رحلة الوثنية في البحث عن الإله

TT

رحلة الوثنية في البحث عن الإله

«لا تُدرِكُهُ الأَبصَارُ وَهُوَ يُدرِكُ الأَبصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ»... ظللت أردد هذه الآية الكريمة لنفسي على مدار أيام اطلعت فيها على كتاب لأحد أساتذة العهد القديم الذي ناقش فيه مفهوم الوصول إلى «الإله» في مراحل تاريخية بين اليهودية والمسيحية، وذلك اعتماداً على أن الديانة اليهودية على عكس المسيحية والإسلام لم تكن عالمية التوجه، بل إثنية الخصوص مقصورة على بني إسرائيل وحدهم، وبالتالي فالسواد الأعظم كانوا من الوثنيين قبل اعتناق المسيحية، أي الذين يؤمنون بتعدد الآلهة، وقد استعرض الرجل مفاهيم صناعة الآلهة عند الإغريق والرومان على الأخص، وحقيقة الأمر أنني ذُهلت من أسلوبه المتعمق وفكره المرتب وأسانيده التاريخية لهذه الآلية، التي وقفت أتأملها مردداً الآية كلما تعمقت في سرده.
لقد صنف الرجل مفهوم الإله عند الوثنيين اليونانيين والرومانيين بشكل هرمي، واضعاً على رأس الهرم ما سماه كبير الآلهة أو الإله الملك، وكان على رأس هذا الهرم الإله «زيوس» عند الإغريق «وجوبيتر» عند الرومان، وجاء تحت هؤلاء آلهة آخرون مثل «هيرا» زوجة الأول و«بوسيدون» إله البحر... إلخ. بل إن العقل البشري عدّهم جميعاً يقيمون في جبل «أوليمبوس» باليونان، حيث يعيش إله لكل ظاهرة من مظاهر الحياة بدءاً من الخصوبة للزراعة للموت للرياح... إلخ. ولا يختلف هؤلاء عن الإله الأكبر من خلال التخصص في مجال محدد، فكانوا يخضعون على الأقل من الناحية النظرية إلى ملك أو كبير الآلهة، ولكن ليس بالضرورة في كل المناسبات، فكثيراً ما تروي الأسطورة خروج إله عن طاعة الإله الملك، وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن مصدر ألوهية هؤلاء الآلهة غير معروف في أغلبية الأحيان، كما أنه من غير المعلوم في مناسبات عدة إذا كانوا أزليين أم مخلوقين.
وبجانب الإله الأكبر وما يمكن تسميتهم «الآلهة المتخصصة»، جاء ما يمكن أن نطلق عليهم أنصاف الآلهة، فتكون لهم قدرات أقل من سابقيهم ولكنهم جميعاً يتميزون بالخلود وليس الأزلية، ومنهم على سبيل المثال البشر الذين يتم إما اصطفاؤهم أو أن يكونوا نتاجاً لاختلاط الآلهة والبشر، وفي الحالتين فجزء منهم بشري بطبيعة الحال، وهنا تفتق الذهن البشري إلى إيجاد وسيلتين يمكن من خلالهما أن يسمو الإنسان إلى هذه المرتبة الإلهية، فكانت الأولى من خلال التصويت، أي بشكل ديمقراطي، أو من خلال الاختلاط، ففي الحالة الأولى يتم التصويت على جعل القيصر أو الملك إلهاً من هذا النوع وذلك لأسباب ترجع إلى عظمته حاكماً ومدى إفادته لقومه أو تطرفه في الديكتاتورية، وهناك إشارات واضحة في القرآن كقوله تعالى عندما نادى فرعون «فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعلَى»، وهنا تكون الألوهية صفة يضفيها الحاكم لنفسه، ولعل أفضل الأمثلة على ذلك كان عند الرومان، حيث تم التصويت على جعل القيصر «أغسطس» و«تيبريوس» إلهين، فشيدت لهما الأوثان والمعابد، وهو أمر ليس بجديد على هذه الثقافة.
أما الوسيلة الأخرى للاصطفاء فكانت اصطفاء الآلهة أنفسهم لحاكم ليصبح إلهاً، وهو ما حدث مع «روميلوس» مؤسس روما، فبعد أن استطاع تأسيس الدويلة أقيمت له احتفالية تنصيبه إلهاً فعصفت بها عاصفة عاتية وضباب شديد وانتهت باختفائه، فتم تفسير ذلك على أنه اصطفاء من الآلهة له ليصبح إله روما فيتم رفعه مع الآلهة، بينما الواقع يبدو مختلفاً نوعاً ما، حيث تم اغتياله وتقطيعه إرباً ليختفي أثره بعدما ضاق به الناس، وهو ما حدث في أسطورة «أوزوريس» عند قدماء المصريين.
أما الوسيلة الأخيرة وهي الاختلاط فكانت منتشرة في أساطير هذه المجتمعات وتحدث عندما يهبط أحد هؤلاء الآلهة في صورة إنسان ويلامس النساء فيلدن أنصاف آلهة مخلدة، وعلى رأس هذا الأسطورة بطبيعة الحال «هيركيوليس» الذي هو نتاج لعلاقة بين الإله «زيوس» و«الكامينا»؛ وهي امرأة يونانية ذات نسب، وتقول الأسطورة إن «هيرا» زوجة «زيوس» تملكتها الغيرة على زوجها وحاولت تدمير «الكامينا» وابنها على حد سواء، ولكن والده الإله «زيوس» كان ينجيهما، وبطبيعة الحال فإن أنصاف الآلهة هنا لديهم قوات خارقة تميزهم عن أمثالهم من البشر.
وبهذا الشكل الهرمي صنع الإنسان البدائي لنفسه منظومة إلهية متعددة القدرات والمواهب حتى يمكن أن يفهم العالم من حوله وأن يجد مبدأ العلية خصوصاً مع محدودية انتشار العلوم وتطورها، ومن خلال هذا التصنيف الساذج استطاع الإنسان أن يبرر فهمه البدائي للظواهر الطبيعية، ولكن الأهم أنه خلق لنفسه الأمل في تغيير الحال من خلال كيانات يستطيع أن يتضرع إليها لتحقيق مطالبه. ولا خلاف في أن الثقافة الفرعونية كانت مهد الأساس الذي تم من خلاله تصدير هذه المنظومة التي انتشرت في المتوسط بشكل كبير، كما كانت الحال أيضاً في حضارات ما بين النهرين.
ولقد رأيت أن أضع أمام القارئ العزيز ما تقدم الذي لم يزدني إلا إيماناً وقناعة بقوله تعالى سبحانه: «لو كَانَ فِيهِمَا آلِهَة إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبحَانَ اللَّهِ رَبِّ العَرشِ عَمَّا يَصِفُونَ».



بثروتها الضخمة ونفوذها الواسع... بيونسيه تخترق قائمة أقوى نساء العالم

احتلّت الفنانة الأميركية بيونسيه المرتبة رقم 35 على قائمة أقوى نساء العالم (فيسبوك)
احتلّت الفنانة الأميركية بيونسيه المرتبة رقم 35 على قائمة أقوى نساء العالم (فيسبوك)
TT

بثروتها الضخمة ونفوذها الواسع... بيونسيه تخترق قائمة أقوى نساء العالم

احتلّت الفنانة الأميركية بيونسيه المرتبة رقم 35 على قائمة أقوى نساء العالم (فيسبوك)
احتلّت الفنانة الأميركية بيونسيه المرتبة رقم 35 على قائمة أقوى نساء العالم (فيسبوك)

يهتزّ منزل بيونسيه على وقع الفضيحة التي تلاحق زوجها جاي زي. هو متهمٌ من قِبَل سيّدة باعتداءٍ مشتركٍ عليها، تورّطَ فيه وزميله شون ديدي عام 2000.

لكن رغم الرياح التي تعصف بالبيت الزوجيّ، وهي ليست الأولى في العلاقة المستمرة منذ 27 عاماً، فإنّ الفنانة الأميركية حرصت على الظهور مبتسمةً إلى جانب زوجها قبل أيام، وذلك في العرض الأول لفيلم «Mufasa - Lion King». جاءت الابتسامة العريضة على شرف ابنتهما بلو آيفي، التي تخوض تجربتها السينمائية الأولى.

بيونسيه تتوسّط زوجها جاي زي وابنتها بلو آيفي في العرض الأول لفيلم «موفاسا» (إ.ب.أ)

النجمة رقم 35 على قائمة «فوربس»

واجهت بيونسيه تحدياتٍ كثيرة في كلٍ من حياتها الخاصة ومسيرتها المهنية، وقد لعب ذلك دوراً في تكوين شخصيةٍ صلبة لديها. لم يأتِ اختيارُها من بين أقوى 100 امرأة لعام 2024 عبَثاً من قِبَل مجلّة «فوربس»، وهي ليست المرة الأولى التي تخترق فيها المغنية البالغة 43 عاماً، قوائمَ تتصدّرها رئيسات جمهورية ورائدات أعمال.

احتلّت بيونسيه المرتبة الـ35 في قائمة «فوربس» السنوية، التي تصدّرتها رئيسة المفوّضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، تليها كلٌ من رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد، ورئيسة إيطاليا جورجيا ميلوني، ورئيسة المكسيك كلوديا شينباوم. أما من بين زميلاتها المغنّيات فقد سبقتها تايلور سويفت إلى المرتبة 23، فيما حلّت ريهانا في المرتبة الـ76.

800 مليون دولار و32 «غرامي»

تختار فوربس نجمات قائمتها بناءً على 4 معايير، هي الثروة، والحضور الإعلامي، والتأثير الاجتماعي، ومجالات السلطة. وتبدو بيونسيه مطابقة للمواصفات كلّها، بما أنّ ثروتها تخطّت الـ800 مليون دولار، وهي في طليعة الفنانات ذات الأثر السياسي والثقافي والاجتماعي.

إلى جانب كونها إحدى أكثر المشاهير ثراءً، تُوّجت بيونسيه بأكبر عدد من جوائز «غرامي» محطّمةً الرقم القياسي بحصولها على 32 منها خلال مسيرتها. وهي لم تكتفِ بلقب فنانة، بل إنها رائدة أعمال أطلقت شركاتها وعلاماتها التجارية الخاصة على مرّ السنوات. تذكر «فوربس» أن مصدر ثروتها الأساسي هو الموسيقى، إلى جانب مبادراتها الفرديّة، وتلفت إلى أنّ بيونسيه صنعت نفسها بنفسها، مع العلم بأنها لم تتابع أي اختصاص جامعيّ، بل تركت المدرسة قبل التخرّج فيها.

حطّمت بيونسيه الرقم القياسي بحصولها على 32 جائزة «غرامي» حتى عام 2023 (أ.ب)

طفلة القدَر

جاء العِلمُ في حياة بيونسيه على هيئة والدةٍ بدأت مصفّفةَ شَعر ثم فتحت صالونها الخاص، وعلى هيئة والدٍ كان يعمل مدير مبيعات في إحدى الشركات، قبل أن يصبح مدير أعمال ابنته. منهما تلمّست المنطق التجاري.

أما فنياً، فقد لمع نجمُها للمرة الأولى في مسابقةٍ مدرسيّة، عندما غنّت وهي في السابعة لتتفوّق على مَن هم في الـ15 والـ16 من العمر. فما كان من والدها سوى أن يترك وظيفته ويتفرّغ لإدارة أعمالها والفريق الغنائي الذي انضمّت إليه في الثامنة من عمرها، والمكوَّن من فتياتٍ صغيرات. تحوّل الفريق ذاتُه عام 1996 إلى «Destiny’s Child» (طفل القدَر)، لتنطلق معه رحلة بيونسيه نحو العالميّة.

فريق Destiny’s Child الذي انطلقت منه بيونسيه عام 1996 (فيسبوك)

صنعت الليموناضة

بعد انفصال الفريق، لم تتأخر بيونسيه في استئناف رحلتها الفنية منفردةً، فخاضت التمثيل والغناء. إلا أن تلك الرحلة لم تكن اعتياديّة، إذ سرعان ما ارتفعت أسهُمُها وبدأت تُراكِم الإصدارات، والحفلات، والجولات العالمية، والأدوار السينمائية، والجوائز، والألقاب.

لم يحصل ذلك بالصُدفة، بل بكثيرٍ من المثابرة. عندما طُلب منها مرةً أن تفسّر نجاحها غير المسبوق، أجابت بيونسيه: «صحيحٌ أنني مُنحت الليمون، لكنّي صنعت الليموناضة». يُنقل عمّن يواكبون تحضيراتها من كثب، أنها تُشرف على كل تفصيلٍ متعلّقٍ بألبوماتها وحفلاتها، هذا إلى جانب انخراطها المباشر في عمليّة التأليف والتصميم. تشهد على ذلك جولتها العالمية الأخيرة Renaissance والتي تحوّلت إلى ظاهرة اقتصادية.

هذا فنياً، أما نفسياً فلم يكن صعود بيونسيه الصاروخيّ مهمة سهلة. كان عليها مصارعة خجلها وشخصيتها الانطوائيّة لسنوات عدة، لكنها استلهمت تجارب نجماتٍ سبقنها. تقول إنها تأثرت بمادونا، ليس كأيقونة موسيقية فحسب، بل كسيّدة أعمال كذلك؛ «أردت أن أسير على خطاها وأن أبني إمبراطوريتي الخاصة».

تذكر بيونسيه مادونا من بين السيّدات اللواتي ألهمنها (فيسبوك)

صوت المرأة

لا تخترق بيونسيه عبثاً قوائم تضمّ أفضل رئيسات مجالس الإدارة، ومديرات الشركات الناجحة، فهي أثبتت أنها سيدة أعمال متفوّقة. أسست شركة الإنتاج الخاصة بها عام 2010 تحت اسم Parkwood Entertainment، وهي تقدّم مروحة واسعة من الخدمات في قطاع الترفيه؛ من إنتاج الأفلام، والموسيقى، والبرامج التلفزيونية، وصولاً إلى إدارة أعمال الفنانين، والتسويق، والتصميم الإلكتروني.

وفي عام 2024، أطلقت مستحضر Cecred للعناية بالشَعر، في تحيّةٍ إلى والدتها الحلّاقة، وفي استكمالٍ لمشاريعها التجاريّة.

بيونسيه ووالدتها تينا نولز (رويترز)

وظّفت بيونسيه نفوذها الفني والمالي في خدمة قضايا اجتماعية وإنسانية تؤمن بها. منذ أولى سنوات انطلاقتها الموسيقية، ناصرت قضايا النساء من خلال كلمات أغاني Destiny’s Child وأغانيها الخاصة لاحقاً. عام 2011، تحوّلت أغنية «Who Run The World? Girls» (مَن يحكم العالم؟ الفتيات) إلى نشيدٍ تردّده النساء حول العالم.

إلّا أنّ الأمر لم يقتصر على الكلام والألحان، بل امتدّ إلى الأفعال. عبر مؤسستها الخيريّة Bey GOOD، تدعم بيونسيه تعليم الفتيات من خلال تأمين الأقساط المدرسية لهنّ. وعبر تلك المؤسسة وحضورها على المنابر العالمية، تحمل بيونسيه لواء المساواة بين الجنسَين.

تحمل بيونسيه قضية تمكين المرأة من خلال أغانيها وأنشطتها الاجتماعية (فيسبوك)

تهمةٌ تهزّ عرش «الملكة بي»؟

تُعَدّ بيونسيه اليوم من أجمل سيّدات العالم، إلّا أنّ ثقتها بنفسها لم تكن دائماً في أفضل حال. في الـ19 من عمرها كانت تعاني من الوزن الزائد وتتعرّض للانتقادات بسبب ذلك. أثّر الأمر سلباً عليها إلى أن استفاقت يوماً وقررت ألّا تشعر بالأسف على نفسها: «كتبتُ Bootylicious وكانت تلك البداية لتحويل كل ما منحتني إياه الحياة، إلى وسيلةٍ أمكّن من خلالها نساءً أخريات».

انسحبَ أثر بيونسيه الاجتماعي على السياسة، فهي تشكّل صوتاً وازناً في المشهد الرئاسي الأميركي. ساندت باراك أوباما، وهيلاري كلينتون، كما تجنّدت إلى جانب كامالا هاريس في معركتها الرئاسية الأخيرة، مقدّمةً لها إحدى أغانيها كنشيدٍ رسمي للحملة.

بيونسيه في أحد تجمّعات كامالا هاريس الرئاسية (رويترز)

تشكّل مسيرة بيونسيه الفنية والمهنية بشكلٍ عام موضوع دراسة في عددٍ من الجامعات الأميركية. لكنّ الأمجاد لا تلغي التحديات، فهي تقف اليوم إلى جانب زوجٍ متهمٍ باعتداءٍ على امرأة. وإذا صحّت التهمة، فإنّها تقف بالتالي إلى جانب ما يناقض القضايا التي تبنّتها طوال مسيرتها الحافلة.