محاولات لتنظيم الحراك اللبناني

«هيئة تنسيق الثورة» تطالب بتشكيل حكومة إنقاذ وانتخابات مبكرة

متظاهرون شمال بيروت أمس (إ.ب.أ)
متظاهرون شمال بيروت أمس (إ.ب.أ)
TT

محاولات لتنظيم الحراك اللبناني

متظاهرون شمال بيروت أمس (إ.ب.أ)
متظاهرون شمال بيروت أمس (إ.ب.أ)

لم تتبدّل حماسة المتظاهرين في وسط بيروت لليوم السادس على التوالي. صرخات تعبّر عن معاناة عمرها سنوات انفجرت فجأة في تحركات ومظاهرات فاجأت أصحابها أنفسهم كما المسؤولين.
في الساحة التي جمعت العسكريين المتقاعدين والأساتذة والمحامين والمهندسين كما بائع القهوة وتلاميذ المدارس وطلاب الجامعة، وغيرهم، المعاناة متشابهة. قد تختلف حالة كل منهم بحسب وضعه وطبيعة حياته، لكنّها تصب جميعها في خانة واحدة هي الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي تؤرق يومياتهم وتجعل مستقبلهم مجهولاً.
من هنا يجمع هؤلاء على أن ما أنجزوه حتى اليوم بعيداً عن أي غطاء سياسي أو حزبي أو طائفي، إنجاز يسجّل للبنانيين في جميع المناطق. لكن وبعدما واجهوا متّحدين وبصوت واحد ما اعتبروه «ورقة غير موثوق بها» من قبل الحكومة، بدأوا يفكّرون في مستقبل هذا الحراك الذي، وإن انطلق عفوياً وشعبياً، بات يتطلّب بعض التنسيق من دون أن يؤثّر على طبيعته وتفادي أي أخطاء قد تؤدي به إلى ما انتهت إليه تحركات سابقة.
المتنقل بين الخيم المنصوبة في الساحة يلمس هذه الأجواء. هنا حلقات من النقاشات تعقد بين المحتجين. يطرح كل منهم أفكاره. يتفقون على معظمها وقد يختلفون على مسارها أو الخطط التنفيذية لها، لكن يبقى المشترك الأساسي فيما بينهم، أن مطلب إسقاط الحكومة لا يكفي، بل إن نجاح الحراك لا يمكن أن يتحقق إلا بتغيير التركيبة السياسية والمنظومة الممسكة بالبلد، عبر تشكيل حكومة مصغّرة وقانون انتخابي عادل وانتخابات نيابية مبكرة، فيما يطرح البعض الآخر إقرار قانون استعادة الأموال المنهوبة.
بعضهم يرى في ذلك حلماً يصعب تحقيقه ويدعو إلى التنبه مما ستؤول إليه الأمور إذا بقي وضع البلد على ما هو عليه، والبعض الآخر يؤكد أنه لا بد من اقتناص هذه الفرصة التاريخية لتحقيق أكبر قدر من المطالب. ومع تأكيد كل المجموعات التي نصبت خيماً لها في وسط بيروت أن هناك تواصلاً فيما بينها، وأنه سيصدر بيان أو خريطة طريق متفق عليها في الساعات أو الأيام القليلة المقبلة، ظهرت أولى بوادر الدعم من نقابة محامي طرابلس التي أعلنت أمس عن تشكيل «لجنة متابعة» للحراك.
وفي هذا الإطار، يقول الناشط فاروق يعقوب لـ«الشرق الأوسط» إن «جهوداً بدأت تبذل على خط تصويب الخطاب السياسي مع التأكيد على أن الشعب اللبناني مدرك جيداً لمطالبه». ودعا إلى انتظار «الخطة ب» التي ستعلن عنها الحكومة بعد رفض الشعب لورقة الإصلاحات، قائلاً: «عليهم تقديم ما عندهم وعلى الشعب أن يقول كلمته، علماً بأن رد الفعل على ما يُحكى عن تعديلات وزارية يرتبط بطبيعة هذه التعديلات، مع التأكيد أن المشكلة تبقى في المنظومة السياسية وليست في الأفراد».
من جهته، يقول الناشط في المجتمع المدني إبراهيم منيمنة لـ«الشرق الأوسط» إن التنظيم يحتاج إلى بعض الوقت، لكن اللقاءات بدأت بين المجموعات في وسط بيروت والتجمعات في المناطق لتوحيد الصفوف والمطالب، لافتاً إلى أن الاقتراح الأخير والأكثر تداولاً هو أن يتم تمثيل التجمعات بهيئات تنسيقية في كل منطقة «لتكون مدخلاً صحيحاً لإيصال الصوت والمساعدة في استمرار زخم التحركات، لتحافظ في الوقت عينه على طبيعتها الشعبية بعيداً عن قيادة بعينها».
ويتفق منيمنة مع يعقوب على أن الإصلاحات التي قدمتها الحكومة «ليست كافية وغير قابلة للتنفيذ في ظل التركيبة السياسية الحالية»، مشيرين إلى أن أبرز المطالب المتفق عليها التي باتت تجمع بين كل الساحات، هي إسقاط الحكومة وتشكيل حكومة مصغرة وإقرار قانون انتخابي عادل لإجراء انتخابات نيابية مبكرة. ويقول منيمنة: «كان يمكن أن تصلح إصلاحات الحكومة قبل الانتفاضة الشعبية. أما اليوم فالمطلوب إصلاحات جدية وسريعة لكن غير متسرّعة».
في موازاة ذلك، بدأت أصوات داعمة للحراك تصدر عن قطاعات معينة وكان أولّها أمس من قبل نقابة محامي طرابلس بعدما كان قد صدر بيان قبل يومين عن مجموعة من المحامين في لبنان وضعت نفسها في تصرف الناشطين في حال تعرضهم للملاحقة أو التوقيف. وتم الاتفاق في نقابة محامي طرابلس والشمال، أمس، على تشكيل لجنة متابعة للحراك، وإنشاء لجنة لصياغة الاقتراحات والتوصيات المقدمة لتعرض فيما بعد على اللجنة التشريعية ومجلس النقابة للبت بها.
وقال النقيب محمد المراد: «نحن أمام مسؤوليات جمة، وعلينا مقاربة ما يحصل على الساحة اللبنانية بطريقة نقابية بحتة كجزء من هذا المجتمع، فالمحامي أيضاً يعاني من الأزمة، التي تميزت بالجوهر الأهم وهو كيفية التحام الناس حول قضية واحدة، بطريقة غير مؤطرة، عفوية وغير منظمة».
وأضاف: «علينا محاولة الدخول إلى الحراك بطريقة علمية، بورقة اقتصادية إنقاذية، والمفترض أن نكون مستعدين لمقاربة ملف الوضع المعيشي الاقتصادي والاجتماعي ببعد علمي وواقعي وقانوني، فالواجب أولاً أن نقوم بتحضير ودراسة ورقة عمل وخطة بديلة لأي وضع يمكن أن يحدث».
وطالبت مجموعة أطلقت على نفسها اسم «هيئة تنسيق الثورة» باستقالة الحكومة فوراً وتشكيل حكومة إنقاذ وطني من خارج المنظومة الحاكمة تكون مهامها محددة باسترداد الأموال المنهوبة من قبل كلّ من تولّى السلطة من عام 1990 وإجراء انتخابات نيابية مبكرة وفق نظام انتخابي جديد في مهلة أقصاها ستة أشهر.
وجاءت هذه المطالب في مؤتمر صحافي جمع أكثر من 15 مجموعة من الحراك وبعض القوى السياسية وعقد في ساحة الشهداء بوسط بيروت، للرد على ورقة الحكومة الاقتصادية وتحديد خطوات المواجهة. وأكدت المجموعة استمرار المظاهرات إلى حين تحقيق المطالب، معلنة أنها ستقوم «بالاتصال بالمجموعات ونبقي أبوابنا مفتوحة للجميع لإنشاء تجمّع من قوى الاعتراض». وتلا البيان العميد المتقاعد جورج نادر الذي لفت إلى أن «اللبنانيين انتفضوا ثأراً بعدما أغرقتهم ممارسات السلطة في الظلام والطعام الملوّث والمياه الملوثة والأقساط المرتفعة والبطالة والفقر كما انتفضوا رفضاً لإمعان السلطة في إذلالهم وتقاسم الحصص بدلاً من معالجة المطالب المحقة وثأراً لكرامتهم المهدورة».
وأكد البيان أن «الشارع أسقط الشرعية والسلطة الحاكمة، واستجابة للانتفاضة الشريفة نعلن نحن هيئة تنسيق الثورة، أننا سنقوم بالاتصال بالمجموعات ونبقي أبوابنا مفتوحة للجميع لإنشاء تجمّع من قوى الاعتراض». وطالب بـ«استقالة الحكومة فوراً وتشكيل حكومة إنقاذ وطني من خارج المنظومة الحاكمة تكون مهامها محددة باسترداد الأموال المنهوبة من قبل كلّ من تولّى السلطة من 1990 حتى اليوم ومنعهم من مغادرة البلاد ومحاسبتهم وإجراء انتخابات نيابية مبكرة وفق نظام انتخابي جديد في مهلة أقصاها 6 أشهر».
ودعا المواطنين إلى «الاستمرار في التظاهر والاحتجاجات في العاصمة والمناطق حتى تحقيق المطالب»، وحث القوات المسلحة «حماية المتظاهرين في كلّ المناطق والأشخاص الذين تعرضوا للتهديد في أماكن سكنهم».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.