«التيار الديمقراطي» يدخل في مفاوضات مع «النهضة» لتشكيل الحكومة التونسية

تخلى عن مطلب تسلم وزارات العدل والداخلية والإصلاح الإداري

TT

«التيار الديمقراطي» يدخل في مفاوضات مع «النهضة» لتشكيل الحكومة التونسية

بعد أسبوع من المفاوضات حول شروط المشاركة في الائتلاف الحكومي، الذي تتزعمه حركة النهضة، الحزب الإسلامي الفائز في الانتخابات البرلمانية التونسية الأخيرة، وافق حزب التيار الديمقراطي (حزب يساري يتزعمه محمد عبو) على التخلي عن شروطه المسبقة، التي حددها للانطلاق في مشاورات تشكيل حكومة جديدة، تخلف حكومة يوسف الشاهد، والمتمثلة أساساً في الحصول على وزارات العدل والداخلية والإصلاح الإداري لقبول الدخول في مفاوضات تشكيل الحكومة.
وخلافاً لمقترح حكومة الرئيس، التي اقترحتها «حركة الشعب» (حزب قومي)، عرضت حركة النهضة برنامجاً حكومياً (حكومة برامج) على شركائها السياسيين، خصوصاً حزب حركة الشعب وحزب حركة «تحيا تونس»، وحزب التيار الديمقراطي وعدد من نواب البرلمان المستقلين؛ بهدف الحصول على موافقة الأغلبية المطلقة (109 أصوات) لنيل ثقة الحكومة المقبلة.
وانطلقت المفاوضات المباشرة بين حزب التيار الديمقراطي، الفائز بـ22 مقعداً برلمانياً، من وثيقة شاملة تتضمن المحاور الكبرى لبرنامج حكومي سطرت حركة النهضة خطوطه العريضة، في انتظار بقية الشركاء السياسيين، باستثناء الحزب الدستوري الحر، الذي تتزعمه عبير موسي، وحزب «قلب تونس»، بزعامة نبيل القروي.
ويشمل هذا البرنامج محاور عدة، من بينها استكمال المسار التأسيسي، وتركيز مؤسسات الدولة، وإرساء دعائم الحكم المحلي، وهو محور يصب في برنامج الرئيس المنتخب قيس سعيد، ومكافحة الفساد وتطوير الحوكمة، وتعزيز الأمن ومقاومة الفقر ودعم الفئات المهمشة. علاوة على إحداث نسق للإصلاحات الكبرى، وعلى رأسها إصلاح منظومة الصناديق الاجتماعية، وصندوق دعم المواد الاستهلاكية. كما تضمن البرنامج ما عرضته حركة النهضة في تطوير التعليم والصحة والمرافق العمومية.
وفي هذا الشأن، أكد نور الدين العرباوي، رئيس المكتب السياسي لحركة النهضة، أن «الهدف من طرح برنامج للحكم متفق حوله، توفير فرص النجاح أمام الحكومة المقبلة، وضمان التصويت لفائدتها أمام البرلمان التونسي الجديد». مشدداً على تمسك حركة النهضة برئاسة الحكومة المقبلة، وتحملها المسؤولية كاملة في إدارة الشأن العام.
واعتبر العرباوي أن حركة النهضة ستأخذ الوقت الكافي للتشاور مع بقية الشركاء السياسيين؛ بهدف ضمان نجاحها في تنفيذ هذا البرنامج الحكومي، وتجنباً سيناريو إعادة الانتخابات البرلمانية في حال الفشل في تشكيل الحكومة المقبلة.
على صعيد متصل، قال لطفي المرايحي، رئيس حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري، إن رئيس الجمهورية قيس سعيد رفض مقترح «حكومة الرئيس»، التي دعا لها حزب حركة الشعب، الحزب القومي الذي يتزعمه زهير المغزاوي. وقال المرايحي، إن الفكرة «غير مقبولة وغير عملية، ومخالفة للنظام السياسي التونسي».
ويقضي مقترح حركة النهضة بالمرور مباشرة إلى تعيين رئيس الجمهورية لرئيس الحكومة، والقفز على نتائج الانتخابات التي تمنح الحزب الفائز في تلك الانتخابات أحقية تشكيل الحكومة وترؤسها، وهو ما يفترض مسبقاً إعلان حركة النهضة فشلها في تزعم المشهد السياسي، وإقناع شركاء سياسيين في الانضمام إلى ائتلاف حكومي تقوده بنفسها.
على صعيد آخر، تواترت التعليقات والمواقف المتباينة حول قرار إعفاء وزراء الخارجية والدفاع والدبلوماسية الاقتصادية من مناصبهم من قبل الرئيس بعد التشاور مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد، حيث اعتبر قرار إعفاء خميس الجهيناوي من وزارة الخارجية من أكثر القرارات إثارة للجدل داخل المشهد السياسي التونسي. وفي هذا الصدد، عبر عياض اللومي، قيادي حزب «قلب تونس»، الذي يتزعمه نبيل القروي، عن مساندته موقف رئيس الجمهورية، واعتبر في حوار إذاعي أن شبهة التطبيع تلاحق وزير الخارجية السابق، بعد إشرافه على مكتب تونس لدى الكيان الإسرائيلي من 1996 إلى سنة 2000، مبرزاً أن إقصاء الجهيناوي «دليل على التأسيس لسياسة خارجية جديدة في تونس، ستواجه كل أشكال التطبيع مع الصهاينة».
في السياق ذاته، يواجه خميس الجهيناوي، وزير الخارجية المقال، تهمة «وجود شبهات فساد مالي بسفارة تونس في مالطا، تتمثل في الاستيلاء على أموال عمومية، وتزوير أوراق سرية»، وفق ما أكده محمد هيثم، قنصل تونس في مالطا، الذي أشار إلى أنه تم إعلام وزارة الخارجية بعدد من ملفات الفساد. لكنها لم تتخذ أي إجراء في الغرض، على حد تعبيره.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم