شاشة الناقد: The Lighthouse

The Lighthouse
> إخراج: روبرت إيغرز
> كندا (2019)
> تقييم: (ممتاز)
فضاء في صندوق
بعد فترة من الأفلام التي استخدمها روبرت باتنسون كمنصة للانطلاق، يعزز هذا الممثل مكانته كمشخص درامي جيد في عدد من الأفلام الحديثة. سريعاً، وبعد نجاح لافت، ترك باتنسون مرحلة شملت على مسلسل الرعب السهل «توايلايت» (أربعة أفلام) والتفت إلى ما يفيده كفنان. وجده أولاً في فيلم ديفيد كروننبيرغ «خرائط النجوم» (2014) ثم في «مملكة الصحراء» لفرنر هرتزوغ (2015) وبعده في «المدينة المفقود زد» لجيمس غراي (2016) وهذا العام وزع بعض ما يملك من موهبة في ثلاثة أفلام هي «الملك» لديفيد ميشو و«بانتظار البرابرة» لسيرو غويرا و«المنارة» لروبرت إيغرز.
بين هذه الثلاثة، وكل ما سبقها، دوره هنا أكثر انفصالاً عما قام به. هذا لا يعود فقط إلى الشخصية المكتوبة في سيناريو جيد، بل إلى رغبته الحثيثة في التحدي الذي تفرضه الشخصية التي يقوم بها: شاب تداهمه المخاوف والهواجس فوق جزيرة صغيرة ومعزولة.
بالطبع يعود الفضل في توفير هذا الدور الجيد له للمخرج إيغرز الذي يدرك تماماً ما يريد تحقيقه ويحققه بالفعل. هو يريد إنشاء أجواء مشدودة من خلال مفردات درامية وفنية خالصة: ممثلان رئيسيان (الآخر ويليام دافو). منارة فوق جزيرة ربما لا تعدو صخرة كبيرة عائمة. فيلم بالأبيض والأسود وتصوير بعدسة وبفيلم يوفران للمشاهد صورة شبه مربعة كما لو أن الفيلم عليه أن يبدو معتقاً وقديماً كموضوع أحداثه التي تدور في القرن التاسع عشر.
مستوحى من أدبيات الروائي هرمان ملفيل (هناك ذكر له في نهاية الفيلم) ومن يقرأ له وعنه يدرك ارتباط المؤلف بالبحر وبالجزر والدراميات ذات الشحنات البشرية القاسية في تربتها الداخلية. هذا تماماً ما يُستوحى في هذا الفيلم. من حواره المبتسر في أكثر من مشهد. وشخصيتيه الداكنتين والروح المخيفة التي تتمتع بها إحدى هاتين الشخصيتين (توم كما يؤديه دافو). كلاهما يصل إلى تلك الجزيرة ليخلفا رجلين آخرين انتهت مدتهما في إدارة المنارة. من البداية يفرض الأكبر سنا (دافو) على شريكه الصغير قوانينه فيخبره أن إدارة المنارة هي من اختصاصه هو، تاركا للشاب كل الأعمال الوضيعة.
يوعز المخرج، من بداية فيلمه، بعالم ضيق يشبه، على رحابة فضائه، العيش في صندوق مغلق. العتمة. اللقطات التعبيرية. خشونة المكان وقسوة الطيور ووحشة الطبيعة كلها تلعب دورها في تعزيز النتائج التي تتبلور بفعل رجلين يقفان على نقيض. في الوقت ذاته هناك الكثير مما يدور في نفسيهما كل حيال الآخر. لكن العنوان الواسع الذي يستطيع شمل كل هذه المقتضيات والانحرافات الطبيعية منها وغير الطبيعية هو الوحدة التي لا بد لأي شخص فوق أي بقعة مماثلة أن يشعر بها.
لكنها وحدة متأصلة في الذات حتى من قبل بداية الفيلم. الجزيرة هي المسرح الذي يتضخم فوقه الشعور بالوحدة مزوّداً بمكوّنات من الهواجس ما يجعل الفيلم أحد أفضل أفلام الرعب وأكثرها اختلافاً عن المعتاد.