شكّل السوريون العنصر الأساسي المحرك لـ«محطة شارل حلو» الواقعة على مدخل بيروت التجاري. فقبل اندلاع الأحداث في سوريا في عام 2011 كانت المحطة مركزا ينبض بالحياة، وكانت تغص بمئات العمال السوريين الذين كانوا يزورون عائلاتهم مرة أسبوعيا على الأقل. أما اليوم وبعدما نزحت معظم هذه العائلات إلى لبنان ليبلغ مجمل عدد اللاجئين السوريين المليونين تقريبا، تراجعت حركة النقل البري بين البلدين بعد أن انعدمت في فترة من الفترات.
ويشتكي أبو حسن، وهو المدير العام لشركة «نقليات سعد»، مما يقول إنها «عوامل مستجدة» على حركة العمل في قطاع النقل البري بين لبنان وسوريا، لافتا إلى أنه في السابق «كنا نقوم بنحو 150 رحلة يومية بين لبنان وسوريا، أما اليوم فلا تتجاوز رحلاتنا العشرين». ويوضح أبو حسن، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن السوريين الذين يقطنون مناطق اشتباك مثل حلب ودرعا لم يعودوا يتنقلون باستمرار، «فنادرا ما نقوم برحلات إلى تلك المناطق، خاصة أننا فقدنا نحو 30 سائقا بين قتيل ومخطوف منذ بدء الأزمة في سوريا»، مشيرا إلى أن «هناك رحلات لا نقوم بها إلا صباحا بسبب المخاطر الأمنية التي قد تواجه السائقين والركاب في ساعات المساء».
«وقد أثر القرار الصادر عن الحكومة اللبنانية بمنع استقبال المزيد من النازحين السوريين بشكل لافت في عملنا، لأن اللاجئ السوري توقف عن زيارة سوريا خوفا من منعه من دخول لبنان مجددا»، بحسب أبو حسن، لافتا إلى أن «الأمن اللبناني عند المعابر الحدودية لم يعد يسمح بدخول السوريين إلا بصفة عامل أو إذا كان يملك تذكرة سفر ليغادر عبر مطار بيروت».
في أحد المواقف بالمحطة، يستعد سائق سيارة الأجرة عبد الله سلطان للتوجه إلى حماه في رحلة تستغرق 7 ساعات على الأقل، فهو وبعد عام 2011 بات يسلك طرقا «معقدة وطويلة» للوصول إلى حماه، «فأحاول المرور في طرقات تحوي عددا أقل من الحواجز الأمنية، لما تشكله هذه الحواجز من عنصر تأخير وعرقلة، لأن العناصر يفتشون السيارة بدقة، فضلا عن استغلالهم الظروف، فيطلبون بعض النقود مقابل تسهيل المرور وإلا فإن الأمور ستكون أكثر تعقيدا». ويشير سلطان لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه يسلك طريقه إلى حماه من مدينة طرابلس (شمال لبنان) إلى صافيتا السورية ويتجه بعدها إلى العمق السوري بطريق جبلية إلى منطقة مشتل حلو، ثم مصياف، وصولا إلى حماه، ويقول: «مدة الرحلة 7 ساعات وأقوم بها مرة واحدة في الأسبوع لقلة الزبائن، علما بأن تكلفة السفر لا تتجاوز الـ30 دولارا أميركيا عن الفرد الواحد، عادا «أصحاب الحظ هم سائقو خطوط الساحل السوري ودمشق، فالركاب كثر في تلك المنطقة بسبب الاستقرار الأمني.. فالحياة هناك عادية والكل يتنقل بحرية».
ويذكر سلطان حادثة كان شاهدا عليها خلال آخر رحلة له إلى حماه، لافتا إلى أن مسلحين ملثمين أقدموا على خطف ركاب السيارة التي كانت تسير أمامه وتركوا السائق لحاله، «ليتبين فيما بعد أنهم طالبوا بفدية مالية تبلغ 7 ملايين ليرة سورية، مقابل الإفراج عنهم».
ويشدد سلطان على أنه لا يمكن الحديث عن مناطق آمنة في سوريا، «فإذا كانت آمنة من القصف والاشتباكات، فلن تكون آمنة من قطّاع الطرق الذين يهددون بسلاحهم الأبيض».
ويشتكي سالم، وهو أحد السائقين السوريين على خط حلب من «ممارسات» الأمن العام اللبناني على المعابر، واصفا إياها بـ«الصعبة والمذلة». ويقول سالم لـ«الشرق الأوسط»، إنه وفي طريقه إلى حلب يتجنب المرور بالمناطق التي تسيطر عليها «الجماعات المتشددة»، ويمر عبر المناطق التي بها حواجز النظام السوري لـ«اعتبارات كثيرة» تحفظ عن ذكرها، ويتابع: «الطريق الدولي تكثر فيه الاشتباكات ونيران القنص فأضطر إلى الذهاب عبر طرطوس، ثم المرور بجانب حمص، إلى السلامية وأثريا في ريف حماه، وبعدها إلى منطقة خناصر التي استردها الجيش أخيرا بريف حلب، والعبور إلى السفيرة، فمدينة حلب».
ويشير سالم إلى أنه وبعد أن استرجع الجيش طريق خناصر أصبحت الطريق شبه آمنة، «ولم نعد نتعرض لأي إشكالات بعكس طريق حلب الدولية التي كنا نتعرض عليها لعمليات قنص».
وحال السائق جمال، هي كأحوال معظم السائقين الآخرين الذين يشكون من ظروف العمل في محطة «شارل حلو» التي لا تستوفي برأيهم الشروط الواجب توافرها في محطة تستقبل سياحا، ويشير جمال إلى أنه ليست بها استراحة للسائق ولا للمسافر، ولا مياه للشرب ولا مراحيض، «ورغم كل ذلك تأخذ الشركة عن كل رحلة نقوم بها، دولارين إلى صندوق الخدمات، فأي خدمات يقومون بها؟!». جمال الذي يعمل على خط بيروت – درعا، يسلك معبر المصنع باتجاه الشام ثم طريق درعا مباشرة، وتستغرق الرحلة 9 ساعات وتكلفتها 65 دولارا للشخص الواحد، ويضيف: «الطريق واحدة، ومن ثم لا مفر من المرور على حاجز لـ(جبهة النصرة) في ريف درعا بمنطقة الغارية الذي يبعد كيلومترا واحدا عن الحاجز النظامي»، واصفا الطريق بـ«الصعبة» لكثرة الحواجز فيها. وينتاب جمال القلق عند وصوله إلى حاجز «النصرة»، خاصة أنه لا يدرك أطباعهم، فسبق أن «تعرضت للتوبيخ والتهديد بعد أن أوقفني عناصر الحاجز وأنا أحمل سيجارة».
بين لبنان وسوريا.. لا طرقات آمنة.. وإجراءات «مذلة» على المعابر
عدد الرحلات البرية تراجع من 150 إلى 20 يوميا
بين لبنان وسوريا.. لا طرقات آمنة.. وإجراءات «مذلة» على المعابر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة