هل يبني يونايتد على أدائه الجيد أمام ليفربول أم يعود للتخبط؟

اقترب مانشستر يونايتد كثيراً للغاية - بفاصل خمس دقائق - من تحقيق أفضل نتائجه منذ مباراته أمام باريس سان جيرمان الفرنسي في مارس (آذار). ولو أن مانشستر يونايتد فعل ذلك، كانت الإشادات ستنهال على مدربه النرويجي أولي غونار سولسكاير لعبقريته التكتيكية وجرأة التغييرات التي أجراها والتي أجبرت ليفربول على تقديم أسوأ أداء لهم خلال الموسم حتى الآن، إضافة إلى رؤيته التي نجحت في صياغة خطة محكمة استفادت من عناصر غير واعدة على الإطلاق. إلا أنه بطبيعة الحال تبقى الكلمة الأخيرة للنتيجة، ويترك التعادل مانشستر يونايتد فوق منطقة الهبوط بفارق نقطتين. ومثلما أشار سولسكاير الأسبوع الماضي فيما بدا أنه لحظة مصارحة ذاتية مؤلمة، فإن الأوضاع اليوم في مانشستر يونايتد تبدلت تماماً عما كانت عليه خلال تسعينات القرن الماضي.
وربما تشكل هذه النتيجة بداية انطلاقة جديدة للفريق. وربما كذلك جاء هذا الأداء ليذكر مانشستر يونايتد بما يمكنهم تحقيقه. في المقابل ربما ستزرع هذه المباراة الشكوك في صفوف ليفربول وتحدث بعض التوتر في مساعي النادي نحو اقتناص البطولة لأول مرة منذ 30 عاما. إلا أن الانطباع العام كان أن هدف التعادل المتأخر الذي سجله آدم لالانا بدل كل شيء. ومن المتوقع أن يخلق هذا الهدف في نفوس لاعبي ليفربول قناعة بأن بمقدورهم تغيير أي شيء، وأن باستطاعتهم تحقيق نتائج طيبة في لحظات يبدو كل شيء معانداً لهم. وفي الوقت نفسه ستؤكد النتيجة لمانشستر يونايتد (مجلس إدارة وجماهير ولاعبين) أن الجمود أصبح قدرهم الحالي.
حتى هوية صاحب هدف التعادل لليفربول بدت ذات دلالة معينة، آدم لالانا، لاعب طاردته لعنة الإصابات وسجل خلال المباراة أول هدف له منذ مايو (أيار) 2017، وفي بعض الأحيان، تتدخل يد القدر بوضوح لتفرض إرادتها عليك، فقد غاب محمد صلاح بسبب الإصابة، وتمكن مانشستر يونايتد من القضاء على خطر ساديو ماني وإبقاء روبرتو فيرمينو هادئاً ودفع ديفوك أوريجي للخروج. ومع هذا، انتهى الحال بمانشستر يونايتد إلى معاينة قصة عودة لاعب غائب إلى دائرة الضوء على حسابه. على النقيض، نجد أنه خلال التسعينات، كان مانشستر يونايتد الطرف الذي يفرض قصصه الأقرب إلى الخيال على أرض الملعب.
خلال المباراة، اتخذ سولسكاير كثيرا من الخطوات الصحيحة. مثلاً، سمح التحول إلى الاعتماد على ثلاثة لاعبين بخط الدفاع للاعبي الجناح - الظهير، آرون وان بيساكا وآشلي يونغ لدفع اللعب قدماً نحو الأمام لمسافة أبعد والتصدي لمدافه اجناب ليفربول ترنت ألكسندر أرنولد وآندي روبرتسون عند نقاط مبكرة. ويذكر أن هذين اللاعبين قد أسهما فيما بينهما في 23 هدفاً لليفربول الموسم الماضي، وأضافا هدفين آخرين لكل منهما هذا الموسم. إلا أنهما خلال هذه المباراة انتهى بهما الحال إلى إطلاق سلسلة من التمريرات من مراكز أعمق كان من السهل على دفاع يونايتد مواجهتها، خاصة عندما تعتمد على ثلاثة لاعبي قلب دفاع داخل منطقة الجزاء في الانتظار. وكانت النتيجة أن دقة التمريرات لدى لاعبي الظهير الكامل في ليفربول كانت 17.6 في المائة، بتراجع عن 27.6 في المائة خلال المباريات الثمانية الأولى لهم بالموسم.
ومع هذا لم يكن الحظ حليفا لسولسكاير خلال اللقاء، وذلك بعدما أطلق روبرتسون كرة من على الجناح الأيسر، في واحدة من المرات القليلة التي تمركز خلالها عند نقطة خطيرة على هذا الجانب.
أيضاً، بفضل الاستعانة بثلاثة لاعبين في خط الدفاع، تمكن سولسكاير من الدفع بلاعبين في مركز لاعب خط وسط «مساك» في العمق، في ذات المنطقة التي يحب فيرمينو الوجود بها. في الوقت ذاته، فإن هذا التكديس لخمسة لاعبين مدافعين في منطقة مركزية (نفس الهيكل الذي لم يحقق فعالية كبيرة لتشيلسي تحت قيادة المدرب الإيطالي أنطونيو كونتي)، كان من الصعب على لاعبي خط وسط ليفربول اختراقه، وهذا كان أحد أسباب تفوق يونايتد والصعوبة البالغة أمام لاعبي ليفربول لإتمام تمريراتهم. ومرة بعد أخرى، بدا أنهم يختارون الخيار الخطأ في لعب الكرات الطولية العالية، على الأقل بصورة جزئية، لأن الخيار المعتاد بالتمرير والانطلاق من الأجناب لم يكن متاحاً.
فيما يتعلق باللاعبين الثلاثة المتقدمين، عاد سولسكاير إلى الفكرة التي نفذها بنجاح أمام توتنهام هوتسبر على أرضه، الموسم الماضي، وذلك بفضل الدفع لاعبي قلب الهجوم، واضطلاع أندرياس بيريرا بدور صاحب رقم 9 المهاجم الخفي كصانع لعب.
وساعدت هذه الطريقة ماركوس راشفورد ودانييل جيمس في اللعب بطريقتهما المعتادة والعمل عبر مساحات واسعة، ولم يفلح ليفربول في قراءة هذا الموقف الذي سمح للمنافس استهداف المساحة القائمة وراء لاعبي الظهير الكامل المهاجمين(ألكسندر أرنولد وآندي روبرتسون)؛ حيث وجد الضيف أن أي مغامرة بالتقدم كانت ستتسبب في مخاطرة كبرى وسيزداد العبء على لاعبي قلب الدفاع وتتسع المساحة التي يغطيانها على نحو مفرط.
وخلق هذا الأمر بدوره ضغوطاً هائلة على لاعب الوسط فابينيو كي يتمركز في العمق ويعود ليغطي بيريرا الذي كان بدوره يبحث عن استغلال أي فجوة قد تظهر بين قلبي دفاع ليفربول فيرجيل فان دايك وجويل ماتيب، وفي عدد من المواقف خلال الشوط الأول، أوشك اللاعب على فعل ذلك. بوجه عام، قدم بيريرا مباراة ممتازة، لكن لو كانت لمسته النهائية أفضل في بعض المواقف المحورية، ربما كان مانشستر يونايتد خرج بنتيجة أفضل وأصبح في وضع أفضل بالجدول.
في هذا الصدد، يستحق الألماني يورغن كلوب الإشادة لتصديه لهذه الخطة في النصف الساعة الأخير عبر التحول إلى أسلوب لعب 4 - 2 - 3 – 1، وبعد ذلك 4 - 4 - 2 التي كان من شأنها دفع جورجينيو فينالدوم إلى مركز أعمق ومحاولة التغلب عددياً في قلب وسط الملعب.
إلا أنه من أجل إنجاز ذلك، اضطر إلى سحب اثنين من لاعبي قلب الهجوم إلى مسافة أضيق، وحرر لاعبي الظهير بالكامل، الأمر الذي أسهم نهاية الأمر في تحقيق هدف التعادل.
ورغم كل الإبداع الذي أظهره سولسكاير، تقوضت جهوده بسبب حقيقة بسيطة مفادها أنه لا يملك بدلاء جيدين، والمنافس ليفربول يمتلك لاعبين أفضل. وربما نسي الكثيرون أنه خلال الفترة الأولى من توليه مهمة تدريب مانشستر يونايتد، عندما فاز أمام توتنهام هوتسبر على أرض استاد ويمبلي وفي باريس على سان جيرمان على وجه الخصوص، بدا أن سولسكاير جدير بالفعل بالتقدير الرفيع الذي أبداه أليكس فيرغسون لقدراته التكتيكية. أما إذا ما كان المدرب النرويجي يملك الدافع والكاريزما والقدرة التنظيمية اللازمة للإشراف على إعادة بناء الفريق، فمسألة مختلفة.
وربما كانت الملحوظة الأهم في المباراة أنه حتى وإن تمكن مانشستر يونايتد من التشبث بالفوز، فإنه كان سيحقق ذلك بالاعتماد على ثاني أقل نسبة استحواذ على الكرة سجلها الفريق في تاريخه على أرض أولد ترافورد، إنها أرقام توضح بالفعل أن عهد التسعينات ولى ومضى.