتجاجات على امتداد أميركا اللاتينية
TT

تحوّلات واحتجاجات على امتداد أميركا اللاتينية

تحوّلات واحتجاجات على امتداد أميركا اللاتينية

«لن تتوقّف الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية طالما تصرّ الحكومات على خدمة مصالح حفنة ضئيلة، وعلى حساب الأكثريّة»... هذه هي الخلاصة التي وصلت إليها الباحثة السياسية التشيلية مارتا لاغوس، وهي من أبرز الخبراء في أوضاع أميركا اللاتينية، في الدراسة المفصّلة التي أعدتها أخيراً بتكليف من الأمم المتحدة حول سلسلة الاضطرابات الاجتماعية التي تعصف منذ فترة بدول أميركا اللاتينية، من أفقرها إلى أغناها.
واليوم تطول قائمة البلدان التي تجتاحها الاحتجاجات العنيفة والأزمات السياسية على امتداد رقعتها، فتزداد وتتسّع بشكل لافت وبسرعة منذ فترة، بغضّ النظر عن اللون السياسي الحاكم فيها. ونظراً لطبيعة الاحتجاجات الشعبية، ولتزامن هذه الاضطرابات مع عودة اليسار إلى بعض المواقع التي كان قد خسرها منذ أواخر العقد الماضي، ثمّة مَن يرى وراء هذا الحراك الشعبي الواسع يد النظام الفنزويلي، مدعوماً من كوبا وبعض الجهات الخارجية، كما لمّحت أخيراً مصادر رسميّة ويمينية في الإكوادور وتشيلي.
في الحقيقة، ليست سهلة القراءة في أسباب هذه الاضطرابات التي تعمّ منطقة تضمّ أكثر من 20 دولة ويعيش فيها 600 مليون نسمة، وتتفاوت كثيراً من حيث مستويات النمو بين بعضها. إلا أن القواسم المشتركة، في الوقت الحاضر، بين كل هذه الأزمات... هي الخيبات العميقة التي يشعر بها المواطنون والتطلعات الكثيرة التي لم تتحقق منذ عقود والفشل البيّن للسياسات الاقتصادية، وبالأخصّ الليبرالية منها، في إنهاض المجتمعات من الفقر وتوزيع الثروات، ناهيك عن السخط المتزايد على الطبقة السياسية وفسادها.
خلال الأسابيع الأخيرة وحدها، شهدت بوليفيا، المحكومة من رئيس يساري، مواجهات عنيفة بين أجهزة الأمن والمتظاهرين الذين كانوا يحتجون على انعدام نزاهة الانتخابات الرئاسية. وفي تشيلي، التي يحكمها رئيس يميني، خرج أكثر من مليون مواطن يطالبون بتوزيع عادل للثروات وتحقيق العدالة الاجتماعية. أما الإكوادور؛ حيث انقلب رئيسها على داعميه اليساريين، ليتبنى سياسات ليبرالية يمينية، فكادت تشتعل عندما قررت الحكومة إلغاء الدعم على أسعار المحروقات. وعبر الحدود، في البيرو، أعلن رئيس الجمهورية مارتين فيزكارّا، (يمين وسط) حل البرلمان بعد أزمة سياسية مديدة أسفرت عن انتحار رئيس سابق وسجن ثلاثة آخرين بسبب الفساد.
في هذه الأثناء، في جزر الكاريبي وأميركا الوسطى، خرج سكّان هاييتي غاضبين إلى الساحات احتجاجاً على الشحّ في المحروقات والنقص في المواد الغذائية، كذاك خرجت في هندوراس مظاهرات حاشدة تطالب الرئيس بالتنحّي بعد إحالة شقيقه إلى المحاكمة بتهمة الاتجار بالمخدرات في الولايات المتحدة. ومن ثم، فالأسئلة مفتوحة حول البلد التالي على قائمة الاضطرابات التي لا مؤشر على قرب نهايتها.
تقول الباحثة لاغوس، في دراستها التحليلية، إن «مشهد الاحتجاجات الشعبية العنيفة يتعارض، في ظاهره، مع تطوّر النظم الديمقراطية وترسيخها خلال العقد المنصرم في أميركا اللاتينية، قبل انفجار الأزمتين في فنزويلا ونيكاراغوا». وتؤكد أن المظاهرات لن تتوقّف في ظل ازدياد الاستياء الشعبي من أداء النخبة الحاكمة، وقلة التجاوب مع المطالب الاجتماعية «لأنه ليست الحكومات التي تفشل، بل هي الدول».
- ليس وليد المصادفة
انتشار الاحتجاجات الشعبية والأزمات السياسية في العديد من بلدان أميركا اللاتينية ليس وليد المصادفة، بل هو الثمرة الطبيعية لظاهرة اجتماعية متزامنة في هذه البلدان. ومردّه إلى أن الحكومات، في معظم الدول الأميركية اللاتينية التي نجت من تداعيات الأزمة المالية العالمية عام 2008، وحققت نمواً اقتصادياً مطرداً في السنوات العشر المنصرمة، لم تولِ الاهتمام الكافي لمعالجة الفوارق الاجتماعية الحادة التي كانت تعتمل في رحمها هذه الأزمات. بل، هي اكتفت بتمويه الفقر تحت قناع أرقام الاقتصاد الكلّي.
بداية هذه الاحتجاجات كانت في البرازيل؛ حيث يتوقّع المراقبون أنها لم تبلغ بعد ذروتها المرتقبة. ومن هناك راحت تنتشر بسرعة أمام انسداد آفاق التغيير، وارتفاع وتيرة المطالب الشعبية في مجتمعات منفتحة وواعية وقادرة على التواصل السريع وتنظيم صفوفها وتحركاتها. وراهناً، تتزامن هذه الاحتجاجات مع أفول النظم الديمقراطية، وانكشاف فشل النخب السياسية وعجزها عن تلبية المطالب الاجتماعية للمواطنين... الذين يطالبون أيضاً بديمقراطية أفضل، ويثورون على الفساد المتفشي في مؤسسات الدولة. ولقد بات واضحاً أن معدّلات النمو الاقتصادي المرتفعة وأرقام الاقتصاد الكلّي لم تعد كافية لتمويه إخفاق جميع الدول الأميركية اللاتينية، باستثناء الأوروغواي، في ضمان الحقوق الاجتماعية الأساسية لمواطنيها، مثل التعليم والعناية الصحيّة والأجور والمعاشات التقاعدية الكريمة.
وتفيد دراسة وضعتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأميركا اللاتينية، أن 70 في المائة من مواطني المنطقة يعتبرون أن الحكومات تخدم مصالح أقليّة من المواطنين، وأن الفساد أصبح مستشرياً في معظم البلدان، ما يؤدي إلى تدمير الثقة بالنظم الديمقراطية. مع الإشارة، إلى أن الدراسة تفيد بأن المجتمعات لا تطالب بعودة الأنظمة العسكرية، بل بأداء أفضل للديمقراطية.
- من أخطاء الحكومات
من الأخطاء التي تقع فيها الحكومات أحياناً، أنها تتأخر أو تتلكأ، في استخلاص العِبرة من الاحتجاجات والتراجع عن مواقفها، أو المبادرة بحلول سريعة للمشكلات المتفاقمة. وكمثال، احتاج رئيس الإكوادور لينين مورينو، نحو 13 يوماً، قبل أن يدرك بأن عليه سحب قراره إلغاء الدعم على سعر المحروقات. والرئيس التشيلي (الثري جداً) سيباستيان بينييرا، تأخر سبعة أيام قبل أن يعتذر من مواطنيه، ويسحب حزمة التدابير الاقتصادية التي أشعلت فتيل الأزمة. ولا شك، في أن تراجع الحكومات أمام الضغط الشعبي يدفع بالجماهير نحو المزيد من الاحتجاجات، وذلك لعلمها بأن الاحتجاج هو السبيل الوحيد المتاح لإجبار الحكومات على التراجع وتحقيق المطالب.
ثم إن ما يميّز الأزمات التي تشهدها أميركا اللاتينية، في هذه المرحلة، أنها ليست ناجمة عن انعدام الحرّيات أو ضيق مساحات التعبير، كحال بعض بلدان العالم الثالث الأخرى. إذ إن الحريات السياسية والاجتماعية متوافرة، والمستوى الديمقراطي الذي بلغته المنطقة، خلال العقدين المنصرمين، لم تشهد مثله في تاريخها، باستثناء انتكاستين كبيرتين في فنزويلا ونيكاراغوا. غير أن هذه الحريّات لم تنتج أنظمة ديمقراطية فاعلة، بل، بقيت مؤسسات الدولة عاجزة عن التجاوب مع طموحات المواطنين وتلبية احتياجاتهم الأساسية.
- معالم أزمة اليسار
ومن المفارقات اللافتة في هذه الأزمات أن الأحزاب اليسارية التي كانت منذ 10 سنوات تسيطر على الحكم من البرازيل إلى الأرجنتين، ومن بوليفيا إلى الإكوادور والأوروغواي، ناهيك من كوبا وفنزويلا، تتحمّل قدراً كبيراً من مسؤولية اختمارها... وفي طليعة الأسباب بعض السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي انتهجتها، والفساد الذي استشرى على عهدها، وعجزها عن تجديد قياداتها ومواكبة التطور السريع في مجتمعاتها.
وحقاً، في معسكر اليسار، جدّد الرئيس إيفو موراليس، حكمه في بوليفيا بولاية رابعة حتى عام 2025، وفي الأرجنتين عادت الرئيسة السابقة كريستينا كيرشنر (البيرونية اليسارية)، نائبة للرئيس هذه المرة، بعد ولايتين لها وأخرى لزوجها... وحزمة من الملاحقات القضائية بتهم الفساد المالي وسوء استخدام السلطة، أدت إلى تمكن اليمين من تولي الحكم عبر موريسيو ماكري حتى هزيمته في الأسبوع الماضي. وفي الأوروغواي حافظت «الجبهة العريضة» (يسار) على السلطة التي وصلتها في عام 2005، لكن من دون قادتها التاريخيين مثل الرئيس الحالي تاباري فازكيز، وسلفه خوسيه موخيكا. وحالياً، تمتدّ هذه الظاهرة إلى بلدان يسعى فيها اليسار للعودة إلى السلطة وتجديد قياداته، مثل البرازيل وتشيلي، وأخرى يحكم فيها اليسار ويتخبطّ في أزمة خانقة مثل كوبا وفنزويلا.
رئيس الأوروغواي السابق خوسيه موخيكا، الذي كان رمزاً للنزاهة والمناقبيّة في الحكم والحياة الشخصية، أكد «أن تجديد القيادات اليسارية في أميركا اللاتينية حاجة ملحّة، لكنه بعيد الاحتمال في المستقبل القريب المنظور». ويعزو البعض ذلك إلى أن معظم القيادات اليسارية التي وصلت إلى سدّة الرئاسة أخيراً في أميركا اللاتينية، كانت تنتظر فرصتها منذ سنوات طويلة تعرّضت خلالها للقمع والاضطهاد وهزائم انتخابية متكرّرة. من هؤلاء، آندريس مانويل لوبيز أوبرادور، الذي انتخب رئيساً للمكسيك في العام الماضي بعد محاولات ثلاث فاشلة، وفي البرازيل وصل لويس أيغناسيو لولا دا سيلفا إلى الرئاسة في محاولته الرابعة، بعدما كان زعيماً نقابياً، وأدخل السجن عام 1980 لتحريضه على إضراب إبّان الحكم العسكري. موخيكا، نفسه، أمضى 14 سنة في السجن، وتعرّض للتعذيب على يد النظام العسكري بسبب انتمائه إلى ثوّار «التوبامارو»، والرئيس البوليفي موراليس - وهو من شعب الآيمارا - أمضى سنوات في الاعتقال لكونه زعيماً لنقابة مزارعي الكوكا قبل أن يصبح أول رئيس من السكّان الأصليين لبوليفيا. أيضاً هوغو تشافيز، رئيس فنزويلا السابق الراحل والضابط السابق في الجيش، سُجن عامين لقيامه بمحاولة انقلاب في فنزويلا، ثم انتخب رئيساً لفنزويلا عام 1998 وحكم حتى وفاته في عام 2013.
هذه المسارات الطويلة والمتعرّجة حتى السلطة، جعلت من هذه القيادات المخضرمة الخيار الوحيد المتاح، وغدت كالشجر العتيق الذي لا ينبت شيء في ظلّه. وبالتالي، عندما وصلت هذه القيادات إلى السلطة، فإنه لم تعد تفكّر في استنباط الآليّات اللازمة لتجديدها، بل صارت الزعامات اليسارية أيضاً محصورة في شخص واحد، على غرار الزعامات الإقطاعية التقليدية في أميركا اللاتينية التي يطلق عليها مصطلح «كاودييو» (Caudillo)، فصار الشعب أكثر ديمقراطية من النُخب... بينما تلوّث اليسار أيضاً بفقدان الديمقراطية.
وحقاً، محاولات التجديد في قيادات المعسكر اليساري ما زالت خجولة جداً، ولا تعدو كونها خروجاً عن قاعدة راسخة، مثل انتخاب المرشّحة اليسارية عن حزب «التحالف الأخضر» كلاوديا لوبيز، منذ أسبوع رئيسة لبلدية بوغوتا، عاصمة كولومبيا، ثاني كبرى دول أميركا الجنوبية بعد البرازيل. ويشكّل وصول لوبيز إلى هذا المنصب، الذي يُعتبر الثاني من حيث الأهمية في البلاد بعد منصب رئيس الجمهورية، اختراقاً رمزياً لافتاً في بلد تتعاقب على حكمه النُخب السياسية، الليبرالية والمحافظة منذ عقود، خصوصاً أنها مثليّة جنسياً، بجانب كونها أكاديمية تنتمي إلى وسط اجتماعي متواضع.
في أي حال، معظم الأحزاب اليسارية في أميركا اللاتينية فشل، بعد وصوله إلى الحكم خلال العقود الأربعة الأخيرة، في إرساء سياسات اقتصادية وبرامج إنمائية تقلّص الفوارق الاجتماعية الصارخة التي تبلغ أرفع مستوياتها العالمية في هذه المنطقة. ونادراً ما تحققت على عهده إصلاحات تلبّي الاحتياجات الأساسية للطبقات الشعبية والعاملة. وبالنتيجة، انصرفت هذه الأحزاب في معظم الأحيان، لتغطية عجزها، إلى إلقاء اللوم على صندوق النقد الدولي والشروط التي فرضها ويفرضها ضمن برامج التعديل الهيكلي على اقتصادات المنطقة، كخفض العجز الضريبي عن طريق زيادة الضرائب، وإلغاء الدعم الرسمي على المواد الأساسية، وخفض أسعار العملات الوطنية.
ومع انتشار الاحتجاجات الشعبية، واتساع رقعتها في أميركا اللاتينية، لا بد من التذكير بأن الاضطرابات الاجتماعية كانت دوماً حاضرة في المشهد السياسي في هذه المنطقة. ثم إن ثمّة «ثقافة» تعبئة اجتماعية متجذّرة في هذه البلدان، يلجأ إليها المواطنون للضغط من أجل توسيع إطار الحرّيات العامة والحد من الفوارق الاجتماعية التي تبلغ مستويات قياسية في بلدان المنطقة.
أيضاً، تجدر الإشارة إلى أن هذه الاحتجاجات تتزامن مع تراجع في النمو الاقتصادي وتفاقم الأوضاع المعيشية. وتفيد تقارير لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأميركا اللاتينية (سيبال)، بأن النمو الاقتصادي في المنطقة لن يتجاوز 0.2 في المائة عام 2020، مقابل 5.9 في المائة في آسيا، و3.2 في المائة في أفريقيا. كذلك، تفيد التقارير بأنه يعيش أكثر من 10 في المائة من سكّان هذه المنطقة في حال من الفقر المدقع، وهذه النسبة ترتفع باطراد منذ عام 2002، مع إصرار الحكومات، يسارية ويمينية، على تطبيق سياسات اقتصادية تعجز عن توفير فرص عمل إضافية، وتتجاهل ضرورة الحد من الفوارق الاجتماعية الصارخة التي تؤجج الاحتجاجات الشعبية، وتضرب صدقيّة النظم الديمقراطية ومؤسساته.
- دور صندوق النقد الدولي... وأخطاؤه ونجاحاته
> كان صندوق النقد الدولي يفرض شروطه الإقراضية على حكومات دول أميركا اللاتينية، يسارية كانت أو يمينية، لمواجهة الأزمات الاقتصادية الحادة التي كانت تؤدي إلى احتجاجات شعبية واسعة. وفي بعض الحالات إلى أزمات هدّدت الاستقرار السياسي في أكثر من دولة.
ومن الشواهد الأخيرة على ذلك، أزمة تشيلي، التي اندلعت في أعقاب إعلان الحكومة عن حزمة تدابير اقتصادية شملت رفع أسعار خدمات النقل العام، وأزمة الإكوادور التي نشأت عن قرار الحكومة إلغاء الدعم على أسعار المحروقات تلبية لشروط صندوق النقد، الذي انصبّت عليه الشعارات الاحتجاجية، مطالبة «بخروج» الصندوق من الإكوادور. ولقد ذكّر ذلك بأزمات سابقة، كتلك التي عاشتها فنزويلا مطلع تسعينيات القرن الماضي، والأرجنتين عام 2001، ونيكاراغوا في العام الماضي.
من جهته، صندوق النقد الدولي أقر بارتكابه أخطاء في تقديراته، وفي الشروط التي فرضها على بعض الدول الأميركية اللاتينية. ومن أبرز هذه الأخطاء ما حصل إبان الأزمة الأرجنتينية الكبرى مطلع العقد الماضي، عندما اضطرت الأرجنتين إلى إعلان أكبر عجز عن السداد في التاريخ النقدي بقيمة 93 مليار دولار أميركي، ما أدّى إلى أزمة اجتماعية وسياسية ما زالت أصداؤها تتردد إلى اليوم.
أيضاً، اعترفت إدارة الصندوق بأنها أخطأت في تقديراتها حول آفاق النمو الاقتصادي في الأرجنتين، وشروط سداد القرض، والتدابير التي فرضتها على السياسة النقدية، وبأن القرض الذي قدّمه الصندوق للأرجنتين من أجل دعم نظامها النقدي، كان من الأجدى استخدامه لتمويل برامج اجتماعية ومساعدتها على الخروج من هذا النظام الذي لم تعد قادرة على الاستمرار به.
وتفيد دراسة وضعتها دائرة التحليل الاستراتيجي في الصندوق، بأن القروض التي يمنحها «ليست هي أساس المشكلات التي تواجهها البلدان التي تلجأ إلى قروضه»، لكنها تقرّ بأن الصندوق لم يولِ العناية الكافية دائماً لتقويم كميّة ونوع الإصلاحات التي يفرضها. وهو ما أدى في بعض الحالات إلى تهميش فئات واسعة من السكّان، على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، وإضعاف شرعيّة النظم الديمقراطية.
وتذكّر الدراسة بأن صندوق النقد الدولي «لا يتدخّل إلا تجاوباً مع طلبات الحكومات التي عادة ترتكب الأخطاء نفسها، والتي تلجأ إلى صندوق النقد عندما تصل إلى شفير الهاوية، ولا يتبقّى أمامها سوى إعلان عجزها عن دفع رواتب الموظفين، وشلّ حركة الدولة».
ولكن تجدر الإشارة أيضاً إلى أن ثمّة حالات كان تدخّل صندوق النقد الدولي فيها ناجحاً، وساعد على الخروج من أزمات اقتصادية واجتماعية حادة. من هذه الحالات، في أميركا اللاتينية، تحديداً، القرض الذي قدّمه الصندوق بقيمة 30 مليار دولار أميركي للبرازيل في عام 2002، عندما كان هذا البلد غارقاً في القلق يتهيّأ لوصول اليساري «لولا» إلى الرئاسة. وساعد ذلك القرض - في حينه - على منع الانهيار النقدي والاقتصادي خلال المرحلة الأولى من انتقال السلطة، وبخاصة، بعدما اقتنع لولا بضرورة تعديل سياسته الاقتصادية وتحصين النظام النقدي في وجه أسواق المال.


مقالات ذات صلة

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
حصاد الأسبوع شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت

فاضل النشمي (بغداد)
حصاد الأسبوع ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة

راغدة بهنام ( برلين)
حصاد الأسبوع شيل

ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

مع أن «الحزب الديمقراطي الحر»، الذي يعرف في ألمانيا بـ«الحزب الليبرالي»، حزب صغير نسبياً، مقارنةً بالقطبين الكبيرين «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (المحافظ)

«الشرق الأوسط» (برلين)
حصاد الأسبوع لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ

رائد جبر (موسكو)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».