إضراب المدرسين يعمّق أزمة التعليم في ليبيا

الآباء خائفون من ضياع مستقبل أبنائهم بعد اتساع رقعة الاحتجاجات

جانب من الوقفة الاحتجاجية لمعلمي ليبيا (الشرق الأوسط)
جانب من الوقفة الاحتجاجية لمعلمي ليبيا (الشرق الأوسط)
TT

إضراب المدرسين يعمّق أزمة التعليم في ليبيا

جانب من الوقفة الاحتجاجية لمعلمي ليبيا (الشرق الأوسط)
جانب من الوقفة الاحتجاجية لمعلمي ليبيا (الشرق الأوسط)

اتسعت رقعة إضراب المعلمين في ليبيا لتشمل جل مناطق البلاد، ما تسبب في إغلاق المدارس وتعطيل الدراسة، التي كان من المفترض أن تبدأ في الثالث عشر من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، متمسكين بإقالة وزيري التعليم في المنطقتين الشرقية والغربية على خلفية «رفضهما تنفيذ مطالبهم بزيادة رواتبهم».
وعلى مدار الأسبوعين الماضيين لم يتوقف المعلمون في مدينتي بنغازي وطرابلس، ومناطق أخرى، عن تنظيم وقفات احتجاجية، وإصدار بيانات لشرح مطالبهم المنصوص عليها في القانون رقم (4) لسنة 2018 الصادر من مجلس النواب، والرد على ما وصفوه بـ«تعنت الوزيرين» اللذين يديران العملية التعليمية، خاصة أن البرلمان المنعقد في (شرق ليبيا) كان قد أقر العام الماضي مرسوماً يقضي برفع رواتب المعلمين لكنه لم يُطبق.
وقال أحد المعلمين المضربين لـ«الشرق الأوسط» أمس: «لن نتراجع عن الإضراب حتى تتم الاستجابة للمطالب القانونية لقرابة 600 ألف معلم بزيادة رواتبهم»، مشيرا إلى أنهم «يتلقون تهديدات باعتقالهم».
من جانبه، أبدى المعلم خالد العربي غضبه الشديد من الطريقة التي تعاملت بها السلطات مع رجال التعليم، بقوله: «لقد تم إطلاق الرصاص على معلمي المنطقة الشرقية لتفريقهم، كما وصف الإعلام معلمي المنطقة الغربية بالطابور الخامس، وأنهم يتعاملون مع أجندة خارجية... إنهم يتوعدون باعتقالنا فقط لأننا نطالب بحقوقهم القانونية». موضحا أن مهنة التعليم لم تعد مناسبة له بسبب ما سماه «فساد بعض مسؤولي الوزارة».
وخلال السنوات الماضية اتجهت كثير من الأسر الميسورة إلى نقل أبنائهم للتعليم الخاص، تفاديا لترحيل سنة دراسية كاملة إلى العام الجديد. وقد تسببت الأوضاع الأمنية المتردية منذ إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011 في تدهور منظومة التعليم في البلاد، كما ساهمت الحرب على العاصمة في إغلاق عدد من المدارس، وتشريد التلاميذ ضمن عملية نزوح للعائلات خارج مناطقهم.
وتتراوح رواتب المعلمين بين 500 و850 دينارا ليبيا (360 - 610 دولارات) في المدارس الحكومية، وفقا لسعر الصرف الرسمي الذي يقل كثيراً عنه في السوق غير الموازية، وهو راتب لا يكفي لتحقيق الاكتفاء الذاتي. كما تعاني منظومة التعليم كباقي القطاعات من الانقسام السياسي الحاد، الذي أدى إلى وجود وزارتين في البلاد، الأولى تتبع حكومة (الوفاق الوطني)، المعترف بها دولياً في طرابلس، (غربا)، ويتولى التعليم فيها عثمان عبد الجليل. والثانية للحكومة المؤقتة في مدينة البيضاء (شرقا) برئاسة مصطفي الدرسي، وهذا الانقسام يترتب عليه دائماً نقص في المخصصات المالية، والكتب الدراسية.
يقول الدرسي إن احتجاجات المعلمين «تسببت في إغلاق أكثر من 200 مدرسة في شرق البلاد فقط»، في وقت يتخوف فيه الآباء من ضياع مستقبل أبنائهم، علماً بأن التوترات الأمنية والاشتباكات المسلحة التي عانت منها ليبيا في السنوات الماضية أجبرت وزارتي التعليم على ترحيل سنوات دراسية.
ويعد قطاع التعليم متضخما بشكل لافت. ويقول مسؤولون في طرابلس إن السجلات تضم نحو 240 ألف معلم، وغيرهم من الموظفين في المناطق الغربية والجنوبية، بينهم من 60 إلى 70 ألف معلم احتياطي. فيما يقول نقيب المعلمين في بنغازي إن 190 ألف معلم آخرين مسجلين في الحكومة في الشرق.
وإلى جانب الوقفات الاحتجاجية للمعلمين، نظم مجموعة من أعيان ومشايخ ومنظمات المجتمع المدني في مدينة سبها، أمس، وقفة أمام مبنى المجلس البلدي للمطالبة بتسوية أوضاع المعلمين والموظفين العاملين بقطاع التعليم. وطالب المحتجون بضرورة تفعيل القانون رقم (4) بشأن تسوية أوضاع المعلمين والعاملين، ورفع مرتباتهم وتفعيل برنامج التأمين الصحي، والإسراع في تسوية أوضاع المتعاقدين مع القطاع إلى جانب المعلمين والموظفين بقطاع التعليم، من حيث الترقيات والفروق المالية.
ولا تزال مدارس سبها مغلقة مثل غيرها، وسط مناشدات أولياء الأمور للسلطات بالبحث عن حل يمكن أولادهم من بدء العام الدراسي.
واستمراراً للوقفات الاحتجاجية، أعلن منظمو الإضراب أن العاملين بقطاع التعليم في مدينة صبراتة سينظمون غدا وقفة احتجاجية لجميع العاملين بالقطاع، وبحضور العاملين بالتعليم من المنطقة الغربية، وسط ساحة الحرية بصبراتة، كما سيشاركون في وقفة للمعلمين أمام مقر المجلس الرئاسي بطريق السكة في طرابلس بعد غد الاثنين.
ولفت المضربون إلى تصريحات منسوبة لوزير التعليم بحكومة (الوفاق) حول وجود 245 ألف موظف في التعليم غير موجودين لكنهم يتقاضون رواتبهم، وقالوا: «أليس هذا دليلاً يؤكد ضرورة إحالة الوزير للتحقيق أمام النائب العام بتهمة إهدار المال العام باعترافه».
وتعمقت أزمات التعليم تدريجياً؛ بسبب ما لحق البنية التحتية من أضرار بالغة، وإرجاء الدراسة أكثر من مرة، الأمر الذي وصفه خبراء وأولياء أمور، لـ«الشرق الأوسط» بـ«المأساة التي قد تؤثر على أبنائهم، وعلى الأجيال المقبلة».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.