خريطة انتشار جديدة للقوى الأمنية لتخفيف الضغط عن الجيش

مناطق «الثنائي الشيعي» تخرق إضراباً عاماً يشلّ لبنان

معتصمون يقطعون طريقاً رئيسياً يؤدي إلى شرق بيروت أمس (إ.ب.أ)
معتصمون يقطعون طريقاً رئيسياً يؤدي إلى شرق بيروت أمس (إ.ب.أ)
TT

خريطة انتشار جديدة للقوى الأمنية لتخفيف الضغط عن الجيش

معتصمون يقطعون طريقاً رئيسياً يؤدي إلى شرق بيروت أمس (إ.ب.أ)
معتصمون يقطعون طريقاً رئيسياً يؤدي إلى شرق بيروت أمس (إ.ب.أ)

أقفل محتجون الشوارع الرئيسية في المناطق اللبنانية، منفذين إضراباً عاماً شل مساحات واسعة من البلاد، باستثناء الضاحية الجنوبية لبيروت ومناطق في الجنوب حيث يتمتع «الثنائي الشيعي»، «حركة أمل» و«حزب الله» بنفوذ كبير.
ولم تعمد القوى الأمنية والعسكرية إلى فتح الطرقات بالقوة، تنفيذاً لالتزامها بعدم استعمال العنف لفتح الطرقات، وذلك غداة الاجتماع الأمني الذي عُقد ليل الأحد بحضور قائد الجيش العماد جوزيف عون، ورؤساء الأجهزة الأمنية، وأفضى إلى توزيع مواقع انتشار الأجهزة الأمنية لتخفيف الضغط عن الجيش الذي ينفذ انتشاراً في كافة المناطق اللبنانية.
وفيما سجل الطلاب القوة الأكبر في إقفال الطرقات في بيروت، تابع الرئيس اللبناني ميشال عون التطورات السياسية والأوضاع الأمنية في ضوء المستجدات الأخيرة. واستقبل في قصر بعبدا رئيس الجامعة الأميركية في بيروت فضلو خوري ورئيس جامعة القديس يوسف في بيروت الأب سليم دكاش، واستمع عون إلى وجهتي نظر رئيسي الجامعتين من التطورات الأخيرة، كما شرح رؤيته للوضع الراهن وسبل معالجته.
وجاء ذلك بعد ثلاثة أيام على بيان مشترك أصدره رئيسا الجامعتين دعما فيه حقوق المتظاهرين، واعتبرا فيه «أنّ جامعتينا اللتين التزمتا تاريخيّاً بناء الكيان اللبناني الكبير منذ نشأة دولته في سنة 1920 لا يمكنهما إلا المشاركة في إسهام الأساتذة والطلاب والإداريين والخرّيجين الذين هم اليوم على أرض الوطن من أجل حقوق كلّ اللبنانيين من دون استثناء».
وواصلت القوى الأمنية والعسكرية تنفيذ التزاماتها بمنع التصادم مع المحتجين والتعامل معهم بالحسني، تنفيذاً لقرار اتخذ في اجتماع موسّع عُقِد في قيادة الجيش، وحضره إلى جانب العماد جوزيف عون، مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، ومدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، ومدير عام أمن الدولة اللواء طوني صليبا، ومدير المخابرات في الجيش اللبناني ونائب رئيس الأركان للعمليات في الجيش اللبناني وكبار الضباط. وقالت مصادر أمنية لـ«الشرق الأوسط» إن التعليمات التي صدرت من الاجتماع تقضي بعدم الاحتكاك مع المتظاهرين، ولا فتح للطرقات بالقوة، لافتة إلى أن الجميع يجمعون على أن فتح الطرقات يجب أن يتحقق كي تتدبر الناس أمورها، ولا مشكلة في أن تتحول الاعتصامات إلى الساحات ومواقع الإدارات الحكومية والوزارات وتحييد مصالح الناس من تداعيات إقفال الطرقات.
وخلال الاجتماع، ظهر إجماع على أن التطورات الأخيرة فرضت ضغوطاً عالية على الجيش بالنظر إلى أن وحداته تنتشر على رقعة واسعة جداً وأنه يُستنزف ويجب التعاون معه كون العبء الأكبر يقع عليه. ولذلك، جرى الاتفاق على توزيع المهام بين الجيش والقوى الأمنية، بحيث تنتشر عناصر الأمن العام على طريق المطار وساحة ساسين في الأشرفية، بينما تنتشر وحدات أمن الدولة في بعض المناطق في المتن الشمالي وكسروان. أما قوى الأمن الداخلي فتنتشر إلى جانب الجيش وتنسق معه، وتوجد في بيروت ومنطقة الأسواق التجارية والساحات القريبة، كما توجد على مداخل الطرقات الرئيسية، وتنسق مع الجيش في كافة المناطق اللبنانية لتسهيل مرور الحالات الإنسانية والإمدادات الغذائية، وتبقي خط التنسيق مفتوحاً مع الجيش في كل المناطق لمواكبة التطورات.
وتحدثت مصادر مطلعة عن أن بعض القوى السياسية ومنها من الفريق الوزاري التابع لـ«التيار الوطني الحر» ضغط لمنح أمن الدولة مهمات إضافية لفتح الطرقات، لكن هذا الاقتراح جرى استيعابه ولم يسفر عن نتيجة.
في غضون ذلك، أشار وزير الدفاع إلياس بوصعب إلى أن «الجيش اللبناني موجود على الطرقات ولا يفتحها حتى لا يحدث صدام مع المتظاهرين، ولكن هذا الموضوع يجب أن يعالج بوقت سريع». وأضاف في حديث تلفزيوني أنه يجب معالجة وضع إقفال الطرقات سريعاً مع الحرص على عدم تصادم الجيش مع المواطنين.
وفي اليوم الثاني عشر للاحتجاجات المستمرة، صعّد المحتجون بقطع الطرقات التي فتح الجيش اللبناني بعضها، حيث قطع المعتصمون في بيروت طريق جسر الرينغ، الصيفي، ساحة ساسين، فردان (تقاطع دار الطائفة الدرزية). وبلغت موجة الاحتجاجات مصرف لبنان في الحمرا وفروعه المنتشرة على امتداد الخريطة اللبنانية. ولاحقاً، أُعيد فتح الطريق أمام مصرف لبنان في اتجاه شارع الحمرا، بعدما أنهى المعتصمون تحركهم أمام المصرف، فيما سيبقون على خيمتهم في محاذاة الطريق لتأكيد تمسكهم بمطالبهم.
وتواصل الاعتصام في جل الديب في جبل لبنان، كذلك في تقاطع الشفروليه، واستمر كذلك في جبيل وامتد شمالاً على أوتوستراد كفرحزير في الكورة حيث قطعت الطريق بالعوائق، وأكد المتظاهرون «استمرار الاعتصام السلمي حتى تحقيق المطالب».
وفي طرابلس، أعيد فتح طريق الضنية - طرابلس جزئياً أمام المواطنين. وبعدما فتحت الطريق عند مفرق بلدة كفرحبو (الضنية)، أعيد فتحها أيضاً على مسار واحد في بلدة مرياطة، وعلى مسار واحد أيضاً في بلدة أردة، ما سهل حركة تنقل المواطنين وتأمين حاجاتهم. وأعيد فتح الطرق عند مداخل مدينة الميناء ودوار البركة والطريق المؤدية من الميناء باتجاه البحصاص وعند مستديرة الغروبي.
وفي حلبا (عكار)، أقفل المعتصمون الدوائر الرسمية، مؤكدين أن الطرقات والمداخل في المنطقة مفتوحة ولكن تم إقفال إدارات الدولة فقط.
واللافت أن المناطق التي يتمتع فيها الثنائي الشيعي «حزب الله» و«حركة أمل» بنفوذ كبير، عادت الحياة فيها إلى طبيعتها. فإلى جانب الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث فتحت معظم المدارس أبوابها، لم يسجل أي قطع للطرق العامة في الهرمل وسُجل دوام عادي في سائر الدوائر الرسمية والمؤسسات العامة، وشهدت المصارف زحمة على الصراف الآلي في حين تعذر على المواطنين الذين لا يحملون بطاقة دفع من القبض مما شكل حالا من الغضب والشلل في الأسواق. وقد سُجل دوام جزئي في بعض المدارس الخاصة، واستمر التعطيل في المدارس الرسمية.
واستعادت مدينة النبطية حركتها الطبيعية، وفتحت الإدارات الرسمية في السراي الحكومي فيها بشكل طبيعي بدليل أن الموظفين الذين وصلوا إلى مراكز عملهم لتسيير أمور المواطنين. كذلك، فتحت أبواب الجامعة اللبنانية والخاصة أبوابها أمام الطلاب، كما معظم الثانويات والمدارس والمعاهد الخاصة، فيما أقفلت المدارس الرسمية التزاماً بقرار وزير التربية. وفي صور، تجمع المتظاهرون أمام مصرف لبنان في المدينة ونظموا وقفة احتجاجية طالبوا باستمرار الحراك.
ومساءً، انطلقت مسيرة تضامنية مع الرئيس اللبناني ميشال عون، ورئيس «التيار الوطني الحرّ» جبران باسيل، في منطقة جونية، أعلن المشاركون فيها رفضهم قطع الطرقات وناشدوا الدولة العمل على فتحها. وحمل المتظاهرون الأعلام اللبنانية، وطالبوا بقانون لمحاسبة الفساد ورفع الحصانة ورفع السرية المصرفية.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».