الأكراد قلقون على مستقبلهم رغم تطمينات أميركا ووعود روسيا

صور الأسد ترفع في «المربع الأمني» بالقامشلي

TT

الأكراد قلقون على مستقبلهم رغم تطمينات أميركا ووعود روسيا

انقلبت حياة سكان مدينة القامشلي ذات الغالبية الكردية رأساً على عقب خلال 20 يوماً، مع سحب واشنطن جنودها من نقاط كثيرة في «الإدارة الذاتية»، ودخول أنقرة إلى المنطقة، ونشر دمشق وموسكو قواتهما. ويبدو المستقبل بالنسبة لهم غامضاً ومثيراً للتساؤلات والقلق.
في سوق المدينة، التي عادت اليوم إلى الاكتظاظ بالباعة والبسطات والزبائن، يقول سعد محمد (35 عاماً): «أكثر ما يخيفنا ألا شيء واضح، لا أحد يعرف إلى أين تتجه المنطقة». ويضيف الشاب الملتحي الذي يعمل اليوم في متجر ألبسة داخلية رغم حيازته شهادة في الأدب العربي: «هل سيعود النظام؟ هل سيأتي الأتراك والروس؟ أم سيعود الأميركي مجدداً (...)؟ لا أفهم شيئاً».
في السابع من الشهر الماضي، انسحبت قوات أميركية حاربت لسنوات إلى جانب الأكراد ضد تنظيم «داعش»، من نقاط حدودية عدة مع تركيا. بعد يومين، بدأت تركيا وفصائل سورية موالية لها هجوماً ضد المقاتلين الأكراد سيطرت خلاله على منطقة حدودية بطول نحو 120 كيلومتراً.
شعر الأكراد بأنهم تُركوا وحدهم في مواجهة تركيا، عدوهم التاريخي، ففتحوا قنوات اتصال مع دمشق وحليفتها روسيا، تمّ بموجبها انتشار لقوات النظام في نقاط حدودية عدة، قبل أن تبدأ موسكو بتسيير دوريات في المنطقة. وعادت الولايات المتحدة لتؤكد دعمها الأكراد وترسل تعزيزات إلى مناطق الأكراد الواقعة إلى الشرق أكثر، لحماية الحقول النفطية، بحسب تعبيرها.
بعد بدء الهجوم التركي، توقفت الحركة في مدينة القامشلي التي يعدها سكانها عاصمة للإدارة الذاتية الكردية المعلنة من جانب واحد في شمال وشمال شرقي سوريا. أغلقت المحال لأيام عدة، ولازم السكان منازلهم، ومنهم من فضل إرسال أولادهم بعيداً لحمايتهم من قذائف تركية طالت المدينة.
وتم تعليق الهجوم التركي في 23 من الشهر الماضي بعد وساطة أميركية واتفاق روسي - تركي. لكن القلق لا يزال ينهش السكان الذين يتابعون الأخبار لحظة بلحظة، يحللون ويناقشون ما يخطط لهم المستقبل. ويقول سعد: «الانسحاب الأميركي كان له تأثير كبير، هناك أناس مرضوا من شدة القلق والتفكير». لكن أكثر ما يخيفه اليوم هو أمران: قوات النظام من جهة، والقوات التركية التي تعد المقاتلين الأكراد «إرهابيين» من جهة ثانية.
ويرى أن «خيار عودة النظام هو ثاني أسوأ خيار بعد الأتراك». ثم يوضح: «أنا مطلوب للتجنيد الإلزامي... تسويات الحكومة لا تشجع أبداً. (أما البقاء) مع الأتراك والمرتزقة فهذا أمر مستحيل تماماً».
ويصر مسؤولون أكراد على أن «الاتفاق مع دمشق عسكري بحت، ويقتصر فقط على انتشار قواتها في نقاط حدودية لصد التوسع التركي، ولا يمس بمؤسسات الإدارة الذاتية؛ إذ إن مستقبل هذه المنطقة سيكون مطروحاً في مفاوضات مقبلة مع الحكومة السورية».
لكن يبدو أن هذه التطمينات لا تطفئ مخاوف الشبان، وكثيرون منهم حملوا حاجياتهم وفروا إلى العراق استباقاً لمرحلة صعبة قد تنتظرهم.
في عام 2011، خرج جانو شاكر (37 عاماً) إلى شوارع دمشق للمشاركة في الاحتجاجات ضد النظام، عمل في تنسيقيات المعارضة، قضى أياماً عدة في الغوطة الشرقية بعد سيطرة الفصائل المعارضة عليها.
وفي عام 2014، وجد الشاب نفسه مجبراً على الفرار من دمشق خشية الملاحقة الأمنية، فعاد إلى القامشلي ليعيش فيها تحت حكم الإدارة الذاتية الكردية.
ويقول: «عودة النظام تشكل تهديداً على أشخاص مثلي اكتسبوا هامشاً من الحرية في التعبير في مناطق الإدارة الذاتية، أو معارضين أو مطلوبين للخدمة. الكثيرون قد يفكرون بالهجرة».
ومنذ إعلان الاتفاق مع دمشق، يحاول أهله إقناعه بالمغادرة، إلا إنه يتردد رغم خوفه على طفليه. ويقول: «كيف لي أن أترك أهل منطقتي في أحوال كهذه؟ أخجل من تركهم (...) أو أن أدير ظهري إلى مشروع من الممكن البناء عليه من أجل مستقبل سوريا».
في عام 2012 ومع اتساع رقعة النزاع في سوريا، انسحبت قوات النظام تدريجياً من شمال شرقي سوريا وحافظت فقط على مؤسسات في «مربعين أمنيين» في مدينتي القامشلي والحسكة. ولم يعد لديها أي دور، خصوصاً مع تأسيس الأكراد، الذين عانوا التهميش لعقود على أيدي الحكومات السورية، في إدارتهم الذاتية.
واتسعت مناطق سيطرة الإدارة الذاتية التي تلقت دعماً دولياً واسعاً، قبل أن تعود إلى الانكماش مع الهجوم التركي.
ويقول شاكر: «أعتقد أن النظام لا يستطيع أن يعود بالعنجهية ذاتها أو الممارسات القديمة، لا يستطيع أن يعود إلى ما قبل 2011». ويضيف: «في السابق كانت القضية الكردية محصورة بين 4 جدران فقط، أما اليوم فباتت قضية دولية. ليس هناك من لا يعرف كوباني أو عفرين».
ورغم كل شيء، فإن شاكر يرى في عودة النظام «خياراً أقل كارثية من دخول الأتراك والفصائل التابعة لها». ويتهم ناشطون ومنظمات حقوقية مقاتلي الفصائل السورية الموالية لأنقرة بارتكاب انتهاكات فادحة. ويقول شاكر: «هؤلاء لا يشبهون بشيء الشباب الذين نزلوا في عام 2011 ضد النظام».
وتضج سوق القامشلي بالأصوات: طفل يصرخ «صابون صابون» للبيع، ويجلس آخر أمام بسطة صغيرة لبيع أدوات التجميل، وتنتشر من كل حدب وصوب عربات المكسرات.
على بعد عشرات الأمتار، صورة كبيرة للرئيس السوري بشار الأسد مرفوعة على مدخل ما يعرف بـ«المربع الأمني» لقوات النظام.
داخل محله لبيع المجوهرات، يقول حسام إسماعيل (30 عاماً) الحائز شهادة في القانون: «هناك حالة تخبط في القامشلي والمناطق الكردية بشكل عام». ويضيف: «على اعتبار أنني مطلوب للتجنيد، فمن حقي أن أخاف، لكنني على يقين بأن الإدارة الذاتية ستجد حلولاً وتسويات تمنع أن يعود النظام إلى ما قبل 2011».



تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
TT

تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)

وضع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سيناريو متشائماً لتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن إذا ما استمر الصراع الحالي، وقال إن البلد سيفقد نحو 90 مليار دولار خلال الـ16 عاماً المقبلة، لكنه وفي حال تحقيق السلام توقع العودة إلى ما كان قبل الحرب خلال مدة لا تزيد على عشرة أعوام.

وفي بيان وزعه مكتب البرنامج الأممي في اليمن، ذكر أن هذا البلد واحد من أكثر البلدان «عُرضة لتغير المناخ على وجه الأرض»، ولديه أعلى معدلات سوء التغذية في العالم بين النساء والأطفال. ولهذا فإنه، وفي حال استمر سيناريو تدهور الأراضي، سيفقد بحلول عام 2040 نحو 90 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي التراكمي، وسيعاني 2.6 مليون شخص آخر من نقص التغذية.

اليمن من أكثر البلدان عرضة لتغير المناخ على وجه الأرض (إعلام محلي)

وتوقع التقرير الخاص بتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن أن تعود البلاد إلى مستويات ما قبل الصراع من التنمية البشرية في غضون عشر سنوات فقط، إذا ما تم إنهاء الصراع، وتحسين الحكم وتنفيذ تدابير التنمية البشرية المستهدفة.

وفي إطار هذا السيناريو، يذكر البرنامج الأممي أنه، بحلول عام 2060 سيتم انتشال 33 مليون شخص من براثن الفقر، ولن يعاني 16 مليون شخص من سوء التغذية، وسيتم إنتاج أكثر من 500 مليار دولار من الناتج الاقتصادي التراكمي الإضافي.

تحذير من الجوع

من خلال هذا التحليل الجديد، يرى البرنامج الأممي أن تغير المناخ، والأراضي، والأمن الغذائي، والسلام كلها مرتبطة. وحذّر من ترك هذه الأمور، وقال إن تدهور الأراضي الزائد بسبب الصراع في اليمن سيؤثر سلباً على الزراعة وسبل العيش، مما يؤدي إلى الجوع الجماعي، وتقويض جهود التعافي.

وقالت زينة علي أحمد، الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، إنه يجب العمل لاستعادة إمكانات اليمن الزراعية، ومعالجة عجز التنمية البشرية.

تقلبات الطقس تؤثر على الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية في اليمن (إعلام محلي)

بدورها، ذكرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) أن النصف الثاني من شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي يُنذر بظروف جافة في اليمن مع هطول أمطار ضئيلة في المناطق الساحلية على طول البحر الأحمر وخليج عدن، كما ستتقلب درجات الحرارة، مع ليالٍ باردة مع احتمالية الصقيع في المرتفعات، في حين ستشهد المناطق المنخفضة والساحلية أياماً أكثر دفئاً وليالي أكثر برودة.

ونبهت المنظمة إلى أن أنماط الطقس هذه قد تؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وتضع ضغوطاً إضافية على المحاصيل والمراعي، وتشكل تحديات لسبل العيش الزراعية، وطالبت الأرصاد الجوية الزراعية بضرورة إصدار التحذيرات في الوقت المناسب للتخفيف من المخاطر المرتبطة بالصقيع.

ووفق نشرة الإنذار المبكر والأرصاد الجوية الزراعية التابعة للمنظمة، فإن استمرار الظروف الجافة قد يؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وزيادة خطر فترات الجفاف المطولة في المناطق التي تعتمد على الزراعة.

ومن المتوقع أيضاً - بحسب النشرة - أن تتلقى المناطق الساحلية والمناطق الداخلية المنخفضة في المناطق الشرقية وجزر سقطرى القليل جداً من الأمطار خلال هذه الفترة.

تقلبات متنوعة

وبشأن تقلبات درجات الحرارة وخطر الصقيع، توقعت النشرة أن يشهد اليمن تقلبات متنوعة في درجات الحرارة بسبب تضاريسه المتنوعة، ففي المناطق المرتفعة، تكون درجات الحرارة أثناء النهار معتدلة، تتراوح بين 18 و24 درجة مئوية، بينما قد تنخفض درجات الحرارة ليلاً بشكل حاد إلى ما بين 0 و6 درجات مئوية.

وتوقعت النشرة الأممية حدوث الصقيع في مناطق معينة، خاصة في جبل النبي شعيب (صنعاء)، ومنطقة الأشمور (عمران)، وعنس، والحدا، ومدينة ذمار (شرق ووسط ذمار)، والمناطق الجبلية في وسط البيضاء. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع حدوث صقيع صحراوي في المناطق الصحراوية الوسطى، بما في ذلك محافظات الجوف وحضرموت وشبوة.

بالسلام يمكن لليمن أن يعود إلى ما كان عليه قبل الحرب (إعلام محلي)

ونبهت النشرة إلى أن هذه الظروف قد تؤثر على صحة الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية، وسبل العيش المحلية في المرتفعات، وتوقعت أن تؤدي الظروف الجافة المستمرة في البلاد إلى استنزاف رطوبة التربة بشكل أكبر، مما يزيد من إجهاد الغطاء النباتي، ويقلل من توفر الأعلاف، خاصة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة.

وذكرت أن إنتاجية محاصيل الحبوب أيضاً ستعاني في المناطق التي تعتمد على الرطوبة المتبقية من انخفاض الغلة بسبب قلة هطول الأمطار، وانخفاض درجات الحرارة، بالإضافة إلى ذلك، تتطلب المناطق الزراعية البيئية الساحلية التي تزرع محاصيل، مثل الطماطم والبصل، الري المنتظم بسبب معدلات التبخر العالية، وهطول الأمطار المحدودة.

وفيما يخص الثروة الحيوانية، حذّرت النشرة من تأثيرات سلبية لليالي الباردة في المرتفعات، ومحدودية المراعي في المناطق القاحلة، على صحة الثروة الحيوانية وإنتاجيتها، مما يستلزم التغذية التكميلية والتدخلات الصحية.