في إسرائيل... وزير القضاء يهاجم القضاء ووزير الشرطة يهاجم الشرطة

نجل نتنياهو يصف المؤسسات الإسرائيلية بـ«النازية» بسبب التحقيقات مع والده

TT

في إسرائيل... وزير القضاء يهاجم القضاء ووزير الشرطة يهاجم الشرطة

هاجم عدد من الوزراء الإسرائيليين مؤسسات القضاء بشكل غير مسبوق، وذلك لمناصرة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، وممارسة الضغوط عليها كي لا تحاكمه بتهم الفساد. وبلغت هذه الهجمة أوجها، في أقوال نقلت على لسان نجل نتنياهو، يائير، الذي اعتبر الشرطة الإسرائيلية ذات طابع نازي، بسبب تحقيقاتها مع والده ووالدته ومعه شخصياً حول شبهات الفساد.
وجاءت هذه الهجمة بشكل منظم ومخطط، وفيها هاجم وزير القضاء، أمير أوحنا، جهاز القضاء والنيابة والمستشار القضائي للحكومة، وهاجم وزير الأمن الداخلي والشرطة، جلعاد أردان، جهاز الشرطة، بسبب التحقيقات مع نتنياهو. فبادر الأول إلى مؤتمر صحافي خصيصاً لشنّ هجومه، فقال إن هناك قوى في النيابة ومكتب المستشار القضائي للحكومة، أبيحاي مندلبليت، والشرطة والقضاء، ممن يعملون في خدمة صحافيين يساريين معادين لليمين، ويضعون خطة للإطاحة برئيس الحكومة. وهاجم بشكل خاص المسؤولة في النيابة عن ملف نتنياهو. وأما أردان فاتهم محققي الشرطة بترك قضايا جوهرية مهمة وتفرغوا للتحقيق مع نتنياهو وأفراد عائلته «على أمور تافهة».
واعتُبرت هذه الهجمة محاولة ضغوط علنية، هدفها النفاق لنتنياهو، بسبب الشعور في محيطه أن عهده انتهى، وأن دخوله إلى السجن بات قريباً، وفي الوقت نفسه يجرون آخر محاولات لإجهاض محاكمته. وقد ردّ المستشار وكذلك النيابة ببيانين شديدي اللهجة، أكدا فيهما أن هناك «حملة بائسة لتخويفنا ومنعنا من القيام بواجبنا في فرض سلطة القانون، لكننا لن نرتدع، وسنواصل القيام بواجباتنا من دون وجل».
ومن جهة ثانية، تم تسريب مقاطع من إفادة أدلى بها يائير نتنياهو (28 عاماً)، خلال التحقيق معه حول ملفات الفساد، يتضح منها أنه حاقد على مؤسسات الشرطة والنيابة والقضاء وعلى الصحافة التي تعتبره «يمينياً متطرفاً وأهوج، يعيش كالطفل المدلل الذي لا يعمل، ويعيش في مقر إقامة رئيس الحكومة الرسمي، على حساب دافعي الضرائب»، حسب قوله. وقال في الإفادة إن «تلك الانتقادات ما هي إلا ملاحقة سياسية، يقودها اليسار المُتنفّذ في وسائل الإعلام وسلطات الدولة، ضد عائلة نتنياهو بشكل عام، بسبب آيديولوجيتها اليمينية».
وتضمّنت إفادة نتنياهو الابن في التحقيق، بحسب التقرير، شتائم وسباباً وتشهيراً ضد جهاز الشرطة الإسرائيلية وخصوم والده السياسيين، والأشخاص المقرّبين لوالده الذين تحوّلوا إلى شهاد ملك في قضايا الفساد ضده، والصحافيين. وتعامل يائير بازدراء واحتقار مع المحقق، رافضاً الإجابة على أسئلة بسيطة، واصفاً الشرطة الإسرائيلية بـ«شتازي وغستابو»، علماً بأن الأول هو جهاز الشرطة في ألمانيا الشرقية، الذي كان يبطش بالمعارضين، والثاني هو جهاز الشرطة السرية الألمانية في العهد النازي.
واستاء كثير من الإسرائيليين من ذلك، مشيرين إلى أنه «حريّ بنجل رئيس حكومة إسرائيل، أن يحترم رجال الشرطة، الذين هم جزء من مؤسسات الدولة».
وحسب هذه التسريبات، اتهم يائير نتنياهو، خصم والده داخل حزبه «الليكود»، جدعون ساعر، بـ«اغتصاب سكرتيرته، وترقيتها بمنصب لإسكاتها». ووصف الناطق بلسان العائلة، نير حيفتس، الذي تحوّل لشاهد ملك بـ«الحثالة»، متهماً إياه بـ«قتل جندي إسرائيلي وسحب جثته إلى سكة قطار من أجل التمثيل بها، وإخفاء جريمته»، مخاطباً المحقق: «هذا هو شاهدكم الذي تعتمدون عليه، اخجلوا من أنفسكم». وهاجم يائير نتنياهو الصحافيين، في ردّه على سؤال من المحقق، إذا كان قد ضغط على صحافيين لينشروا أخباراً إيجابية عن والده مقابل تسهيلات ما، فقال: «أنا لا أتحدث مع أي شخص من مجموعة النفايات هذه».
يذكر أن المستشار مندلبليت وطواقم كبيرة في النيابة تعمل على دراسة ملفات الفساد ضد نتنياهو لاتخاذ قرار حاسم بشأنها، وإن كان بالإمكان توجيه لوائح اتهام، ووفق أي بنود. ويسعى اليمين الإسرائيلي إلى ممارسة ضغوط شديدة على المستشار كي يشطب التهم ويغلق الملفات، أو أن يخفف بنود الاتهام على الأقل.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.