قمة «روسيا ـ أفريقيا» تطلق مرحلة جديدة من «الشراكة التاريخية»

بوتين أكّد سعي بلاده لتعزيز وجودها في القارة السمراء

بوتين لدى افتتاح المنتدى الاقتصادي الروسي - الأفريقي في سوتشي أمس (إ.ب.أ)
بوتين لدى افتتاح المنتدى الاقتصادي الروسي - الأفريقي في سوتشي أمس (إ.ب.أ)
TT

قمة «روسيا ـ أفريقيا» تطلق مرحلة جديدة من «الشراكة التاريخية»

بوتين لدى افتتاح المنتدى الاقتصادي الروسي - الأفريقي في سوتشي أمس (إ.ب.أ)
بوتين لدى افتتاح المنتدى الاقتصادي الروسي - الأفريقي في سوتشي أمس (إ.ب.أ)

انطلقت، أمس، في منتجع سوتشي الروسي على البحر الأسود، أعمال القمة الروسية - الأفريقية، وهي الأولى في تاريخ العلاقات بين روسيا والقارة السمراء، وسط حضور واسع لزعماء وممثلين من 54 بلداً أفريقياً، بينهم أكثر من 40 رئيساً، فضلاً عن مشاركة المنظمات الإقليمية الأفريقية في أعمال القمة. وشارك في القمة قادة «الاتحاد الأفريقي»، و«مجموعة شرق أفريقيا»، و«المجموعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا»، و«اتحاد المغرب العربي»، الأمر الذي يجعل اللقاء في سوتشي أول حدث على مثل هذا المستوى في تاريخ العلاقات الروسية - الأفريقية.
وعكس مستوى التمثيل واتساع الحضور الأفريقي درجة الاهتمام بالقمة التي تزامنت مع انطلاق أعمال «المنتدى الاقتصادي الروسي - الأفريقي»، بحضور أكثر من 10 آلاف شخص يمثلون قطاعات الأعمال والصناعة والشركات الكبرى في روسيا وبلدان القارة.
وافتتح الرئيسان؛ الروسي فلاديمير بوتين، والمصري عبد الفتاح السيسي بصفته رئيساً للاتحاد الأفريقي، أعمال المنتدى، أمس، بينما يُنتظر أن تنعقد اليوم الجلسة الأساسية للقمة، بعدما أجرى بوتين لقاءات ثنائية أمس، مع غالبية الرؤساء الزائرين.
وأشاد بوتين في كلمته الافتتاحية بالعلاقات الروسية - الأفريقية، مشدداً على أن روسيا «مصممة على تعزيز وجودها في القارة». وذكر أن العلاقات تتّخذ طابعاً «تاريخياً»، في إشارة إلى علاقات راسخة جمعت كثيراً من بلدان القارة مع الاتحاد السوفياتي في السابق. لكن لفت إلى الرغبة الروسية في الانطلاق من العلاقات التقليدية الواسعة، لفتح آفاق جديدة للتعاون تقوم على تلبية مصالح الطرفين. وتحدّث عن أهمية تعزيز التعاون في مجالات مختلفة، بينها تسوية الأزمات في القارة ومساعدتها على مواجهة مظاهر التطرف والإرهاب، في إشارة إلى التعاون الأمني الواسع القائم مع عدد من بلدان القارة حالياً. كما أشار إلى خطط لتوسيع حجم التبادل التجاري الذي تصل قيمته الإجمالية حالياً إلى نحو 20 مليار دولار، وقال إن مصر تستحوذ على الحصة الأكبر منها التي تبلغ نحو 40 في المائة، لكنه شدد على تطلع بلاده إلى مضاعفة هذه النسب خلال السنوات الخمس المقبلة.
وزاد أن «صادرات روسيا الزراعية حالياً تجاوزت صادرات الأسلحة والمعدات العسكرية».
وذكر الرئيس الروسي أن موسكو قامت بشطب ديون بقيمة 20 مليار دولار كانت مُستحَقة على الدول الأفريقية لصالح روسيا، في خطوة تهدف لتخفيف أعباء الديون على كاهل هذه الدول، مشيراً إلى أهمية تعزيز الوجود الروسي في «قارة واعدة»، مشيراً إلى أن حجم الاقتصاد الأفريقي سيصل إلى 9 تريليونات دولار بحلول 2050.
وأكّد الرئيس بوتين أن روسيا تعمل على تقديم قروض استثمارية ستسهم في تعزيز الاقتصادات الوطنية للدول الأفريقية، مضيفاً أن «الملفات الاقتصادية تشكّل أولوية بالنسبة لعلاقاتنا، ونهدف لتحسين مستوى حياة المواطنين».
من جهته، اعتبر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أن أفريقيا مقبلة على مرحلة ستشهد تطوراً اقتصادياً لتصبح مقصداً مهمّاً للشركاء الدوليين، مؤكّداً أن القاهرة تضع موضوع تحديث البنى التحتية في طليعة العمل الأفريقي المشترك.
ودعا السيسي المؤسسات الروسية والدولية إلى المشاركة في المنتدى الاقتصادي، للاستثمار في أفريقيا والعمل على تعزيز التنمية الاقتصادية، بما يحقق لشعوب القارة أحلامها في التنمية. وأشار إلى أن التعاون مع الدول الأفريقية يجب أن يستند على أسس المصلحة المشتركة.
ورغم أن التركيز خلال الجلسة الافتتاحية انصبّ على الأبعاد الاقتصادية لارتباط الجلسة بإطلاق عمل «المنتدى الاقتصادي»، لكن اللقاءات الثنائية ركزت على تعزيز التعاون في المجالات السياسية والعسكرية والأمنية، وملفات التعليم والبحث العلمي ومجالات الطاقة التقليدية والاستخدام السلمي للطاقة النووية، وهي ملفات شكلت، خلال نهار أمس، محاور لورشات عمل واسعة تناولت أبعاد العلاقة الروسية - الأفريقية من كل جوانبها، وآفاق تطويرها خلال السنوات المقبلة.
كما جرى خلال اللقاءات «تبادل مُعمّق للآراء بشأن وضع إجراءات متفق عليها في مجال مواجهة الإرهاب والجريمة العابرة للقارات، والتحديات، والمخاطر الأخرى التي تهدّد الأمن الإقليمي والعالمي»، وفقاً لبيان أعده منظمو الملتقى.
وينتظر أن يصدر إعلان ختامي حول نتائج القمة والمنتدى الاقتصادي، في ختام أعمالهما اليوم. وأعلن مساعد الرئيس الروسي لشؤون السياسة الخارجية، يوري أوشاكوف، أنه سيتم خلال قمة «روسيا - أفريقيا» توقيع حزمة كبيرة من الوثائق، بينها عدد من الاتفاقات التجارية، ومذكّرات تعاون في المجالات المختلفة.
وكان لافتاً أنّ موسكو نظّمت استقبالاً خاصاً للزائرين، من خلال إقامة معرض واسع أمام المجمع الذي ضم الفعاليات اشتمل على آليات عسكرية ثقيلة ومقاتلة من طراز «ميغ» التي تُعد الأوسع مبيعاً في القارة الأفريقية، وتقنيات أخرى حربية ومدنية، كما نشرت مكونات لصواريخ «إس - 400» التي تعمل روسيا بنشاط على ترويجها في أسواق الشرق الأوسط والقارة الأفريقية.
ولم يُخفِ مسؤولون روس أن موسكو تتطلّع إلى ترسيخ أقدامها في القارة الأفريقية، كمُصدّر رئيسي للأسلحة والمعدات القتالية والتقنيات الثقيلة الأخرى، مثل سكك وعربات القطارات والحافلات والآليات الأخرى الموجّهة للاستخدام المدني التي تم عرض نماذج منها أيضاً.
وأعلن المدير العام لشركة «ميغ» الروسية، إيليا تاراسينكو، أن بلاده تتطلّع إلى مواصلة «تاريخ حافل من التعاون»، مشيراً إلى أن أكثر من ألفي مقاتلة من طراز «ميغ» تم تصديرها إلى دول أفريقية خلال 50 عاماً. وزاد أنها «من الأجيال الثاني والثالث والرابع، وكلها كانت قد اكتسبت خبرة قتالية خلال النزاعات العسكرية المحلية في القارة». واللافت أن موسكو وضعت في المعرض مقاتلة «ميغ 35»، التي تُعد الأحدث بين طرازات هذه المقاتلات.
كما أعلنت شركة «ألماز - آنتاي» الروسية أنها شاركت في المعرض بتقديم نموذج لنظام الصواريخ «إس 400». وقال نائب المدير العام للشركة، فياتشيسلاف دزيركالن، إنه «من خلال المشاركة في القمة الروسية - الأفريقية، تتوقع الشركة توسيع دائرة العملاء المحتملين لمنتجاتنا بين دول القارة الأفريقية».
ووفقاً للخدمة الصحافية للشركة، سيكون المشاركون في القمة قادرين على التعرف على المنتجات العسكرية. وفضلاً عن أنظمة الصواريخ المضادة للطائرات من طراز «إس - 400»، تم عرض نظامي «أنتيي - 2500»، و«بوك» وهي صواريخ متوسطة المدى، كما نشرت موسكو في المعرض أنظمة رادارات مختلفة لمراقبة المجال الجوي.
وعكس هذا الحرص على عرض القدرات العسكرية التذكير بتاريخ حافل من التعاون في هذا المجال، وفتح أسواق جديدة أمام المنتجات الروسية. لكنه ذكّر في الوقت ذاته، بمساعٍ روسية نشطة للعب أدوار أوسع في الملفات الساخنة في القارة الأفريقية، خلال السنوات الأخيرة. وكانت موسكو دحضت معطيات غربية عن إرسال قوات من وحدات خاصة إلى عدد من بلدان القارة التي تشهد نزاعات عسكرية، لكن الإعلان عن مقتل عدد من عناصر هذه القوات في الكونغو وأفريقيا الوسطى، وأخيراً في لبيبا، دلّ على مدى اتساع الوجود العسكري الروسي غير المباشر في بلدان القارة. وتخوض موسكو منذ سنوات، وفقاً لمعطيات وسائل إعلام، منافسة واسعة مع بلدان الغربية لتعزيز وجودها في القارة الأفريقية.



إردوغان يتحدث عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

TT

إردوغان يتحدث عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)

أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أنّ الصومال وإثيوبيا توصلتا، أمس الأربعاء، في ختام مفاوضات جرت بوساطته في أنقرة إلى اتفاق "تاريخي" ينهي التوترات بين البلدين الجارين في القرن الأفريقي.

وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة، قال إردوغان إنّه يأمل أن يكون هذا "الاتفاق التاريخي الخطوة الأولى نحو بداية جديدة مبنية على السلام والتعاون" بين مقديشو وأديس أبابا.

وبحسب نص الاتفاق الذي نشرته تركيا، فقد اتّفق الطرفان على "التخلّي عن الخلافات في الرأي والقضايا الخلافية، والتقدّم بحزم في التعاون نحو رخاء مشترك". واتّفق البلدان أيضا، وفقا للنص، على العمل باتجاه إقرار ابرام اتفاقيات تجارية وثنائية من شأنها أن تضمن لإثيوبيا وصولا إلى البحر "موثوقا به وآمنا ومستداما (...) تحت السلطة السيادية لجمهورية الصومال الفدرالية". وتحقيقا لهذه الغاية، سيبدأ البلدان قبل نهاية فبراير (شباط) محادثات فنية تستغرق على الأكثر أربعة أشهر، بهدف حلّ الخلافات بينهما "من خلال الحوار، وإذا لزم الأمر بدعم من تركيا".

وتوجّه الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي إلى أنقرة الأربعاء لعقد جولة جديدة من المفاوضات نظمتها تركيا، بعد محاولتين أوليين لم تسفرا عن تقدم ملحوظ. وخلال المناقشات السابقة التي جرت في يونيو (حزيران) وأغسطس (آب) في أنقرة، أجرى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان زيارات مكوكية بين نظيريه، من دون أن يتحدثا بشكل مباشر. وتوسّطت تركيا في هذه القضية بهدف حل الخلاف القائم بين إثيوبيا والصومال بطريقة تضمن لأديس أبابا وصولا إلى المياه الدولية عبر الصومال، لكن من دون المساس بسيادة مقديشو.

وأعرب إردوغان عن قناعته بأنّ الاتفاق الذي تم التوصل إليه الأربعاء، بعد ثماني ساعات من المفاوضات، سيضمن وصول إثيوبيا إلى البحر. وقال "أعتقد أنّه من خلال الاجتماع الذي عقدناه اليوم (...) سيقدّم أخي شيخ محمود الدعم اللازم للوصول إلى البحر" لإثيوبيا.

من جهته، قال رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه "لقد قمنا بتسوية سوء التفاهم الذي حدث في العام الماضي... إثيوبيا تريد وصولا آمنا وموثوقا به إلى البحر. هذا الأمر سيفيد جيراننا بنفس القدر". وأضاف أنّ المفاوضات التي أجراها مع الرئيس الصومالي يمكن أن تسمح للبلدين "بأن يدخلا العام الجديد بروح من التعاون والصداقة والرغبة في العمل معا".

بدوره، قال الرئيس الصومالي، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه إنّ اتفاق أنقرة "وضع حدا للخلاف" بين مقديشو وأديس أبابا، مشدّدا على أنّ بلاده "مستعدّة للعمل مع السلطات الإثيوبية والشعب الإثيوبي". وإثيوبيا هي أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان لا منفذ بحريا له وذلك منذ انفصلت عنها إريتريا في 1991.