الموضة تستبدل بالجمال والأناقة خيارات صادمة

تصاميم تقتحم عالم الترف باسم «العملية» و«خالف تُعرف»

من عرض «فيتمون» لربيع وصيف 2019........ من عرض «غوتشي» لخريف 2018
من عرض «فيتمون» لربيع وصيف 2019........ من عرض «غوتشي» لخريف 2018
TT

الموضة تستبدل بالجمال والأناقة خيارات صادمة

من عرض «فيتمون» لربيع وصيف 2019........ من عرض «غوتشي» لخريف 2018
من عرض «فيتمون» لربيع وصيف 2019........ من عرض «غوتشي» لخريف 2018

لا يرتبط الجمال دوماً بالموضة، فللغرابة مكانتها أيضاً. هذا على الأقل ما تؤكده عروض ومبيعات دور الأزياء العالمية وكبار المصممين، ممن يحصدون كثيراً من الأرباح من وراء مفهوم «خالف تُعرف»، وفكرة أنه ليس هناك قُبح بالمطلق. اللافت في هذه الظاهرة أن الشباب تقبلوا هذه الاقتراحات بصدر رحب؛ بل وبلهفة، ولسان حالهم يقول بأنها وسيلة عصرية للتمرد على مفهوم الأناقة التقليدي.
مفهوم إخراج الجمال من رحم القُبح ليس جديداً، بقدر ما هو تحدٍّ يخوضه بعض المصممين الشباب، ممن يريدون استعراض قدراتهم. أكبر دليل على أنه ليس جديداً، يتجسد في عرض قديم لجون غاليانو، استعان فيه بأشخاص عاديين من الشارع، بعضهم بمقاسات غريبة، لا تمت للموضة بصلة. هناك أيضاً تصاميم طرحها كل من: «برادا»، و«سيلين»، و«بالنسياغا»، و«فالنتينو»، و«فندي»، وقبلهم الراحل ألكسندر ماكوين، لقت هوى في النفوس. الجديد في الأمر هو أن التحدي دخل مرحلة تجارية أكثر منها فنية، لخلق جدل فكري أو فني، بالتركيز على تصاميم، مثل صندل «كروكس»، وحقائب الخصر، أو تلك التي تُعلق على الكتف؛ لكنها بأحزمة قصيرة. تصاميم كانت تُثير التفكه أكثر من الإعجاب، على أساس أنها ترتبط بالسياح الأميركيين ممن تعدوا الخمسينات؛ لكنها تُطرح حالياً في الأسواق بأسعار باهظة. والغريب أن صغار السن يُقبلون عليها، ويُشجعون المصممين على طرح مزيد منها، بينما لا يترك أدنى شك في أن الاتجاه الحالي يتلخص في أنه كلما كان المُنتج غريباً ونشازاً، راج وانتشر على شبكات التواصل الاجتماعي.
فحقيبة الخصر من تصميم دار «غوتشي»، مثلاً، تُشكل ما يقرب من ربع إجمالي مبيعات حقائب الحزام على موقع «نيت أبورتيه». كما بيعت جميع منتجات «بالنسياغا» من الأحذية الرياضية السميكة في غضون ساعات. وهو ما يطرح عدة أسئلة، يجيب عنها البعض بأنها قد لا تتمتع بأي نوع من الجمال المتفرد، ولكنها عملية ومريحة، والأهم من هذا تلفت الأنظار، مثل أحذية «آغ» (Ugg) و«بيركنستوك» (Birkenstocks) و«كروكس» (Crocs). أي تصاميم كانت إلى الأمس القريب ضمن لائحة المنتجات «القبيحة» في عالم الموضة؛ لكنها تسللت إليها من باب الراحة والعملية، وأيضاً من باب شبكات التواصل الاجتماعي. وتأكيداً على ذلك، تكشف الأرقام أن إيرادات أحذية «آغ» تجاوزت 400 مليون دولار في الربع الثاني من عام 2017، بينما تشهد أحذية «كروكس»، ومقرها ولاية كولورادو، ارتفاعاً في نسبة أرباحها قارب ملياراً إلى 1.2 مليار دولار سنوياً منذ عام 2011.
من ناحية أخرى، فإن صيحات الموضة تمر في دورات، لذلك فإن التي كانت مرفوضة من قبل تُصبح مقبولة من قِبل جيل آخر. فرغبة المستهلك في الجديد مفهومة، سواء كانت باستعمال حقيبة كحزام، أو بانتعال الأحذية الرياضية، وغيرها. المهم أن تلبي طلب المستهلك للراحة، وأيضاً لالتقاط صور يمكنهم عرضها عبر «إنستغرام» وشد الانتباه. في الماضي، وبالنسبة للجيل السابق، كان أحد عناصر جذبها يكمن فيما تمنحه من راحة، وأيضاً في أسعارها الرخيصة بالمقارنة مع غيرها؛ لكن شتان بين ما كانت عليه بالأمس وبين ما هي عليه اليوم، حين أصبح حذاء «كروكس» بتوقيع أي دار أزياء كبيرة يقدر بمئات الدولارات. واحد بتوقيع المصمم كريستوفر كاين، يباع بسعر 475 جنيهاً إسترلينياً (623 دولاراً) بينما يمكن أن تصل أسعار تصاميم مماثلة من بيوت أزياء أخرى إلى 600 جنيه إسترليني (791 دولاراً).
فالذكاء التجاري الذي برهن عليه صناع الموضة، هو نقل منتج كان يتعارض مع الموضة الراقية إلى منتج يُقبل عليه مواكبو الموضة وصرعاتها. ويجمع أغلب المراقبين على أن الأحذية تكون غالباً المدخل إلى عالم الأزياء «القبيحة». فالتعاون بين ماركة «فيتمون» و«ريبوك» مثلاً نتجت عنه أحذية رياضية تبدو أشبه بكائنات «معدلة وراثياً»، مع العلم بأن أحذية «بالنسياغا» الرياضية - المصنوعة باستخدام قوالب مأخوذة من أحذية الركض وكرة السلة والأحذية الرياضية – نفدت من على موقع «ستايل بوب.كوم» في غضون ساعات من طرحها، وهو ما يندر حدوثه في مجال الأحذية عموماً، حتى لو كانت من «كريستيان لوبوتان» أو «مانولو بلانيك»، وغيرهما.
وربما يُجسد «بيركنستوك» فكرة تحول القطع الشاذة في مجال الموضة إلى الصيحات الأكثر رواجاً. وكان هذا المد قد بدأت بوادره في الظهور عام 2012، بفضل الرؤية التي طرحتها فيبي فيلو في «سيلين»، واستلهمتها من تصاميم عملية أضفت عليها هندسية وابتكاراً تقبلته المرأة بسهولة. وقد نجحت «بيركنستوك» في استغلال هذا الأمر منذ ذلك الحين، بطرح إصدارات تشمل صنادل زينت وجوهها بجلود البقر، ونعالها من الفراء المبطن، وما شابهها. نسخة «بالنسياغا» التي تأتي باللونين الوردي والأصفر الفاقع، ومغطاة بدبابيس الزينة، مع نعل عملاق بطول 10 سنتيمترات، شُبهت بدمية «ميمي» بسبب غرابتها؛ لكنها نجحت في التسويق لنفسها. ويعتبر نجاحها دليلاً على أن الاتجاه مستمر. خلال العام الماضي، زادت العلامة التجارية إيراداتها ثلاث مرات إلى 750 مليون يورو (800 مليون دولار).
في العام الماضي، كشفت «بروجيكت بوكس» (Project Box) عن طرحها طرزاً محدودة الإنتاج. وعندما وصلت إلى «بارنيز» في نيويورك، جذبت آلاف العملاء الجدد إلى المتجر، وكان 30 في المائة من زوارها عملاء جدداً لـ«بارنيز». وعلى ما يبدو فإن أبناء الألفية الجديدة في نيويورك أو لندن يميلون إلى التصاميم نفسها التي ينجذب إليها مدرس يبلغ من العمر 60 سنة في ألمانيا. الفرق أنها في حالتهم تكتسب مظهراً يُعبر عن الموضة.
يقول المصمم كريستوفر كاين، الذي يتعاون مع الشركة منذ موسم ربيع وصيف 2017: إنه لا يشكك في أن «أحذية (كروكس) قبيحة؛ لكنها في الوقت ذاته رائعة بما تُوفره من راحة، وهذا هو بيت القصيد. وما يعجبني أنها لم تصمم لتلائم الأغنياء أو السيدات فقط. فها هي أختي ترتديها في حديقتها، وغيرها يرتديها في العواصم العالمية». ويشير كاين إلى أن تعاون «بالنسياغا» مع شركة «كروكس» سيجعل هذه الأحذية مقبولة.
يأتي حذاء «كروكس» الذي صممه كاين مع قطع أكسسوار قابلة للإزالة، وبأحجار متألقة على شكل دبابيس زينة، توضع على الجزء العلوي من المطاط، مثل الأقراط. وهذا الموسم ابتكر أيضاً نسخة مبطنة بالفراء تُباع حالياً على موقع «فارفيتش» (Farfetch). وهو ما قال إنه شجعه على إعادة تقديمها في تشكيلاته الأربع الأخيرة. ولا تعتبر هذه الموضة الوحيدة التي كان لكريستوفر كاين دور في رواجها بين الشباب، فقد سبق وأن أثار المصمم ضجة عام 2011، عندما طرح هذا التصميم لأول مرة على أساس أنه تصميم خاص بحمامات السباحة. وبالنسبة للبعض كان يجب ألا يخرج منها عوض الدخول إلى عروض الأزياء. وعن هذا قال كاين: «تعرضت لانتقادات كثيرة لنقلي هذه الأحذية إلى عالم الموضة الفاخرة.
اليوم، تطرح كل علامة تجارية كبرى طرازاً خاصاً بها من هذه الصنادل».
وعلى الرغم من عدم تأكيد «كروكس» ما إذا كانت مشروعات التعاون مع كاين قد عززت المبيعات؛ لكنها فتحت بالتأكيد أبواب البيع بالجملة في متاجر التجزئة التي تركز على الموضة، مثل «فارفيتش»، و«ماتشزفاشن.كوم» وغيرها من المواقع، وهذا أمر بالغ الأهمية بالنسبة للنمو. بالنسبة لشركة «كروكس» فإن التعاون مع مصممي الأزياء يُفيدها بخلق إثارة هي في أمسِّ الحاجة إليها، بعد أن كانت شريحة زبائنها محدودة للغاية، ولا علاقة لهم بالموضة.
أما في مجال الأزياء، فلا تزال سراويل الجينز عالية الخصر وبقصة الأرجل المستقيمة، تتصدر قوائم التسوق للمستهلكين. ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى الحنين إلى الماضي. فكثير من الفتيات يشترين جينز «ليفي 501» الرجالي العتيق، الذي ابتكره ليفي ويدجيه جان منذ عقود. فقد تبين لهن أنه أفضل تصميم يتماشى مع أحذية الـ«بلاتفورم» العالية.
كانت دار «فيتمون» أيضاً ذكية في هذا المجال، فبنطلون الجينز المعدني المصنوع من زوجين من سراويل «Levi’s» القديمة التي تشتريها العلامة التجارية مقابل 30 يورو يباع في متاجر التجزئة بأكثر من 1000 جنيه إسترليني (1319 دولاراً). وحظي التصميم بشهرة كبيرة للغاية لدرجة أن الدار خصصت فريقاً لتوريد السراويل القديمة.
أما فيما يتعلق بحقائب الخصر، فهي دليل آخر على الحنين إلى الماضي. وهي الآن مفضلة لمرتادي المهرجانات والاحتفالات لعمليتها. في الوقت الحالي يملك موقع «أسوس» للتسوق الإلكتروني، أكثر من 100 إصدار، وذروة المبيعات تكون خلال أشهر الصيف، كونها مناسبة للسفر. وبالمثل، كان البحث عن هذا التصميم على موقع «غوغل»، الأكثر تكراراً ليصل إلى أعلى مستوى له هذا العام؛ خصوصاً بعد أن أعادت كل من «أوف وايت» و«غوتشي» تصميمها، مستعينة بالأقمشة الفخمة التي تشمل الجلد والحرير. ونتيجة لنجاحها، تُوفر «غوتشي» على موقعها أكثر من 20 تصميماً منها. ففي عالم تحكمه الصور وشبكات التواصل الاجتماعي، يُشكل كل ما هو غريب ولافت منتجاً مرغوباً؛ لأن أي دعاية حتى وإن كانت سلبية، أفضل من لا دعاية.



الأقمشة تبرز لاعباً أساسياً في أزياء المساء والسهرة هذا الموسم

الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)
الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)
TT

الأقمشة تبرز لاعباً أساسياً في أزياء المساء والسهرة هذا الموسم

الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)
الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)

في عالم الموضة هناك حقائق ثابتة، واحدة منها أن حلول عام جديد يتطلب أزياء تعكس الأمنيات والآمال وتحتضن الجديد، وهذا يعني التخلص من أي شيء قديم لم يعد له مكان في حياتك أو في خزانتك، واستبدال كل ما يعكس الرغبة في التغيير به، وترقب ما هو آتٍ بإيجابية وتفاؤل.

جولة سريعة في أسواق الموضة والمحال الكبيرة تؤكد أن المسألة ليست تجارية فحسب. هي أيضاً متنفس لامرأة تأمل أن تطوي صفحة عام لم يكن على هواها.

اقترح المصمم رامي علي لربيع وصيف 2025 قطعاً متنوعة كان فيها التول أساسياً (رامي علي)

بالنسبة للبعض الآخر، فإن هذه المناسبة فرصتهن للتخفف من بعض القيود وتبني أسلوب مختلف عما تعودن عليه. المتحفظة التي تخاف من لفت الانتباه –مثلاً- يمكن أن تُدخِل بعض الترتر وأحجار الكريستال أو الألوان المتوهجة على أزيائها أو إكسسواراتها، بينما تستكشف الجريئة جانبها الهادئ، حتى تخلق توازناً يشمل مظهرها الخارجي وحياتها في الوقت ذاته.

كل شيء جائز ومقبول. المهم بالنسبة لخبراء الموضة أن تختار قطعاً تتعدى المناسبة نفسها. ففي وقت يعاني فيه كثير من الناس من وطأة الغلاء المعيشي، فإن الأزياء التي تميل إلى الجرأة والحداثة اللافتة لا تدوم لأكثر من موسم. إن لم تُصب بالملل، يصعب تكرارها إلا إذا كانت صاحبتها تتقن فنون التنسيق. من هذا المنظور، يُفضَّل الاستثمار في تصاميم عصرية من دون مبالغات، حتى يبقى ثمنها فيها.

مع أن المخمل لا يحتاج إلى إضافات فإن إيلي صعب تفنن في تطريزه لخريف وشتاء 2024 (إيلي صعب)

المصممون وبيوت الأزياء يبدأون بمغازلتها بكل البهارات المغرية، منذ بداية شهر أكتوبر (تشرين الأول) تقريباً، تمهيداً لشهري نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول). فهم يعرفون أن قابليتها للتسوق تزيد في هذا التوقيت. ما يشفع لهم في سخائهم المبالغ فيه أحياناً، من ناحية الإغراق في كل ما يبرُق، أن اقتراحاتهم متنوعة وكثيرة، تتباين بين الفساتين المنسدلة أو الهندسية وبين القطع المنفصلة التي يمكن تنسيقها حسب الذوق الخاص، بما فيها التايورات المفصلة بسترات مستوحاة من التوكسيدو أو كنزات صوفية مطرزة.

بالنسبة للألوان، فإن الأسود يبقى سيد الألوان مهما تغيرت المواسم والفصول، يليه الأحمر العنابي، أحد أهم الألوان هذا الموسم، إضافة إلى ألوان المعادن، مثل الذهبي أو الفضي.

المخمل كان قوياً في عرض إيلي صعب لخريف وشتاء 2024... قدمه في فساتين وكابات للرجل والمرأة (إيلي صعب)

ضمن هذه الخلطة المثيرة من الألوان والتصاميم، تبرز الأقمشة عنصراً أساسياً. فكما الفصول والمناسبات تتغير، كذلك الأقمشة التي تتباين بين الصوف والجلد اللذين دخلا مناسبات السهرة والمساء، بعد أن خضعا لتقنيات متطورة جعلتهما بملمس الحرير وخفته، وبين أقمشة أخرى أكثر التصاقاً بالأفراح والاحتفالات المسائية تاريخياً، مثل التول والموسلين والحرير والمخمل والبروكار. التول والمخمل تحديداً يُسجِّلان في المواسم الأخيرة حضوراً لافتاً، سواء استُعمل كل واحد منهما وحده، أو مُزجا بعضهما ببعض. الفكرة هنا هي اللعب على السميك والشفاف، وإن أتقن المصممون فنون التمويه على شفافية التول، باستعماله في كشاكش كثيرة، أو كأرضية يطرزون عليها وروداً وفراشات.

التول:

التول كما ظهر في تشكيلة المصمم رامي علي لربيع وصيف 2025 (رامي علي)

لا يختلف اثنان على أنه من الأقمشة التي تصرخ بالأنوثة، والأكثر ارتباطاً بالأفراح والليالي الملاح. ظل طويلاً لصيقاً بفساتين الزفاف والطرحات وبأزياء راقصات الباليه، إلا أنه الآن يرتبط بكل ما هو رومانسي وأثيري.

شهد هذا القماش قوته في عروض الأزياء في عام 2018، على يد مصممين من أمثال: إيلي صعب، وجيامباتيستا فالي، وسيمون روشا، وهلم جرا، من أسماء بيوت الأزياء الكبيرة. لكن قبل هذا التاريخ، اكتسب التول شعبية لا يستهان بها في القرنين التاسع عشر والعشرين، لعدد من الأسباب مهَّدت اختراقه عالم الموضة المعاصرة، على رأسها ظهور النجمة الراحلة غرايس كيلي بفستان بتنورة مستديرة من التول، في فيلم «النافذة الخلفية» الصادر في عام 1954، شد الانتباه ونال الإعجاب. طبقاته المتعددة موَّهت على شفافيته وأخفت الكثير، وفي الوقت ذاته سلَّطت الضوء على نعومته وأنوثته.

التول حاضر دائماً في تشكيلات المصمم إيلي صعب خصوصاً في خط الـ«هوت كوتور» (إيلي صعب)

منذ ذلك الحين تفتحت عيون صناع الموضة عليه أكثر، لتزيد بعد صدور السلسلة التلفزيونية الناجحة «سيكس أند ذي سيتي» بعد ظهور «كاري برادشو»، الشخصية التي أدتها الممثلة سارة جيسيكا باركر، بتنورة بكشاكش وهي تتجول بها في شوارع نيويورك في عز النهار. كان هذا هو أول خروج مهم لها من المناسبات المسائية المهمة. كانت إطلالة مثيرة وأيقونية شجعت المصممين على إدخاله في تصاميمهم بجرأة أكبر. حتى المصمم جيامباتيستا فالي الذي يمكن وصفه بملك التول، أدخله في أزياء النهار في تشكيلته من خط الـ«هوت كوتور» لعام 2015.

إطلالة من خط الـ«كروز» لدار «ديور» استعملت فيها ماريا غراتزيا تشيوري التول كأرضية طرزتها بالورود (ديور)

ما حققه من نجاح جعل بقية المصممين يحذون حذوه، بمن فيهم ماريا غراتزيا تشيوري، مصممة دار «ديور» التي ما إن دخلت الدار بوصفها أول مصممة من الجنس اللطيف في عام 2016، حتى بدأت تنثره يميناً وشمالاً. تارة في فساتين طويلة، وتارة في تنورات شفافة. استعملته بسخاء وهي ترفع شعار النسوية وليس الأنوثة. كان هدفها استقطاب جيل الشابات. منحتهن اقتراحات مبتكرة عن كيفية تنسيقه مع قطع «سبور» ونجحت فعلاً في استقطابهن.

المخمل

إطلالة من خط الـ«كروز» لدار «ديور» اجتمع فيها المخمل والتول معاً (ديور)

كما خرج التول من عباءة الأعراس والمناسبات الكبيرة، كذلك المخمل خرج عن طوع الطبقات المخملية إلى شوارع الموضة وزبائن من كل الفئات.

منذ فترة وهو يغازل الموضة العصرية. في العام الماضي، اقترحه كثير من المصممين في قطع خطفت الأضواء من أقمشة أخرى. بملمسه الناعم وانسداله وألوانه الغنية، أصبح خير رفيق للمرأة في الأوقات التي تحتاج فيها إلى الدفء والأناقة. فهو حتى الآن أفضل ما يناسب الأمسيات الشتوية في أوروبا وأميركا، وحالياً يناسب حتى منطقة الشرق الأوسط، لما اكتسبه من مرونة وخفة. أما من الناحية الجمالية، فهو يخلق تماوجاً وانعكاسات ضوئية رائعة مع كل حركة أو خطوة.

تشرح الدكتورة كيمبرلي كريسمان كامبل، وهي مؤرخة موضة، أنه «كان واحداً من أغلى الأنسجة تاريخياً، إلى حد أن قوانين صارمة نُصَّت لمنع الطبقات الوسطى والمتدنية من استعماله في القرون الوسطى». ظل لقرون حكراً على الطبقات المخملية والأثرياء، ولم يُتخفف من هذه القوانين إلا بعد الثورة الصناعية. ورغم ذلك بقي محافظاً على إيحاءاته النخبوية حتى السبعينات من القرن الماضي. كانت هذه هي الحقبة التي شهدت انتشاره بين الهيبيز والمغنين، ومنهم تسلل إلى ثقافة الشارع.

يأتي المخمل بألوان غنية تعكس الضوء وهذه واحدة من ميزاته الكثيرة (إيلي صعب)

أما نهضته الذهبية الأخيرة فيعيدها الخبراء إلى جائحة «كورونا»، وما ولَّدته من رغبة في كل ما يمنح الراحة. في عام 2020 تفوَّق بمرونته وما يمنحه من إحساس بالفخامة والأناقة على بقية الأنسجة، وكان الأكثر استعمالاً في الأزياء المنزلية التي يمكن استعمالها أيضاً في المشاوير العادية. الآن هو بخفة الريش، وأكثر نعومة وانسدالاً بفضل التقنيات الحديثة، وهو ما جعل كثيراً من المصممين يسهبون فيه في تشكيلاتهم لخريف وشتاء 2024، مثل إيلي صعب الذي طوعه في فساتين و«كابات» فخمة طرَّز بعضها لمزيد من الفخامة.

من اقتراحات «سكاباريللي» (سكاباريللي)

أما «بالمان» وبرابال غورانغ و«موغلر» و«سكاباريللي» وغيرهم كُثر، فبرهنوا على أن تنسيق جاكيت من المخمل مع بنطلون جينز وقميص من الحرير، يضخه بحداثة وديناميكية لا مثيل لها، وبان جاكيت، أو سترة مستوحاة من التوكسيدو، مع بنطلون كلاسيكي بسيط، يمكن أن ترتقي بالإطلالة تماماً وتنقلها إلى أي مناسبة مهمة. الشرط الوحيد أن يكون بنوعية جيدة حتى لا يسقط في خانة الابتذال.