الجزائر: مظاهرات حاشدة لطلاب الجامعات والقضاة يطالبون بـ«الاستقلال» عن السلطة

جانب من مظاهرات القضاة وسط العاصمة الجزائرية أمس (أ.ب)
جانب من مظاهرات القضاة وسط العاصمة الجزائرية أمس (أ.ب)
TT

الجزائر: مظاهرات حاشدة لطلاب الجامعات والقضاة يطالبون بـ«الاستقلال» عن السلطة

جانب من مظاهرات القضاة وسط العاصمة الجزائرية أمس (أ.ب)
جانب من مظاهرات القضاة وسط العاصمة الجزائرية أمس (أ.ب)

ستعلن «السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات» في الجزائر الأربعاء المقبل، على أقصى تقدير، نتائج «غربلة» 22 ملف ترشح للاستحقاق، المقرر في 12 من ديسمبر (كانون الأول) المقبل. ورجحت مصادر من «السلطة» الإبقاء على خمسة متسابقين، بحكم عجز غالبية المترشحين عن جمع الإمضاءات الضرورية. وفي غضون ذلك نزل المئات من طلاب الجامعات إلى الشارع من جديد للتعبير عن رفضهم الانتخاب، وطالبوا برحيل النظام.
وأفادت مصادر من «سلطة الانتخاب» لـ«الشرق الأوسط» بأن المترشحين، الذين استوفت ملفاتهم الشروط القانونية الواردة في قانون الانتخابات، هم رئيسا الوزراء سابقا عبد المجيد تبون، وعلي بن فليس الذي يرأس حزبا معارضا، ووزير الثقافة السابق عز الدين ميهوبي، الذي يقود حزبا تابعا للسلطة، وبلعيد عبد العزيز، وهو رئيس حزب أيضا وكان أحد المتنافسين في «رئاسية» 2014. إضافة إلى عبد القادر بن قرينة، الإسلامي الوحيد في المعترك الرئاسي المرتقب، والذي كان وزيرا للسياحة في فترة حكم الرئيس اليمين زروال (1994 - 1998).
ومن ضمن المترشحين الخمسة، ثلاثة كانوا مسؤولين بارزين في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة (1999 - 2019)، وهم بن فليس الذي نافسه مرتين في انتخابات رئاسية (2004 و2014) وكان مدير حملته الانتخابية عام 1999، وتبون الذي وصف نفسه بـ«ضحية نظام بوتفليقة»، بحجة أن رجال أعمال نافذين أبعدوه من رئاسة الوزراء، بعد شهرين من تعيينه في المنصب. إضافة إلى ميهوبي الذي كان وزيرا مرتين وفي قطاعين، كما كان مديرا للإذاعة الحكومية.
وصرح بن قرينة أنه «سيكون رئيسا على الجزائر في 13 ديسمبر إذا جرت الانتخابات من دون تزوير». وقلل من شأن الرفض الحاد للانتخابات من طرف آلاف المتظاهرين، الذين يعبرون عن هذا الموقف في حراك الجمعة الشعبي، وفي مظاهرات طلاب الجامعات كل يوم ثلاثاء.
وبحسب بن قرينة، فإن حزبه «حركة البناء الوطني»، الذي يرأسه، يملك معطيات تفيد بأن الإقبال على صناديق الاقتراع سيكون كبيرا يوم 12 ديسمبر، وفي أوساط المهاجرين الجزائريين بالخارج أيضا، حسبه، حيث سينتخبون بأيام قبل الموعد.
ويواجه المرشحون، الذين كانوا قبل أشهر من أنصار التمديد لبوتفليقة، رفضا شعبيا، وأكثر المستهدفين من طرف الحراك تبون الذي ترأس حكومة بوتفليقة في 2017، وبلقاسم ساحلي الوزير السابق ورئيس حزب موال للرئيس المستقيل. ويتعرض ساحلي لهجوم حاد لأنه كان من أكبر المتحمسين لترشح بوتفليقة لولاية خامسة، أسقطها الحراك ودفع صاحبها إلى الاستقالة (في الثاني من أبريل (نيسان) الماضي).
وقال مراقبون إن السلطة تراهن على مرشحين هما بن فليس وتبون، بعكس الاستحقاقات التي نظمت منذ الاستقلال، إذ كان لديها دائما مرشح واحد يختاره الجيش، يعرف مبكرا بأنه سيكون الفائز. وتكرس ذلك مع بوتفليقة في أربعة استحقاقات متتالية. أما قائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح فأكد منذ شهر في خطاب أن الجيش «لن يدعم أي مرشح». وقال أيضا إنه «سيقبل بأي رئيس يختاره الشعب». وعلى صعيد الاحتجاجات، غصت شوارع العاصمة وساحاتها، أمس، بطلاب الكليات والمعاهد، حيث نظموا مظاهرتهم الأسبوعية للمطالبة من جديد بـ«تغيير النظام جذريا وليس (رسكلته) بوجوه جديدة»، بحسب أسامة سالمي، الطالب بـ«الكلية متعددة التقنيات»، الذي قال إن «غالبية المترشحين للانتخابات دفع بهم النظام إلى استحقاق مفروض علينا بهدف تمديد عمره».
ولوحظ انتشار رجال الأمن بأعداد كبيرة، لكنهم تفادوا الاحتكاك بالطلاب، الذين انضم إليهم عمال شركات مهددة بالإفلاس بسبب الأزمة، ومحامون وناشطون وحقوقيون. وأكد المتظاهرون في شعاراتهم أن حراك الجمعة المقبل «سيكون ضخما»، لأنه سيوافق الاحتفالات بذكرى اندلاع ثورة التحرير 1 نوفمبر (تشرين الثاني) 1954. كما طالب المحتجون بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، وكان آخر من اعتقل منهم القيادي الإسلامي أحمد بن محمد، الذي يحتجزه الدرك الوطني منذ أول من أمس. وقال أحد أفراد عائلته إنهم لا يعلمون أسباب اعتقاله.
وفي سياق حالة الاستياء العامة التي تعيشها البلاد منذ 9 أشهر، نظم القضاة مظاهرة عند مداخل محاكم الاستئناف، وذلك لليوم الثالث من إضرابهم. وتعد المظاهرة خطوة لافتة في المواجهة مع وزير العدل بلقاسم زغماتي، الذي أثار غضبهم عندما أجرى حركة نقل واسعة، مست ثلاثة آلاف قاض من ضمن 6700، بدعوى أنه يريد زحزحة قضاة محل شبهة فساد مع رجال بوتفليقة من مناصبهم.
وقرأ يسعد مبروك، رئيس نقابة القضاة، بيانا على المضربين بمحكمة الاستئناف بالعاصمة، جاء فيه إن «مقاطعة العمل القضائي على مستوى كل الجهات القضائية تعبير عن حالة التذمر التي يعانيها القضاة وحالة التردي، التي آل إليها قطاع العدالة برمته، وقد لاقى هذا القرار استجابة واسعة تكاد تكون شاملة لكل القضاة في سابقة لم يشهدها أي قطاع آخر».
وقال مبروك إن «استقلال القضاء مطلب أساسي ملح يتعين تكريسه ممارسة في أرض الواقع، بعيدا عن الشعارات الجوفاء.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».