لاعبو المنتخب الإنجليزي أصبحوا قدوة في محاربة العنصرية

أعلوا من شأن القيم التي يستنكف السياسيون التصدي لها

لاعبو منتخب إنجلترا ومدربهم ساوثغيت نجحوا في فرض كلمتهم أمام العنصريين (رويترز)
لاعبو منتخب إنجلترا ومدربهم ساوثغيت نجحوا في فرض كلمتهم أمام العنصريين (رويترز)
TT

لاعبو المنتخب الإنجليزي أصبحوا قدوة في محاربة العنصرية

لاعبو منتخب إنجلترا ومدربهم ساوثغيت نجحوا في فرض كلمتهم أمام العنصريين (رويترز)
لاعبو منتخب إنجلترا ومدربهم ساوثغيت نجحوا في فرض كلمتهم أمام العنصريين (رويترز)

إذا كانت لديك الرغبة في تنمية شعور إيجابي ومتفائل بداخلك تجاه بريطانيا في الوقت الحالي، أو على الأقل إنجلترا، أين يمكنك البحث؟ بالتأكيد ليس داخل البرلمان الذي يمر بالمراحل الأخيرة من رحلة سقوطه إلى حالة أقرب إلى الفوضى، ولا المساحات الخضراء حول قصر ويستمنستر التي بدأت تتحول تدريجياً لمساحة من الطمي بسبب المظاهرات التي لا تتوقف. كما أن التحول بناظريك نحو رئيس الوزراء لن يجدي نفعاً، فهو رجل مثير للجدل ومشاكله يوميه مع خصومه السياسيين.
وإذا كانت سمعة إنجلترا كأمة جادة ذات فكر براغماتي باتت محل شك الكثيرين حول العالم، وأصبح من الصعب التشبث بالشعور السابق عن أن الإنجليز كشعب متعقل وراجح الفكر ولا وقت لديه للهراء، خاصة في أعقاب الفوضى السياسية التي تضرب البلاد منذ ثلاث سنوات ونصف إلى الآن.
وعليه، يتبقى أمامنا مكان واحد فقط كي نتطلع نحوه وأظهر الأسبوع الماضي مؤشرات على الجدية والاحترافية التي كان الإنجليز يشتهرون بها ذات يوم: في أحد استادات صوفيا وقف لاعبو المنتخب الإنجليزي العشرون ومدربهم صفاً واحداً تحت الأضواء الكاشفة في مواجهة عنصرية مشجعي المنتخب البلغاري وبما وصفه المدير الفني غاريث ساوثغيت بأنه «وضع يستحيل التعايش معه».
إذا ما كنت ترغب في القيادة، كانت متاحة بوفرة هناك، ليس فقط في التفكير الهادئ الذي أبداه ساوثغيت، وإنما كذلك في تصرفات تايرون مينغز، اللاعب البالغ 26 عاماً الذي جاءت أول مشاركة له مع المنتخب الإنجليزي في ليلة تعرض وأقرانه بالفريق لسيل من الإساءات العنصرية.
وصدرت تلك الإساءات عن قطاع من الجماهير البلغارية التي احتشدت معاً ـ واتشح كثيرون منهم بالسواد وغطوا وجوههم بصورة جزئية ـ وأطلقوا صيحات تشبه أصوات القرود ورفعوا أيديهم بتحية النازية. ورغم الكآبة التي خلقتها هذه الأفعال، ورغم وقف المباراة مرتين خلال الشوط الأول للمباراة، مضى مينغز وأقرانه قدماً وهزموا بلغاريا بنتيجة 6 - 0 واجتازوا المستحيل تلك الليلة.
وتعكس مسألة أن المنتخب الإنجليزي يمثل اليوم أفضل ما بالبلاد، ليس فقط إلى أي مدى ارتقى مستوى الفريق تحت قيادة ساوثغيت، وإنما كذلك إلى أي مدى هبطت إنجلترا التي يمثلونها. على مدار عقود، جرى النظر إلى إنجلترا كأمة متناغمة وجديرة بالثقة لديها منتخب غير متناغم ولا يعول عليه. الآن، أصبح العكس صحيحاً.
وكتب الكثير من المعلقين حول كيف أن لاعبي إنجلترا أظهروا «عزة نفس»، ولعبوا عبر أجواء عصيبة و«تركوا مهمة الرد لأقدامهم». ومع هذا، فإنه ليست مهمة لاعبي إنجلترا أن يقودوا الأمة من خلال تقديم النموذج والقدوة في مواجهة الإساءات العنصرية. في الواقع، تقع مهمة محو العنصرية من الساحة الأوروبية لكرة القدم على عاتق «اليويفا»، مؤسسة مرت بليلة مريرة مثلما كان الحال مع اتحاد كرة القدم البلغاري.
لقد كشفت الأحداث التي وقعت في صوفيا أن البروتوكول الذي أقرته «يويفا» للتعامل مع الإساءات العنصرية الصادرة عن الجماهير والمؤلف من ثلاث خطوات، يحمل عيوباً عميقة رغم التزام لاعبي ومسؤولي البعثة الإنجليزية به. تبعاً لهذا البروتوكول، تتمثل الخطوة الأولى في إبلاغ الفريق الذي يتعرض لإساءات لفظية، الحكم بهذا الأمر، والذي يتولى بعد ذلك اتخاذ الإجراءات اللازمة كي يصدر القائمون على الاستاد إعلاناً يطالب الجماهير بالتوقف عن ترديد الهتافات المسيئة.
من جانبه، سلط الطبيب النفسي المعني بالمجال الرياضي دكتور بيتر أولوسوغا الضوء على افتقار هذا الجزء من البروتوكول إلى المنطقية واتسامه بقدر متعمد من السذاجة، وتساءل ما إذا كان «توجيه طلب بصيغة مهذبة إلى مجموعة من الأوغاد العنصريين كي يتوقفوا عن التصرف بعنصرية، إذا سمحوا بالطبع»، توجهاً معيباً في جوهره. وقال: «تخيل أن تكون في أي وظيفة أخرى وتجد من يقول لك: حسناً، أعرف أن عنصريين يصرخون بوجهك بينما تحاول الاضطلاع بعملك، لكن هل يمكنك المضي قدماً في عملك فحسب؟»
ومع هذا، تبقى الهتافات العنصرية التي ترددت أصداؤها بأرجاء الملعب مجرد جزء من القصة. لقد شهدنا تلك الليلة أيضاً عنصرية هيكلية، بمعنى أنماط من التحامل التي يجري في إطارها إخبار أصحاب البشرة الداكنة أن ما يعايشونه من تجارب عنصرية ليس سوى تفسيرات أو آراء. في مقابلة تلفزيونية جرت معه، قال مينغز إن الهتافات العنصرية بدأت خلال فترة الإحماء قبل انطلاق المباراة. ومع ذلك، نجد أنه حتى بعد نهاية المباراة، ادعى مدرب المنتخب البلغاري، كراسيمير بالاكوف، أنه «لم يسمع شيئاً». الأسوأ عن ذلك أنه طالب قبل اتخاذ أي إجراء ضد العنصرية التي تعرض لها لاعبو المنتخب الإنجليزي، «إثبات صحة حدوث ذلك».
في موقفه هذا، لم يكن بالاكوف مخادعاً فحسب، وإنما حاول عمداً دفع لاعبي المنتخب الإنجليزي أصحاب البشرة الداكنة نحو موقف الدفاع عن النفس عبر التشكيك في صدقهم ومهنيتهم، والدفاع عما يتعذر الدفاع عنه والتقليل من أهمية ما حدث والمعاونة في جر كرة القدم نحو حقبة ما بعد الصدق.
ويمكن النظر إلى استقالة بالاكوف، التي أعقبت استقالة رئيس اتحاد الكرة البلغاري، بوريسلاف ميخالوف، باعتبارها مؤشرات على أن أحداث الأسبوع الماضي دفعت البلغاريين أخيراً نحو التحرك. ومع ذلك، فإن ما حدث خلال هذه المباراة كان متوقعاً على نطاق واسع. لقد جرى ترديد هتافات عنصرية ضد لاعبي المنتخب الإنجليزي على أرض الاستاد ذاته منذ ثمانية أعوام خلال مباراة تأهل لبطولة أمم أوروبا، وأي كيان رياضي جاد في رغبته في مكافحة العنصرية كان ليتخذ إجراءات في هذا الطريق قبل المباراة، وليس بعدها.
من ناحية أخرى، أطل رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، عبر «تويتر» ليندد بما وصفه بـ«عنصرية مقيتة شهدناها وسمعناها الليلة الماضية»، مؤكداً أنه «لا مكان لها في كرة القدم أو أي مكان آخر». إلا أن هذا الدعم يصدر عن رئيس وزراء سبق وأن أساء عام 2002 في وقت كان الكثير من لاعبي المنتخب الإنجليزي ما زالوا أطفالاً، إلى الأطفال أصحاب البشرة السمراء باستخدام وصف عنصري.
وتجلى التناقض بين القيادة التي أظهرها المنتخب الإنجليزي وغياب القيادة في المشهد السياسي خلال المؤتمر الصحافي بعد المباراة. هناك، كان بمقدور مدرب إنجلترا اختيار الطريق السهل ـ التنديد بالجماهير البلغارية والتفاخر بالفوز الذي تحقق في أحلك الظروف. بدلاً عن ذلك، أظهر ساوثغيت للجميع ما ينبغي أن يكون عليه القائد الحقيقي، فقد عمد إلى تحويل الانتباه بعيداً عنه وعن لاعبيه (مثلما يفعل دوماً)، وسلك الطريق الأصعب بتوجيهه الدعوة إلى الكرة الإنجليزية لأن تمعن النظر لنفسها في المرآة. وقال: «للأسف، بسبب التجارب التي خاضها لاعبو فريقي في بلادنا، أصبحوا أشداء في مواجهة العنصرية. لا أدري ما الذي يكشفه هذا عن مجتمعنا، لكن هذه هي الحقيقة».



مصر: قرارات «ضبط أداء الإعلام الرياضي» تثير تبايناً «سوشيالياً»

أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)
أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)
TT

مصر: قرارات «ضبط أداء الإعلام الرياضي» تثير تبايناً «سوشيالياً»

أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)
أحد تدريبات منتخب مصر لكرة القدم (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)

أثارت قرارات المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر لـ«ضبط أداء الإعلام الرياضي» تبايناً على «السوشيال ميديا»، الجمعة.

واعتمد «الأعلى لتنظيم الإعلام»، برئاسة خالد عبد العزيز، الخميس، توصيات «لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي»، التي تضمّنت «تحديد مدة البرنامج الرياضي الحواري بما لا يزيد على 90 دقيقة، وقصر مدة الاستوديو التحليلي للمباريات، محلية أو دولية، بما لا يزيد على ساعة، تتوزع قبل وبعد المباراة».

كما أوصت «اللجنة» بإلغاء فقرة تحليل الأداء التحكيمي بجميع أسمائها، سواء داخل البرامج الحوارية أو التحليلية أو أي برامج أخرى، التي تُعرض على جميع الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمواقع الإلكترونية والتطبيقات والمنصات الإلكترونية. فضلاً عن «عدم جواز البث المباشر للبرامج الرياضية بعد الساعة الثانية عشرة ليلًا (منتصف الليل) وحتى السادسة من صباح اليوم التالي، ولا يُبث بعد هذا التوقيت إلا البرامج المعادة». (ويستثنى من ذلك المباريات الخارجية مع مراعاة فروق التوقيت).

وهي القرارات التي تفاعل معها جمهور الكرة بشكل خاص، وروّاد «السوشيال ميديا» بشكل عام، وتبعاً لها تصدرت «هاشتاغات» عدة قائمة «التريند» خلال الساعات الماضية، الجمعة، أبرزها «#البرامج_الرياضية»، «#المجلس_الأعلى»، «#إلغاء_الفقرة_التحكيمية»، «#لتنظيم_الإعلام».

مدرجات استاد القاهرة الدولي (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)

وتنوعت التفاعلات على تلك «الهاشتاغات» ما بين مؤيد ومعارض للقرارات، وعكست عشرات التغريدات المتفاعلة هذا التباين. وبينما أيّد مغرّدون القرارات كونها «تضبط الخطاب الإعلامي الرياضي، وتضمن الالتزام بالمعايير المهنية»، قال البعض إن القرارات «كانت أُمنية لهم بسبب إثارة بعض البرامج للتعصب».

عبّر روّاد آخرون عن عدم ترحيبهم بما صدر عن «الأعلى لتنظيم الإعلام»، واصفين القرارات بـ«الخاطئة»، لافتين إلى أنها «حجر على الإعلام». كما انتقد البعض اهتمام القرارات بالمسألة الشكلية والزمنية للبرامج، ولم يتطرق إلى المحتوى الذي تقدمه.

وعن حالة التباين على مواقع التواصل الاجتماعي، قال الناقد الرياضي المصري محمد البرمي، لـ«الشرق الأوسط»، إنها «تعكس الاختلاف حول جدوى القرارات المتخذة في (ضبط المحتوى) للبرامج الرياضية، فالفريق المؤيد للقرارات يأتي موقفه رد فعل لما يلقونه من تجاوزات لبعض هذه البرامج، التي تكون أحياناً مفتعلة، بحثاً عن (التريند)، ولما يترتب عليها من إذكاء حالة التعصب الكروي بين الأندية».

وأضاف البرمي أن الفريق الآخر المعارض ينظر للقرارات نظرة إعلامية؛ حيث يرى أن تنظيم الإعلام الرياضي في مصر «يتطلب رؤية شاملة تتجاوز مجرد تحديد الشكل والقوالب»، ويرى أن «(الضبط) يكمن في التمييز بين المحتوى الجيد والسيئ».

مباراة مصر وبوتسوانا في تصفيات كأس الأمم الأفريقية 2025 (الصفحة الرسمية للاتحاد المصري لكرة القدم)

وكان «الأعلى لتنظيم الإعلام» قد أشار، في بيانه أيضاً، إلى أن هذه القرارات جاءت عقب اجتماع «المجلس» لتنظيم الشأن الإعلامي في ضوء الظروف الحالية، وما يجب أن يكون عليه الخطاب الإعلامي، الذي يتعين أن يُظهر المبادئ والقيم الوطنية والأخلاقية، وترسيخ وحدة النسيج الوطني، وإعلاء شأن المواطنة مع ضمان حرية الرأي والتعبير، بما يتوافق مع المبادئ الوطنية والاجتماعية، والتذكير بحرص المجلس على متابعة الشأن الإعلامي، مع رصد ما قد يجري من تجاوزات بشكل يومي.

بعيداً عن الترحيب والرفض، لفت طرف ثالث من المغردين نظر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام إلى بعض الأمور، منها أن «مواقع الإنترنت وقنوات (اليوتيوب) و(التيك توك) مؤثرة بشكل أكبر الآن».

وحسب رأي البرمي، فإن «الأداء الإعلامي لا ينضبط بمجرد تحديد مدة وموعد وشكل الظهور»، لافتاً إلى أن «ضبط المحتوى الإعلامي يكمن في اختيار الضيوف والمتحدثين بعناية، وضمان كفاءتهم وموضوعيتهم، ووضع كود مهني واضح يمكن من خلاله محاسبة الإعلاميين على ما يقدمونه، بما يمنع التعصب».