مواجهات جديدة في العراق تحصد مزيداً من القتلى والجرحى

ذهول غداة أحداث الجمعة الدامية... وحظر التجوال في غالبية محافظات الوسط والجنوب

متظاهرون يحاولون عبور جسر الجمهورية إلى المنطقة الخضراء في بغداد أمس وقوات الأمن تمنعهم (أ.ف.ب)
متظاهرون يحاولون عبور جسر الجمهورية إلى المنطقة الخضراء في بغداد أمس وقوات الأمن تمنعهم (أ.ف.ب)
TT

مواجهات جديدة في العراق تحصد مزيداً من القتلى والجرحى

متظاهرون يحاولون عبور جسر الجمهورية إلى المنطقة الخضراء في بغداد أمس وقوات الأمن تمنعهم (أ.ف.ب)
متظاهرون يحاولون عبور جسر الجمهورية إلى المنطقة الخضراء في بغداد أمس وقوات الأمن تمنعهم (أ.ف.ب)

تواصلت أمس، عمليات الكر والفر بين جموع المتظاهرين وقوات الأمن في مختلف المدن العراقية، وقتل متظاهران وأصيب عشرات آخرون في الناصرية (جنوب)، في حين احتشد آلاف المتظاهرين في ساحة التحرير وسط بغداد، وحاولوا مجدداً عبور جسر الجمهورية وصولاً إلى المنطقة الخضراء رغم المقاومة التي تبديها قوات الأمن ضدهم واستخدامها القنابل المسيلة للدموع بكثافة. وأصدر كثير من الناشطين دعوات للمتظاهرين بالكف عن محاولات اقتحام المنطقة الخضراء حفاظاً على الأرواح وتجنباً لمزيد من الضحايا.
وأفادت تقارير أولية بمقتل 6 أشخاص أمس. وقال العضو في المفوضية العراقية لحقوق الإنسان علي البياتي، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن 3 متظاهرين قتلوا في بغداد و3 في الناصرية (جنوب)، من دون مزيد من التفاصيل. وأفادت مصادر أمنية وطبية في الناصرية، بأن الأشخاص الثلاثة قتلوا بالرصاص خلال إقدام محتجين على اقتحام منزل رئيس اللجنة الأمنية في محافظة المدينة وإضرام النار فيه.
وإلى جانب الدعوات المتواصلة للخروج في الشوارع والقيام باعتصامات مفتوحة في بغداد، واصل النشطاء والمحتجون إطلاق الدعوات في محافظات وسط وجنوب العراق للخروج في مظاهرات واعتصامات مماثلة بعد يوم دامٍ راح ضحيته آلاف الجرحى والقتلى.
ويميل عدد غير قليل من المراقبين إلى الاعتقاد بأن البلاد في أخطر مراحل الصراع بين أحزاب السلطة وفصائلها المتهمة بالفساد والاستهتار، وبين جموع المواطنين الغاضبين الذين نفد صبرهم بعد 16 عاماً من الانتظار غير المجدي. ويرى كثيرون أن السلطات القائمة غير قادرة على احتواء الأزمة، نظراً لانعدام الثقة العميق بينها وبين المتظاهرين.
وأبلغ متظاهرون «الشرق الأوسط» أن قوات الأمن حاولت بعد ظهر أمس، تفريق المتظاهرين الذين وفدوا إلى ساحة التحرير بكثافة من خلال العيارات المطاطية والغازات المسيلة للدموع. ورغم التوتر الشديد الذي تشهده البلاد، لم يصدر عن الرئاسات الثلاث أي بيانات رسمية حول تطورات الأحداث، وقامت السلطات رسمياً بمنع وزارة الصحة ومفوضية حقوق الإنسان من الإدلاء بأي معلومات تتعلق بأعداد القتلى والجرحى.
وأصيبت قطاعات عراقية واسعة بالصدمة والذهول الشديد من أعداد الضحايا الذين سقطوا في مظاهرات أول من أمس، وبلغت أكثر من 2500 بين قتيل وجريح، وهو ما يمثل نحو نصف ما سقطوا من ضحايا المظاهرات التي انطلقت مطلع الشهر واستمرت لـ6 أيام. ورغم وقوع نحو 1500 جريح في بغداد ومقتل 8 أشخاص بحسب مفوضية حقوق الإنسان، فإن العاصمة بغداد لم تشهد مستويات عالية من العنف ولم تحرق فيها مقرات الأحزاب والفصائل مثلما حدث في محافظات وسط وجنوب العراق، خصوصاً في محافظات المثنى والديوانية وميسان وذي قار، حيث قامت الجماهير الغاضبة بمداهمة وإحراق جميع مقار أحزاب وفصائل «الدعوة، وعصائب أهل الحق، وبدر، وتيار الحكمة، والفضيلة، وحركة الأوفياء، وسرايا الخراساني، وكتائب سيد الشهداء» إلى جانب حرق بعض المباني الحكومية وبيوت بعض المسؤولين.
وأبلغ ناشط في محافظة ميسان «الشرق الأوسط» أن «المتظاهرين قاموا بـ(تأميم) جميع هذه المحافظات وأعلنوا خلوها من مقرات الأحزاب والفصائل المسلحة». ويضيف أن «ذلك يكشف عن عمق الفجوة بين الشعب وجميع الأحزاب والفصائل في بلد يدعي أنه ديمقراطي».
وأعلن قائد عمليات الفرات الأوسط اللواء الركن علي غازي الطائي، اعتقال عدد من الذين حرقوا مجلس محافظة الديوانية ومقرات الأحزاب. وكشف الطائي في مؤتمر صحافي، أمس، عن «وضع خطة لتأمين المحافظة وحماية الأماكن الحيوية في الديوانية، وأن كل من يعتدي على المباني الحكومية سيعامل معاملة الإرهاب».
ولم تخلُ عمليات الحرق التي طالت مقار الأحزاب وبعض الدوائر الحكومية من مستويات عالية من العنف جوبهت بحملة انتقادات واسعة من نشطاء ومدونين، بعدما تسببت تلك العمليات في حرق ومقتل 12 شخصاً في محافظة الديوانية بعد اقتحام وحرق مقر لمنظمة «بدر» التي يتزعمها النائب والقيادي في الحشد الشعبي هادي العامري. وأظهرت مقاطع فيديو تداولها ناشطون عمليات الحرق والتمثيل بالجثامين التي طالت القيادي في «عصائب أهل الحق» أبو جعفر العلياوي وأخاه في محافظة ميسان وحرقهما في سيارة للإسعاف ثم التمثيل بجثتيهما. وقامت حركة «العصائب» أمس بتشييع الجثمانين، وحمل أمينها العام قيس الخزعلي أميركا وإسرائيل المسؤولية عن مقتل العلياوي.
ويقول الناشط المدني كاظم الدراجي في ميسان لـ«الشرق الأوسط» إن «المتظاهرين حاولوا اقتحام مقر للعصائب فرد عليهم الحراس بإطلاق النار، ما أدى إلى موجة غضب عارمة نتيجة إصابة ومقتل بعض المتظاهرين، أدت لاحقاً إلى التمثيل بالعضوين المصابين من عصائب أهل الحق اللذين كانا في سيارة للإسعاف». ويضيف الدراجي أن ميسان شهدت مساء أول من أمس، «تبادل إطلاق كثيف للنار بين جماعات يعتقد أنها تنتمي لفصائل مسلحة، وبدت المحافظة كأنها تعيش أجواء حرب أهلية، لكن الهدوء النسبي عاد صباحاً للمدينة، رغم أن بعض المتظاهرين تجمعوا ظهراً أمام هيئة الحشد وطالبوا بإخلائها».
وأعلنت غالبية الحكومات المحلية في محافظات الوسط والجنوب حظراً شاملاً وجزئياً للتجوال على أمل ضبط الأوضاع والحد من حالة الهيجان والانفلات الشعبي، وأعلنت السلطات المحلية في بغداد، أمس، إرسال تعزيزات عسكرية لفرض الأمن في تلك المحافظات، بعد قيام جماعات مسلحة بحمل الأسلحة علناً في الشوارع. وفرضت قيادة شرطة محافظة البصرة أقصى جنوب العراق، التي شهدت إصابات وقتلى بين المتظاهرين، لكنها لم تشمل حرق مقار حزبية، أمس، حظراً شاملاً للتجوال في المحافظة، وقامت قوات شرطة النجدة، عبر مكبرات الصوت، بمطالبة السكان بغلق المحال التجارية فوراً، ومنعت التجمعات.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.