الورقة الاقتصادية اللبنانية بين الطموحات والواقعية

الاقتصاديون يترقبون وسط توقعات بعوائق للتنفيذ

مصرف لبنان المركزي في بيروت (أ.ب)
مصرف لبنان المركزي في بيروت (أ.ب)
TT

الورقة الاقتصادية اللبنانية بين الطموحات والواقعية

مصرف لبنان المركزي في بيروت (أ.ب)
مصرف لبنان المركزي في بيروت (أ.ب)

لا تزال الورقة الاقتصادية التي عرضها رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، بالتزامن مع إحالة مشروع قانون موازنة العام المقبل إلى المجلس النيابي، موضع نقاشات خافتة في الأوساط الاقتصادية، في ظل تواصل التحركات الاحتجاجية التي تشمل كل المناطق اللبنانية، وتطالب بتغيير سياسي واقتصادي يتجاوز مضمون الإصلاحات التي تعرضها الحكومة.
ويعتبر أمين سر الجمعية الاقتصادية اللبنانية الدكتور بيار الخوري، أن الرئيس الحريري يحاول القول إن الحكومة قادرة على إنتاج موازنة مع أقل نسبة عجز، يلامس الصفر في المائة إلى الناتج المحلي الإجمالي، وفتح الطريق أمام استقطاب الاستثمارات الخارجية، وبالأخص بدء انسياب أموال مؤتمر «سيدر» البالغة نحو 11.3 مليار دولار.
ويشير خوري إلى أن أهم مصادر التمويل التي ذكرتها الحكومة من أجل الاستعانة على تصفير العجز، كانت طلب مشاركة القطاع المصرفي من أرباحه بما يزيد عن 5000 مليار ليرة لبنانية، أو نحو 3.5 مليار دولار، علماً بأنه من المشكوك فيه إلى درجة واسعة أن يقبل قطاع المال بهذه المساهمة، أو أن تكون الحكومة مستعدة وقادرة على فرض ذلك؛ لأنه يعتبر أن هذا من شأنه الضغط على القطاع المصرفي، الذي يعتبر بحسب مؤسسات التصنيف الائتمانية وصندوق النقد والبنك الدوليين، القطاع الذي لا يزال صامداً ومتماسكاً في ظل اقتصاد تعصف به الأزمات.
وفي الواقع لم يصدر أي بيان عن جمعية المصارف يؤيد ما ذهب إليه بيان الحريري، بالاستعداد لهذه المساهمة الضخمة، بما يعني أنه إذا ما صدقت هذه المساهمة، فإنها ستكون من أموال مصرف لبنان المركزي «حصراً»، وهذا أيضاً غير مضمون؛ لأن المؤسسات الدولية ومؤسسات التصنيف تنصح المصرف المركزي بالتقليل من مخاطر الدين الحكومي وتمويل عجز الموازنة، لحماية موازنته وتصحيح الخلل الفاضح فيها.
وقد اقترحت الورقة موازنة مع معدل إنفاق استثماري يعادل صفر في المائة لعام 2020، واعتماد نظام «بي أو تي» (B.O.T) ومثيله من الاستثمارات الخارجية، من أجل تمويل مشروعات البنى التحتية التنموية والاستراتيجية. ويتساءل خوري: كيف سيكون هناك نمو اقتصادي من دون استثمارات عامة؟ أي أن الحكومة قد اقترحت بالضبط ما هو مشكو منه: «موازنات إنفاق جارٍ من دون إنفاق يشجع نمو الناتج الوطني».
ويرى أن تخفيض 1000 مليار ليرة لبنانية (أي ما يعادل 660 مليون دولار أميركي) من عجز الكهرباء، مع التعهد بعودة التيار الكهربائي للعمل على مدار الساعة مع نهاية عام 2020 هو غير صحيح كلياً. فقد كان هناك طلب من وزارة الطاقة لزيادة هذا المبلغ ولم تتم الموافقة عليه أصلاً؛ وليس هناك أي تخفيض أيضاً.
كما أن الوعد بإقرار مشروعات القوانين التي تعتبر ضرورية، وتصنف تحت خانة الحوكمة الرشيدة واعتماد الشفافية ومكافحة الفساد والتهرب الضريبي، قد جاء عاماً لا يختلف عن بيانات سابقة.
وبحسب خوري، فلا يمكن الاعتداد بالتعديلات المقترحة على الموازنة لعام 2020؛ خصوصاً أنه ليس واضحاً كيف سيتم تخفيض نسبة العجز لمستوى 0.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، فإما أن هناك قدرة على تخفيض العجز بقيمة 4 مليارات دولار دفعة واحدة، وإما أنه سيتم تضخيم رقم الناتج المتوقع للعام المقبل فوق 60 مليار دولار، وهذا عملياً مستحيل.
أما الاحتمال الآخر فهو أن يدفع المصرف المركزي فعلياً مبلغ 5.1 ألف مليار ليرة، وهذا إذا حصل فسيؤدي إلى مزيد من الضغط التضخمي؛ خصوصاً أن المصارف التجارية ليست مستعدة، ولم تعلن أي نية بعد كلام الرئيس الحريري للمساهمة في تغطية العجز؛ علماً بأن مساهمة المصارف قد حددتها الورقة المقترحة بـ400 مليون دولار لسنة واحدة فقط.
ويلفت خوري إلى أنه ليست هناك أي أموال جديدة للإسكان، فالقرض الكويتي موجود قبل الورقة، ولا التزامات أخرى واضحة. وهذا القرض سيعطى بالليرة اللبنانية، وهذا سيرفع كلفة القرض في ظل شح الدولار.
وتضاف إلى كل ذلك تساؤلات أخرى، على غرار: كيف يتم وقف كل إنفاق استثماري في الموازنة؟ كيف سيساهم ذلك في خلق موازنة تنموية؟ حيث إن لبنان يحتاج إلى ما بين 2 إلى 3 مليارات دولار إنفاقاً استثمارياً لاستئناف النمو في الناتج.
ويخلص خوري إلى القول إن «مشكلة الشارع اليوم هي مشكلة ثقة قبل أن تكون مشكلة بنود الإصلاح. فكيف يمكن استعادة الثقة مع ورقة تحتاج شهوراً لإقرارها؛ ثم إلى سنة لتأكيد الالتزام بها؟».
ورغم كل ما أقرته الحكومة بعد تعرضها لضغط الشارع اللبناني، فلم تخمد شرارة ثورة الشعب، وهي مستمرة في المطالبة برحيل الحكومة، مؤكدة أنه رغم إقرار ما كان يعتبر أحلاماً للشعب اللبناني، فإن كثيراً من المراقبين يرون أن الثقة قد فقدت بين الطرفين؛ خصوصاً بعدما تبين أن باستطاعة الحكومة إقرار ما أقرته، وبوقت قصير جداً لا يتجاوز ساعات معدودة، بدلاً من المراوغة وإضاعة الوقت والفرص على الشعب، وإثقال كاهله بضرائب إضافية.



السعودية تسطر التاريخ باعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم

جانب من المؤتمر الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم في الرياض (الشرق الأوسط)
جانب من المؤتمر الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم في الرياض (الشرق الأوسط)
TT

السعودية تسطر التاريخ باعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم

جانب من المؤتمر الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم في الرياض (الشرق الأوسط)
جانب من المؤتمر الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم في الرياض (الشرق الأوسط)

سطرت السعودية التاريخ، بعد أن جمعت البلدان الأعضاء في المنظمة العالمية للملكية الفكرية، المكونة من 193 دولة، للاتفاق على معاهدة الرياض لقانون التصاميم، وهي تركز على تعظيم الأثر والقيمة على المنظومة بشكل عام، وذلك بعد مرور 20 عاماً على هذه المعاهدة التي لم تر النور إلا من عاصمة المملكة.

جاء ذلك مع ختام أعمال مؤتمر الرياض الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم، في حدث لأول مرة منذ أكثر من عقد من الزمن تعقد فيها المنظمة العالمية للملكية الفكرية «الويبو» مؤتمراً دبلوماسياً خارج جنيف، وهو الأول الذي يُقام في السعودية والشرق الأوسط، ليمثل المرحلة الأخيرة للمفاوضات الخاصة باعتماد معاهدة هذا القانون، التي تستهدف تبسيط إجراءات حماية التصاميم، من خلال توحيد المتطلبات.

وشهد الحدث، خلال الأسبوعين الماضيين، نقاشات وحوارات مكثفة بين البلدان الأعضاء من أجل الوصول إلى معاهدة تلتزم فيها الدول الأعضاء بالمتطلبات الأساسية لتسجيل التصاميم، وأثرها الإيجابي على المصممين، لتصبح هناك إجراءات موحدة تُطبَّق على جميع الدول.

العائد الاقتصادي

وفي رده على سؤال لـ«الشرق الأوسط»، خلال المؤتمر الصحافي مع ختام هذا الحدث، اليوم الجمعة، قال الرئيس التنفيذي للهيئة السعودية للملكية الفكرية، عبد العزيز السويلم، إنه من خلال الدراسات يوجد هناك نسب عالية جداً للشباب والفتيات في إبداع التصميم بالمملكة، وستكون ذات أثر اقتصادي بمجرد أن يكون المنتج قابلاً للحماية، ومن ثم للبيع والشراء.

وأكد الرئيس التنفيذي أن اختيار اسم «معاهدة الرياض» يعكس المكانة التي تحتلها المملكة بوصفها جسراً للتواصل بين الثقافات، ومركزاً لدعم المبادرات العالمية، كما أن اعتماد المعاهدة يُعد إنجازاً تاريخياً يعكس تعاون ومساهمة البلاد في الإطار الدولي للملكية الفكرية، وفتح آفاق جديدة للتعاون بين الدول الأعضاء.

ووفق السويلم، هذه المعاهدة ستسهم في وضع أسس قانونية مهمة تحقق الفائدة للمصممين، وتدعم الابتكار والإبداع على مستوى العالم.

وتعكس «معاهدة الرياض» رؤية المملكة في تعزيز التعاون الدولي بمجال الإبداع ودورها القيادي في صياغة مستقبل مستدام للمصممين والمبتكرين؛ وقد استكملت المفاوضات في الوصول إلى اتفاق دولي للمعاهدة.

توحيد الإجراءات

وتُعد نقلة نوعية في مجال توحيد إجراءات إيداع التصاميم، لتسجيلها على مستوى دول العالم، وتوفير بيئة قانونية تدعم الابتكار والإبداع في مختلف القطاعات.

هذا الإنجاز يرسخ مكانة المملكة بصفتها وجهة عالمية لدعم المبادرات المبتكرة، ويعكس التزامها بتوفير بيئة مشجِّعة للإبداع تحمي حقوق المصممين وتسهم في ازدهار الصناعات الإبداعية على مستوى العالم.

وكانت الهيئة السعودية للملكية الفكرية قد استضافت، في الرياض، أعمال المؤتمر الدبلوماسي المعنيّ بإبرام واعتماد معاهدة بشأن قانون التصاميم، خلال الفترة من 11 إلى 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، بمشاركة الدول الأعضاء في المنظمة العالمية للملكية الفكرية، بحضور رفيع المستوى من أصحاب القرار.