الثورة الرقمية وبصمتها الكربونية

الثورة الرقمية وبصمتها الكربونية
TT

الثورة الرقمية وبصمتها الكربونية

الثورة الرقمية وبصمتها الكربونية

شهد تدفّق البيانات خلال السنوات الثلاثين الماضية نمواً رقمياً لا مثيل له. ففيما كان حجم البيانات التي نُقلت عبر شبكة الإنترنت في سنة 1992 نحو 100 غيغابايت في اليوم الواحد، ستكون حركة البيانات في كل ثانية خلال هذه السنة في حدود 50 غيغابايت.
مع ذلك، يبدو أن العالم لا يزال في أيامه الأولى من عصر ثورته التقنية، إذ من المتوقع أن يفوق حجم البيانات المتبادلة عبر الإنترنت 150 ألف غيغابايت في الثانية الواحدة خلال سنة 2022. وتعكس هذه الزيادة في حركة البيانات النمو الكبير في عدد الأشخاص الذين يستخدمون الإنترنت والتقنيات والوسائط العابرة للحدود، مثل البلوكتشين (Blockchain)، ونُظُم تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي والطباعة الثلاثية الأبعاد وإنترنت الأشياء والحوسبة السحابية والروبوتات وكل ما يتصل بالأتمتة. لكن هذا التقدم التقني لا يأتي بالمجان.
* الوجه المظلم للتطور التقني
وفقاً لتقرير «التنمية في العالم 2019» الصادر عن البنك الدولي، يعيد التقدم التقني تشكيل منظومة العمل باستمرار حيث تتبنى الشركات طرائق جديدة للإنتاج، كما تتوسع الأسواق وتتطور المجتمعات. وبشكل عام، تتيح التكنولوجيا فرصاً لخلق وظائف جديدة وزيادة الإنتاجية وتقديم خدمات عامة فعالة. ويعني صعود شركات المنصات الرقمية أن التأثيرات التقنية تصل إلى عدد أكبر من الناس بوتيرة أسرع من أي وقت مضى.
وفيما تعتبر التقنيات الرقمية الرافعة الرئيسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في العالم، فإن تواتر نموها يدفع إلى حصول زيادة سريعة في بصمتها المباشرة على الطاقة. وتشمل هذه البصمة الطاقة المستخدمة في إنتاج واستخدام المعدات التقنية، من خوادم وشبكات وأجهزة طرفية، إلى جانب الطاقة المستهلكة خلال التشغيل والاستثمار.
ويشير تقرير، صدر هذه السنة عن منظمة «ذا شيفت بروجكت» الفرنسية، إلى حصول زيادة في استهلاك التقنيات الرقمية من الطاقة بمقدار 9 في المائة سنوياً. كما ينبّه التقرير إلى ارتفاع استهلاك الطاقة الناتج عن استثمار كل يورو واحد في هذه التقنيات بنسبة 37 في المائة، مقارنةً بما كانت عليه الحال في سنة 2010.
وفي المجمل، ازدادت مساهمة تقنيات المعلومات والاتصالات في انبعاث غازات الدفيئة العالمية بمقدار النصف منذ سنة 2013. حيث ارتفعت حصتها من 2.5 في المائة إلى 3.7 في المائة، أي أعلى من مساهمة قطاع الطيران العالمي، التي تبلغ 2.5 في المائة. ومن المتوقع أن تتجاوز مساهمة هذه التقنيات 10 في المائة من الانبعاثات العالمية في سنة 2025، إذا ما استمر نمو معدل تبادل المعطيات بمقدار 30 في المائة سنوياً.
وتوجد حالة استقطاب عالمي في الاستهلاك الرقمي، تجعل من الدول الغنية مسؤولة بشكل رئيسي عن زيادة انبعاث غازات الدفيئة من هذا القطاع. فوفقاً لمعطيات سنة 2018، كان كل أميركي يمتلك 10 أجهزة متصلة رقمياً وتستهلك 140 غيغابايت من البيانات في الشهر، في حين كانت حصة المواطن الهندي جهازاً واحداً يستهلك 2 غيغابايت شهرياً.
وبشكل عام، تبلغ البصمة الكربونية الرقمية للمواطن الأميركي 16 ضعف البصمة الكربونية الرقمية للمواطن في البلدان النامية، ونحو 5 أضعاف البصمة الكربونية الرقمية العالمية، التي تقترب من 280 كيلوغراماً مكافئ كربوني في السنة، تنتج عن 3 أجهزة رقمية لكل شخص، وفقاً لتقديرات سنة 2019.
واللافت أن بيانات الفيديو تحظى بحصة الأسد من البصمة الكربونية الرقمية، حيث تمثل 80 في المائة من حجم البيانات المنقولة عبر الإنترنت. وتشكّل بيانات الفيديو التي يجري بثها مباشرةً عبر الشبكة (أونلاين) ثلاثة أرباع حركة بيانات الفيديو العالمية، وقد نتج عنها وحدها 305 ملايين طن من ثاني أكسيد الكربون في سنة 2018. وهذا يعني أن المشاهدة العالمية لمقاطع الفيديو عبر مواقع مثل يوتيوب ونتفليكس وفيسبوك وغيرها تساهم حالياً في تغيُّر المناخ بشكل مماثل لما يفعله بلد بحجم إسبانيا بجميع قطاعاته.
ولا يدرك الغالبية حجم البصمة الكربونية لمشاهدة مقاطع الفيديو عبر الإنترنت، خاصةً مع ازدياد دقة هذه المقاطع وارتفاع سرعة نقل البيانات. وللمقارنة، فإن عشر ساعات من الأفلام العالية الدقة تتطلب نقل بيانات تزيد عن حاجة جميع مقالات موسوعة ويكيبيديا باللغة الإنجليزية.
وفيما كانت مقاطع الفيديو في الماضي تقتصر بمجملها على الأفلام والأغاني، يجري استخدامها حالياً عبر مواقع التواصل الاجتماعي لجذب انتباه الشخص لأطول فترة ممكنة. وتقوم هذه المواقع بتطوير سلوك من الإدمان لدى المستخدمين، من خلال إتاحة وظائف التشغيل التلقائي والمشاهدة أثناء التصفح والترجمة النصية والتشغيل، من دون صوت، مما يجعل البيانات أسهل في الاستهلاك، خاصةً في أماكن العمل.
* خطوات متواضعة للحل
تسعى الشركات التقنية إلى خفض بصمتها الكربونية من خلال تقليل الانبعاثات الناتجة ضمن مراكز البيانات الخاصة بها، التي تستهلك نحو 7 في المائة من الكهرباء المنتجة عالمياً. وينوّه تقرير «كليك كلين»، الذي صدر هذه السنة عن منظمة غرينبيس، بجهود خمس من كبريات الشركات التقنية العالمية في التحول إلى استخدام مصادر الطاقة النظيفة وترشيد استهلاك الموارد، وهي شركات أبل وألفابت (غوغل) وإتش بي ومايكروسوفت ودِل.
كما تعمل شركات التقنيات على زيادة كفاءة استهلاك الطاقة في الأجهزة الرقمية التي تقوم بإنتاجها. فشركة سامسونغ مثلاً تخطط لتحقيق انخفاض في انبعاث غازات الاحتباس الحراري في مرحلة استخدام المنتج مجموعه 250 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون خلال الفترة بين 2009 و2029.
لكن هذه الجهود تبدو متواضعة أمام التضخم الكبير في نظم المعلومات وأدواتها، خاصةً مع تسارع الابتكارات التقنية خلال مدة زمنية قصيرة وظهور اتجاهات جديدة لم تكن موجودة سابقاً. فعلى سبيل المثال، تسمح تقنية الجيل الرابع من الاتصال اللاسلكي بسرعة نظرية لنقل البيانات مقدارها 100 ميغابت في الثانية، في حين تصل سرعة تقنية الجيل الخامس الوافدة حديثاً إلى 100 ضعف السرعة السابقة. ولنا أن نتخيل حجم البيانات التي سيُتاح نقلها بهذه السرعة وحجم الطاقة التي ستستهلكها.
بشكل مشابه، ووفقاً لدراسة أعدها باحثون من جامعة ميونيخ الألمانية وجرى نشرها منتصف هذه السنة، يتسبب التداول بالعملة السيبرانية المشفرة المعروفة باسم بيتكوين في إطلاق كميات من غازات الدفيئة تصل إلى نحو 23 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، وهي تقارب الكمية التي تطلقها كرواتيا حالياً.
وتتطلب المشاركة في عملية التحقق من صحة العملة الرقمية أجهزة حاسوبية خاصة وكمية كبيرة من الكهرباء تترجم إلى بصمة كربونية ضخمة. وقد قدّرت دراسة باحثي جامعة ميونيخ أن تداول عملة بيتكوين الرقمية يستهلك نحو 46 تيراواط ساعة من الكهرباء سنوياً، وفقاً للمعطيات المتاحة في نهاية السنة الماضية.
وفيما لا يزال تداول هذه العملية محدوداً نسبياً، فإن إعلان شركة «فيسبوك» عزمها إطلاق عملة رقمية جديدة (ليبرا) بالتعاون مع 27 شركة أخرى، بينها شركات عملاقة مثل باي بال وماستركارد وفيزا وأوبر وسبوتيفاي، سيجعل التداول بالعملات الرقمية واسع الانتشار جداً، مما يتطلب تقييماً جدياً للأثر البيئي الذي سينتج عن هذه الخطوة.
تنطوي الثورة التقنية القائمة حالياً على منافع كثيرة، كتوفير البنية الرقمية الموثوقة لبناء المدن الذكية وتوسيع انتشار أنظمة الذكاء الاصطناعي وتطوير قدرات الأجهزة المسيرة ذاتياً وزيادة الإنتاجية، ولكنها في الوقت عينه تنقل مشكلة الانبعاثات من العالم الفيزيائي التقليدي إلى العالم الرقمي الجديد بوتيرة غير مسبوقة، يغيب عنها الاهتمام الجدي بالتحُّول الحاصل. ولئن كان هذا التحول أمراً حتمياً، فمن الواجب أن ندرك أن لكل تطور تقني جانباً سلبياً علينا ألا نتجاهله أو نغفل عنه.



ثلاثة أرباع أراضي العالم باتت «جافة بشكل دائم» خلال العقود الثلاثة الماضية

شجرة تذبل بسبب الجفاف في تشيلي (رويترز)
شجرة تذبل بسبب الجفاف في تشيلي (رويترز)
TT

ثلاثة أرباع أراضي العالم باتت «جافة بشكل دائم» خلال العقود الثلاثة الماضية

شجرة تذبل بسبب الجفاف في تشيلي (رويترز)
شجرة تذبل بسبب الجفاف في تشيلي (رويترز)

بات ما يزيد قليلاً على 75 في المائة من أراضي العالم «أكثر جفافاً بشكل دائم» على مدى العقود الثلاثة الماضية، وفق تقرير تدعمه الأمم المتحدة صدر، الاثنين، تزامناً مع مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16) في السعودية.

وصارت الأراضي الجافة الآن تغطي 40 في المائة من مساحة اليابسة على الأرض، باستثناء القارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا)، حسبما خلصت دراسة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، محذرة من أن هذا التحول يمكن أن يؤثر فيما يصل إلى خمسة مليارات شخص بحلول عام 2100، وفق ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وأظهر التقرير الذي يشير إلى «تهديد وجودي» تفرضه مسارات يتعذّر تغيير اتجاهها، أن الأراضي الجافة، المناطق التي تصعب زراعتها، زادت بمقدار 4.3 مليون كلم مربع بين عامي 1990 و2020، وهي مساحة تعادل ثلث مساحة الهند.

تحذيرات من «القحط»

وجاء التحذير خلال اجتماع مؤتمر «كوب 16» الذي بدأ الأسبوع الماضي في الرياض ويستمر 12 يوماً، بهدف حماية الأراضي واستعادتها والاستجابة إلى الجفاف في ظل تغير المناخ المستمر.

ويحذّر التقرير من أن القحط، وهو نقص مزمن في المياه، يمتد الآن على 40.6 في المائة من كتلة اليابسة على الأرض، باستثناء القارة القطبية الجنوبية، مقابل 37.5 في المائة قبل 30 عاماً.

أشخاص يسيرون عبر جزء من نهر الأمازون تظهر عليه علامات الجفاف في كولومبيا (أ.ب)

كما يحذّر من أن المناطق الأكثر تضرراً تشمل الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط وجنوب أفريقيا وجنوب أستراليا وبعض مناطق آسيا وأميركا اللاتينية.

وقال الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إبراهيم ثياو: «على عكس الجفاف -فترات مؤقتة من انخفاض هطول الأمطار- يمثّل القحط تحولاً دائماً لا هوادة فيه».

وأضاف أن «المناطق المناخية الأكثر جفافاً التي تؤثر الآن في أراضٍ شاسعة في جميع أنحاء العالم لن تعود إلى ما كانت عليه، وهذا التغيير يعيد تعريف الحياة على الأرض».

«أسوأ سيناريو»

وأضاف التقرير أن التغييرات تُعزى إلى حد كبير إلى الاحتباس الحراري العالمي الناجم عن انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري التي تغيّر هطول الأمطار وتزيد من نسب التبخر.

وتشمل آثار نقص المياه المزمن تدهور التربة وانهيار النظام البيئي وانعدام الأمن الغذائي والهجرة القسرية، وفقاً للعلماء.

وحسب التقرير، يعيش بالفعل 2.3 مليار شخص في مناطق جافة تتوسع، مع توقعات تشير إلى أن «أسوأ سيناريو» يتمثّل في عيش 5 مليارات شخص في هذه الظروف مع استمرار ارتفاع درجة حرارة الكوكب.

ولمواجهة هذا الاتجاه، حثّ العلماء الأعضاء على «دمج مقاييس القحط في أنظمة مراقبة الجفاف الحالية»، وتحسين إدارة التربة والمياه، و«بناء القدرة على الصمود في المجتمعات الأكثر ضعفاً».