الفنانون في لبنان «مؤثرون»... يتظاهرون ويعبّرون بكلمات وأغنيات

تخلّوا عن إكمال تصوير أعمالهم مواكبةً للمشهد اللبناني

مجموعة من الممثلين الذين طالبوا تلفزيون لبنان الرسمي بنقل وقائع المظاهرات
مجموعة من الممثلين الذين طالبوا تلفزيون لبنان الرسمي بنقل وقائع المظاهرات
TT

الفنانون في لبنان «مؤثرون»... يتظاهرون ويعبّرون بكلمات وأغنيات

مجموعة من الممثلين الذين طالبوا تلفزيون لبنان الرسمي بنقل وقائع المظاهرات
مجموعة من الممثلين الذين طالبوا تلفزيون لبنان الرسمي بنقل وقائع المظاهرات

لم يستطع عدد كبير من الفنانين اللبنانيين أن يتجاهلوا ما يحصل على الأرض. فمنهم من تحمّس وشارك مباشرة في المظاهرات التي تغطي مختلف المناطق اللبنانية، ومنهم من راح يدعم هذه الاحتجاجات من بيته عبر وسائل التواصل الاجتماعي. أما المشهد الذي شكّل مفاجأة على الساحة الفنية فهو تظاهر عدد من الفنانين أمام مبنى تلفزيون لبنان الرسمي ودخولهم استوديوهاته. أما الهدف من هذه الخطوة، كما ذكروا، فهي ضرورة تمثيل هذه المحطة للمشاهد اللبناني في جميع أطيافه لأن هذه المحطة هي للشعب اللبناني ولا يجوز أن تغيب عن الحراك المدني الحاصل على الأرض وتغيب عن النقل المباشر، أسوةً بالمحطات اللبنانية الأخرى.
وكان عدد من الممثلين أمثال بديع أبو شقرا وأنجو ريحان ووسام حنا وعبدو شاهين إضافة إلى غيرهم قد اتفقوا للقيام بهذا التحرك.
«ولادة هذه الفكرة جاءت عفوية من خلال اتصالات أجريناها بعضنا مع بعض عبر (واتساب)»، تقول إنجو ريحان في حديث لـ«الشرق الأوسط». وتضيف: «وقد أردناها بمثابة تعبير عن ضرورة تمثيل هذ المحطة جمهورها، سيما أننا كلبنانيين نسهم في تمويلها ودفع أجور موظفيها». أما الممثل وسام حنا الذي شارك أيضاً في هذه الخطوة فيرى أن غياب محطة تلفزيونية رسمية عن مشهد الحراك المدني على الأرض غير مقبول.
ويتابع في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «أرى نفسي جزءاً من هذا الشعب المحتجّ والذي يتألف من أفراد وأناس يمثلون جميع المهن في لبنان. صحيح أننا كممثلين نقف تحت الأضواء ونتمتع بالشهرة نسبةً إلى طبيعة مهنتنا، إلا أنه كان علينا الاستفادة من موقعنا كمؤثرين والقيام بتلك الخطوة والإضاءة عليها بالتعاون مع محطة تلفزيونية أخرى ألا وهي «الجديد». فهي واكبتنا منذ الدقائق الأولى لوصولنا إلى مبنى تلفزيون لبنان ولغاية خروجنا منه».
وحسب حنا، فإن مطالبهم تم تحقيقها، إذ بدأ تلفزيون لبنان الرسمي في اليوم الثاني لهذا التحرك نقل الاحتجاجات والمظاهرات الجارية على الأرض.
وتجدر الإشارة إلى أن جميع أعمال الدراما المحلية أوقفت عملية تصوير حلقات جديدة منها إثر اندلاع الاحتجاجات الشعبية في لبنان. ويعلّق الممثل وسام حنا: «نعم لقد تخلينا عن إكمال عمليات التصوير في ظل الظروف التي تمر بها البلاد، وهناك اجتماعات يومية نقوم بها لبرمجة تحركاتنا اليومية ولمواكبة وجع الناس الذين نحن منهم».
كان عدد من الفنانين والممثلين اللبنانيين أمثال نادين نسيب نجيم وكارين رزق الله وماغي بوغصن ومعين شريف وعلاء زلزلي وغيرهم، قد شاركوا في الاحتجاجات الشعبية مباشرةً على الأرض، فحملوا الأعلام اللبنانية وهتفوا مع غيرهم من اللبنانيين مطالبين بتحقيق المطالب. فيما شكلت إطلالة الفنان مارسيل خليفة في مظاهرة مدينة طرابلس وتقديمه عدداً من أغانيه الوطنية، تعبيراً منه عن دعم هذا الحراك ومساندته للمظاهرات.
وكان لأغنيات وطنية كـ«لبنان رح يرجع» لجوزف عطية، و«بحبك يا لبنان» لفيروز، و«راجع يتعمر لبنان»، و«موطني» و«يا بيروت»، و«قوم تحدى» لماجدة الرومي، وغيرها من بين الأغاني التي غناها المتظاهرون متخذين منها شعارات واضحة لافتخارهم بما يقومون به كلبنانيين.
وقدم الفنان وليد الحلاني «قوتنا بوحدتنا»، وهي أغنية وطنية سبق وأداها والده عاصي الحلاني. فغناها بصوته ونشرها عبر قناته الرسمية على موقع «يوتيوب».
أما إحدى نجمات «ستار أكاديمي» تينا يموت، فأرادت التعبير عن دعمها للاحتجاجات في لبنان من خلال إطلاقها أغنية بعنوان «ثورة غضب». وأوضحت في تغريدة لها عبر موقع «تويتر» أن هذه الأغنية أعطت ثورة «لبنان ينتفض» شيئاً منها.
من ناحيته قدّم المغني سعد رمضان أغنية «موطني» بنسخة جديدة بصوته تضامناً مع جميع المتظاهرين في لبنان، وحوّل أغنيته «شو محسودين» إلى وطنية. وفيما نشر بعض الفنانين لقطات مصورة ومأخوذة من قلب المظاهرات كراغب علامة الذي أظهر مشهداً مؤثراً يجري بين أفراد الجيش اللبناني والمتظاهرين على خلفية أغنيته «كلنا للوطن»، فإن فارس كرم من ناحيته غرّد على حسابه على موقع «تويتر» معتذراً عن عدم تقديم حفلة له في المغرب نظراً على الحالة الدقيقة التي يشهدها لبنان. وغرّد يقول: «نظراً إلى الظروف التي يمر بها لبنان وتضامناً مع أهل وطني أعتذر من الشعب المغربي عن إحياء حفل كان مقرراً تقديمه في فندق المازاغان، على أمل أن نلتقي في ظروف أفضل».
ونشرت الممثلة ستيفاني صليبا صورة تمثل جزءاً من الساحل اللبناني يغطيها علم لبنان وكُتب عليها «الله يحميك». وعلقت عليها: «السلام» مرفقةً إياها بوسم «لبنان ينتفض». ومن ناحيته شارك الفنان غسان صليبا ونجله وسام في مظاهرة تقام في منطقة الزوق، وتوجّه إلى المتظاهرين يقول: «أنتم أمثولة لكل العالم، أنتم أرقى شعب، لا يوجد شعب بالعالم يعتصم لمدة أربعة أيام ولم تحصل ضربة كف». ومن ثم قدم أغنيته الوطنية المعروفة «وطني بيعرفني».
أما المغنية ميريام فارس فتوجّهت برسالة إلى أهل الفن وصفت فيها بعضهم بأنهم لم يشاركوا بما يحصل على الأرض في لبنان بسبب المحسوبيات. ودعتهم تقول: «شو ناطرين يا فنانين لتضّامنوا مع الناس الموجوعة؟! الناس هلق بحاجة للدعم منا مش وقت اللي تكون بألف خير تطلعوا تتفاصحوا هلق وقتها». وكانت فارس قد نشرت عبر حسابها على «إنستغرام» صوراً لها ولأفراد عائلتها وهم يشاركون في الاحتجاجات الشعبية.
أما الفنانة إليسا فاستخدمت مواقع التواصل الاجتماعي للتعليق على الأحداث اليومية التي يشهدها لبنان في ظل الحراك المدني. وأرفقتها بانتقادات لرجال السياسة والزعماء تارة وبكلمات حب وتقدير للجيش اللبناني والجمهور المتظاهر تارة أخرى.
ومن بين الفنانين العرب الذين جذبهم المشهد اللبناني الفنانة أصالة التي غرّدت تقول: «مشهد ما شفت أجمل منه. لبنان شعب حي، غض الشعور، ليّن القلب، وهو قلب الحياة وروحها. الله يحمي لبنان العنيد، لبنان الفرح».



زياد غسان صليبا لـ«الشرق الأوسط»: والدي فنان عالمي

إلى جانب الغناء والتلحين يتمتع زياد بموهبة التمثيل (زياد صليبا)
إلى جانب الغناء والتلحين يتمتع زياد بموهبة التمثيل (زياد صليبا)
TT

زياد غسان صليبا لـ«الشرق الأوسط»: والدي فنان عالمي

إلى جانب الغناء والتلحين يتمتع زياد بموهبة التمثيل (زياد صليبا)
إلى جانب الغناء والتلحين يتمتع زياد بموهبة التمثيل (زياد صليبا)

يعدّ زياد الابن الأصغر للفنان غسان صليبا. وهو مثل شقيقه وسام جذبه عالم الفن بكل أبعاده، فمشى على خطى والده المغني وأخيه الممثل وسام صليبا. يجمع زياد بين مواهب كثيرة، يغني ويعزف ويلحّن ويمثّل ويؤلف كلمات الأغاني. أمضى عدة سنوات دراسية في لوس أنجليس مع شقيقه فتأثر بفنون الغرب وقواعد التمثيل والغناء.

سبق لزياد وأن أصدر 5 أغنيات بالأجنبية. ولكنه اليوم قرر أن يقلب الصفحة وينطلق نحو الأغنية العربية. استهلّ مشواره الجديد هذا، مع أغنية «كان يا ما كان» من تأليفه وتلحينه، يقدّمها زياد بأسلوب بسيط قريب إلى الأغاني الغربية. ورغم كلامها ولحنها المطبوعين بالعربية، فإنها تأخذ منحى العمل الغربي.

أغنية {كان يا ما كان} من تأليفه وتلحينه يقدّمها بأسلوب قريب إلى الأغاني الغربية (زياد صليبا)

ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «تمسكت بأسلوبي الغربي كي أقدمها على طريقتي. وأتوقع أن أبقى محافظاً على هذا الإيقاع في أعمالي المقبلة. فهذا المزيج بين العربية والغربية إن في الموسيقى أو في طريقة الغناء، يزود العمل بنكهة فنية خاصة».

يتناول زياد في أغنيته «كان يا ما كان» كل ما يتعلق بالحنين إلى الوطن. فصوّر لبنان جنّة كانت تعيش بسلام وأمان، ويطلّ على طبيعة لبنان وبحره وجبله. كما يتذكّر الأماكن والمطارح التي تعني له الكثير. ومن خلال مكانة لبنان في أحلام الناس وأهله يترجم اشتياقه له.

يوضح زياد في سياق حديثه: «إنها بمثابة جردة حنين لوطن السلام، ومدى تأثرنا جميعاً برسالته هذه عبر الزمن. بلدي يعني لي الكثير، وارتأيت تكريمه في أغنية تترجم حبّي لصورة حفظتها عنه».

يطور نفسه بالغناء على الصعيدين الأجنبي والمحلي (زياد صليبا)

وكون زياد يتحدّر من عائلة فنية، تراوده دائماً فكرة الغناء بالعربية. «تأثرنا كثيراً أخي وسام وأنا، بفن والدي غسّان. صحيح أننا درسنا في الخارج، ولكننا تربينا على مسرح الرحابنة. والدي كان أحد أبطاله بشكل متكرر. وكذلك تربينا على الأغاني الوطنية المعروف بها، التي لا تزال تتردد من جيل إلى آخر. فهو برأيي يختلف عن غيره من الفنانين بأسلوب تفكيره وغنائه. ويتّسم بالتطور الدائم، إذ لا يتعب من البحث عن الأفضل. وبنظري هو فنان عالمي أفتخر بمسيرته وأعتزّ بها».

هناك جزء لا يتجزأ مني يسكنه الفن الغربي

زياد غسان صليبا

لطالما لاقى زياد التشجيع من قبل أفراد عائلته لغناء العربية. «الفكرة كانت تخطر على بالي دائماً. فأنا أنتمي لعائلة فنية لبنانية بامتياز. قررت أن أقوم بهذه التجربة فحزمت أمري وانطلقت».

لا فرق كبيراً بين تجربتيه في الغناء الغربي والعربي. يتابع: «بالنسبة للتلحين والتوزيع، لا يوجد فرق شاسع. (كان يا ما كان) يحضر فيها النفس الغربي، وهو ما اعتدت عليه في أعمالي السابقة. ولكن من ناحية الصوت اختلفت النبرة ولكنه لم يشكّل لي تحدّياً كبيراً». يتمتع زياد بخامة صوتية لافتة لم يستخدمها في الأغنية. ونسأله عن سبب عدم استعمال قدرات أكبر في صوته. يردّ: «عندما انتهيت من تسجيل الأغنية لاحظت هذا الأمر وأدركت أنه كان بوسعي القيام بذلك. أتوقع في أغاني العربية المقبلة أن أستخدم صوتي بدرجات أعلى. ولكنني أعتبر هذه التجربة بمثابة جس نبض سأكتشف من خلالها أموراً كثيرة».

يحضر لأغنية عربية جديدة حماسية أكثر بإيقاع مغاير عن أغنيته الأولى (زياد صليبا)

كان والده يطالبه دائماً بتقديم أغنية بالعربية. «إنه يكرر ذلك على مسمعي منذ نحو 10 سنوات. كنت متردداً، وأقاوم الفكرة لأنني مرتاح في الغناء بالأجنبية. وعندما أنجزتها فرحت بردّ فعل والدي كما أفراد عائلتي. كانت بمثابة مفاجأة لهم أثنوا على إنجازها. ولم يتوقعوا أن أقوم بهذه الخطوة رغم تشجيعهم لي».

لا يرغب زياد في التخلّي تماماً عن الأسلوب الغنائي الغربي. ويوضح لـ«الشرق الأوسط»: «هناك جزء لا يتجزأ مني يسكنه الفن الغربي وبما في ذلك الإنجليزية التي أتقنها لغة. أشعر أنني من خلالها أستطيع التعبير بصورة أفضل. ولكننا في النهاية لا نعرف الحياة إلى أين تؤدي بنا. وسأحاول العمل في المجالين، فأطور نفسي بالغناء على الصعيدين الأجنبي والمحلي».

يقول إن والده غسان صليبا عندما سمع الأغنية أعجب بها بسرعة. ويعلّق زياد: «أصررت على معرفة رأيه بالأغنية، فهو أمر يهمني كثيراً. ولأنه صاحب صوت عريض ويملك قدرات كبيرة في الأداء، كان يفضّل أن يتعرّف إلى مكامن صوتي بشكل أفضل. ولكنني أوضحت له أن نوع الأغنية يدور في فلك الحنان والشوق. وكان لا بد أن أغنيها بهذه الطريقة».

بلدي يعني لي الكثير وارتأيت تكريمه في أغنية تترجم حبّي لصورة حفظتها عنه

زياد غسان صليبا

يتمرّن زياد يومياً على الغناء، فيعزف البيانو أو الغيتار ليدرّب صوته ويصقله بالخبرة. «لقد اجتهدت كثيراً في هذا المجال، وحاولت اكتشاف قدرات صوتي بنفسي من خلال هذه التمارين. اليوم بتّ أدرك تماماً كيف أحسّنه وأطوره».

يشكّل الأخوان «زياد ووسام» ثنائياً ملتحماً فنياً وعملياً. يقول في هذا الموضوع: «لم نفترق يوماً. معاً درسنا في الخارج ورسمنا مشاريعنا وخططنا لها. وأستشيره باستمرار لأقف على رأيه، فهو أساسي بالنسبة لي».

إلى جانب الغناء والتلحين يتمتع زياد صليبا بموهبة التمثيل. سبق وشارك في أكثر من عمل درامي مثل «حبيبي اللدود» و«حادث قلب». «أحب التمثيل ومشواري فيه لا يزال في بداياته. الفن بشكل عام مهنة مضنية تتطلّب الكثير من التجارب كي نحرز النجاح فيها». وعما تعلّمه من والده بصفته فناناً، يردّ: «تعلمت منه الكثير. كنت أصغي إلى أغانيه باهتمام، وأتمعّن بقدراته الصوتية والتقنية التي يستخدمها. زوّدني والدي بصفاته الحسنة الكثيرة وبينها دفء مشاعره وطيبة قلبه وابتعاده عن القيل والقال. وأكثر ما تأثرت به هو شغفه بالفن. لم يحاول يوماً منعي وأخي من دخول هذا المجال. فهو على يقين بأن الشخص الشغوف بالفن لا يمكن لأحد أن يثنيه عنه».

يحضّر زياد لأغنية عربية جديدة تختلف عن «كان ياما كان». «ستكون حماسية أكثر بإيقاع مغاير عن أغنيتي الأولى. كما ألحن أغنية أجنبية لموهبة غنائية شابة تدعى أزميرالدا يونس، وأخرى لي».