في إحدى جنبات المطار القديم الواقع في وسط جدة، وداخل أحد المباني التي يزيد عمرها على 60 عاما، أعادت «العين العزيزية» سيرتها الأولى، وتاريخ وقف الملك عبد العزيز الخيري الذي أسهم وبشكل كبير في توسع المدينة وتطورها، من خلال متحف يضم أكثر من 150 قطعة قديمة وصورة.
ويبدو أن المكان والمساحة التي تزيد على 450 مترا لعرض القطع الأثرية والصور التاريخية التي تحكي فصلاً مهماً من تحول المدينة، اختير بعناية فائقة وله مدلولاته التاريخية والحضارية فهو يقبع في الجهة الجنوبية للمطار القديم، ومطل بشكل مباشر على أحياء المدينة، كما أنّ موقع المتحف ملاصق تماماً لمدينة حجاج الجو التي أنشئت في 1957، من قبل وقف الملك عبد العزيز لإيواء وإسكان الحجاج في مباني تتوفر بها كل الخدمات الأساسية.
ويروي المتحف فصلاً مهماً عن دور الملك عبد العزيز، وحرصه على إيجاد حل جذري لمعاناة سكان المدينة التي كانت تقبع على مساحة 3 كيلومترات قبل تأسيس العين العزيزية، وكيفية إيجاد وسيلة تتوافق مع المعطيات المتاحة لتوفير المياه بشكل دائم وغير متقطع لسكان جدة وزائريها من الحجاج والمعتمرين.
وجاء تأسيس العين العزيزية قبل 73 عاما، بعد أن التقى الملك عبد العزيز، كبار ملاك وادي فاطمة، وكشف لهم عن رغبته في إسعاد سكان وأهالي جدة، بإيصال ما يحتاجون إليه من مياه الوادي للمدينة، على أن يجري تعويضهم عن هذه الكميات بمبالغ مالية، وفي الثامن من شهر محرم 1366هـ، 1946م، وافق الملاك على ما طرحه الملك عبد العزيز، وبدأت المدينة تستعد لأن تتحول تدريجيا وتخرج من أزمتها الخانقة التي تعرضت لها من نضوب لعين الوزيرية، وخراب ماكينة التقطير «الكنداسة»، وكان هذا على حساب الملك عبد العزيز ونفقته الخاصة، وجعلها صدقة جارية على مدينة جدة والحجاج والمعتمرين القادمين للمدينة.
وتؤكد المراجع التاريخية، ومسؤولو العين العزيزية، أنّ وقف الملك عبد العزيز، كان له تبعات كثيرة تجاوزت مسألة إيجاد الحل بتوفير المياه، وانتقال الأهداف إلى مرحلة التطوير والتوسع، إذ بدأت تخرج جدة تدريجيا من نطاقها ومساحتها، ليصل بعد تأسيس العين إلى أكثر من 14 كيلومترا، وتنتشي المدينة في كل المجالات، ومع تحقيق الهدف الأول للعين العزيزية في تسييل وجلب وتوصيل المياه إلى مدينة جدة لسقيا كل منزل ومرفق وما نتج عنه، قامت العين بالمشاركة في خدمة حجاج بيت الله الحرام من خلال توفير المسكن الملائم للحجاج وكانت مشاريع مدن الحجاج الثلاث البحر، والجو، ومدينة الحجاج القادمين من أفريقيا نقلة في الإيواء والإسكان، وكانت أولى هذه المدن، مدينة حجاج البحر التي جرى تشييدها في عام 1370هـ وتستوعب خمسة آلاف حاج.
ويضم المتحف، صورة جدارية كبيرة لرؤساء مجلس نظارة «العين العزيزية»، ففي عام 1948، ترأس الأمير فيصل، نائب الملك عبد العزيز على الحجاز، مجلس النظارة، وبعد وفاته ظلّت رئاسة العين تحت إدارة الملك خالد، والملك فهد، ومن ثم جرى في عام 2002 تنصيب الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز رئيسا لمجلس نظارة العين العزيزية.
وفي بهو المتحف، ترتص العشرات من القطع التي استخدمت قبل 70 عاما، وكانت النواة الأولى في عملية ضخ المياه وجلبها لمدينة جدة، إضافة إلى قطع أثرية لمحتويات ومكاتب استخدمت في تلك الحقبة ومنها أجهزة تصوير وآلات طباعة، ولعل ما لفت كثيرا من الزوار للمتحف تلك القطع المعقدة والقديمة التي جرى استعمالها في عام 1946.
ومن أبرز القطع «جهاز قياس تدفق المياه الشامل»، وهو جهاز صنع في عام 1956 لشركة بريطانية، وفي الجهاز عداد مثبت بداخل الصندوق الحديدي، مع ساعة وبندول ووزن لحساب الوقت المستغرق في تدفق كمية المياه كل ساعة، وجرى استخدام الجهاز في عام 1957 بوادي فاطمة، إضافة إلى جهاز «مزواة قياس المساحة» التي جرى استخدامها قبل 71 عاما وخرجت عن الخدمة في عام 1980.
واستوقف الزائرين الأقفال القديمة التي كانت تستخدمها العين العزيزية، لكون القفل مطليا بالفضة، وهي مخصصة لوقف تدفق المياه في المواقع التي تحددها العين، كذلك عدادات ضغط المياه من صفر - 300 بي إس آي، وهي بريطانية الصنع، وتعد من الأجهزة القديمة جدا، التي كان لها دور في معرفة ضغط المياه في محطات الضخ وأخذ القراءات الصحيحة، وهذه القطع جرى وضعها بترتيب من حيث هدف الاستخدام وتاريخ عملها، ليسهل على الزائرين معرفة هذه القطعة القديمة.
ويتوقع أن يستقطب المتحف، الآلاف من الزوار الباحثين عن خفايا وتاريخ جدة، خلال الأيام المقبلة، خاصة أن المتحف يعد الأول من نوعه الذي يعرض معدات قديمة في صناعة المياه وكل قطعة تحكي ما خصص لها وكيفية استخدامها، وكيف أسهمت هذه القطع والأحداث في إنقاذ جدة وإخراجها من حالة الذعر لنقص المياه.
«العين العزيزية» في جدة السعودية تدشن متحفاً يحكي تاريخ وقف الملك عبد العزيز
يحتوي على 150 قطعة وصورة
«العين العزيزية» في جدة السعودية تدشن متحفاً يحكي تاريخ وقف الملك عبد العزيز
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة