واشنطن تحذّر الحركات المسلحة «المخربة» في السودان

بعد أن أثنت على التقدم الذي تحقق في المفاوضات

TT

واشنطن تحذّر الحركات المسلحة «المخربة» في السودان

حذرت وزارة الخارجية الأميركية من «المخربين الذين يرفضون المفاوضات في هذه الفرصة النادرة»، فيما تأجلت حتى الشهر القادم المفاوضات بين حكومة السودان والحركات المسلحة، وأيضاً بعد أن انسحبت من المفاوضات «الجبهة الثورية» ثم عادت إليه، وتعارض حركة عبد الواحد نور مبدأ التفاوض أصلاً. وقالت الخارجية الأميركية في بيان صدر مساء أول من أمس، باسم مجموعة «أصدقاء السودان» التي تترأسها واشنطن: «رحب أصدقاء السودان بالتقدم في مفاوضات السلام بين الحكومة الانتقالية وجماعات المعارضة المسلحة السودانية، وشجعوا جميع الأطراف على المشاركة بحسن نية باعتبار أن السلام كان أحد الأهداف الرئيسية للثورة الشعبية».
وأضاف البيان الأميركي قوله: «وافق أصدقاء السودان على إجراء مزيد من مفاوضات السلام، مفضلين أن تكون في صيغة سودانية - سودانية، ربما تستضيفها الخرطوم. وحذر أصدقاء السودان من المخربين الذين يرفضون المشاركة في هذه الفرصة النادرة لمعالجة الأسباب الجذرية للنزاعات الداخلية في السودان». وكان وكيل وزارة الخارجية الأميركية، ديفيد هيل، قد ألقى كلمة ختامية في نهاية جلسات «أصدقاء السودان» في واشنطن، فيما كان مساعد وزير الخارجية للشؤون الأفريقية، تيبور ناجي، قد ترأس بعض هذه الجلسات، التي شارك فيها وزير المالية السوداني، إبراهيم البدوي، وممثلون من مصر، وفرنسا، وألمانيا، والسعودية، والنرويج، وقطر، والإمارات العربية المتحدة، وبريطانيا، والاتحاد الأفريقي، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، وبنك التنمية الأفريقي، وصندوق النقد العالمي، والبنك الدولي.
وشارك أيضاً بصفة مراقب كل من فنلندا، وإيطاليا، والسويد، فيما ركزت المناقشات على فرص «دعم المجتمع الدولي لجهود الإصلاح الاقتصادي للحكومة الانتقالية في السودان التي يقودها مدنيون». وأضاف البيان الختامي «عبر أصدقاء السودان عن دعمهم القوي للحكومة الانتقالية التي يقودها مدنيون، ورحبوا بعرض وزير المالية السوداني، إبراهيم البدوي، حول خطة الحكومة لإصلاح الاقتصاد السوداني ومعالجة تطلعات الشعب الذي أطاحت ثورته الشعبية بنظام عمر البشير في أبريل (نيسان)».
ووصف البيان الخطة بأنها «ذات مسارين، وتسعى إلى حشد الموارد المحلية والدولية لتحقيق التحسينات السريعة في الخدمات الاجتماعية، ولتخفيض بطالة الشباب، مع متابعة الإصلاحات الاقتصادية، وبناء الأساس للتنمية الطويلة الأجل». كما تعهد المشتركون بدعم «مشاريع الأثر السريع المقترحة، ومراجعة الإصلاحات المحتملة منتصفة الأجل، وطويلة الأجل، التي يمكن لأصدقاء السودان دعمها». وفي نفس الوقت، أكد المشتركون «الحاجة إلى التواصل الاستراتيجي، حيث يتم إطلاع الشعب السوداني بشكل كامل على ما تعمله حكومته».
واتفق المشتركون على أن «الصندوق الائتماني متعدد المانحين» قد يكون آلية مناسبة لدعم برنامج الإصلاح الاقتصادي في السودان. وخاصة «برامج فعالة لشبكة الأمان الاجتماعي لتخفيف تأثير إصلاحات الاقتصاد الكلي على السودانيين الذين يعانون الفقر المدقع».
وقال البيان: «سيكون تخليص المتأخرات في المؤسسات المالية الدولية، وتخفيف عبء الديون، والحصول على تمويل بشروط ميسرة، من العوامل الأساسية في النمو الاقتصادي المطرد في السودان». وفي سبيل ذلك، ناقش المشتركون عقد مؤتمر للمانحين في أوائل عام 2020.
وبالنسبة لوضع السودان في قائمة دول الإرهاب، قال البيان: «أثار عدد من الشركاء تأثير ذلك على تصفية المتأخرات في المؤسسات المالية الدولية، والحصول على تمويل بشروط ميسرة، والاستثمار الدولي، فيما أوضحت الولايات المتحدة أنها بدأت اتصالات مع حكومة السودان حول متطلبات لتوقع إنهاء وضع السودان في قائمة الدول المؤيدة للإرهاب». وقال البيان إن اجتماع «أصدقاء السودان» القادم سيعقد في الخرطوم وستشترك النرويج في استضافته. ونقلت وكالة «رويترز» أمس تصريحات البدوي الذي كان يتحدث في لقاء استضافه مركز «أتلانتيك» في واشنطن، بأن حذف اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب صار «مجرد مسألة وقت».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.