مقتل البغدادي سيلحق الضرر بـ«داعش»... لكنه لن يدمره

خبير أمني: التخلص من القائد لا يعني انتهاء التنظيم

عراقيان يتابعان في مقهى بالنجف تفاصيل إعلان مقتل البغدادي زعيم «داعش» الأحد الماضي (رويترز)
عراقيان يتابعان في مقهى بالنجف تفاصيل إعلان مقتل البغدادي زعيم «داعش» الأحد الماضي (رويترز)
TT

مقتل البغدادي سيلحق الضرر بـ«داعش»... لكنه لن يدمره

عراقيان يتابعان في مقهى بالنجف تفاصيل إعلان مقتل البغدادي زعيم «داعش» الأحد الماضي (رويترز)
عراقيان يتابعان في مقهى بالنجف تفاصيل إعلان مقتل البغدادي زعيم «داعش» الأحد الماضي (رويترز)

يعدّ مقتل زعيم تنظيم «داعش» أبو بكر البغدادي، الذي تم تعقبه لأكثر من عقد من الزمان، في الغارة التي شنتها قوات الولايات المتحدة، وأعلن عنها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بمثابة ضربة كبيرة لأخطر جماعة إرهابية في العالم، لكن المحللين يرون أنه من غير المرجح أن يؤدي مقتله إلى تجميد محاولات التنظيم، والمتعاطفين معه في جميع أنحاء العالم، لزرع الفوضى والخوف، باسم الآيديولوجية المتطرفة الخاصة بهم، حسب تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية.
وكان البغدادي، الذي كان أتباعه يعدّونه قائداً للمسلمين في جميع أنحاء العالم، مهووساً بالتدابير الأمنية، ومن المعروف عنه أنه كان يمنح مرؤوسيه حقاً كبيراً في التصرف بشكل مستقل، ودائماً ما تؤكد دعاية «داعش» على أن قادته قد يأتون ويذهبون، لكن التنظيم يظل باقياً.
وفي سنواته الأخيرة، التزم البغدادي بتدابير أمنية صارمة؛ حيث كان يُعتقد أنه محاط بدائرة صغيرة فقط من المتصلين معه بشكل مباشر، بمن في ذلك زوجاته وأولاده، وعدد قليل من الزملاء الموثوق بهم، حيث عمل على الحد من الاتصالات مع العالم الخارجي، وذلك وفقاً لمسؤولي المخابرات الأميركية والعراقية، مما يعني أن تنظيمه كان يعمل بتدخلات قليلة منه، وهو الأمر الذي يقلل من الآثار الفعلية لوفاته.
ويقول الخبير الأردني في الجماعات المتطرفة، حسن أبو هنية، إن «وفاته أمر مهم بالتأكيد، لكننا ندرك من خلال ما رأيناه في التنظيمات الأخرى أن التخلص من القائد لا يعني التخلص من التنظيم، فقد خلق (داعش) كياناً جديداً أقل مركزية، وسيستمر حتى من دون البغدادي».
وفي العام الماضي فقط أعلن التنظيم مسؤوليته عن الهجمات المميتة في أفغانستان؛ بما في ذلك تفجير مسجد أسفر عن مقتل أكثر من 70 شخصاً، وتفجير حفل زفاف أسفر عن مقتل 63 شخصاً، وإطلاق نار بأحد الأسواق في ستراسبورغ بفرنسا ما أسفر عن مقتل 5 أشخاص، وتفجير كاتدرائية في الفلبين أسفر عن مقتل 22 شخصاً، وسلسلة من التفجيرات الأخرى في سريلانكا أسفرت عن مقتل أكثر من 250 شخصاً، وغيرها من الهجمات في روسيا ومصر وأستراليا... وغيرها.
ويقول رئيس «شبكة دير الزور 24» الإخبارية السورية، عمر أبو ليلى، إنه يتوقع أن يؤدي موت البغدادي إلى إحباط معنويات بعض أتباعه، فيما سيغضب الآخرون الذين يسعون للانتقام له. وأضاف: «قد تحاول بعض الخلايا في أوروبا والغرب تنفيذ هجمات لإظهار أن التنظيم سيستمر حتى من دون زعيمه».
وجاء إعلان ترمب أن البغدادي قد «مات كالكلب» في محافظة إدلب شمال سوريا في وقت أظهر فيه التنظيم علامات على إعادة الصعود من جديد بعد أن تم تدميره من قبل القوات التي تقودها الولايات المتحدة في مارس (آذار) الماضي، وعمل التنظيم على رعاية وتأسيس ودعم أفرع جديدة له، وتوطيد العلاقات مع هذه الأفرع في أفغانستان وليبيا والفلبين وشبه جزيرة سيناء في مصر ونيجيريا وأماكن أخرى.
ورغم اتباع هذه الفروع الجديدة آيديولوجية «داعش»، فإنها عملت إلى حد كبير بشكل مستقل، حيث كانوا يخططون لشن هجمات على قوات الأمن المحلية، والسيطرة على أراض أو أجزاء من المدن ومحاربة الجماعات المتطرفة الأخرى من أجل الموارد، وقد تم اعتبار معظمهم بمثابة تهديدات لبلدانهم أو لجيرانهم، لكن المسؤولين في الولايات المتحدة قلقون من أن بعض هذه الفروع، مثل تلك الموجودة في أفغانستان أو ليبيا، يمكن أن تشرف على الهجمات في الغرب.
ورغم أن تنظيم «داعش» الحالي قد يكون بمثابة ظل لنفسه في السابق، فإن هناك تقريراً صدر مؤخراً من قبل المفتش العام للعملية التي قادتها الولايات المتحدة ضد التنظيم، قدّر أن الأخير لا يزال يضم ما بين 14 و18 ألف عضو في العراق وسوريا، بمن في ذلك ما يصل إلى 3 آلاف أجنبي، وأشار التقرير أيضاً إلى أن التقديرات تباينت على نطاق واسع وأن التنظيم قد حافظ على جهود وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق عالمي لتجنيد مقاتلين جدد.
ومع انتقال التنظيم من هيكل القيادة المركزي إلى نموذج أكثر انتشاراً، فقد كثف أيضاً دعواته للنشطاء الذين يعملون بمفردهم أو في مجموعات صغيرة للتخطيط للهجمات وتنفيذها، والتي يتم نشرها على نطاق واسع بعد ذلك من خلال الشبكة الإعلامية للتنظيم.
وبموجب هذه الاستراتيجية، فإنه يمكن لأي شخص، في أي مكان، أن يعمل باسم التنظيم، مما ضاعف من قدرة الأخير على القتل عن طريق الهجمات عن بُعد، والتي نفذها تلاميذه الذين لم تطأ أقدامهم أي معسكر تدريبي.
وصحيح أنه ليس هناك معلومات كثيرة متوفرة عن الكيفية التي قضى بها البغدادي شهوره الأخيرة، لكنه ظهر في شريط فيديو نُشر في أبريل (نيسان) الماضي، وهو يجلس على وسادة مع بندقية بجانبه، وهو يشيد بمفجري كنيسة سريلانكا، وفي رسالة صوتية صدرت الشهر الماضي، امتدح البغدادي «جنود الخلافة» لقتالهم رغم خسائر التنظيم. وقال: «إنهم ما زالوا يهاجمون عدوهم ولم يفروا، ولن يصنعوا سلاماً مع أعدائهم».
ولم يعلق التنظيم نفسه على مصير البغدادي، فيما قال خبراء في الإرهاب إن موته قد يشعل صراعاً على الخلافة بين المرؤوسين، فقد قضت غارات الطائرات الأميركية من دون طيار على الرتب العليا في التنظيم، ولم يتضح على الفور من الذي يمكن أن يحل محله.
ويقول إيفان.ف. كولمان، الذي يتتبع المواقع الإلكترونية للمتشددين في شركة الاستشارات الأمنية في نيويورك «فلاشبوينت جلوبال بارتنرز»: «هناك عدد قليل من المرشحين المعترف بهم علناً ليحلوا محل البغدادي».
وبعد أقل من يوم من مقتل البغدادي، قُتل أحد خلفائه المحتملين وهو أبو حسن المهاجر، الذي كان الناطق الرسمي باسم التنظيم، وذلك في غارة أخرى في الشرق، وفقاً لما قاله مظلوم عبدي، وهو رئيس ميليشيا سورية يقودها الأكراد، ولكن لم يتسن لمسؤولي الولايات المتحدة تأكيد مقتل «المهاجر» على الفور.
وقد أعاد تنظيم «داعش» تشكيل نفسه مرات عدة بعد مقتل قادته، ففي 2006، قتلت الولايات المتحدة أبو مصعب الزرقاوي، رئيس التنظيم السابق لـ«داعش»، كما عملت في 2010 مع العراق لقتل رئيس التنظيم في بغداد، مما مهد الطريق لصعود البغدادي وخلق «داعش» في 2013.
كما استمر تنظيم «القاعدة»، وهو منافس «داعش»، بعد مقتل مؤسسه أسامة بن لادن في 2011، وأصبحت عملياته أكثر انتشاراً في السنوات الأخيرة، حيث تعمل التنظيمات التابعة له في مختلف البلدان بشكل مستقل إلى حد ما.
وقد استطاع «داعش» فرض سيطرته في المجتمعات المختلة من الناحية الوظيفية، حيث أنشأت الحرب والطائفية وغياب هياكل الدولة أرضاً خصبة لنشر رسالته بين بعض المسلمين السنة.
ويحذر المحللون من أنه بينما تمت هزيمة التنظيم عسكرياً إلى حد كبير في العراق وسوريا، فإنه لم تتم معالجة سوى القليل من القضايا التي غذت ظهوره، فهناك موجات جديدة من الاحتجاجات ضد الفساد الحكومي تهز العراق، ولم تحرز الحكومة هناك سوى تقدم محدود في إعادة بناء البلدات والمدن التي تم تدميرها في محاولات الإطاحة بالجهاديين.
وقد أدى قرار ترمب بسحب بعض قوات الولايات المتحدة من شمال شرقي سوريا إلى اندلاع عنف جديد هناك وأثار مخاوف بشأن تأمين سجناء «داعش» المحتجزين في سجون مؤقتة ومعسكرات تديرها القوات التي يقودها الأكراد.
ويقول الجنرالات الحاليون والسابقون في مجال مكافحة الإرهاب، إن موت البغدادي لن يشل التنظيم الذي يعيد تشكيل نفسه بالفعل في شمال شرقي العراق، ويقول اللواء إسماعيل المحلاوي، وهو مشارك قديم في محاربة «داعش» وأسلافه: «هذه ليست النهاية، ولكنها بداية عهد جديد؛ عصر تحت اسم جديد لنوع جديد من الإرهاب».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.